♧ القومة ليك يا بلد£

《زيف الغربة و وجع الأوطان》

"ما زلت أؤمن أن الإنسان لا يموت دفعة واحدة وإنما يموت بطريقة الأجزاء، كلما رحل أب أو أم او صديق عزيز مات جزء منه، وكلما غادرنا حبيب قريبٌ مات جزءٌ عزبزٌ، وكلما قُتِل حلمٌ ورديٌّ من أحلامنا مات جزءٌ آخر، فيأتي الموت الأكبر ليجد كل الأجزاء ميتة فيحملها و يرحل بها كنعش غريق يجاذبه رهطُ متشاسين ببن ضفتَي نهر"؛ (جبران خليل جبران).

● و لا أمل بتاتاً من قراءة سطور جبران المقتبسة عاليَه. و كنت أعتقد قبل سنوات أنها مجرد بلاغة كاتبٍ بديع السليقة حاضر البديهة، و لكن يبدو أن ما كتبه ليس مجرد أحرفٍ و مفرداتٍ مصفوفةٍ هكذا كخردة الحدادة، بل إنها تجارب حياةٍ قاسيةٍ يغلب عليها الوداع و النفلات من مطار إلى مكار إلى محطة ترانزبت على سكة قطار ، تماماً كشأن طرود الحوانيت و موادِّ الإغاثة المعفاة من رسوم الجمرك و جبايات القبانة عند نقاط التفتيش. فهو ابن المهجر الذي عايش وقاسى من وجع الفقد والرحيل خلال ثمانية وأربعين عامًا ، عاشها مرتحلًا بين وداع أفراد عائلةٍ مغبونةٍ و منزوعاً من أحضان أحباب حزانى.

● تُرى، ماذا يفعل فينا ليل هذا الغياب الذي لا ينجلي!؟ نكبر كل يومٍ و يتوقع منا الآخرون أن نتوقف
عن حدِّ مبكانا.. أن نكون أكثر جَلَداً و صلابةً.. أن نصبح على قدر المسؤولية.. أن نعتاد على قسوة الغياب
و وعثاء الرحيل المُرِّ.. ولكن لم ينئنا خبيرٌ كيف نبقى أحياءً [كخُشُبٍ مسندةٍ]، بينما تموت اجزاء منا و تُبتر أطرافٌ. ففي كل يوم.. لا يفتأ يفارقنا الأحبة .. ويرحل الأصدقاء إلى سفر بلا عودةٍ، ونمنع من لقاء أحبتنا
والدينا و حتى فلذات أكبادنا لأزمنة مديدةٍ لأن أوطاننا لفظتنا بفساد أنظمتها.. ونبقى نواجه عالمنا
وحدنا في بلاد بعيدةٍ، بينما كتبت علينا خطى لأن نواصل طرقنا بصلابة و دأبٍ خرافيٍّ.