♧ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَ لِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ《 3》

● جاء في سورة البقرة في سياق الحديث عن إبراهيم عليه السلام،
وقصة بنائه للبيت الحرام، قوله تعالى: {وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات
فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي
الظالمين} . وقد أورد بعض الناس إشكالاً نحويًا في الآية، وذلك أن قوله
تعالى: {لا ينال عهدي الظالمين} جاء فيه الفاعل {الظالمين} منصوباً، وكان
المتبادر أن يقال: (لا ينال عهدي الظالمون)! فما هو توجيه الآية الكريمة؟

● هذه الآية قرأها معظم القراء بنصب {الظالمين} بالياء ؛ لأنه جمع
مذكر سالم ، و ينصب بالياء. وقرأ بعض القراء في قراءة غير متواترة
بالرفع (الظالمون) بالواو ؛ لأنه جمع مذكر سالم، و يرفع بالواو، ويكون
{عهدي} على هذه القراءة مفعول به مقدم على الفاعل اهتمامًا به.

والآية على القراءة الثانية لا إشكال فيها. وهي كذلك على القراءة الأولى؛
فقوله تعالى: {لا ينال عهدي الظالمين} جملة مؤلفة من فعل و فاعل و مفعولبه؛
أما الفعل فقوله تعالى: {ينال}، والفعل (نال) كما يقول النحويون ، يتعدى لمفعول
واحد لا غير، وهو في الآية {الظالمين}، فتعين أن يكون الفاعل هو (العهد) في
قوله سبحانه: {عهدي}، وهذا الفاعل مرفوع بضمة مقدرة علىياء المتكلم،
منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة المناسبة لياء المتكلم ؛ أما قوله
سبحانه: {الظالمين} فهو مفعول به منصوب بالياء؛ لأنه جمع مذكر سالم.

● وإعراب الآية على هذا النحو، هو محل اتفاق بين أهل العلم، بل إن
أهل العلم ذكروا هنا أمرًا مهمًا، وهو أن الفعل (نال) يجوز أن يكون فاعله
مفعولاً، ويجوز أن يكون مفعوله فاعلاً، على التبادل بينهما؛ فأنت تقول :
نال الطالبُ الجائزةَ، ويجوز لك أن تقول: نالت الجائزةُ الطالبَ؛ لأن ما
نالك فقد نلته أنت.
●¤ومعنى الآية على هذه القراءة: لا ينال عهدُ الله الإمامة ظالماً،
لا تكلبفاً و لا تشريفاً أي : ليس لظالم أن يتولى إمامة المسلمين. 
و(حتى و إن ظل يلهج عادلى مدار ثلاثين سنةٍ عحافٍ ب( هي لله)

●و مجيء الآية على هذا التركيب يفيد معنى مهماً، و هو أن الظلمة
الفجرة و لو اتخذوا أسباب( التمكين) التي توصلهم إلى نيل العهد ،بركوب
(دبابة) السلطة فإن عهد الله و ميثاقه يأبى بنفسه أن يذهب لظالم ، أو
يكون له ؛ لأن الأخذ بعهد الله شرف، وهذا الشرف لا ينال الظالمين. 

● والآية الكريمة وإن كانت واردة بصيغة الإخبار لا بصيغة الأمر،
حيث إنها تخبر أن عهد الله لا يناله ظالم، إلا أن المقصود بهذا الإخبار
الأمر، هو أمر الله عباده، أن لا يولوا أمور الدين و الدنيا ظالماً. والذي
يُرجح أن يكون المقصود بالآية الأمر لا الإخبار، أن أخباره تعالى لا
يجوز أن تقع على خلاف ما أخبر سبحانه، وقد علمنا يقيناً، أنه
قد نال عهده من الإمامة وغيرها كثيرًا من الظالمين.