خمسون عاما على حوادث الجزيرة أبا وودنوباوي والكرمك.. رصد وثائق تاريخية

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 06-08-2024, 11:41 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف للعام 2020-2023م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
04-03-2020, 11:31 AM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 49030

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: خمسون عاما على حوادث الجزيرة أبا وودنوباو (Re: عبدالله عثمان)

    تسلم يا بابو

    وشكرا لمشاركتك في البوست التوثيقي.
    ــــــــــــ




    قراءة في في التاريخ السوداني المعاصر مذبحة الجزيرة أبا!
    20 سبتمبر، 2016

    السودان اليوم :
    كان المشهد دامياً ومفجعاً إلى أقصى ما يصدقه العقل.. في عصر يوم الجمعة 27 مارس 1970 انهمرت القذائف على المواطنين الأبرياء في “الجزيرة أبا”.. كانت انفجارات القنابل وشهيق المدافع تصم الآذان.. بينما الرجال يهرولون إلى أطراف الجزيرة.. والأطفال والنساء يحتمون بأسقف بيوت لا تقوى على صد الموت المحمول قصفاً.. في دقائق معدودة تمددت أشلاء (80) لا يعرفون لم قُتلوا..
    في هذه الحلقات نروي قصة أفجع ثلاثة أيام في التاريخ السوداني المعاصر..

    لم تكن مفاجأة كبيرة عندما استمع السودانيون في صبيحة يوم 25 مايو 1969 لمارشات عسكرية تنطلق من الإذاعة الوحيدة والرسمية في البلاد.. إذاعة أم درمان.. ومن أول وهلة لمع اسم (جعفر محمد نميري) الذي تولى رئاسة مجلس قيادة الثورة لمجموعة من العسكريين الشباب الذين ترقوا لرتبة (الرائد) قبل أسبوع واحد فقط من الانقلاب..
    ورغم أن الانقلاب العسكري لم يكن مفاجئاً للمواطنين إلا أن المفاجأة الحقيقية كانت في الرجل المدني الذي تسنم السلطة التنفيذية تحت مُسمى (رئيس الوزراء) السيد بابكر عوض الله.. فأصبح واضحاً لون واتجاه العهد السياسي الجديد.. ومن هنا بدأت خيوط المعارضة تغزل..
    الزعيم الأزهري.. رحيل مبكر..
    الزعيم إسماعيل الأزهري كان أول اسم في قائمة المعتقلين السياسيين.. لكن الله شاء أن يرحل مبكراً.. ففي 29 أغسطس عام 1969 أي بعد ثلاثة أشهر من الانقلاب وفي مستشفى الخرطوم التي نقل إليها من سجن كوبر.. غادر الزعيم إسماعيل الأزهري الدنيا ليترك الساحة السودانية تواجه المعادلة الجديدة.. معادلة المواجهة بين قوى اليمين المعارض ضد اليسار الحاكم..
    خروج الهندي..!!
    لكن رحيل الأزهري سبقه خروج زعيم آخر من الأسماء السامقة في سماء السياسة السودانية.. الشريف حسين الهندي..
    السيد مبارك الفاضل المهدي، أحد أهم اللاعبين السياسيين الأساسيين الذين لعبوا دوراً مشهوداً في المشهد السياسي منذ سبعينيات القرن الماضي.
    يقول مبارك: (الشريف حسين الهندي استطاع التسلل فيه من الخرطوم والوصول إلى الجزيرة “أبا” في النيل الأبيض حيث يقيم الإمام الهادي المهدي وهو زميله في الدراسة عندما كانا في كلية فكتوريا. الإمام الهادي المهدي نجح في إخراج الشريف حسين الهندي من السودان عبر الحدود مع إثيوبيا مباشرة بعد الانقلاب في مايو 1969 م).
    ويقول مبارك: (الإمام الهادي كلف الشريف حسين الهندي بنقل طلب دعم موجه إلى الإمبراطور هيلاسلاسي، والملك فيصل ووجه ابنه ولي الدين الهادي الذي كان في لندن باللحاق بالهندي ليؤكد للإمبراطور والملك بأن الشريف موفد من الإمام الهادي..).
    الدعم المطلوب من الملك فيصل.
    يقول مبارك الفاضل المهدي شاهدنا الرئيس على أحداث الجزيرة “أبا”، أن الدعم المطلوب بالتحديد هو “السلاح” والمساندة الدبلوماسية خارجياً.. لكن مبارك يستدرك أن السلاح فقط للدفاع عن النفس لورود أخبار مقلقة عن نية مبيتة من النظام الجديد للانقضاض على الجزيرة “أبا” باعتبارها (بؤرة الرجعية).. العبارة التي كانت تطلق على القوى اليمينية آنئذ.
    لكن هذا الدعم اللوجستي بالسلاح لم يصل منه إلا قليل جداً يقول مبارك ( أقل من 1%).. لأن وسيلة التهريب هي الجمال التي تعبر مناطق وعرة بواسطة الأنصار من قبائل رفاعة وكنانة في النيل الأزرق.
    يقول مبارك الفاضل (الملك فيصل دفع الفاتورة للإثيوبيين ليمدونا بالسلاح).

    بدأت تتشكل معالم معارضة مسلحة قوية ضد نظام مايو، بقيادة الإمام الهادي الذي كان – كالأسد في عرينه – مستعصماً بالجزيرة “أبا”..
    الجزيرة “أبا”.. التاريخ يعيد نفسه..
    لا أحد في السودان لا يعرف الجزيرة “أبا” فهي القوس الذي انطلقت منه سهام الإمام محمد أحمد المهدي في العام 1881 لتكون الشرارة الأولى لأكبر ثورة شعبية في التاريخ ضد نظام استعماري.. وتنجح في أربع سنوات فقط في اقتلاعه من جذوره في دولة بمساحة أوروبا الغربية.
    والجزيرة “أبا” تقع في النيل الأبيض حوالي (280) كيلومتراً جنوبي الخرطوم. وهي ليست مجرد جزيرة نيلية صغيرة بل مساحة كبيرة تمتد طولاً (30) كيلومتراً وعرضها حوالي (4) كيلومترات.. ولها اتصال مع البر الشرقي عن طريق معبر شهير يطلق عليه “الجاسر” هو المنفذ الوحيد إليها..
    في الجزيرة “أبا” أوقع الإمام محمد أحمد المهدي أول هزيمة نكراء بقوات الاستعمار البريطاني.. بحوالي (300) رجل عتادهم الأسلحة البيضاء التقليدية أشعل المهدي ثورته التاريخية الظافرة.
    ليأتي من بعده بعد قرابة قرن من الزمان أحد أحفاده؛ الإمام الهادي المهدي ليختار من الجزيرة “أبا” عرين المواجهة الشاملة من النظام الانقلابي الجديد..
    التحالف المعارض!!
    بدأت معالم التحالف السياسي المعارض لنظم مايو تتشكل. الأستاذ أحمد عبد الرحمن أحد قيادات جبهة الميثاق الإسلامي –آنئذ- كان خارج السودان عندما وقع انقلاب مايو 1969 بالتحديد في المملكة العربية السعودية عندما أدرك طبيعة النظام السياسي الجديد بادر وطلب لقاء الملك فيصل عن طرق الشيخ مناع قطان الذي أوصله بالأمير عبد الله بن عبد الرحمن عم الملك ..
    شرح أحمد عبد الرحمن للقيادة السعودية طبيعة النظام اليساري الجديد في السودان وخطورته إستراتيجيا على المنطقة وبالتحديد السعودية نفسها.
    ويبدو أن قادة النظام الجديد كانوا هم أيضاً يسابقون لشرح سياستهم وطمأنة السعودية –على الأقل لتحييدها أن لم يكن لكسبها – فأرسلوا الرائد أبو القاسم محمد إبراهيم ووزير الإعلام وقابلوا الملك فيصل أيضاً.
    المحطة الثانية.. بيروت!!
    بعد ذلك سافر أحمد عبد الرحمن إلى بيروت. وبيروت كانت واحة الحرية والديمقراطية والاستنارة في العالم العربي حيث التقى صدفة بالصحفي محمد مكي الشهير بـ(مكي الناس) وهو صاحب ورئيس تحرير صحيفة “الناس” اليومية التي كانت تصدر في الخرطوم. مكي كان في مهمة عمل لطباعة “دليل النيل” في بيروت عندما وقع انقلاب مايو، وكانت ترافقه زوجته السيدة ثريا.
    وكان مع الصحفي مكي الناس زميله الصحفي كامل حسن.

    ثم التقى أحمد عبد الرحمن في بيروت بالأستاذ عثمان خالد مضوي الذي كان ببيروت في مهمة قانونية حامية تتعلق بخلاف بين الحكومة وشركة ترف التي كانت مكلفة بتنفيذ خزان خشم القربة.
    بعد ذلك التقوا جميعاً ببعض الطلاب السودانيين ببيروت ومنهم مبارك الفاضل المهدي الذي كان طالباً في الثانوية بمدرسة “الشويفات” في لبنان وقتها.
    والتقوا بمحمود بركات وعز الدين عمر موسى.
    لحق بهم بعد ذلك قادماً عن طريق البحر الأستاذ أحمد زين العابدين ثم وصل نصر الدين السيد من كينشاسا حيث كان مع الزعيم أزهري في مؤتمر، فعاد الأزهري للخرطوم قبل الانقلاب حيث اعتقل.
    ووصل بيروت الدكتور محمد صالح عمر ومعه قوة كانوا يتدربون في معسكر لحركة فتح على حدود الأردن ولبنان.
    يقول مبارك الفاضل (كانت بيروت محطة التجمع للتحالف المعارض ضد مايو لأن الدخول لها كان بدون تأشيرة وكانت بلدا ديمقراطيا فيها حرية حركة..)
    وصل دكتور عمر نور الدائم إلى بيروت قادماً من لندن في يونيو 1969 أي بعد أقل من شهر من وقوع الانقلاب. وكان أجرى جراحة (قرحة) في لندن.
    أول مهمة!!
    د. عمر نور الدائم طلب من الطالب مبارك الفاضل أن يسافر إلى السودان لنقل رسالة للإمام الهادي في الجزيرة “أبا” مكتوبة وأخرى شفهية فحواها هل يعود إلى السودان أم هناك تكليف يقوم به في الخارج؟.
    يقول مبارك الفاضل (كنت في إجازة الصيف فسافرت في اليوم التالي وقابلت الإمام في الجزيرة “أبا” وسلمته الرسالة وأبلغته بالرسالة الشفهية..)
    الإمام الهادي طلب من مبارك أن يعود إلى بيروت لينقل رده إلى عمر نورالدائم.. فحواه تكليف عمر نور الدائم أن يلحق بالشريف حسين الهندي في السعودية ويكون ممثلاً للحزب خارجياً.
    وفعلاً رجع مبارك الفاضل إلى بيروت فورا وأبلغ عمر نورالدائم رداً مكتوباً من الإمام.
    الصدفة العجيبة!!
    يقول مبارك الفاضل (في اليوم التالي لعودتي إلى بيروت خرجت مع دكتور عمر نتمشى على الشاطئ.. من “الحمراء” إلى “الروشة”، وفي المساء ونحن عائدون وجدنا الصحفي محمد مكي ” مكي الناس” يجلس في القهوة على الرصيف أمام فندق في “الروشة” كانت مفاجأة لنا فجلسنا معه..)
    يقول مبارك الفاضل (الصحفي مكي فاجأنا مفاجأة كبرى.. وجدنا أنه يعلم بوصول الشريف حسين الهندي إلى جدة.. فنظرنا إلى بعضنا بحيرة شديدة ولم نعلق..)
    وكان الصحفي مكي مشهوراً بقدرته على جمع المعلومات التي كان يتباهى بها أمام الجميع فسببت له متاعب كبرى كما حدث لاحقاً له .. وفي نفس هذه القهوة التي التقاه فيها مبارك الفاضل وعمر نور الدائم.
    عمر نور الدائم.. إلى جدة!
    سافر دكتور عمر نورالدائم إلى جدة لينضم إلى الشريف حسين الهندي .
    الملك فيصل اهتم بهما وخص دكتور عمر بجواز سفر سعودي وكان يتابع معهما الأمور شخصياً لدرجة توجيه الأمير فهد وزير الداخلية بمساعدتهما في التحرك وتأسيس نشاطهما المعارض.
    العودة إلى بيروت..
    يقول مبارك الفاضل (تجمع الكل في بيروت في فندق عون هاوس بالحمرة.. الشريف حسين ودكتور عمر ومحمد صالح عمر وعلي عبد الله يعقوب وزوجته حكمات، وعثمان خالد، وأحمد إبراهيم الترابي ومن بيروت محمود بركات وعزالدين عمر موسى وكانوا يحضرون للماجستير والدكتوراه في الجامعة الأمريكية وشخصي مبارك الطالب في مدرسة الشويفات).
    المهمة الثانية إلى “أبا”
    طلبوا من مبارك الفاضل هذه المرة نقل رسالة شفهية للإمام الهادي في الجزيرة “أبا” توضح تفاصيل الترتيبات مع الملك فيصل والإثيوبيين ونقل السلاح. وبالفعل ذهب مبارك إلى الجزيرة “أبا” ونقل الرسالة للإمام الذي حمله رسالة أخرى إلى الملك فيصل لكن تسلم عبر الدكتور عمر نور الدائم والشريف حسين الهندي.
    يقول عنها مبارك الفاضل (كانت رسالة خطيرة للغاية .)
    • الإمام الهادي طلب من الملك فيصل إسقاط السلاح جواً في الجزيرة أبا
    • نميري اتصل من الباخرة بالقيادة العسكرية في الخرطوم.. وطلب اعتقال الهادي فوراً
    • العقيد “أبو الدهب” أوهم الإمام الهادي بالموافقة على شروطه.. بينما كانت خيوط المؤامرة تنسج
    المقدمة
    كان المشهد دامياً ومفجعاً إلى أقصى ما يصدقه العقل.. في عصر يوم الجمعة 27 مارس 1970 انهمرت القذائف على المواطنين الأبرياء في “الجزيرة أبا”.. كانت انفجارات القنابل وشهيق المدافع تصم الاذان.. بينما الرجال يهرولون إلى أطراف الجزيرة.. والأطفال والنساء يحتمون بأسقف بيوت لا تقوى على صد الموت المحمول قصفاً.. في دقائق معدودة تمددت أشلاء (80) لا يعرفون لم قُتِلوا..
    في هذه الحلقات نروي قصة أفجع ثلاثة أيام في التاريخ السوداني المعاصر..
    تهديد وتحذير!!
    يقول مبارك الفاضل المهدي أن الإمام الهادي بلغته نصائح مباشرة وصريحة أن يبتعد فوراً عن الجزيرة “أبا”.. فالخطر فيها كبير للغاية لوضعه الجغرافي الضيق وعزلتها وسهولة حصارها..
    المقترح كان أن ينتقل الإمام إلى منطقة جنوب “القضارف” علاوة على كونها منطقة أنصارية حصينة فإن موقعها الجغرافي يجعل ظهره مؤمناً الحدود مع الجارة بإثيوبيا حيث يمكن أن توفر له ملاذاً آمناً في حال اشتد عليه الأمر.
    يقول مبارك الفاضل (ولكنه لأسباب نفسية وتاريخية ورغم قلقه من هجوم مباغت رفض الفكرة..)
    إلقاء السلاح بالمظلات!!
    يبدو أن الزمن كان يعدو سريعاً في سباق بين طرفين.. نظام الرئيس نميري المتعجل لـ(إزالة الرجعية والطائفية) على حد التعبير السياسي الذي كان سائداً حينها. وبين الإمام الهادي المهدي الذي أصبح “أيقونة” المعارضة السياسية.
    طلبات “السلاح” جاهزة من إثيوبيا مدفوعة بمال السعودية لكن عملية نقل السلاح بالجمال عبر السهول والهضاب الوعرة أمر قد يستغرق زمناً لا يتفق مع أحداثيات المعركة الزمنية.
    رسالة عاجلة من الإمام الهادي إلى الملك فيصل.. نقلها الشريف حسين الهندي وعمر نور الدائم فحواها (لا وقت لتسريب السلاح عبر الحدود.. نريده جواً.. إسقاط السلاح بواسطة الطائرات داخل الجزيرة “أبا”.
    الملك فيصل اعتذر عن تنفيذ عملية الإسقاط الجوي لسببين:
    السبب الأول: ليس للسعودية طيارون قادرون على مثل هذا العمل الفني الدقيق.. فالطائرات ستحلق لأكثر من أربع ساعات ذهاباً وإياباً في سماء السودان ثم يجب عليها إسقاط السلاح بكل دقة في منطقة محدودة صغيرة وربما تتطلب العملية التحليق على أدنى ارتفاع ممكن.
    أما السبب الثاني: ليس للسودان حدود برية مباشرة مع السعودية. فالطائرات قد تحلق في المياه الدولية إذا عبرت البحر الأحمر.. أو تعبر سماوات دول أخرى إذا مرت فوق إثيوبيا (لم تكن إريتريا استقلت بعد). وعليه (سقطت) فكرة (إسقاط) السلاح جواً.
    أين الصادق المهدي؟
    هل كان الإمام الهادي المهدي مثل “السيف” يخوض معركته وحده؟
    أين ابن أخيه السيد الصادق المهدي الذي كان لتوه استعاد وحدة حزب الأمة قبل شهور قليلة من انقلاب مايو.
    الصادق المهدي جاء إلى الجزيرة “أبا” ربما أيضاً بنية الابتعاد ما أمكن من قبضة النظام في الخرطوم. لكن يبدو أن في أعماق تفكيره الاستراتيجي استخدام سياسية “الاحتواء والعزلة” بدلاً من المواجهة الدموية.
    الاستاذ المؤرخ صديق البادي في كتابه “أحداث الجزير أبا” ذكر
    تفاصيل ثرة توضح الدائرة والمساحة التي تحرك فيها الصادق منذ أول يوم للانقلاب.. حيث تريث قليلاً في حكمه على (نوايا) الانقلاب باعتبار (هم أولادنا).. فجذورهم أنصارية. لكنه في النهاية أوى إلى الجزيرة “أبا” حصن الأنصار الحصين.
    يقول مبارك الفاضل: (السيد عبدالله نقد الله طلب من عبدالرحمن عابدون حث ابنه الطيار الحربي الفاتح عابدون لترتيب لقاء بين الصادق المهدي ونميري.. وفعلاً سافر الطيار الحربي الفاتح عبدون إلى الجزيرة أبا رفقة خالي إسماعيل عبدالله الفاضل المهدي..)
    حسب مبارك الفاضل فإن الإمام الهادي تمسك بابن أخيه الصادق المهدي ورفض خروجه من الجزيرة “أبا” خشية غدر النظام السياسي الجديد. لكن في نهاية الأمر عاد الصادق إلى الخرطوم والتقى الرئيس نميري ودار بينهما حديث طويل سجله بكل دقة الأستاذ صديق البادي في كتابه آنف الذكر.
    وفي صباح اليوم التالي تحققت مخاوف الإمام الهادي.. ألقت السلطات القبض على الصادق المهدي.
    يقول مبارك الفاضل (واعتقل الصادق وتحفظ عليه في بيت قائد الحامية بشندي وقد زاره هنالك العم بروف موسى عبدالله حامد..)
    فاروق حمد الله وأبو القاسم محمد إبراهيم.. في “أبا”
    أورد صديق البادي في كتابه تفاصيل أول ملامسة مباشرة بين النظام والإمام.. ففي شهر رمضان المعظم الذي وافق شهر نوفمبر 1969 زار إثنان من أعضاء مجلس قيادة الثورة هما الرائد فاروق حمد الله وكان وزيراً للداخلية، والرائد أبو القاسم محمد إبراهيم وزير الحكومات المحلية، زارا الجزيرة أبا بالطائرة التي حطت بهم في مطار مدينة “ربك” وكان يرافقهما العقيد يوسف أحمد يوسف. وأطلع فاروق حمد الله الإمام على ما أسماه تهديدات لأمن المواطنين في الجزيرة وعرض إنشاء قسم للشرطة لكن الإمام الهادي رفض بحجة أن الأمن مستتب ومحفوظ في حصن الأنصار الحصين.
    ومضت الأيام وفي أول يناير عام 1970 زار الرئيس المصري جمال عبد الناصر السودان ليوم واحد، بعدها بأقل من أسبوعين (13 يناير 1969) أعلن العميد خالد حسن عباس عضو مجلس قيادة الثورة ووزير الدفاع عن إحباط محاولة لقلب نظام الحكم من بضعة عسكريين من ذوي (الميول الطائفية)!!
    في اليوم التالي مباشرة أعلن عن رصد ميزانية قدرها (120) ألف جنيه لإنشاء خزانات مياه وتوصيل الكهرباء ومدرستين أوليتين للبنات وأخرى وسطى للأولاد ومعهد أوسط ونقطة بوليس في الجزيرة أبا.
    الشرارة انطلقت..
    في يوم الثلاثاء 17 مارس 1970 بدأت أول شرارة.
    أعلن الرئيس جعفر نميري عزمه زيارة الجزيرة “أبا” في إطار برنامج يشمل زيارة مدن وقرى النيل الأبيض ثم النيل الأزرق. وحدد لبداية برنامج الزيارة يوم الإثنين 23 مارس أي بعد أقل من أسبوع.
    وخلال هذه الفترة أعلنت الخطوط الإثيوبية وقف رحلاتها إلى الخرطوم وأذاعت البي بي سي العربية أن العلاقات السودانية الإثيوبية تخطو نحو مزيد من التوتر.
    في السادسة من صباح الإثنين 23 مارس 1970 تحرك ركب الرئيس نميري من جبل الأولياء وكانت أول محطة يتوقف فيها مدينة “القطينة” حيث خاطب الجماهير في ميدان المدرسة الوسطى.
    و بات الرئيس نميري ليلته الأولى في مدينة “الدويم” . وفي اليوم التالي بدأت إرهاصات المواجهة فقد اعتقل بوليس مدينة “كوستي” عشرة من قيادات حزب الأمة في “كوستي” ويبدو أنه إجراء تحوطي.
    في مدينة “الكوة” حاولت جموع الأنصار بث رسالة تحذير قوية للرئيس نميري عن طريق الهتافات الداوية بل ومحاولة تحطيم سرادق الاستقبال في بعض المناطق.
    كان واضحاً أن الشرارة تتأهب للانطلاق.. ولكن لم يكن واضحاً أي الأطراف يبيت النية للآخر وأيهما سيسبق الآخر.
    أعود مرة أخرى لكتاب صديق البادي الذي أورد تفاصيل مدهشة موثقة لمجريات رحلة نميري على ظهر الباخرة بما فيها الاجتماعات التي كانت تعقد الحضور وأجندتها ومداولاتها.
    يوم الأربعاء 25 مارس 1970 اتصل الرئيس نميري بواسطة جهاز الارسال المثبت في الباخرة برئيس هيئة الأركان بالإنابة في الخرطوم وكان وقتها الرائد زين العابدين محمد أحمد عضو مجلس قيادة الثورة وطلب منه إرسال قوة فوراً لاعتقال الإمام الهادي المهدي.
    كانت تلك القوة – الشهيرة- هي التي قادها العقيد أحمد محمد أبو الدهب. وتحركت عصر نفس اليوم من معسكر الجيش بضاحية “الشجرة” بالخرطوم ووصلت الجزيرة “أبا” في حوالى الساعة الخامسة من صباح اليوم التالي .. يوم الخميس 26 مارس 1970.
    واتجهت القوة إلى “معبر الجاسر” المدخل الوحيد للجزيرة “أبا” لكن جموع الأنصار المتحمسة والثائرة اعترضت طريقها وأوقفتها.
    روى صديق البادي بدقة تفاصيل المشهد المثير.. استقى صديق معلوماته من شهود العيان الذين لا يزالون على قيد الحياة.
    الحرب خدعة.. ومكر ودهاء..!!
    حسب رواية البادي أن العقيد أبو الدهب لما رأى نفسه في مواجهة مع جموع الأنصار تصرف بمكر ودهاء إذ قال لهم أنه مبعوث من الرئيس نميري لحل الأزمة بالتفاوض سلمياً مع الإمام المهدي، فسمح له الأنصار مواصلة توغله في الجزيرة وحده على ظهر سيارة صحبه فيها بعض قيادات الأنصار في الجزيرة “أبا” .. ورغم التحرش المتواصل من جماهير الأنصار بالعقيد أبو الدهب للدرجة التي وصلت محاولة خلع (الدبابير) من كتفه إلا أنه ظل هادئاً رابط الجأش لا يستجيب للاستفزاز حتى أوصلوه إلى سراي الإمام.
    إستقبله الإمام الهادي المهدي؛ يقول صديق البادي في سرد جميل (وأدرك أبو الدهب منذ دخوله الجزيرة أبا أنه في موقف خطير لا يحسد عليه وأن لا يمكن أن ينجو إلا بالدهاء والحيلة – والحرب خدعة- كما ذكر في ما بعد..)
    أخبر العقيد أبو الدهب الإمام الهادي أنه في مهمة تفاوضية عاجلة وسيذهب إلى كوستي فور انتهاء المقابلة. وأوضح له أن نميري يبحث عن حل عاجل وقرر تنفيذ شروط الإمام الهادي.. وطلب العقيد أبو الدهب من الإمام أن يملي عليه طلباته.
    سر الإمام الهادي سروراً عظيماً وأملى شروطه في ورقة كان على رأسها إماطة الواجهة الشيوعية للنظام وإطلاق العملية السياسية التعددية وإطلاق سراح السجناء السياسيين وعلى رأسهم الصادق المهدي.
    بعدها أمر الهادي المهدي بأن يركب العقيد أبو الدهب سيارته الخاصة (مرسيدس) لمزيد من ضمانات الحماية له من حشود الأنصار. وعاد العقيد أبو الدهب إلى القوة التي كانت تنتظره خارج الجزيرة أبا. ومنها اتجه لمقابلة نميري قبل دخوله إلى مدينة “كوستي”.
    نميري يقرر.. قطع رحلته!!
    قدم تقريراً شفهياً مفصلاً للرئيس نميري الذي أمرهم بإعداد خطة لحصار الجزيرة أبا لحين تعليمات أخرى. وأكمل نميري رحلته إلى كوستي حيث خاطب الجماهير وأمضى الليل في كوستي ثم قطع رحلته وغادر عبر مطار “ربك” عائداً إلى الخرطوم برفقة الرائد أبو القاسم محمد إبراهيم الذي ما لبث أن عاد سريعاً إلى النيل الأبيض ليتأهب للمعركة الكبرى.
    كانت خيوط النار تنسج بمغزل الثقة التي ظنها الإمام الهادي في مهمة العقيد أبو الدهب. ففي صلاة الجمعة خاطب الإمام الهادي المصلين مباركاً لهم التوصل لاتفاق مع النظام يحقن الدماء.. وكبرت الجموع بحماس كبير.. ونامت أسباب الفتنة في نفوسهم.. وظنوا أن خطر المواجهة زال..
    وما كانوا يعلمون ما يخبئه القدر على مرمى ساعة واحدة بعد خطبة صلاة الجمعة..
    ونواصل غداً إن شاء الله..

    التيار







                  

العنوان الكاتب Date
خمسون عاما على حوادث الجزيرة أبا وودنوباوي والكرمك.. رصد وثائق تاريخية Yasir Elsharif04-03-20, 10:43 AM
  Re: خمسون عاما على حوادث الجزيرة أبا وودنوباو Yasir Elsharif04-03-20, 10:51 AM
    Re: خمسون عاما على حوادث الجزيرة أبا وودنوباو عبدالله عثمان04-03-20, 11:05 AM
      Re: خمسون عاما على حوادث الجزيرة أبا وودنوباو Yasir Elsharif04-03-20, 11:31 AM
        Re: خمسون عاما على حوادث الجزيرة أبا وودنوباو Yasir Elsharif04-03-20, 12:06 PM
          Re: خمسون عاما على حوادث الجزيرة أبا وودنوباو امتثال عبدالله04-03-20, 01:22 PM
            Re: خمسون عاما على حوادث الجزيرة أبا وودنوباو علاء سيداحمد04-03-20, 01:28 PM
              Re: خمسون عاما على حوادث الجزيرة أبا وودنوباو Yasir Elsharif04-03-20, 01:51 PM
                Re: خمسون عاما على حوادث الجزيرة أبا وودنوباو علاء سيداحمد04-03-20, 05:53 PM
                  Re: خمسون عاما على حوادث الجزيرة أبا وودنوباو Yasir Elsharif04-03-20, 07:34 PM
                    Re: خمسون عاما على حوادث الجزيرة أبا وودنوباو Yasir Elsharif04-03-20, 07:42 PM
                    Re: خمسون عاما على حوادث الجزيرة أبا وودنوباو حسام الدين حمودة04-03-20, 07:43 PM
                      Re: خمسون عاما على حوادث الجزيرة أبا وودنوباو Yasir Elsharif04-03-20, 09:01 PM
                        Re: خمسون عاما على حوادث الجزيرة أبا وودنوباو Yasir Elsharif04-03-20, 09:09 PM
                          Re: خمسون عاما على حوادث الجزيرة أبا وودنوباو Yasir Elsharif04-03-20, 09:39 PM
                            Re: خمسون عاما على حوادث الجزيرة أبا وودنوباو خالد العبيد04-03-20, 10:32 PM
                              Re: خمسون عاما على حوادث الجزيرة أبا وودنوباو Yasir Elsharif04-03-20, 11:53 PM
                                Re: خمسون عاما على حوادث الجزيرة أبا وودنوباو خالد العبيد04-04-20, 00:13 AM
                                  Re: خمسون عاما على حوادث الجزيرة أبا وودنوباو خالد العبيد04-04-20, 00:36 AM
                                    Re: خمسون عاما على حوادث الجزيرة أبا وودنوباو خالد العبيد04-04-20, 00:52 AM
                                      Re: خمسون عاما على حوادث الجزيرة أبا وودنوباو خالد العبيد04-04-20, 01:10 AM
                                    Re: خمسون عاما على حوادث الجزيرة أبا وودنوباو elsharief04-04-20, 01:08 AM
                                      Re: خمسون عاما على حوادث الجزيرة أبا وودنوباو elsharief04-04-20, 01:16 AM
                                        Re: خمسون عاما على حوادث الجزيرة أبا وودنوباو كمال عباس04-04-20, 01:32 AM
                                          Re: خمسون عاما على حوادث الجزيرة أبا وودنوباو كمال عباس04-04-20, 01:48 AM
                                            Re: خمسون عاما على حوادث الجزيرة أبا وودنوباو كمال عباس04-04-20, 01:52 AM
                                              Re: خمسون عاما على حوادث الجزيرة أبا وودنوباو Yasir Elsharif04-04-20, 09:19 AM
                                                Re: خمسون عاما على حوادث الجزيرة أبا وودنوباو Yasir Elsharif04-04-20, 09:45 AM
                                                  Re: خمسون عاما على حوادث الجزيرة أبا وودنوباو Yasir Elsharif04-04-20, 10:12 AM
                                                    Re: خمسون عاما على حوادث الجزيرة أبا وودنوباو Yasir Elsharif04-04-20, 10:27 AM
                                                      Re: خمسون عاما على حوادث الجزيرة أبا وودنوباو Yasir Elsharif04-04-20, 10:44 AM
                                                      Re: خمسون عاما على حوادث الجزيرة أبا وودنوباو علاء سيداحمد04-04-20, 11:03 AM
                                                        Re: خمسون عاما على حوادث الجزيرة أبا وودنوباو Yasir Elsharif04-04-20, 11:37 AM
                                                          Re: خمسون عاما على حوادث الجزيرة أبا وودنوباو امتثال عبدالله04-04-20, 01:37 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de