♧ من روائعِ (قِلَّة) أدبِ عمِّنا الطيب صالح £

● في أضغاث أحلامِها ترى نفسها طفلةً تُلاعب أقرانها بالمدرسة،
و يأتي عمها داخل جٌلبابه الأبيض، يضحك ليأخذها معه إلى البيت،
يحتويها بذراعيه ، يطعمها قطعة من الحلوى الطحنية. رائحة الحلوى
الطحنية تسري في جسدها، يحكي لها قصة الشاطر حسن و نعيمة و
هي تأكل الحلاوة الطحنية ، يهدهدها فوق صدره حتى تنام . ثم في
ذات الحلم يشيح بوجهه عنهاهلى هيئة رجلٍ غريبٍ ، يُشبه حضرة
الناظر الذي يمسك في يده شيئًا صلبًا ثل العصا ليضربها بين فخذيها،
بأتبها بلعصا عن قًبُلٍ من فتحة الفرج ، أو عن دُبُرٍ من فتحة الشرج فهي
طغاةٌ لا تميز بعدُ تعرف هذه من تلك ، تُرى أيكون هو حضر الناظر!!!؟
تختلج لديها الخواطر لتشابه عليها الأبقار و تتناكح بنتت الأفكار حتى
تتشربك حنارل الأمطار و تنلاطم أمواج المحيطات و أهالي البحار
و تتختلط صورة ناظرها المدرس بصورة العم ، و تتحول العصا الغليظة
إلى حيةٍ تسعى ، لتلدغها بين فخذيها ، يسقط شبحٌ عظيم من السماء ، تبكي
بالدمع السحين و تطلب منه إنقاذها، تقترب منه بحذر مملوء بالخوف، تخشى
إن لامسته بيدها أن يتحول إلى ثعبان مرة أخرى، يغير الحلم مساره لترى نفسها
جالسةً في صف الدراسة، أمامها ورقة الأسئلة في الامتحان، لا تعرف الإجابة على أي
سؤال، تبكي حتى تبلل دموعها ورقة الامتحان، يذوب الحبر الأسود ولا ترى الأسئلة،
ترى التلميذات والتلاميذ يكتبون الإجابة بسرعةٍ فائقةٍ ، والمدرسون يجرون وراءها
في الحوش في يد كل منهم العصا، تتحول العصي إلى ثعابين، كما كان يحدث أمام
فرعون ، لا تعرف هل هي هواجس أم ذكرى حقيقية في الماضي، لقد أصبح الحلم نفسه
مجرد ذكرى . لولا ذلك الرجل في التليفزيون ، ما إن تراه فوق الشاشة حتى يهب العملاق
النائم في أعماقها، تصحو اللذة والألم معًا، والفضيلة والرذيلة، تفعل بنفسها ما فعله عمها بها،
ثُمَّ تسقط من الإعياء والندم والشعور بالإثم، ويتكرر ذلك شبه ليلةٍ، حتى فكرت في الانتحار،
لكنها لم تعرف كيف تموت، فالموت يحتاج إلى معرفة، و إلى شيء من المال. لا تعرف نوع السم
الهاري الذي يقتل بني آدم، سمعت عن سم الفئران، فهل سم الفئران يقتل البني آدم؟ ولم يكن معها
ثمن السم لتشتريه من الأجزخانة. وفي يوم وأنا أتسكع على كورنيش النيل رأيتها جالسة على الشط
بالقرب من المياه، تحملق في قاع النهر، عيناها مشدودتان إلى الموت، لم أستطع أن أحرك رأسي بعيدًاً
عنها، هذه الملامح رأيتها كثيرًا من قبل، هاتان العينان الفانيتان المشدودتان إلى الفناء ، هذه البشرة
السمراء بلون طمي النيل، والوجه النحيل الشاحب الخالي من الدم. تقاطرت إلى خاطري شلبية
الخادمة في بيت المرحوم جدي ، و التمرجيتان مسعودة الفتاة الريفية في عيادتي بالقرية،
وسوسن بالمستشفى القديم تراسلانني منذ أربعين عامًا، و عديد من الوجوه والحالات
التي كانت لا تصادفني كلا، بل تأتبني طوعاً أو كرهاً لكي أتابعها.