♧ من روائعِ (قِلَّة) أدبِ عمِّنا الطيب صالح £

∆ لگأن «موسم الهجرة» كائن حي يسعى بقدمين و يسوح في
الٱفاق و ينمو و يسمع و يرى ، بل گأنها طفل يكلم الناس في مهده گفاحا ،
فقد تزاحمت فيها مشارب الإبداع ؛ مما جعلها تنضح بالحيوية و العنفوان!!
∆ لعل من ذلك أن عاجنها وخابزها الطيب صالح أعطى الأصوات دورا حسيا
فاعلا في نسج و بناء الحبك الدرامي للرواية ، فهو تارة يجعلها گعزف «صولو»
منفرد و أخرى يدوزنها مؤتلفة في شكل كورال موسيقِيٍّ متعدد المخارج ، گأن يقول
على لسان الراوي :"كان البلد في عادته ساكن ا في تلك الساعة إلا من قعفعة بابور
الماء على الشاطئ ونباح كلب من حين لآخر و صياح ديك منفردا إذ أحس ببزوغ
الفجر قبل أوانه" ؛ هنا الأصوات منفردة: البابور، الكلب، الديك .. فكأننا بود الريس
كان يتسگع وحيدا في طرقات القرية خارجا من لقاء حسنة بت محمود و غارقا في
تأملاته لما دار بينهما من أخذ و عطاء، متأثرا بصوتها وعطرها وحلو حديثها وعذوبة
ضحكتها، كان هادئ البال مستمتعا وحيدا؛ لذا كان لا بد من تصوير الأصوات منفردة
نازلة برظا و سلاما على طبلة أذنه الوسطى و منسجمة مع وحدته وحالته النفسية.
لكنه حين بكت حسنة وتعالى نحيبها لتذكرها زوجها، تناهت إليه أصوات متراگبة
منها صياح ديك و نهيق حمار وو ضوضاء من دگاگينية عرس بعيدة، لكنه لم
يسمع في حقيقة أمره منها صوتا واحدا عدا «نشيج عبرتها المخنوقة»
فالأصوات متعددة المصادر في المشهد الأول سمعها كأنغام منفردة وتبيّن
كلًّا منها، حينما كان منفردا منتشيا سعيدا خارجا من لقاء حسنة، بيننا في
موضوع ٱخر انصهرت كل الأصوات واتحدت في صوت واحد هو الوحيد
الذي تنامى إلى سمعه ،وهو صوت نواح حسنة.