مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشباب...

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-30-2024, 12:39 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف للعام 2020-2023م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
08-22-2020, 00:20 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    جسر على الطريق
    فى طريق كل سائر إلى الله تعالى جسر لابد من تجاوزه وعبوره اذ إن هذا شأن السالكين الى الله – تعالى – فى كل زمان ومكان بل وانه من شأن الأنبياء والمرسلين, ذالكم الجسر هو الابتلاء والمحن التى تصيب السائر.

    فلابد فى هذا الطريق أن يصقله الابتلاء وأن تظهر معدنه المحنة , قال الله تعالى: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِين}(العنكبوت:2-3) .. وكان أول تبشير الرسول صلى الله عليه وسلم بالنبوة إنذاره بالإخراج.. قال ورقة: "ما أتى رجل بمثل ما أوتيت به إلا عودى" .. وقال الراهب للغلام: أنت اليوم أفضل منى وإنك ستبتلى.. وقيل للشافعى: أحب اليك أن يمكن الرجل أو يبتلى, قال: لا يمكّن حتى يبتلى.

    فالجسر إلى التمكين فى هذا الطريق هو الابتلاء.. ولابد من الصبر فيه والاحتساب والرضا عن الله تعالى وبه, فإنه جسر الوصول.. وقد حفت الجنة بالمكاره.. يقول ابن القيم: "وان تأملت حكمته – سبحانه وتعالى – فيما ابتلى به عباده وصفوته بما ساقهم به إلى أجلّ الغايات وأكمل النهايات التى لم يكونوا يعبرون إليها إلا على جسر من الابتلاء والامتحان, وكان ذلك الجسر لكماله كالجسر الذى لا سبيل إلى عبورهم إلى الجنة إلا عليه, وكان ذلك الابتلاء والامتحان عين المحنة فى حقهم والكرامة, فصورته صورة ابتلاء وامتحان, وباطنه فيه الرحمة والنعمة, فكم لله من نعمة جسيمة ومنة عظيمة تجنى من قطوف الابتلاء والامتحان".

    وللمحن فى هذا الطريق خصائص ومميزات, فكما أن المسلم يجب ألا ينفك عن عبادة ما.. {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}(الأنعام:162) فلابد أن يكون شعوره بالابتلاء هكذا: أنه فى عبادة تدوم معه فى كل حركاته وسكناته حتى يستصحب نية العبد على البلاء واحتساب الأجر عند السميع البصير {الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ (218) وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ}(الشعراء:218–219).

    وهذا الجسر خطير.. جسر الابتلاء.. فإن كثيرا من السالكين ضعفت قوته عن عبوره فرجع القهقرى وترك الطريق.

    وجسر آخر
    ثم يطالعك جسر آخر على الطريق.. وهو النفس – نعوذ بالله تعالى – من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا.

    يقول ابن القيم فى المدارج: "فالنفس جبل عظيم شاق فى طريق السير الى الله – عز وجل – وكل سائر لا طريق له إلا على ذلك الجبل, فلابد أن ينتهى إليه, ولكن منهم من هو شاق عليه, ومنهم من هو سهل عليه, وإنه ليسير على من يسره الله عليه.
    وفى ذلك الجبل أودية وشعوب وعقبات ووهود وشوك وعوسج وعلّيق وشبرق, ولصوص يقتطعون الطريق على السائرين، ولا سيما أهل الليل المدلجين, فاذا لم يكن معهم عدد الإيمان، ومصابيح اليقين، تتقد بزيت الإخبات وإلا تعلقت بهم تلك الموانع, وتشبثت بهم تلك القواطع وحالت بينهم وبين السير.

    فإن أكثر السائرين فيه رجعوا على أعقابهم لما عجزوا عن قطعه واقتحام عقباته, والشيطان على قلة ذلك الجبل يحذر الناس من صعوده وارتفاعه ويخوفهم منه. فيتفق مشقة الصعود وقعود ذلك المخوف على قلته وضعف عزيمة السائر ونيته فيتولد من ذلك: الانقطاع والرجوع.. والمعصوم من عصمه الله. وكلما رقى السائر فى ذلك الجبل اشتد به صياح القاطع وتحذيره وتخويفه, فإذا قطعه وبلغ قلته انقلبت تلك المخاوف كلهن أمانا, وحينئذ يسهل السير, وتزول عنه عوارض الطريق ومشقة عقباتها، ويرى طريقا واسعا آمنا يفضى به إلى المنازل والمناهل, وعليه الأعلام وفيه الإقامات, قد أعدت لركب الرحمن.

    فبين العبد وبين السعادة والفلاح: قوة عزيمة وصبر ساعة وشجاعة نفس وثبات قلب, والفضل بيد الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم".

    فالنفس أمارة بالسوء, داعية إلى المهالك، طامحة إلى الشهوات؛ ولذا فهى أيضا جسر لابد من عبوره.. أتى رجل إلى أبى على الدقاق فقال: قطعت إليك مسافة, فقال: ليس هذا الأمر بقطع المسافات, فارق نفسك بخطوة تصل إلى المطلوب, فلابد من عبور جسر النفس, شهواتها, ملذاتها, أهوائها, آمالها.. لابد أن تعبر مرحلة "نفسى وما تشتهى" لتصل عبر جسر نفسك إلى ما يرضى ربك.

    ويزيدك بصيرة فى الأمر قول ابن القيم – رحمه الله – فى طريق الهجرتين:
    " وكلما سكنت نفسه من كلال السير ومواصلة الشد والرحيل, وعدها قرب التلاقى وبرد العيش عند الوصول, فيحدث لها ذلك نشاطا وفرحا وهمة فهو يقول: يا نفس أبشرى فقد قرب المنزل ودنا التلاقى، فلا تنقطعى فى الطريق دون الوصول فيحال بينك وبين منازل الأحبة, فإن صبرت وواصلت السير وصلت حميدة مسرورة جزلة وتلقتك الأحبة بأنواع التحف والكرامات, وليس بينك وبين ذلك إلا صبر ساعة, فإن الدنيا كلها ساعة من ساعات الآخرة، وعمرك درجة من درج تلك الساعة, فالله الله لا تنقطعى فى المفازة, فهو – والله – الهلاك والعطب لو كنت تعلمين.

    فإن استصعبت عليه فليذكرها ما أمامها من أحبابها, وما لديهم من الإكرام والإنعام, وما خلفها من أعدائها وما لديهم من الإهانة والعذاب وأنواع البلاء, فإن رجعت فإلى أعدائها رجوعها, وإن تقدمت فإلى أحبابها مصيرها, وإن وقفت فى طريقها أدركها أعداؤها. فإنهم وراءها فى الطلب. ولابد لها من قسم من هذه الأقسام الثلاثة.. فلتختر أيها شاءت. وليجعل حديث الأحبة وشأنهم حاديها وسائقها. ونور معرفتهم وإرشادهم هاديها ودليلها, وصدق ودادهم وحبهم غذاءها وشرابها ودواءها, ولا يوحشه انفراده فى طريق سفره. ولا يغتر بكثرة المنقطعين, فألم انقطاعه وبعاده واصل إليه دونهم، وحظه من القرب والكرامة مختص به دونهم، فما معنى الاشتغال بهم والانقطاع معهم؟

    وليعلم أن هذه الوحشة لا تدوم، بل هى من عوارض الطريق, فسوف تبدو له الخيام, وسوف يخرج إليه المتلقون يهنئونه بالسلامة والوصول إليهم, فيا قرة عينه إذ ذاك , ويا فرحته اذ يقول "{يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26) بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ}(يس:26-27).

    ولا يستوحش مما يجده من كثافة الطبع وذوب النفس وبطء سيرها, فكلما أدمن على السير وواظب عليه غدوا ورواحا وسحرا، قرب من المنزل وتلطفت تلك الكثافة وذابت تلك الخبائث والأدران, فظهرت عليه همة المسافرين وسيماهم, فتبدلت وحشته أنسا، وكثافته لطافة، ودرنه طهارة".

    هذا هو جسر النفس.. البلاء الأكبر.. والعائق الأشد.. يشبه الجسر المعلق الذى لا جوانب له يستند عليها السائر.. فهو خطر جدا لا بد عند المرور عليه من التركيز والهدوء.. والتيقظ والانتباه لكل حركة يد ونقلة رجل.. وإلا.. فالسقوط.

    نعم: إنه جسر واهن.. من كثرة الذنوب والمعاصى.. ولذا كان على السائر أن يأخذ حذره.. ويتدرب المرة بعد المرة.. ويحاول ويعيد, ثم يحاول ويعيد حتى ينجح فى ترويض نفسه على عبور تلك الجسور.

    وبعد – أيها السائر الحبيب -: فيا سعادة من جاهد تلك الآفات.. نعم: إنها أشواك, لكنها أشواق يستشعر فيها السائر لذة الألم لله.. واحتساب الأجر من الله.. فدس الشوك وسر إلى الله. فقد اقتضت سنة الخالق أن العسل لا يحصل عليه إلا بلسع النحل.. فما كان للمسافر إلى الله أن يحصل على ما يفيده فى طريق وصوله إلا بشىء من المكابدة والعسر.

    يقول ابن القيم – عليه رحمة الله -: "وما أقدم أحد على تحمل مشقة عاجلة إلا لثمرة مؤجلة, فالنفس موكلة بحب العاجل, وإنما خاصة العقل: تلمح العواقب, ومطالعة الغايات, وأجمع عقلاء كل أمة على أن النعيم لا يدرك بالنعيم, وأن من رافق الراحة حصل على المشقة وقت الراحة فى دار الراحة, فإن على قدر التعب تكون الراحة".
    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    من كتاب "أصول الوصول"
    ---------------------------------------------------
    الخطباءُ وأفكارُ المنبر
    البحثُ عنْ فكرةٍ لخطبةِ الجمعةِ منْ التحدِّياتِ التي تواجهُ كلَّ خطيبٍ يرجو ما عندَ الله؛ لأنَّ الخطبةَ المؤثرةَ الباهرةَ تحتوي على عنصرينِ مهمَّين هما: الفكرةُ والبيانُ ويزينُهما الأداءُ الخطابيُ المتقن.

    وإذا ما تخلَّفتْ الفكرةُ فالخطبةُ مجرَّدُ كلامٍ لا يؤثرُ طويلاً، وقدْ تكونُ الفكرةُ حاضرةً لكنْ ينقصُها البيانُ العذبُ والكلماتُ الفخمة، وكمْ منْ حقٍّ ضاعَ بسوءِ التعبيرِ وكمْ منْ باطلٍ سرى بطلاوةِ الكلامِ وحلوِ الحديث.

    ولخطبةِ الجمعةِ مكانٌ سنيٌ في تاريخِنا، وأثرٌ بهيٌ على المجتمعِ المسلمِ، حتى شَرِقَ بها المنافقونَ على اختلافِهم، وحاكوا لها الأكفانَ بدعواتِهم المشبوهةِ لتوحيدِ الخطبةِ أوْ تحييدِها، أوْ جعلِها نشرةً محليةً لا يأبهُ لها أحد، إضافةً إلى ما يتعرَّضُ له الخطباءُ ـ في كثير من بلاد المسلمين ـ منْ رقابةٍ غليظةٍ، ومحاسبةٍ دقيقةٍ منْ عدَّةِ جهاتٍ في عصرٍ يزعمُ كثيرٌ منْ أهلهِ أنَّه زمنُ حريةِ الرأيِ وتعدُّدِ وجهاتِ النَّظر.

    وقدْ كتبَ عددٌ منْ العلماءِ والفضلاءِ فيما يخصُّ تحضيرَ الخطبةِ أوْ إلقائَها، وأثروا الساحةَ حتى يستفيدَ حديثُ العهدِ ويتجدَّدَ الخبير، وكتبُهم ومقالاتُهم مطبوعةٌ متداولةٌ إنْ ورقيةً أوْ حاسوبية، وأمَّا الدِّراساتُ المعتنيةُ بصناعةِ فكرةٍ للخطبةِ فنادرة؛ ولعل َّهمَّةَ أحدِ الخطباءِ المصاقعةِ ترِدُ هذا الرَّوضَ الأُنُف؛ فالفكرةُ عزيزةُ المنالِ صعبةُ البلوغِ، ولا تتأتي لأيِّ أحدٍ بيسرٍ، بلْ قدْ تتمنَّعُ على الفطاحلِ الكبارِ والأساطينِ العظامِ لا عنْ عجزٍ واستحالةٍ؛ وإنَّما لصعوبةِ الموقفِ وهولِ المطلعِ فارتقاءُ المنابرِ والخطابةُ أمورٌ تشيبُ منها المفارق.

    والفكرةُ إمَّا أنْ تكونَ جديدةً لمْ يُسبقْ إليها، وقدْ تكونُ قديمةً لكنَّها تُبعثُ بطريقةٍ إبداعيةٍ أوْ منْ وجهٍ لمْ يطرقهُ أحد؛ وكمْ تركَ الأولُ للآخر، والموفقُ مَنْ أعانهُ اللهُ ورزقهُ النّيةَ الصَّادقةَ الباعثةَ على الجدِّ والبحثِ والاستقصاء، لأنَّ الأفكارَ تُحدِثُ تغييراً في المجتمعِ، ولا بدَّ منْ معرفةِ كيفيةِ الحصولِ عليها وبثِّها كمفهومٍ قابلٍ للانتشارِ والبقاء؛ وما أعظمَ الفرقَ بينَ فكرةٍ خالدةٍ وأخرى بائدة.

    سبل صناعة الفكرة
    ولصناعةِ فكرةٍ مناسبةٍ للمنبر عدَّةُ سُبُلٍ تنفعُ الخطيبَ والكاتبَ والمتحدِّثَ والمسوِّقَ ومصممي الإعلاناتِ وغيرِهم، وحديثُنا هنا مقصورٌ على الخطباء؛ ومنْ السبلِ المقترحةِ لصناعةِ فكرةٍ للخطبة:
    1. التفكير: وهو أكبرُ مصنعٍ لها؛ وبواسطتهِ تتولَّدُ الأفكارُ منْ الطرقِ التي بعدَه، ومنهُ التفكيرُ بصيغةِ المستقبلِ حيثُ أنَّ رؤيةَ مستقبلٍ غيرَ مرغوبٍ فيهِ - مثلاً- تقودُ إلى إصلاحِ الحاضرِ والمستقبل؛ فوجودُ نسبةٍ عاليةٍ منْ البطالةِ بينَ الشبابِ تعني – تلقائياً- زيادةَ معدَّلِ الجريمة. ومنهُ التفكيرُ بصيغةِ "ماذا لو"؛ ومنْ الأمثلةِ على ذلكَ ماذا لوْ أنَّ المسلمينَ يحكمونَ العالم؟ ثمَّ يسردُ الخطيبُ وقائعَ تاريخيةً ثابتةً عنْ العدلِ الإسلامي الذي لمْ يحتجْ لمحكمةِ عدلٍ ولا هيئةِ أمم!

    2. الملاحظةُ والتَّأمُّل: وهما فرعٌ منْ التفكيرِ، وإنَّما خصصتُهما بالذِّكرِ لقربِهما وسهولةِ استخدامِهما؛ وكمْ منْ شيءٍ أوْ مشهدٍ يمرُّ بنا كثيراً ولو تدَّبرناه لظفرنا بفكرةٍ أوْ خاطرة. وقدْ حدَّثني أحدُ الأصدقاءِ أنَّ أحد مشاهير العلماء قدْ خرجَ إلى البرِّ مستجماً فلمَّا عادَوصعدَ منبرَه خطبَ عنْ عظيمِ قدرةِ اللهِ في الغيثِ والزرعِ.

    3. النَّظرُ منْ زوايا مختلفةٍ للموضوعِ الواحد: فموضوعُ الزَّكاةِ - مثلاً- قدْ يوظفهُ إمامٌ للحديثِ عنْ مكانتِها، وآخرُ عنْ حكمِها، وثالثٌ يربطُها بالصَّلاة، ورابعٌ يُذَّكرُ بقتالِ المرتدِّينَ لأجلِها، وخامسٌ يوضحُ أثرَها في الماضي والحاضر، وسادسٌ يبينُ أحكامَ نوازلِها، وسابعٌ يقترحُ أفكاراً لمشروعاتٍ زكوية، وثامنٌ يقفُ على ما يعترضُها منْ مصاعب، وتاسعٌ يشرحُ أصنافَ الزَّكاة، وعاشرٌ يُصَّححُ الأخطاءَ في فهمِ وإخراجِ الزكاة.

    4. الدُّخولُ منْ منافذَ غيرِ مألوفة: فوفاةُ عالم معلم بابٌ للحديثِ عنْ ضرورةِ إحياءِ الجوامعِ التي كانتْ معاهدَ علمٍ وتربية، كما يمكنُ تحليلُ التفاعلِ الإعلامي معْ وفاةِ الشيخِ، ولثالثٍ أنْ يهتكَ سترَ أهلِ الضلالةِ وموقفَهم منْ الشيخِ حياً ومريضاً وميتاً.
    ولوْ أعملنا هذهِ الطريقةَ معْ شهرِ رمضانَ الأغرِّ لانصرفَ أحدُ الخطباءِ عنْ ذكرِ فضائلهِ إلى التحذيرِ منْ مختطفيهِ ومنغصي قداسته.

    5. الإنصات: فسماعُ أحاديثِ النَّاسِ منجمٌ للأفكار؛ والأمرُ في حقِّ الخطيبِ أعظمُ لأنَّهُ يعلِّمُ العامَّة ويسعى في رفعِ الظلمِ عنهم وأنَّى لهُ معرفةُ ما يحتاجهُ المستمعونَ بغيرِ إصغاء؟

    6. أحداثُ الساعة: وهيَ منْ أكثرِ المصادرِ استخداماً وأيسرِها، وما أكثرَ الأفكارِ في الأحداث؛ فمن نظرةٍ شرعيةٍ لأنفلونزا الخنازيرِ إلى موقفٍ واجبٍ معْ أهلِ فلسطينَ أوْ الإيغورِ أو غيرها من الأحداث التي يعيشها الناس.

    7. الحوارُ والمناقشة: وبخاصَّةٍ عندما يكونُ معْ شخصٍ مُلهِمٍ للأفكار؛ ومنْ أنفعِ الحواراتِ الحديثُ معْ التربويينَ وعلماءِ النَّفسِ والاجتماع، ومنْ أجلِّهِ الجلوسُ بينَ يدي عالمٍ جليلٍ دورياً للإفادةِ منه؛ وممَّا ذُكرَ في جدولِ أعمالِ الشيخِ ابنِ عثيمين-برَّدَ اللهُ مضجعَه- لقاءٌ دوريٌ معْ الخطباء.

    8. استخدامُ الأفكارِ المتداولة: بإعادةِ إنتاجِها اختصاراً أوْ زيادةً أوْ تعقيباً وهذا منْ أسهلِ ما يكون، ومن الأولويةِ بمكانٍ استفادةُ الخطباءِ منْ بعضِهم عبرَ لقاءٍ متعاقبٍ أوْ منْ خلالِ المواقعِ المتخصصةِ ، وقد تعددت في زماننا هذا أمثالها.

    9. القراءة: وأعني القراءةَ بأنواعِها وفي جميعِ الفنون؛ وعبرَ الكتابِ أوْ الموقعِ أوْ المجلةِ أوْ الصَّحيفةِ أوْ النَّشرة، وحريٌ بالخطيبِ أنْ يكونَ قارئاً نهماً مطلِّعاً بصيراً ليزدادَ خيرُه وعطاؤه والأجرُ عندَ الله.

    10. البحثُ في موضوعاتٍ خصبة: كالأسماءِ الحسنى والصِّفاتِ العُلى وسيرِ السلفِ الصَّالحِ والتاريخِ الإسلامي والأخلاقِ الكريمةِ والظواهرِ الاجتماعيةِ التي يجدرُ بالخطباءِ الحديثُ عنها كآثارِ العضلِ والعنوسةِ والطَّلاقِ والعنفِ والبطالة.

    مسائل هامة:
    وتبقى مسائلٌ لامناصَ منْ الإشارةِ العاجلةِ إليها وهي:
    • أهميةُ وضوحِ الفكرةِ حتى لا يعسرَ على المصلينَ التقاطُها.
    • الأفضلُ ألاَّ تتزاحمَ الأفكارُ في خطبةٍ واحدة، وأحسنُ الخطبِ ما اقتصرتْ على فكرةٍ واحدةٍ فقط.
    • اختيارُ التوقيتِ المناسبِ والمنبرِ الأنسبِ للخطبة، ففرقٌ بينَ قريةٍ ومدينةٍ وحاضرةٍ وبادية.
    • تدوينُ الأفكارِ كمشاريعَ لخطبٍ مستقبليةٍ حتى لا تضيع.
    • تلخيصُ فكرةِ كلِّ خطبةٍ معْ نهايتِها حتى ترسخ.
    • ألزمْ نفسكَ بأفكارٍ مبتكرةٍ للمناسباتِ المتكررة، وسلْ نفسك: هل هذه أفضلُ فكرةٍ يمكنُ الوصولُ إليها؟
    • بعدَ ولادةِ الفكرةِ ينبغي التريثُ حتى تنضجَ على نارٍ هادئةٍ منْ الفكرِ المستنيرِ المتزنِ قبلَ نشرِها.

    وإذا فرغنا منْ صناعةِ الفكرةِ فلا مفرَّ منْ صياغتِها على الوجهِ الذي يجلو البهاءَ ويبينُ المحاسن؛ وإلقائِها بطريقةٍ تأخذُ بمجامعِ النَّفس، وإنَّ الصياغةَ والإلقاءَ منْ القضايا التي يعتني بها الخطباءُ حتى تكونَ كلماتُ الخطبةِ وطريقةُ أدائِها ممَّا يعينُ على انتشارِ فكرتِها وبقائِها حيةً في نفوسِ المستمعين؛ فالخطبةُ مجموعةُ كلماتٍ تُؤدى بنمطٍ ما؛ ونحنُ بالكلمةِ الصَّادقةِ والأداءِ الرَّفيعِ والفكرةِ الجذَّابةِ والرُّؤى العمليةِ نواجهُ الطوفانَ الذي يجتاحُ بلادَ المسلمينَ غيرَ آبهٍ بمصلحةِ دنيا أوْ صلاحِ آخرة.
    -------------------------------------------
    أثر الخطاب الإعلامي في القيم الاجتماعية
    تعتبر العلاقة بين المنظومة الإعلامية ومنظومة القيم الاجتماعية والأخلاقية علاقة فاعلة ومتداخلة على اعتبار أن وسائل الإعلام في أي مجتمع هي الوسائل الناقلة لأنماط التفكير والمعرفة والقيم والأفهام؛ وبالتالي فهي تساهم في خلق جانب كبير من الثقافة الاجتماعية وطريقة حياة أي شعب أو مجموعة سكانية معينة.

    وقد اهتم معظم فقهاء الاتصال بالوظائف الاجتماعية لوسائل الإعلام، وحاولوا تحديد أدوار تلك الوسائل إزاء المجتمع، ورصد نتائج وتأثيرات هذه الأدوار، ويعد "هارولد لاسويل" من أوائل العلماء الذين اهتموا بهذه المسألة، ويرى هذا العالم أن من بين وظائف وسائل الإعلام: مراقبة البيئة الاجتماعية من خلال تجميع المعلومات وتوزيعها حتى يتمكن المجتمع من التكيف مع الظروف المتغيرة، كما يرى أن لوسائل الإعلام مهمة أخرى هي زيادة ترابط أجزاء المجتمع في الاستجابة لتحديات البيئة المحيطة بهم، أي خلق رأي عام وطني موحد، كما تتولى وسائل الإعلام عملية نقل التراث الاجتماعي من جيل إلى آخر.

    وظائف وسائل الإعلام
    يحدد عالما الاتصال "لازرسيفلد" و"ميرتون" الوظائف الآتية لوسائل الإعلام تجاه المجتمع:
    1- تبادل الآراء والأفكار، أي التشاور بين أبناء المجتمع لإضفاء الشرعية على أوضاع المجتمع.
    2 . تدعيم المعايير الاجتماعية من خلال معاقبة الخارجين عن هذه المعايير، فهناك فجوة بين الأخلاقيات العامة في المجتمع والسلوك الخاص لبعض الأفراد، وهذه السلوكيات المنحرفة لابد من فضحها إعلامياً للحفاظ على القيم الاجتماعية.
    3 ـ التحذير: ويقصد به الآثار غير المرغوب فيها للمجتمع الناجمة عن خلل وظيفي لوسائل الإعلام من خلال زيادة مستوى المعلومات للجمهور فتخلق ما يسمى (بالمعرفة السلبية) المعيقة للنشاط البشري مما يفضي إلى اللامبالاة من قبل الجمهور بدلاً من إيقاظه.

    ومن علماء الاتصال والمجتمع من يذهب إلى أن لوسائل الإعلام وظيفة أخرى هي التنشئة الاجتماعية، اي تعليم أفراد المجتمع الجدد المهارات والقيم والمعتقدات التي يقدرها المجتمع.

    ويمكن إجمال الوظائف المجتمعية لوسائل الإعلام بما يأتي:
    1. مراقبة البيئة الاجتماعية وتزويدها بالمعلومات والتنبيه بالمخاطر.
    2. خلق المثل الاجتماعي وذلك بتقديم النماذج الإيجابية في الأمور العامة والثقافة والفنون.
    3 ـ التنشئة الاجتماعية وهدفها المساعدة في توحيد المجتمع من خلال توفير قاعدة مشتركة للقيم والخبرات الجماعية.
    4 . تحقيق التواصل الاجتماعي من خلال التعبير عن الثقافة السائدة والكشف عن الثقافات الفرعية ودعم القيم الشائعة.
    5 . التعبئة وتتمثل في الإسهام في الحملات الاجتماعية، وبصفة خاصة في الأزمات السياسية والاقتصادية والحروب.

    وفي ذات الوقت الذي تؤثر فيه وسائل الإعلام على النظام الاجتماعي فإنها تتأثر به خلال عملها الوظيفي، فهذا النظام الاجتماعي الذي تعمل في إطاره وسائل الإعلام يعد من القوى الأساسية التي تؤثر على القائمين بالاتصال، فأي نظام اجتماعي ينطوي على قيم ومبادئ يسعى لإقرارها، ويعمل على تقبل المواطنين لها، وتعكس وسائل الإعلام هذا الاهتمام بمحاولاتها الحفاظ على القيم الاجتماعية السائدة. ففي بعض الأحوال لا يقدم الإعلامي تغطية كاملة للأحداث التي تقع من حوله أو ما يعني بالسبق الصحفي، وذلك إحساساً بالمسؤولية الاجتماعية أو رغبة منه في تدعيم قيم المجتمع وتقاليده، أحيانا تتجنب وسائل الإعلام انتقاد الأفراد الذين يقومون ببعض الأدوار الاجتماعية والثقافية من أجل تدعيم البناء الاجتماعي والثقافي للمجتمع وعدم خلخلة منظومته القيمية أو الأخلاقية.

    العقبات أو العمليات الانتقائية
    وتصطدم وسائل الإعلام من خلال أدائها الوظيفي تجاه الأفراد والمجتمع ببعض العقبات او المعدات التي تقلل من فاعليتها، هذه العقبات يطلق عليها في علم الاتصال بالعمليات الانتقائية وهي:
    1. الاهتمام الانتقائي: وفحواه أن الناس لا يستطيعون الاهتمام بكل شيء يوجه لهم، بل إنهم إذا حاولوا ذلك سيعانون حملاً زائداً في الحال؛ ولذلك فإنهم يحصرون اهتمامهم في مجرد جزء محدود مما هو متاح يوميا ويهملون الأجزاء الأخرى، وهذا الانتقاء يرتبط لديهم بالاهتمام الفردي والانتماء الفئوي والروابط الاجتماعية.

    2. الإدراك الانتقائي: أي تفسير الخطاب الإعلامي بأساليب تختلف من فرد إلى آخر أو من جماعة إلى أخرى وفق الصفات النفسية المميزة والتوجهات السلوكية الخاصة بالفئات الاجتماعية، وانتماءات الروابط الاجتماعية.

    3. التذكر الانتقائي: هناك أنواع معينة من الخطاب الإعلامي، لأنواع معينة من الجمهور، يتم تذكرها بسرعة ولوقت طويل، بينما نفس هذا الخطاب قد يتم نسيانه بسرعة من قبل فئات أخرى لها هياكل معرفية وانتماءات فئوية وروابط اجتماعية مختلفة.

    4. السلوك الانتقائي: أن كل فرد لن يتصرف بنفس الأسلوب نتيجة التعرض لخطاب إعلامي معين، وهذه الاستجابات تعتمد على التأثيرات المتداخلة للمتغيرات الموجودة.

    بوجه عام يمكن القول أن وسائل الإعلام تؤثر في مجرى تطور البشر، فهناك علاقة سببية بين التعرض لوسائل الإعلام والسلوك البشري، لكن آثار هذه الوسائل عديدة ومختلفة الشدة، قد تكون قصيرة الأمد او طويلة الامد، ظاهرة أو مستترة، قوية أو ضعيفة، ويمكن أن تؤثر في الآراء أو القيم ومستوى المعلومات والمهارات والذوق والسلوك.

    أما ما يخص دور الخطاب الإعلامي وأثره على القيم والاتجاهات فهناك اتفاق عام على أن وسائل الإعلام تحدث آثاراً على القيم الاجتماعية، أما الفترة الزمنية لإحداث هذا الأثر فما زالت محل جدل.
    --------------------------------
    المسجد.. المحضن التربوي الأعظم
    المسجد هو موطن التربية الإيمانية والروحية والخلقيّة والعلمية للطفل في مراحل تربيته ونشأته، فالمسجد من أقوى الأركان والدعائم في بناء المجتمع المسلم، فعندما جاء المعلم والمربي الأول نبي الإنسانية صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة كان أول ما أسس هو بناء مسجد قباء، وبعد انتقاله من قباء إلى المدينة كان أول أعماله كذلك بناء مسجده صلى الله عليه وسلم، وحمل أحجاره بيديه الكريمتين، فكان المسجد النبوي مدرسة الدعوة الإسلامية الأولى، ودار الدولة الإسلامية الكبرى، وكان المدرسة والجامعة، ومقر مجلس الشورى.

    وقد قام المسجد بدوره التعليمي منذ أيامه الأولى، وحث رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذا الدور العلمي لقوله صلى الله عليه وسلم من حديث أبي أمامه رضي الله عنه: [من غدا إلى المسجد لا يريد إلا أن يتعلم خيراً أو يعلمه كان كأجر حاج تاماً حجه](رواه الطبراني وحسنه الألباني).

    وشجع رسول الله صلى الله عليه وسلم على استخدام الوسائل المتاحة آنذاك لتوضيح المعاني والدروس ـ سواء كانت بصرية أو سمعية، ومن أمثلة ذلك: ما رواه ابن مسعود بقوله: [خطَّ لنا رسول الله خطاً بيده ثم قال: هذا سبيل الله مستقيماً، وخط عن يمينه وشماله ثم قال: هذه السبل ليس منها سبيل إلا عليه شيطان يدعو إليه. ثم قرأ: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ}[الأنعام:153]، ولو أن الوسائل التعليمية المتاحة لنا في عصرنا هذا وجدت في عصر رسول الله صلوات الله وسلامه عليه لحثَّ على استعمالها، وكان أول من يستعملها صلى الله عليه وسلم.

    أبناؤنا والمساجد
    ولا تتوقف أهمية المسجد بالنسبة للكبار فقط، وإنما كذلك لأبناء المسلمين الصغار، فيجب أن نربي أبنائنا على حب المساجد، واصطحابهم معنا إليها؛ ليتربّوا في رحابها، فتُهذّبَ أرواحهم، وتثقّف عقولهم، وتزكو نفوسهم، وعند سماع المؤذن ننصت ونردد مع المؤذن ونخبرهم فضل الترديد وراء المؤذن لما له من أجر عظيم، وأنه مقترن بالصلاة؛ حتى إذا ما تعود الصغير على ذلك صار الأذان والصلاة من أحب الأشياء إليه.

    ويجب أن نذكر لأبنائنا فضل المسجد والصلاة فيه، وفوائد الخطى إلى المسجد، وفضل الصلاة في جماعة، وأن نعودهم على ارتياد المساجد؛ فقد جاء في الحديث عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: [مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر](رواه أبو داود وصححه الألباني).
    قال الشافعي في (المختصر): (وعلى الآباء والأمَّهات أن يؤدِّبوا أولادهم ويعلّموهم الطّهارة والصّلاة ويضربوهم على ذلك إذا عقلوا"، قال أصحابنا: ويأمره الوليُّ بحضور الصلوات في الجماعة، وبالسِّواك وسائر الوظائف الدينية، ويعرِّفه تحريم الزّنا واللِّواط والخمر والكذب والغيبة وشبهها)(المجموع للنووي).

    ويجب على الأب أن يلحق ولده بحلق تحفيظ القرآن الكريم، ويعلمهم القرآن، وفضل قراءة القرآن وأجر من حفظ القرآن كاملاً، وقد ترجم لها البخاري في صحيحه ((باب تعليم الصِّبيان القرآن)) وأخرج في صحيحه من رواية ابن عبّاس رضي الله عنهما فقال: (توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ابن عشر سنين وقد قرأت المحكم)(رواه البخاري).

    وقد أورد البخاري في صحيحه تحت باب "متى يصح سماع الصغير" عن محمود بن الرّبيع قال: (عقلت من النّبي صلى الله عليه وسلم مَجَّةً مجّها في وجهي وأنا ابن خمس سنين من دلو)(البخاري)، قال ابن حجر رحمه الله تعالى: (وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدَّم، جواز إحضار الصبيان مجالس الحديث، وزيارة الإمام أصحابه في دورهم ومداعبته صبيانهم، واستدّل بعضهم على تسميع من يكون ابن خمس، ومن كان دونها يكتب له الحضور، وليس في الحديث ولا في تبويب البخاري ما يدل عليه، بل الذي ينبغي في ذلك اعتبار الفهم، فمن فهم الخطاب سمع، وإن كان دون ابن خمس وإلاّ فلا). وقال ابن حجر في الفتح (الظّاهر أنّهم أرادوا بتحديد الخمس أنّها مظنّةٌ لذلك لا أنّ بلوغها شرط لابدّ من تحققه والله أعلم)(فتح الباري).

    وقريب منه ضبط الفقهاء سنّ التمييز بست أو سبعٍ، والمرجّح أنّها مظنّة لا تحديد، ومن أقوى ما يتمسّك به في أنّ المردّ في ذلك الفهم فيختلف باختلاف الأشخاص ما أورده الخطيب من طريق أبي عاصم قال:- ذهبت بابني _ وهو ابن ثلاث سنين _ إلى ابن جريج فحدّثه، قال أبو عاصم:- ولا بأس بتعليم الصبيّ الحديث والقرآن وهو في هذا السّن، يعني إذا كان فَهِمًا، وقصّة أبي بكر ابن المقري الحافظ في تسميعه لابن أربعٍ بعد أن امتحنه بحفظ سور من القرآن مشهورة)(فتح الباري).

    وهذه نصيحة ثمينة من الإمام ابن باديس رحمه الله في الحرص على تلقّي العلم في المساجد وتربية الأبناء على ذلك فقال: "إذا كانت المساجد معمورة بدروس العلم، فإنّ العامّة التي تنتاب تلك المساجد تكون من العلم على حظّ وافر، وتتكوَّن منها طبقة مثقفة الفكر، صحيحة العقيدة، بصيرة بالدِّين، فتكمل هي في نفوسها ولا تهمل تعليم أبنائهم، وهكذا ينتشر التعليم في الأمّة ويكثر طلاّبه من أبنائها... أما إذا خلت المساجد من الدروس، كما هو حالنا اليوم - في الغالب - فإن العامة تعمى عن العلم والدين، وتنقطع علاقتها به، وتبرد حرارة شوقها إليه... وتُمسي والدين فيها غريب).

    فيجب أن نحضر بأبنائنا دروس العلم في المساجد، ونعلمهم العقيدة الصحيحة، وكيفية الوضوء والآداب والأخلاق الفاضلة من حسن جوار، وبر للوالدين، ورحمة الأيتام والمساكين، والرحمة بالحيوان، والصدقة وفضلها، ونعلمهم حب الله ورسوله، وحب القرآن والسنة النبوية، وحب الناس الصالحين خصوصاً من أهل العلم، ويجب أن نحذرهم من الغلو والتعصب، وأيضاً من الكذب والنميمة والغيبة، وما هي عواقبها الوخيمة عند الله جل وعلا.

    والأهم من ذلك يجب أن نغرس في قلوبهم حب العلم وفضله، وفضل أهل العلم وما إلى ذلك من أفعال الخير، ويجب أن نعلمهم الآداب والأخلاق التي يجب أن نتحلى بها في بيوت الله، ويجب أن نكون نحن الكبار قدوة لأبنائنا الصغار في التحلي بالأخلاق وآداب المسجد وحسن تلقي القرآن ولين الجانب.

    وفي المسجد يتدرب الصغار على فعل الطاعات لما ثبت عن الصحابة رضي الله عنهم عنايتهم بذلك الأمر، فعن الرُّبيِّع بنت معوّذ ابن عفران رضي الله عنها، (عن الربيع بنت معوذ قالت: أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار التي حول المدينة: من كان أصبح صائما فليتم صومه، ومن كان أصبح مفطرا فليتم بقية يومه. فكنا بعد ذلك نصومه ونصوم صبياننا الصغار منهم إن شاء الله ونذهب إلى المسجد فنجعل لهم اللعبة من العهن فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناها إياه عند الإفطار)(رواه البخاري ومسلم).
    قال النووي مبيِّنًا ما يستفاد من الحديث: ((في هذا الحديث تمرين الصبيان على الطاعات وتعويدهم العبادات، ولكنهم ليسوا مكلّفين)).

    ومما أثر عنهم أيضا في هذا الباب ما رواه البخاري في صحيحه في كتاب العيدين، باب خروج الصبيان إلى المصلى عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: [خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم فطر أو أضحى فصلى ثم خطب ثم أتى النّساء فوعظهن وذكّرهن وأمرهن بالصدقة](رواه البخاري). قال العيني: (مطابقته للترجمة من حيث إنّ ابن عباس رضي الله عنهما كان وقت خروجه مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى صلاة العيد طفلا؛ لأنه عند وفاة النبي صلى الله عليه وسلم كان ابن ثلاث عشرة سنة)(عمدة القارئ 2/297).

    ولكن إذا أحدث الطفل ضجة في المسجد فلا يعامل بقسوة وشدة فربما خرج من المساجد وكره دخولها، بل يجب أن يعلم بلين ولطف، فلا يجوز تركهم مشردين في الأزقة محرومين من نعمة المسجد الذي هو بيت الله وعش المؤمن ومدرسته العملية، والطفل إذا شب على شيء شاب عليه.

    ولقد كان الأطفال يأتون المسجد في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، يرعى شئونهم ويتلطف بهم، أما اليوم فترى مقابلة بعض رواد المساجد للأطفال قاسية للغاية دون نصح أو إرشاد، ظناً منهم أن هذا يخدم المسجد ليكون نظيفاً؛ وقد أدت هذه الظاهرة إلى هجرهم المساجد وذهابهم إلى أماكن اللهو، ولاجتذابهم من جديد إلى المساجد لابد للكبار من النصح اللطيف والموعظة الحسنة، وبسط الجناح وإشعارهم بالعطف والحنان؛ ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يمنع الأطفال من المساجد [حتى أنه صلى الله عليه وسلم نزل من فوق المنبر في أثناء الخطبة لما رأى الحسن والحسين عليهما السلام، وقبلهما ثم عاد إلى خطبته](الترمذي والحاكم)، ولما جاء في الحديث عن أبي الله هريرة – رضي الله عنه - قال:- [كنَّا نصلي مع رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم - العشاء، فإذا سجد وثب الحسن والحسين على ظهره، وإذا رفع رأسه أخذهما بيده من خلفه أخذًا رفيقًا، فوضعهما وضعًا رفيقًا، فإذا عاد عادا، فلما صلى وضعهما على فخذيه](رواه أحمد والحاكم).

    ومن هنا فالواجب أن نستعين بكل وسيلة من شأنها أن تشوق الطفل إلى المسجد وتحببه إليه، ونحذر من كل أسلوب من أساليب التنفير من المسجد، ولا عبرة للذين يرون إبعاد الأطفال وأبناء المصلين عن المساجد ـ وخاصة إذا وجد من يهتم بهم وينظم وجودهم ويعلمهم ويربيهم ويرشدهم ـ ذلك أن مفسدة انحراف الأطفال بإبعادهم عن المساجد أخطر من مصلحة الحفاظ على أثاث المسجد أو الهدوء فيه.

    ومما يذكر أنه ضاقت المساجد بالصبيان، حتى اضطر الضحاك بن مزاحم معلمهم ومؤدبهم أن يطوف عليهم بدابته ليشرف عليهم، وقد بلغ عددهم ثلاثة آلاف صبي، وكان لا يأخذ أجراً على عمله. ذكر ذلك الذهبي في سير أعلام النبلاء

    اجراءات ضرورية
    ولتحقيق تربية الأطفال وتكوينهم من خلال المساجد لابد من اتخاذ بعض الإجراءات من القائمين على المساجد ومنها:-
    1) أن يشجعوا الآباء لاصطحاب أبنائهم إلى المساجد وتعليمهم النظافة والنظام، وأن يراقبوهم ويوجهوهم لما فيه صالحهم.
    2) أن يجد الأطفال والصغار من يرشدهم وينظم جلوسهم، ويقيم لهم الأنشطة التي تتفق مع أعمارهم.
    3) أن يتحبب العاملون في المساجد للأطفال وأبناء المصلين بالبسمة ورحابة الصدر، وأن يجذبوهم للمساجد ولا ينفروهم منها.

    وفي النهاية نقول: إن المسجد دوره لا يقل أهمية عن دور الأسرة والمدرسة في تربية النشء وإخراج جيل ينفع نفسه ودينه ووطنه.
    والله من وراء القصد وهو حسبنا ونعم الوكيل.
    مقال لأحمد كداف بتصرف يسير
    ---------------------------------------------
    الشائعات.. ضررها، وكيف نتعامل معها
    آفة عظيمة، وبلية خطيرة، ومرض فتاك، وداء عضال، وسلاح مدمر.
    انزعج منه الأبرياء، واتهم بسبه البرءاء، وهدمت بسببه أسر، وخربت بيوت، ووقعت جرائم، وتقطعت علاقات وصداقات.
    إنه مرض اختلاق الإشاعات، ونشر الشائعات.

    الإشاعة : يصنعها عدو حاقد، ويتلقفها منافق فاسق، وينشرها غر جاهل.

    الإشاعة : كذبة يطلقها خبيث، ويصدقها أخرق، وينقلها أحمق، وتسير بها الركبان.. مع أنها قد تدمر حياة إنسان أو تهدد مصائر أوطان.

    خطر الإشاعات
    إن للشائعات أخطارا عظيمة على الأفراد والجماعات، والأسر والمجتمعات:
    فكم من كريم صار بكلمة واحدة عرضة للملام.
    وكم من شائعة أشعلت فتنة بين الأنام.
    وكم من كذبة فرقت بين أحبة وقطعت كريم صحبة
    وكم من ظلم وقع على أبرياء بسبب إشاعة نقلها بعض السفهاء.

    ولا يكمن خطر الشائعات والإشاعات في هذا فحسب، بل فيها زيادة على ذلك تشويه الحقائق، والتخذيل والإرجاف وقت الشدائد، وبث الخوف في قلوب الضعفاء، والقلق في عقول الأقوياء، مع ما فيه من تفريق صف المسلمين وإثارة النزاعات فيما بينهم، وما قد تسببه من خسائر لشركات ومؤسسات بل ودول ومجتمعات.
    زد على ذلك ذهاب الثقة بين الراعي والرعية، واختلال الموازين في تصديق وتكذيب الأخبار حتى لا يثق الناس في خبر.

    الكلمة مسؤولية
    وبعد كل هذا نقول: إن على مروجي الإشاعات وناقلي الأخبار دون تثبت أن يدركوا خطر ما يرتكبون، وأن يعلموا أنهم مسؤولون بين يدي الله تعالى على ما يفعلون، فإن الكلمة مسئولية.. خصوصا في زمان الانفتاح الإعلامي، وثورة التواصل الاجتماعي، وسرعة انتقال الأخبار، وانتشار الأقوال.. مع خراب الذمم، وخداع الصور، ووقوع الفتن، واضطراب الأحوال، والتباس الأمور، وغلبة الكذب، والفجر في الخصومات، مع عدم وجود دين يردع، أو خلق يمنع. كل هذا مما يزيد المسؤولية في نقل الأخبار ويوجب التنبه عند نشر الأقوال.

    لزوم التثبت
    ولهذا وغيره كان التثبت في الخبار قبل تصديقها فضلا عن إذاعته ونشرها منهجا قرآنيا وهديا نبويا يستراح به من القيل والقال، ويوفر على الأمة طاقاتها فيما ينفع ويفيد.
    فالقرآن الكريم يأمر بالتثبت والتبين قبل التصديق واتخاذ القرار. يقول تعالى: {يأيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا}، ويقول: {يأيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا}، ويقول أيضا: {كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم فتبينوا}.

    والنبي صلى الله عليه وسلم ينهى المسلم عن نقل كل ما يسمع ولا يخليه من مسئولية، ففي الحديث: [كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع].
    وقال مالك الإمام: "اعلم أنه فساد عظيم أن يتكلم الإنسان بكل ما سمع دون تثبت" ؛ لأنه يسمع الصدق والكذب.
    وفي الحديث : [بئس مطية الرجل زعموا].

    إن هناك من بين الناس أصحاب نفوس ضعيفة، وقلوب مريضة، وذمم خربة لا تخاف الله ولا تستحي من عباده، مهنتهم وهوايتهم نشر الأكاذيب والتغذي على لحوم البشر، فلابد من التنبه والتثبت حتى لا يفقد المرء بصيرته، ولا تفقد الأخبار مصداقيتها، فيضطرب حال الناس.

    آثار مدمرة
    إن للشائعات آثارا مدمرة على الأفراد والأسر والمجتمعات بل وعلى الأمم أحيانا. ووقائع التاريخ تدل على ذلك أكبر الدلالة؛ فقد حمل التاريخ لنا أمثلة لشائعات كان لها آثار خطيرة على الفرد والمجتمع: فمن ذلك:
    . الشائعة التي انتشرت في مكة بأن المشركين قد أسملوا بعد أن قرأ عليهم النبي صلى الله عليه وسلم سورة النجم.. وكان من عواقب انتشار تلك الشائعة أن رجع كثير من مهاجري الحبشة ظنا منهم أن الخبر صحيح، فنالهم من أذى المشركين ما لا يخطر لهم على بال، فاضطروا أن يقاسوا معاناة الهجرة للحبشة مرة ثانية ويعرضوا أنفسهم لمخاطر لا حصر لها.

    . في معركة أحد إشاعة قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم وما كان لها من أثر في تثبيط همم بعض المسلمين، والإحباط الشديد للبعض حتى ترك ساحة المعركة وتوقف عن القتال؛ مما أدى في النهاية إلى وقوع الهزيمة بالمسلمين في هذه الملحمة الكبرى وذلك اليوم المهيب.

    . الشائعات التي أطلقها المغرضون ابن سبأ وفريقه، واتهامهم لسيدنا عثمان الخليفة الراشد بالتهم الكاذبة والتأليب عليه، فكانت بداية لفتنة كبرى، وتجمع أخلاط من المنافقين ودهماء الناس وقتل الخليفة الراشد، بل كان من آثار ذلك حرب الجمل وصفين وقتل آلاف المسلمين.. وكان من عواقبها ظهور فتن وفرق وفرقة إلى يومنا هذا.

    . ومن أشنع الإشاعات التي أطلقت في زمن النبوة حادثة الإفك: تلك الحادثة التي اختلقها المنافقون ابن سلول وأتباعه، وراجت على بعض المسلمين فنقلوها دون تثبت، حتى سرت في المجتمع كله، فهزت مجتمع المدينة شهرا كاملا.. وكانت من أشق التجارب في حياة المسلمين. لم يمكر بالمسلمين مكر أشد من تلك الإشاعة المختلقة الكاذبة، ولولا عناية الله لكادت أن تعصف بالأخضر واليابس بعد أن مكث المجتمع المسلم يصطلي بنارها شهرا كاملا، حتى نزل الوحي ليضع حدا لتلك المأساة وليكون درسا تربويا هائلا لذلك المجتمع ولكل مجتمع يأتي بعد إلى يوم القيامة.

    واجب المسلم عند سماع الشائعات:
    لقد بينت سورة النور في علاج قصة الإفك هذه الآفة ووضعت للمسلمين أصول التعامل مع الشائعات.. فمن ذلك:
    أولا: أن يقدم المسلم حسن الظن بأخيه المسلم، وأن ينزل أخاه بمنزلته قبل إصدار الأحكام.. دخل أبو أيوب على زوجته بعد انتشار هذه الشائعة عن عائشة فسأل زوجته: "أرأيت لو كنت مكان عائشة أكنت تفعلين ذلك؟ فقالت: لا والله. فقال: فوالله إن عائشة خير منك. وسألته: أرأيت لو كنت مكان صفوان أكنت تفعله؟ فقال: لا والله. فقالت: فوالله إن صفوان خير منك. وأنزل الله تعالى مادحا لهما ومنوها بحسن ظنهما: {لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا وقالوا هذا إفك مبين}.

    ثانيا: لا يقبل اتهام إلا بعد ثبوته قطعا لا ظنا، وكل قول لا يأتي أصحابه عليه ببرهان قاطع ودليل ساطع فتصنيفه في دائرة الكذب حتى تقوم على صدقه بينة، قال تعالى في قصة الإفك: {لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون}.

    ثالثا: الا يتحدث بما سمعه ولا ينشره، فإن الناس لو سكتوا عن الشائعات لماتت في مهدها، ولم تجد من يحييها، قال تعالى: {ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتانا عظيم يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا إن كنتم مؤمنين}.

    رابعا: أن يرد الأمور إلى أولي الأمر وأصحاب الرأي (الأجهزة المختصة) ولا يشيعه بين الناس، خاصة الأخبار المهمة التي لها أثر في واقع المجتمع وحياة الناس.. قال سبحانه في سورة النساء: {وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا}.

    خامسا: التفكر في العواقب ونتائج نشر الشائعات، من انتشار الفواحش وظهور الفتن، {إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون}، فلا تكن عونا على شيوع الفواحش، والأكاذيب ، والفتن ، لأن الفتن إذا ذاعت و شاعت عجز العقلاء فيها عن دفع السفهاء {واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة}.

    إن منهج الإسلام ـ قرآنا وسنة ـ هو النهي عن القيل والقال كما في الحديث: [إن الله ينهاكم عن قيل وقال وكثرة السؤال]، والنهي عن التخمين وسوء الظن كما قال سبحانه {قتل الخراصون} و النهي عن عدم التثبت والمسارعة إلى نقل الأخبار دون تمحيص قال سبحانه {إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئا}، وقال {وما يتبع أكثرهم إلا ظنا}.

    عقوبة مهيبة
    ومن كان نشر الشائعات ديدنه، واختلاق الإشاعات مسلكه فليحذر عقوبة الله لأمثاله كما جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث الرؤيا الشهير في صحيح البخاري: [فأتينا على رجل مستلق لقفاه، وإذا آخر قائم عليه بكلوب من حديد، وإذا هو يأتي أحد شقي وجهه فيشرشر شدقه إلى قفاه، ومنخره إلى قفاه، وعينه إلى قفاه، ثم يتحول إلى الجانب الآخر فيفعل به مثل ما فعل بالجانب الأول، فما يفرغ من ذلك الجانب حتى يصح ذلك الجانب كما كان، ثم يعود عليه فيفعل مثل ما فعل المرة الأولى. قال: قلت سبحان الله ما هذا؟ .. فقال له الملائكة: "إنه الرجل يغدو من بيته فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق].

    نعوذ بالله من سخط الله وعذابه، وشديد عقابه. ونسأله أن يحفظ بلاد المسلمين من كل شر وسوء.
    -----------------------------------
    الإسلام والمذاهب الفكرية الحديثة
    يعيش الناس في زماننا الحاضر ومنذ عهد ليس بالقريب ـ خصوصا الطبقة المثقفة منهم ـ في جو ملؤه الاتجاهات المختلفة، والمبادئ المتباينة، والدعوات العقائدية المتفاوتة. فهم داخل هذا لضجيج ما بين مصدق ومكذب، ومؤمن وكافر؛ لهذا فإنه من آكد الواجبات أن يقوم الدعاة والعاملون في حقل الدعوة الإسلامية ليوضحوا للناس سبيل الهداية وطريق الرشد، ويفتحوا أمامهم الباب لتجديد إيمانهم، وإصلاح حالهم.

    إن المطلوب من علماء الإسلام ـ الذين يريدون خدمته بإخلاص ـ أن يطلعوا على ما جد وما يجد كل يوم في عالم الفكر من مناهج، ويدرسوها دراسة عميقة؛ ويبينوا جوانب الحق فيها من غيره، فما جاءت به من الحق آمنا به، وتركنا ما دونه، وإن كان ما جاءت به عبارة عن سراب بقيعة ـ وهذا هو الواقع ـ فليبينوا لنا حقيقة ذلك بالقواعد العلمية والبراهين المنطقية، لينقذوا كثيرا من المتخبطين في ظلمات الغواية، المنحرفين عن سبيل الله، الذين أغرتهم المظاهر البراقة، والصور الخادعة؛ فتمسكوا بها وتنكبوا سواء السبيل.

    إن الإسلام غني بمناهجه، غني بثروته الفكرية، غني كذلك بمبادئه الإنسانية، ولكن الإطار الذي عرض فيه الإسلام في عصور التخلف والانحطاط لم يعرض بالأسلوب الذي يلائم العصر القائم، لهذا فإننا نرغب في استخراج أساليب تطبيقية تتلاءم مع متطلبات عصرنا هذا، أو تطوير الأساليب العتيقة بحيث تصبح ماثلة للتنفيذ دونما حرج وبكل بساطة.

    إننا نرى أن المذاهب الفكرية الحديثة هي التي تنظم شؤون المجتمعات من جميع الوجوه، وهي ـ دون شك ـ من القوة بمكان، كما أنها هي القائمة دون غيرها بتسيير المجتمع العالمي والتحكم في مقدراته، وتصريف إمكانياته، وقد تبين لنا من خلال بعض تجاربنا الماضية أننا لا يمكن أن نساير هذا التيار الجارف إلا إذا طورنا أساليبنا وجددنا طرق عرضنا وأساليب تفعيلنا، ووسائل عملنا، واستخدام كل ممكن مباح للتمسك بأمور ديننا التي لا يقوم إلا بها.

    أما الأساليب وطرق التنفيذ فلا علينا إذا استنبطناها حسب حاجاتنا وضرورياتنا القائمة، وإذا استحدثنا وسائل وطرقا جديدة وحديثة نجاري بها التطور الهائل في العلم والتغير الكبير في دنيا الوسائل والأساليب. وبهذا نكون واقعيين في إرادتنا جعل المبادئ التي جاء بها ديننا الكريم سهلة المنال، قوية المفعول، قابلة لأن يقبل الناس عليها ويأخذوا بها على اختلاف مشاربهم وطبقاتهم، ويفتخرون بها ويجعلونها من قلوبهم في المكان اللائق.

    إن الإنسانية اليوم تتخبط في مشاكل عديدة وعويصة، وترى فيما تراه أنه لا يستقيم لهذا الكون أمر إلا إذا حلت هذه المشاكل على النحو الذي ترضى به أغلبية البشر، وما من اتجاه من الاتجاهات الموجودة ضمن المجموعات البشرية، إلا ويعطى الحلول التي يرتئيها ناجعة لحل هذه المشكلات.

    فما الحل الذي يقدمه الإسلام؟ أو بمعنى آخر يعرضه الإسلاميون؟
    إن مسؤولية تقديم الإسلام لحلول مشاكل العالم تقع على عاتق علمائه الذين يجب عليهم أن يدرسوا المجتمع الحاضر ومشاكله دراسة موضوعية إيجابية، ويعطوا لأمراض هذا المجتمع الأدوية الشافية التي تنجيه مما هو فيه.

    إن على مفكري الإسلام أن يشاركوا في الصراع، وعليهم أن يدرسوا كل الجوانب المحيطة بهذا الصراع، ويجب أن يستخرجوا من خلال موروثاتهم الثقافية الإسلامية الهائلة الحل المرضي لمعضلات الكون، وأن يجعلوا هذا الحل المتطلب واقعيا وصريحا وواضحا، وأن يقدموه بالطريقة المناسبة التي تجعل الناس على الأقل يرون أنه جدير بالتطبيق ليمكن إقراره بعد ذلك وتحويله إلى واقع.

    وهناك شيء آخر من الأهمية بحيث لا يجوز إغفاله، وهو: أن على علماء الإسلام ومفكريه أن يعملوا على رفع مستوى المجتمع الإسلامي، وتهذيب وعيه، وتثقيف مداركه حتى يبلغ الدرجة التي يستطيع معها المشاركة الفكرية في فلسفة النهضة الحضارية التي يسير فيه العالم المتحضر اليوم، لأن العلماء والمفكرين وحدهم لا يستطيعون عمل شيء إذا لم يسندهم المجتمع بقوته ويعينهم على نشر رسالتهم بوعيه وإدراكه، وسلوكه، ولن تقوم للفكر الإسلامي قائمة إلى لم يرتكز على هذه الدعامة، لأن الشعب هو الذي يقر السنن حينما يؤمن بها عن فهم حقيقي وإدراك عقلي، ولن يستفيد الإسلام شيئا إذا كان عموم الشعوب لا تفهم الإسلام الحنيف إلا على سبيل التقليد فقط.

    إن علماء الإسلام في كل زمان يرتكبون خطأ فاحشا حينما يتوقفون عند ما خلفه لهم الأقدمون من دراسات وبحوث دون أن يطوروها لتلائم عصرهم الحديث، فإن تلك الدراسات القديمة إنما وضعها الأولون حسب حاجات وقتهم، وأدت رسالتها آنذاك، ولكنها لم تعد تنفعنا مباشرة إلا من باب الرجوع إليها كمصادر للاستفادة منها كأصول.

    إن العالم يتقدم وإن الحاجات تستجد، وعلينا أن نواكب الركب الزاحف بمفاهيمنا الإسلامية والأخلاقية والإنسانية، وإلا فسنبقى متأخرين في ذيل الركب، وسيزداد الدهر علينا تألبا، وتزداد مشاكلنا تعقدا، ولن يحل هذا إلا اتقاد الأفكار، وتطوير العقليات، وتنوير الأذهان.

    إنها دعوة نصارح بها علماءنا ونناصح بها إخواننا، وننادي بها على مفكرينا: إن الدعوة الإسلامية يجب أن ترتكز على أسسها القوية، ومرونتها ووضوحها، وأنه لن تقوم لنا قائمة إذا دمنا مقرين على الجمود والكسل، كما أنه لن نستطيع أن نتحف الدنيا بجديد ما دامت هذه الكلمة المأثورة بين أعيننا (ليس في الإمكان أبدع مما كان).
    ولكن نقول الكلمة الأخرى وهي : (كم ترك الأول للآخر).
    والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.
    مصطفى الصباغ...
    إسلام ويب...






                  

العنوان الكاتب Date
مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشباب... سيف اليزل برعي البدوي07-08-20, 11:52 AM
  Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� عزالدين عباس الفحل07-08-20, 12:03 PM
  Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� عزالدين عباس الفحل07-08-20, 12:05 PM
    Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي07-09-20, 12:13 PM
      Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي07-10-20, 10:42 AM
        Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي07-11-20, 12:23 PM
          Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي07-13-20, 12:32 PM
            Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي07-14-20, 03:42 PM
              Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي07-15-20, 01:05 PM
                Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي07-16-20, 01:46 PM
                  Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي07-17-20, 12:47 PM
                    Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي07-18-20, 03:53 PM
                      Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي07-19-20, 02:58 PM
                        Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي07-20-20, 05:18 PM
                          Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي07-21-20, 03:01 PM
                            Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي07-23-20, 00:52 AM
                              Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي07-24-20, 01:11 AM
                                Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي07-25-20, 01:58 AM
                                  Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي08-01-20, 01:41 AM
                                    Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي08-01-20, 12:20 PM
                                      Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي08-03-20, 03:17 PM
                                        Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي08-04-20, 02:10 PM
                                          Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي08-05-20, 02:06 PM
                                            Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي08-06-20, 02:56 PM
                                              Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي08-07-20, 12:27 PM
                                                Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي08-08-20, 01:04 PM
                                                  Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي08-09-20, 01:12 PM
                                                    Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي08-10-20, 01:07 PM
                                                      Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي08-11-20, 03:28 PM
                                                        Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي08-12-20, 05:15 PM
                                                          Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي08-13-20, 01:28 PM
                                                            Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي08-14-20, 01:58 PM
                                                              Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي08-15-20, 12:34 PM
                                                                Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي08-16-20, 02:47 PM
                                                                  Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي08-18-20, 11:36 AM
                                                                    Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي08-20-20, 01:39 AM
                                                                      Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي08-22-20, 00:20 AM
                                                                        Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي08-23-20, 11:50 AM
                                                                          Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي08-27-20, 03:28 AM
                                                                            Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي08-28-20, 02:22 AM
                                                                              Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي08-28-20, 10:21 PM
                                                                                Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي08-30-20, 04:49 PM
                                                                                  Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي08-31-20, 11:16 PM
                                                                                    Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي09-02-20, 00:30 AM
                                                                                      Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي09-03-20, 06:00 PM
                                                                                        Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي09-05-20, 02:42 PM
                                                                                          Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي09-28-20, 02:15 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de