مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشباب...

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-30-2024, 04:52 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف للعام 2020-2023م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
07-20-2020, 05:18 PM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    من ذكريات الحج
    ألا ترون العروق الشعرية كيف تحمل الدم من أطراف الجسم ثم تصبه في الأوردة الكبار، حتى يدور دورته في القلب مجتمعاً، وفي الرئة منتشراً، فيصفو بعد العكر، وينقى من الوضر، ويعود في الشرايين دماً أحمر جديداً، بعد أن كان في الأوردة دماً أسود فاسداً؟ كذلك الحج.
    يأتي المسلمون من آفاق الأرض الأربعة، أفراداً ثم ينتظمون جماعات، ثم يدورون حول الكعبة قلب الأرض المسلمة، ثم ينتشرون في عرفات رئة الجسم الإسلامي فتصفي نفوسهم من أكدار الشهوات، وتنقى أوضار الذنوب، ويعودون إلى بلادهم أطهاراً، قد استبدلوا بتلك النفوس نفوساً جديدة كأنها ما عرفت الإثم، ولا قاربت المعاصي.
    لذلك كان الحج أكبر أُمْنِية يتمناها لنفسه المسلم، ويتمناها له إخوانه وأصدقاؤه، فهم إذا دعوا له دعوة صالحة دعوا له بالحج.

    وإذا كان أقصى ما يتمناه من يُقدِّر العالِم، أو يُكْبِر الكاتب، أو يهوى الحبيب، أن يزور البيت الذي ولد فيه، والعشَّ الذي خرج منه، والمواطن التي شهدت طفولته وصباه، وكهولته وموته، ويطأ الأرض التي وطئ. وينشق الهواء الذي نشق، فكيف لا يتمنى المسلم أن يزور موطن الروح، ومهوى القلب؛ الأرض التي انبلج منها فجر الإسلام، وأشرقت منها شمسه، وعاش في ربوعها أعظم العظماء، وسيد الأنبياء، حبيب قلب كلِّ مسلم، ومن هو أعزُّ عليه وأحبُّ إليه مِن أُمِّه وأبيه وولده وأهله، ويدخل من باب السلام، ويبصر البيت الحرام، ويطوف بالكعبة والحطيم، ويرى زمزم والمقام.

    هنالك الفرحة الكبرى، التي لا تعدلها أفراح الدنيا، وهنالك اللقاء لا لقاء الحبيب بعد طول الهجران، وهنالك الموكب النوراني الذي يمرُّ مِن حول الكعبة، موكب الطائفين، من كلِّ جنس ولون، من بِيض وسُمر، وسُود وشُقْر، وشيوخ وفتيان، ورجال ونسوان، من كلِّ قطر من أقطار الأرض، ينادون بكلِّ لسان، يدعون ربًّا واحدًا يسألونه، وهو الكريم لا يرد سائلًا، ولا يضجره سؤال.
    إنكم لتعجبون إن رأيتم موكبًا يمشي ساعات لا يقف ولا ينقطع، أو أبصرتم جيشاً يلبث أيامًا، وهو يمر لا يتريث ولا ينفد، فاعجبوا، واعجبوا أشد العجب من موكب بدأ يمشي من خمسة آلاف سنة، من يوم بنى إبراهيم هذه البنية، ولا يزال يمشي إلى اليوم يطوف بهذه الغرفة القائمة في وادٍ غير ذي زرع من بطن مكة.
    هذا الموكب الذي بدأ يمشي من خمسة آلاف سنة، ولا يزال يمشي إلى اليوم، وسيقف كلُّ جيش في الدنيا مهما بلغ من القوة والعديد، وكلُّ موكب بشري مهما حوى من الفخامة والعظم، ويظلُّ هذا الموكب يمشي، يمشي ما بقي الزمان ماشياً على طريق الأبد، يمشي في وقدة الشمس المتلظية في آب، ويمشي في قرة الشتاء في كانون، ويمشي في رأد الضحى، ويمشي في هدأة السحر، يمشي في الليل وفي النهار، يمشي في هناءة السلم، وفي غمرة الحرب، يمشي رغم النكبات والمصاعب والأهوال.

    لم توقفه سيره جيوش الصليبيين لما رمتنا بها أوربة، فجاءت كالسيل المنهمر، ولكنه سيل من نار مدمرة، وهلاك مبيد، ولا القرامطة لما ثاروا ثورة البركان يرمي بالحمم، وعاثوا في الأرض فسادًا وتدميرًا، وأدخلوا الموت إلى الحرم الآمن، ولطخوا بدم الطائفين أرض المطاف، ولا المغول لما هبوا كما تهب الريح الصرصر العاتية، تدمر كلَّ شيء، لا وليس في الوجود قوة بشرية تستطيع أن تقف موكب الخلود الذي يطوف أبداً حول الكعبة البيت الحرام.

    إنه ليس الخبر كالعيان، وأنا مهما أوتيت من البيان لا أستطيع أن أصف لكم ما يحسُّ به الحاج عندما يقف على باب الحرم، ويرى الكعبة لأول مرة، فقولوا: آمين! أسأل الله أن يكتب لمن يريد منكم ألا يموت حتى تكتحل عينه برؤية هذا المشهد، مشهد الكعبة، الكعبة التي تتوجهون إليها من الشام ومصر والمغرب والمشرق، وكلِّ بلد على ظهر الأرض تتخيلونها بقلوبكم من وراء الجبال والصحارى والآكام البعاد، وكلما اقتربتم منها مرحلة شعرتم بازدياد الشوق، وغلبة الجهد.
    تحسون كأنكم تدنون من الحبيب ودونه الحجب والأستار، فلا تزال ترفع لكم حجابًا بعد حجاب وسترًا بعد ستر، حتى تروا طلعة الحبيب، وأين طلعته من طلعة الكعبة، قبلة الإسلام، ومهوى القلوب.

    ها هي ذي الكعبة يا ناس، وهذا الحطيم وزمزم والمقام، لقد صحت الرؤى وتحققت الأحلام، وهؤلاء المسلمون صفوفًا حولها، وراءها صفوف، صفوف تمتدُّ إلى خارج الحرم إلى وراء الحجاز، إلى الدنيا كلِّها، فهذه مركز الدائرة وهذه سرة الأرض، وهنا يلتقي المكان كله، فالمشرق هنا والمغرب، والنائي من الأرض والداني، وهنا الشام ومصر والعراق والمغرب وفارس والمشرق والهند هنا، وجاوة والأرض المسلمة كلها، وقد جاء أبناؤها من كلِّ مكان، كما تصبُّ الجداول في النهر الأعظم تدور معه حتى تستقر معه في حضن البحر الرحيب، يطوفون بالكعبة ثم يمضون إلى حضن عرفات. فلا ترى إلا بحرًا يموج بالسفائن البيض، بالخيام التي تبسم طهرًا لعين الشمس.

    قلت لكم إنه ليس الوصف كالعيان، ولا يستطيع قلم ولا لسان أن يصف لكم هاتيك العواطف السماوية، التي تملأ قلب المسلم إنه يطوف بالكعبة، فيخرج من حاضره، وينسى دنياه، ويرى أمامه هذا الموكب الطويل يمتدُّ خلال الزمان، فيبصر الخلفاء تمشي معه، والصالحين والعباد والأئمة، ويرى أبا بكر وعمر وعثمان وعليًّا، ويبصر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو يمشي على أثره، يدور من حيث دار، ويضع شفتيه موضع شفتي محمد الحبيب على الحجر الأسود.
    صدقوني إن كلَّ لذات الدنيا، بطعامها وشرابها ولباسها ومتع شهواتها ومناعم أموالها، لا تبلغ ذرة من اللذة الروحية التي يشعر بها الحاج وهو يلثم الحجر الأسود، الذي لثمه محمد صلى الله عليه وسلم ، ومن قبله أبو الأنبياء إبراهيم، صلى الله عليهم جميعًا. فقولوا آمين، أسأل الله أن لا يحرمكم هذه النعمة.
    وعرفات، إنها لن ترى عين البشر مشهدًا آخر مثله، هيهات ما في الدنيا ثان لهذا المشهد العظيم، ولقد يجتمع في المعارض والألعاب الأولمبية واحتفالات التتويج في بلاد الغرب حشود من الناس وحشود، ولكن شتان ما بين الفريقين، أولئك جاؤوا للمتعة والفرجة والتجارة، وحملوا معهم دنياهم، وقصدوا بلدًا زاخرًا بأسباب اللذة والتسلية، وهؤلاء خلَّوْا دنياهم وراء ظهورهم، ونزعوها عن أجسادهم ومن قلوبهم ...

    مشهد لو كان يجوز أن يشهده غير مسلم لاقترحت أن تجعله هيئة الأمم المتحدة عيدها الأكبر، إذ هنا أُعلنت حقوق الإنسان، لا كما أُعلنت في الثورة الفرنسية، ولا كميثاق الأطلنطي الذي كُتب على الماء، أُعلنت قبل ذلك بأكثر من ألف سنة، وطبقت حقيقة، يوم قام سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، فأعلن الحرية والمساواة وحرمة الدماء والمساكن ووصى بالنساء، وقرَّر لهن من ذلك اليوم الاستقلال الشخصي والمالي، مع أنَّ أكثر قوانين الأرض المدنية لا تقرُّ للمتزوجة في أموالها هذا الحق، وكان هذا المشهد في كلِّ سنة دليلًا قائمًا يملأ عيون البشر وأسماعهم على أن ما قرَّره محمد صلى الله عليه وسلم قد طُبِّق أكمل التطبيق.
    مشهد يهدم الفروق كلَّها، فروق الطبقات وفروق الألوان، وفروق الأجناس، الناس كلهم إخوة، لا ميزة لأحد على أحد إلا بالعمل الصالح، وإذا كان اللباس الرسمي في الحفلات والمواقف الرسمية ما تعرفون، فاللباس الرسمي هنا قطعتان من قماش فقط، لا خياطة ولا أناقة ولا زخرف، ولا يفترق في هذا المقام أكبر ملك عن أصغر شحاد؛ إنه مشهد عجيب، إنه أُعجوبة الأعاجيب.

    عشرات وعشرات من آلاف الخيام، تحتها أقوام من كلِّ بقعة في الأرض، لا يجمعهم لون ولا لسان ولا بلد، ولكنهم لا يقفون ساعة حتى يحسَّ كلٌّ أنه أخ للآخر، أعز عليه من أخيه لأمه وأبيه، إخوان وحَّدتهم العقيدة، ووحَّدتهم القبلة، وربما عادى الأخ أخاه حقيقة، إن لم يكن دينه من دينه، ومذهبه من مذهبه؛ لأن أُخوَّة الدين والمذهب أقوى من أُخوَّة النسب.
    إنهم يضجُّون بكلِّ لغة، يهتفون جميعًا: لبيك اللهم لبيك، لبيك إن الحمد لك والملك لا شريك لك، دعوتنا فجئنا من أقاصي الدنيا، لم تمنعنا الجبال ولا القفار ولا البحار، ولم يمسكنا حب الأهل والولد، دعوتنا إلى القرآن لا قراءة وترنيمًا وتغييبًا، بل عملًا وتطبيقًا، فقلنا: لبيك اللهم لبيك، دعوتنا إلى العزة والوحدة والصدق في القول والعمل، فقلنا: لبيك اللهم لبيك. دعوتنا إلى الجهاد؛ جهاد النفس وجهاد الكافرين، فقلنا: لبيك اللهم لبيك.
    لبيك اللهم لبيك، لبيك إن الحمد لك والملك لا شريك لك.

    إن الحج هو الدورة التدريبية الكبرى، التي تقوي الأجسام والأرواح، التي تربي الأجساد والقلوب، التي تعدُّ للحقِّ جيشًا جنده متمرسون بالشدائد، حمَّالون للمصاعب، سامون بأرواحهم إلى حيث لا تستطيع أن تبلغ مداه روح.
    إن الحجَّ عيش في تاريخ المجد، في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم ، في سماء الإيمان، إنه النهر الذي يغسل أوضار الناس، إنه الرئة التي تصفي الدم، وترده أحمر نظيفًا مملوءًا بالصحة والحياة.
    إنه المؤتمر الإسلامي الأكبر.
    أسأل الله أن يكتبه لمن لم ينعم به منكم، وأن يجعل لي ولمن حج معادًا إليه.
    الشيخ علي الطنطاوي (رحمه الله تعالى)
    ----------------------------------------
    الشباب والهُوية الإسلامية
    يعاني الانتماء العقدي والفكري لدى الشباب المسلم – بصورة عامة وفي المجتمعات الغربية بصورة خاصة – ضعفًا قد يصل في بعض الحالات إلى الذوبان في الثقافات الأخرى، بل والإحساس بالخجل والأسف من الانتماء للهوُية الإسلامية ومحاولة التنصل من كل ما هو إسلامي سواء على المستوى الفكري وعلى المستوى السلوكي؛ حتى يمكننا القول بأن الأزمة الحقيقة التي تعانيها الأمة الإسلامية اليوم: هي أزمة هُوية.
    فالهُوية هي حقيقة الشيء التي تُميزه عن غيره وتصبغه بصبغة ذاتية، تمده القوة والحيوية والقدرة على البقاء وهي بالنسبة لأمة ما مجموعة من: حقائق، وأفكار، وتاريخ، وثقافة، وحضارة وسلوكيات، وعادات وتقاليد، وآداب وأخلاق مشتركة لتلك الأمة، تختص بها وتميزها عن غيرها.

    أمّا الهُوية الإسلامية : فهي الانتماء إلى الدين الإسلامي الصحيح والذي هو من عند الله تعالى ، وفق ما صح عن رسول الله – محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم – إلى البشرية جميعًا وإلى عقيدة التوحيد، والتي هي أعظم فكرة حملها الإسلام للبشرية. وما يترتب على ذلك من اصطباغ الإنسان بصبغة الإسلام فكرًا وسلوكًا في كآفة جوانب الحياة، بداية من الإعتقاد وحتى الشكل الظاهر في الملبس والزي والهيئة، وذلك من خلال أطر عامة تحكم الحياة، مع ترك التفاصيل تُحدد وفقًا للواقع المتجدد المتغير، بما يحقق مصالح الإنسان وسعادته في الدنيا والآخرة.

    وربما يلتمسُ المرءُ العذرَ لشباب الأمة الإسلامية اليوم، فهم جيل صَكت مسامعه منذ نعومة أظافره عبارت التشوية والتشنيع بالإسلام، ومورست عليه مجموعة كبيرة من الضغوط النفسية والاجتماعية والاقتصادية والإعلامية، أضف إلى ذلك حالة الضعف والتخلف والترجع التي يعيشها المسلمون اليوم في كافة المجالات – والمغلوب كما يقول ابن خلدون : مولع أبدًا بالاقتداء بالغالب في شعاره وزيه ونحلته وسائر أحواله وعوائده – وفقد الصلة بالتراث الفكري الإسلامي وغياب القدوة، وغياب تعاليم الدين، والفراغ النفسي والمعنوي المسيطر على كثير من الشباب … كل ذلك وغيره أدى إلى ضعف هُوية الشباب؛ فأنتج هذا الواقع الأليم ثلاثة أصناف من الشباب:
    صنف تطرف في أفكاره فأفسد أكثر مما أصلح وقدم لخَصمه سهمًا مسمومًا ليطعن به الإسلام.
    وصنف مُسخت هُويته تمامًا فانسلخ من عقيدته ودينه ودفعه الانبهار بالغرب وحضارته، مع شعوره بالدونية والإنكسار، إلى التحرر من قيمه وأخلاقه ودينه، منتهجًا نهجًا إباحيًا مقيتًا.
    وصنف ثالث ظل مُتشبثًا بحبل النجاة الموصول بسفينة الإسلام الراسخة وقيمه السامقة وتعاليمه النافعة، ومنهجه القويم، يستمد أفكاره من دستور الإسلام الدائم القرآن والسنة، مُستصحبًا فهم الأوائل لتلك النصوص، مُسترشدًا بعلماء الأمة الكرام فهُدي إلى صراط مستقيم.

    ولعل أول وأنفع الوسائل لرد الشباب إلى هُويته الإسلامية أن يُدرك الشباب مدى أهمية ومكانة هذه الهُوية في الحفاظ على ذاته وشخصيته، وأن الهُوية الإسلامية هي أكمل وأفضل الأطروحات الموجودة؛ وذلك من خلال تصحيح المفاهيم الخاطئة التي ألصقها البعض بالإسلام – بقصد أو بدون قصد – فالإسلام دين العمل والنظام والرحمة، والمحبة ، والتعاون، واحترام الآخر، والتعايش معه، بل هو يكرم الإنسان دون النظر إلى لونه أو جنسه، فهو دين يضمن لمعتنقه السعادة في الدنيا والآخرة.
    كما يجب التفريق بين الفكر الإسلامي كفكر مجرد وبين المعتنقين له في أرض الواقع، فلا يُحكم علي الإسلام من خلال أفراده، بل يُحكم عليه من خلال محتواه الفكري المجرد بموضوعية مستقلة تمامًا عن معتنقيه، فالفكرة شيء وتطبيقها من قبل أفراد معينين شيء آخر، فمن الظلم للإسلام أن يُحكم عليه من خلال أفراد ربما لا يحسنون فهمه، أو لا يحسنون تطبيقه، فتجد الإسلام مثلًا يدعوهم إلى العمل والجد ويعتبر من يسعى لتحصيل الرزق كالمجاهد في سبيل الله ثم تراهم في ذيل الأمم حضارةً وتقدمًا.
    ثم يأتي دور المؤسسات الاجتماعية: الأسرة، المدرسة، المسجد، الجامعة، الإعلام، والتي يجب عليها ترسيخ الهُوية الإسلامية ، والإعتزاز بها وبلغتها العربية، من خلال بيان محاسنها وأهميتها وغرس مبادئها الاعتقادية والإيمانية والأخلاقية في نفوس الأطفال الصغار، ليشبوا متشبعين بأفكارها مستظلين بظلها.

    الحفاظ على الهُوية الذاتية للإنسان، يحمل في طياته رسالة سلام وأمان للآخر الذي يصبح لدية صورة واضحة لك، يمكنه أن يرسمها من خلال أفكارك وعقائدك؛ ومن ثم يصبح التعامل أكثر سهولة ونفعًا، بدلًا من الغموض الذي يؤدي حتمًا إلى اضطراب وتخوف وحذر في التعاملات، خاصة وأن الإسلام قد رسم صورةً جليةً للتعامل مع الآخر، باعتباره إنسانًا له كل ما للمسلم من حقوق، وقدم له كل الضمانات – من خلال نصوص قطعية الثبوت والدَلالة – التي تجعله يعيش في أمان وسلام حقيقي مع المسلمين.
    كما أنّ الحفاظ على الهُوية، لا يعني أبدًا الإنغلاق والعُزلة والتقوقع في داخل شرنقة الذاتية، بل على العكس تمامًا فصاحب الهُوية الواضحة يتعامل مع كل الأفكار وكل الأطياف دون خوف أو تردد؛ لأنه ببساطة واثق في هُويته مؤمن بعقيدته.
    د. محمد فاروق...
    --------------------------------------
    العلمانيون العرب.. والإسلام
    يحار عقل الإنسان ـ العاقل فعلا، والمنصف والحيادي ـ من الموقف المعلن من قبل العلمانيين العرب تجاه الإسلام والنبي العربي محمد (صلى الله عليه وسلم) الذي أرسله الله به.
    ذلك الإسلام العظيم الذي جاء به النبي العربي محمد والذي وضع أسس العدالة، وقواعد الإيمان، ومعاني الرحمة والإحسان، والمبادئ العامة التي تكرم الإنسان بصنفيه ذكره وأنثاه، وتقرر وحدة الأصل الإنساني في الخلقة، ومحاربة التمييز العنصري، ومواجهة كل أنواع التعصب واالتفرقة القائمة على اللون أو الجنس، وتواجه كل أنواع الظلم والقهر واستعباد الخلق والإساءة إليهم، بل وحتى الإساءة إلى الحيوان بل وحتى النبات.

    لماذا يتخذ أغلب العلمانيين العرب موقفاً معادياً للإسلام على وجه الخصوص، ولماذا يبذلون جهداً حثيثا في محاولة سلخ الأمة عن تاريخها الحضاري وثقافتها العربية الإسلامية، ولماذا يعيشون الانفصام الحاد بين الواقع التاريخي للأمة الممتد على مساحة أربعة عشر قرناً من الزمان، حيث تشكلت من خلاله هويتها الحضارية ومعالم ثقافتها المستقرة قائمة على أعراف مشتهرة وعادات وتقاليد وأفكار راسخة وأنظمة مستمدة من قاعدة الايمان والتوحيد.

    لماذا يتخذ العلمانيون الأجانب في العالم موقفاً أكثر انصافاً للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، وبعضهم يعتبره بعد دراسة استقرائية مستفيضة أنه الشخص رقم (واحد) على مستوى عظماء البشرية، من خلال عدة معايير تم الاستناد اليها تتمثل بالأثر العظيم الذي أحدثه في مسار البشرية وفي مسار العقل الإنساني والعقل والوجدان الآدمي وفي منظومة القيم العظيمة التي أرساها وما أدت إليه من تقديم نموذج حضاري إنساني عالمي متميز.

    لماذا لا يشعر العلمانيون العرب بالانتماء لأمتهم ضميرها ووجدانها العميق وأعرافها وهويتها المستقرة، ولماذا يشعرون بالغربة والاغتراب عن مجتمعاتهم وعن الواقع العربي بكل تجلياته، ويكونون في الأغلب أكثر ميلاً لقيم أخرى وحضارة أخرى وشخصيات تاريخية تنتمي لبقاع مختلفة من العالم وأفكار أخرى بعيدة عن تراثهم وتاريخهم، ولماذا لا يسلكون مسلك الاصلاح الهادئ المتدرج لبعض الاخطاء ـ إن وجدت ـ أو بعض المظاهر السلبية دون مصادمة مع ضمير الأمة، ودون افتعال لإثارة النزاعات والنعرات والحروب الداخلية في مجتمعاتهم.

    أعتقد أن أغلب العلمانيين العرب ـ أو من يعلن الانتساب إلى العلمانية منهم ـ لا يتقن فهم جوهر العلمانية الحقيقي القائم على الحياد؛ بمعنى تحييد الدين عن السلطة والحكم، (ولا شك أننا نخالف ذلك ولا نقبله)، ولكن ما نشاهده ليس حياداً بل انحيازا واضحا إلى درجة التطرف في مواجهة الإسلام دينا وقيماً وأعرافاً وعقائد وأنظمة، ولا يصح الادعاء أنهم ضد حركات الإسلام السياسي فقط، بل إنهم يتخذون من ذلك غطاء وستارا لمواجهة الإسلام نفسه، فنجد على سبيل المثال شخصية معروفة تعلن عبر مقالاتها الصحفية (أنها لا تحترم كل محجبة)!! فما علاقة ذلك بالإسلام السياسي؟

    ولذلك لا تجد انتماءً منهم لهذا الدين، ولا للنبي محمد الذي بنى هذه الأمة، وجمع شمل العرب، وجعل لهم رسالة ومنظومة قيم وحضارة سامقة، ولا لشخصيات الأمة وعظمائها مثل أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وأبي عبيدة وعمر بن عبد العزيز وهارون الرشيد والمأمون والغزالي وابن رشد وابن الهيثم والخوارزمي، وسلسلة طويلة من عظماء الاسلام؛ من الذين ملؤوا التاريخ فكراً وعلماً وانجازاً.

    إسبانيا تقيم التماثيل والنصب لابن رشد وابن العربي والباجي وابن حزم في قرطبة بصفتهم شخصيات أندلسية، والعلمانيون العرب يحاولون طمس أي معلم إسلامي وأي قيمة إسلامية معتبرة.

    كنت أنتظر أن يفتخروا بالنبي العربي العظيم، ولو من باب الانتصار للعروبة والقومية على طريقتهم، أو من خلال إبراز المبادئ العظيمة التي يجمع عليها العقل العالمي وتتلاءم مع الفطرة الإنسانية السليمة، بعيداً عن أفكار ما يطلق عليه الإسلام السياسي؛ لأن مواجهة ما يسمى الإسلام السياسي (لو سلمنا لهم) لا يعني بحال الوقوف في مواجهة الإسلام ومنظومته القيمية، ولا يعني الانسلاخ من تاريخ هذه الأمة وتراثها وحضارتها وعدم الانتماء لعظمائها وشخصياتها الفذة ومحاولة الاحتفاء بأعداء الإسلام والخارجين عليه.
    -----------------------------------------------------
    من أخلاقنا
    أعرف رجلاً أنعم الله عليه بسعة المال، وفطره على صدق الود، وبسط اليد؛ فأباح إخوانه ماله، يغترقون منه اغترافاً، ويأخذون منه علاًّ ونهلاً، قرضاً حسناً لا يطالبون برده، وهدية لا يسألون المقابلة بمثلها، وهبة لا يُرتَقَبُ منهم عوضٌ عنها، ولا يسمعون كلمة منّ أو تذكير بها.
    وفَتَحَ لهؤلاء الإخوان ـــ وما كان أكثرهم ــ داره، وأفرد لهم جناحاً فيها لا يدخله أحد من حرمه وأهله، وأقام عليهم خادماً وطاهياً، وانقطع فيه لاستقبالهم قادمين بالبشاشة والترحيب، وإيناسهم مقيمين وخدمتهم، وتوديعهم راحلين مشيِّعاً إياهم بالكرامة، شاكرهم على تفضلهم بالزيارة، سائلهم التكرم بالعودة.
    ولبث هذا الرجل على ذلك حتى أضاع ماله كله، فباع الدار وأثاثها، وغدا فقيراً يحتاج إلى الورقة السورية، فلا يجد في كل أولئك الإخوان من يدفعها إليه، لا وفاء دين، ولا مقابل هدية، ولا عوضاً من هبة، ولا قرضاً حسناً إلى أيام السعة، اللهم إلا قرضاً برباً، ولا يرضى المرابون أن يقرضوا مفلساً.
    ولعل الرجل أخطأ حين عمد إلى هذا الكرم الجاهلي فأخذ به، وترك التأدب بأدب القرآن الذي يقول: [وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً]؛ والذي جعل المبذرين إخوان الشياطين.

    مراجعة طائفة من أخلاقنا:
    ولعله لقي جزاءه؛ فما سقت القصة للحكم عليه، وإنما قصصتها لأنها ذكرتني بطائفة من أخلاقنا، هي كالداء في جسم الأمة، لا يجمل بالكتَّاب وحملة الأقلام السكوت عنها والرضا بها، وهم أطباؤها وأساتها، وعندهم دواؤها.
    ذكرتني بما نكاد نراه كل يوم من الحوادث وما يكاد يعرف له كل قارئ شبيهاً ومثيلاً، حين يأتيك الرجل من أصدقائك أو جيرانك متذللاً متواضعاً، مظهراً للتقى والأمانة، يسألك أن تقرضه مالاً قد تكون أنت في حاجة إليه في يومك أو غدك، ويذكرك الكرم والثواب؛ وربما استعان عليك بمن لا يُرَدُّ طلبُه عندك، فتعطيه ما يريد، تضعه في كفه خالياً به، تستحيي أن تشهد عليه شاهداً، أو تأخذ به كتاباً، مع أن الله أمر بكتابة الدين إلى الأجل المسمى أمر ندبٍ واستحبابٍ، لا أمر إيجاب وافتراض؛ فيأخذه منك ويذهب شاكراً فضلك، مثنياً عليك ثناءً يخجلك ويضايقك، ثم لا تراه بعد ذلك، ولا تبصر له وجهاً، فتفتش عنه؛ لتسأله رد المال وقد انقضت مدة الدَّين، وتجددت حاجتك إليه، فيروغ منك، وينأى عنك، فتطرق بابه، فيقال لك: هو غائب عن الدار، فتعود إليه في الصباح فيقال: هو نائم، فترجع بعد ساعة فيقال: خرج، فتبتغي إليه الوسائل وتتشفع إليه بالأصدقاء، فيلقاك شامخ الأنف مصعّراً خده، يقول: يا أخي، أزعجتنا بهذا الدين، ما هذا الإلحاح الغريب؟ أتخاف أن آكله…؟!
    وينتهرك وأنت تداريه، ثم إن كان رجلاً طيباً دفع إليك الدين، ولكن قرشاً بعد قرش، وورقة بعد ورقة، فتريق في استيفاء دينك ماء وجهك، وتنفق فيه الثمين من وقتك، ثم لا تنتفع منه بشيء.
    وإن لم يكن صاحب ذمة أكل الدين كله، وصرخ فيك حيثما لقيك: ما لك عندي شيء. اشتك للمحاكم!، وهو يعلم أنه لا سند في يدك، ولا بينة لك عليه.
    وهبك أخذت منه كتاباً بدينك، أفتصبر على طول المحاكمة، ومتابعتها، وتأجيلها، وتسويفها، ورسومها، ومصارفها؟ إن ضياع المال أهون من إقامة الدعوى به.

    مستعيرو الكتب
    ومثل هؤلاء المقترضين الأفاضل مستعيرو الكتب، أولئك الذين تركوا في قلبي غصصاً حلفت بعدها بموثقات الأيمان أني لا أعير أحداً كتاباً، ولم أنج مع ذلك منهم، ولم يردّ لي إلى الآن كتاب كشف الظنون الذي نسيت من استعاره مني منذ إحدى عشرة سنة…
    ولهؤلاء المستعيرين نوادر شهدت منها العجب، منها أن أستاذاً محترماً في قومه جاءني مرة يلتمس إعارته جزءاً من تفسير الخازن من خزانة كتبي؛ ليراجع فيه مسألة، ويرده إليَّ عاجلاً، ففعلت؛ وانتظرت أربع… أربع سنوات والله ثم ذكرته به؛ فغضب وقال: ليش العجلة يا أستاذ؟ لم أراجع المسألة بعد…!
    والذي يذكر منهم صاحب الكتاب، ويتنازل، فيرده إليه، يرده مخلوع الجلد ممزق الأوصال. وأنكى منه المستعير المحقق المدقق الذي يرى في الكتاب موطناً يحتاج إلى تعليق، فيكتب التعليقة التي يفتح الله بها عليه، على هامش كتابك بالحبر الصيني الذي لا يمحى ولا يكشط، ويذيّلها باسمه الكريم!!
    وشر من هؤلاء جميعاً الثقيل الذي يتظرف، ويتخفف، فيرى أن من الظرف سرقةَ الكتب، فإذا زارك وتركته في المكتبة وخرجت؛ لتأتيه بالقهوة والشاي أخذ كتاباً فدسَّه تحت إبطه، أو وضعه في جيبه ثم ذهب به وأنت لا تدري.

    علامات التقوى
    وربما كان هذا المدين المماطل، وذلك الذي يأكل الدين وينكره، والذي يستعير الكتاب ويمسكه، ربما كانوا عند العامة من أقطاب الوقت، وأولياء الله الكبار؛ ذلك لأن الناس جهلوا حقيقة التقى، وبدلوا معناه؛ فكان التقي في صدر الإسلام هو الذي يتقي المحارم والمظالم ما ظهر منها وما بطن، ولا يدخل جوفه ولا جيبه إلا طيباً حلالاً، ويفر من مواطن الشبهات، ولا يطلب المال إلا لإمساك الرمق ونيل القوام، والعيش عيش القناعة والرضا، ولا يأخذه إلا من حلّه.

    ولم يكن الرجل؛ ليشهد للرجل بالتقوى إلا إن صحبه في سفر، أو عامله في مال؛ فصار التقي اليوم من يكبِّر عمامته، ويطوّل لحيته، ويوسع كمه، ولا تفارق يده سبحته، ولا يقف لسانه عن ذكر؛ ومن يتوقر ويطيل المكث في المساجد.
    وهذا كله حسن لا اعتراض عليه، غير أن حُسْنَهُ ينقلب قبحاً أبشع القبح إذا اتخذه صاحبه أحبولة يصطاد بها الدنيا.
    كذلك الذي كان وصيَّاً على أيتام ضعاف لا يملكون حيلة، اغتر أبوهم بلحيته وسبحته فوصى بهم إليه، فجرعهم كؤوس المذلَّة والجُوع، ونشَّأهم في الأزقة نشأة اللصوص، وأكل أموالهم وهو يقرأ كل يوم بصوته الجميل:[إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً] .
    وهو مع ذلك لا ينقطع عن الأذكار وحلقاتها، ويجهر بالبكاء إذا سمع الموعظة، وينكر أشد الإنكار على من يهمل السنن؛ فيشرب بشماله، أو يحلق لحيته، والناس يتبركون بلثم يده؛ فكيف السبيل إلى إفهام هؤلاء الناس ما هي حقيقة التقى كيلا يعظموا اللص، ويجعلوه وليَّاً مباركاً، ولا يغتروا بالصلاح المجاني الذي لا يكلف صاحبه مالاً، بل يجمع به المال، ويعلموا أن الله الذي وضع في نفوس الشباب شهوة الجسد وضع في نفوس هؤلاء المشايخ ـــ لست أعني المشايخ كلهم ــ شهوة المال، وأنه لا فضل لأحدهما على صاحبه؛ وأن الشيخ التقي هو الذي لا يقيم للمال وزناً، ويغض البصر عن النساء ويتبع سبيل العفاف؛ وأن الشاب الصالح هو الذي لا تغلبه على نفسه تلك الشهوة …

    انحدار الأخلاق
    لقد انحدرت أخلاقنا حتى صار الشاب منا حين يخوض خِضَمَّ الحياة، ويرى الاختلاف بين ما علموه من الأخلاق في المدرسة، وما تواضع عليه الناس في الحياة يقف حائراً مدهوشاً لا يدري ما يأخذ وما يدع.
    حدثني صديق لي أنه انتسب في شبابه إلى الشرطة، فجعلوه رئيس مصلحة السير في بلدة من بلاد الشام، وكان ذلك منذ خمس وعشرين سنة أو أوفى من ذلك، وكان مقره في مخفر في ظاهر البلد، فمر عليه رَتْلٌ من السيارات فيه حجاج آيبون، وكان نظام تلك الأيام أن سيارة لا تجتاز على مخفره إلا بوثيقة وإذن، لا أدري ما صفتهما فقد نسيت دقائق حديثه، ولم يكن معهم ذلك الإذن فوقفهم، ومنعهم من المرور إلا به، قال: فغاب السائق هنيهة ثم عاد وفي يده صرة وضعها على مكتبي فيها أربعون ريالاً مجيديَّاً، وقال: هؤلاء حجاج آيبون يريدون التعجيل بالوصول، وهذه الصرة ثمن فنجان قهوة رجاء السماح لهم… إلخ.

    قال: فلما سمعت ذلك قفَّ شعري وصحت به: أتريد أن ترشوني يا كذا وكذا، وأمرت به فوقف، واستلمت الهاتف (التلفون) أهتف بمدير الشرطة أرفع إليه الأمر، وأنا أرى أنه سينزل به أشد الجزاء، فإذا به يأمر بإطلاقه، ويأذن للسيارات بأن تسافر على خلاف النظام، وأن يبعث إليه بالمال، ليجري التحقيق.
    قال صديقي: وذهب المال ولم يعد، وتركت العمل، ولو أني بقيت لطرحت عن عاتقي ثقل الأخلاق التي تجعلني غريباً بين زملائي، وتحرمني الغنى، وتكسبني غضب الرؤساء، فلا يصيبني ترفيع، ولا يصل إليَّ خير.

    قصة كل يوم
    وليست هذه القصة فريدة في بابها، ولا هي نادرة من النوادر، بل هي قصة كل يوم، وهي الداء الذي يزداد ويسيطر، والأساة عنه غافلون.
    وأين أساته وأهل الرأي وقادة المجتمع مشغولون بالقتال على المناصب والكراسي، هي الدنيا لهم وهي الأخرى، وأهل الأدب بين نائم يستمتع بشهيِّ الأحلام، ومستيقظ قد ألهاه هواه، فهو يملأ الدنيا بكاءاً ونحيباً؛ لأن صاحبته أسهرته بعدِّ النجوم ولم تأته، أو أنها قد وعدته وأخلفت ، وأهل العلم يعيش أكثرهم على هامش الحياة.
    ومن اشتغل منهم بالمسائل العامة أخذ نفسه بالاهتمام بأمر لا يقدم في الدين ولا يؤخر، ولا يتوقف عليه إيمان ولا كفر.

    والشباب الناشئون؛ لجهلهم حقائق الإسلام، وبُعْدِ ما بينهم وبين المشايخ، وقَصَرِ أيديهم وأفهامهم عن نيل الكتب ذات الشروح والحواشي قد زهدوا في كل ما هو شرقي واستهانوا به، وعظموا ما يقابله من كل حماقة دعيت مذهباً اجتماعيَّاً، وكل سفسطة سميت فلسفة، وكل كفر بالدين والعرض دعي أدباً،وأعانهم على ذلك أن أكثر المدرسين من الذين لم يقدر لهم فهم علوم الإسلام والغوص على كنوز كتبه.

    الكثرة وليس التعميم
    ولست أطلق القول وأجنح إلى التعميم؛ فإن في كل فئة من هؤلاء ـــ الطيبين والمصلحين ـــ ولكن الكثرة على نحو ما ذكرت؛ فمن أين يرجى إصلاح أخلاقنا وأوضاعنا؟ ومن أين يرجى لأخلاقنا صلاح؟ ولم نتفق بعد على الأخلاق التي ينبغي أن نتخلق بها؛ فمنا من يرى المثل الأعلى في أخلاق الجاهلية: كرم إلى حدّ التبذير، وشجاعة إلى حدّ التهوُّر، كصاحبنا الذي استهللت بحديثه هذا المقال، ومنا من يميل إلى التخلق بأخلاق أجدادنا في القرن الماضي على ما كانت عليه بلا زيادة عليها ولا نقصان منها، ومن يخالفهم مخالفة الضدّ للضدّ فيرى أن نقتبس الأخلاق الغربية برمتها.

    ويتشعب بهؤلاء الرأي فيميل كل إلى الأمة التي تعلم في مدارسها، أو رحل إلى أرضها، ومن يرى اقتباس الجيد النافع من كل أمة من غير أن يحدد أو يعين.
    ولا دواء لهذه الفوضى في رأيي، ولا صلاح لأخلاقنا، إلا بالرجوع إلى الإسلام الصحيح الذي جاء به سيدنا وسيد العالم محمد صلى الله عليه وسلم ؛ لا الإسلام الذي يفهمه المتاجرون بالدين، ولا الذي تفهمه العامة؛ فإذا فعلنا فثمة كلُّ خيرٍ، ولا يكون ذلك إلا إذا شمر العلماء وحققوا المسائل، ودرسوا المشكلات، وألقوا عن المصنفين الأولين رداء التقديس، واستمدوا الأحكام من موردها، ثم ترجموا هذه الكتب القديمة إلى لغة العصر.
    _____________
    بــــ" تصرف في المقال"-الشيخ علي الطنطاوي






                  

العنوان الكاتب Date
مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشباب... سيف اليزل برعي البدوي07-08-20, 11:52 AM
  Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� عزالدين عباس الفحل07-08-20, 12:03 PM
  Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� عزالدين عباس الفحل07-08-20, 12:05 PM
    Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي07-09-20, 12:13 PM
      Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي07-10-20, 10:42 AM
        Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي07-11-20, 12:23 PM
          Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي07-13-20, 12:32 PM
            Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي07-14-20, 03:42 PM
              Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي07-15-20, 01:05 PM
                Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي07-16-20, 01:46 PM
                  Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي07-17-20, 12:47 PM
                    Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي07-18-20, 03:53 PM
                      Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي07-19-20, 02:58 PM
                        Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي07-20-20, 05:18 PM
                          Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي07-21-20, 03:01 PM
                            Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي07-23-20, 00:52 AM
                              Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي07-24-20, 01:11 AM
                                Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي07-25-20, 01:58 AM
                                  Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي08-01-20, 01:41 AM
                                    Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي08-01-20, 12:20 PM
                                      Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي08-03-20, 03:17 PM
                                        Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي08-04-20, 02:10 PM
                                          Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي08-05-20, 02:06 PM
                                            Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي08-06-20, 02:56 PM
                                              Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي08-07-20, 12:27 PM
                                                Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي08-08-20, 01:04 PM
                                                  Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي08-09-20, 01:12 PM
                                                    Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي08-10-20, 01:07 PM
                                                      Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي08-11-20, 03:28 PM
                                                        Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي08-12-20, 05:15 PM
                                                          Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي08-13-20, 01:28 PM
                                                            Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي08-14-20, 01:58 PM
                                                              Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي08-15-20, 12:34 PM
                                                                Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي08-16-20, 02:47 PM
                                                                  Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي08-18-20, 11:36 AM
                                                                    Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي08-20-20, 01:39 AM
                                                                      Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي08-22-20, 00:20 AM
                                                                        Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي08-23-20, 11:50 AM
                                                                          Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي08-27-20, 03:28 AM
                                                                            Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي08-28-20, 02:22 AM
                                                                              Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي08-28-20, 10:21 PM
                                                                                Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي08-30-20, 04:49 PM
                                                                                  Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي08-31-20, 11:16 PM
                                                                                    Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي09-02-20, 00:30 AM
                                                                                      Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي09-03-20, 06:00 PM
                                                                                        Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي09-05-20, 02:42 PM
                                                                                          Re: مقالات مفيدة تهم المجتمع و الأسرة و الشبا� سيف اليزل برعي البدوي09-28-20, 02:15 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de