♧ علمتنا صروف القدر و نوائب الدهر £

● نظرية أننا كثيرا ما نميل للخلط ما بين فشل الحوكمة
و قداسة الوطن، تعيدنا ذلك إلى مقولةٍ أقرب إلى العفوية
لأديلنا الراحل الطيب صالح أطلقها جواباً لدى سؤاله عن بلده
الحَبَّوب في إحدى مطارات ترحاله الذي لا يكاد يضع عصاه
عن عاتقه ، إلى أن وافته المنية، وحين قال: أنا من دولةٍ
تافهة و هو يعني بطيبعة الحال حكومة ( هؤلاء) .

▪ إذن، أياكَ إياك ، لا تـخـلـط بين الـحـكـومـة و ( الـدولة )
مـفـهـوم الخلط ما بين الـحـكـومة و الـوطن لدينا على نطاق
عالـمنا الـعـربي‼وردت الملاحظة عليه ضمن مقالٍ يستحق التأمل
للكاتب البريطانى: مراسل الأندبندنت البريطانية في الشرق الأوسط
و هو واحدٌ من ألمع الصحفيين الغربيين القلائل الذين آثروا البقاء قابضين
على جمرالمعاناة بين ظهرانينا، مناهضاً لسياسة بلاده و أمريكا و بالتالي
فهو ممن يعرفوننا جيِّداً، عاش و لا يزال رحداً من الزمان في بيروت و
التي تعتبرنسبياً(عروسة و في جبينا هلال) مقارنة ً بعواصمنا العربية.
و لكن للمفارقة أن أزمة النفايات التي عاشتها و شاهدها بأم عينه
تتكدسُ بها شوارعها ، منذ كم سنةٍ منحت الكاتب دافعاً
موضوعياً قوياً لتسجيل انطباعاته بكل تجردٍ
حول سلوك الناس في بلاد العرب أوطاني.

▪ يقول روبـرت فـيـسـك : أتعلمون لماذا بيوت العرب
في غاية النَّظافة، بينما شوارعهم على النَّقيض من ذلك⁉
السببُ أنَّ العرب يشعرون أنَّهم يملكون بيوتهم، لكنهم لا
يشعرون أنَّهم يملكون شبراً من أوطانهم ..❗

▪ فهل فعلاً شوارعنا وسخةٌ وعفنةٌ لأنَّنا نشعر أنَّنا لا نملكُ
أوطاننا ⁉ إذاً ما السبب؟!! هذا يرجع إلى أمرين أحلاهما أَمَرُّ:
الأوَّل: أنَّنا نخلطُ بين مفهوم الوطن و مفهوم الحكومة، فنجعلها
هما روحاً واحدةٍ في جسدي توأم سياميًّ بحيث يتعذرفصلهما
إلا بتدخلٍ جراحيٍّ مضمونة الفشل ، وهذه مصيبة بحدِّ ذاتها❗

▪ بيد أنَّ الحكومة هي إدارةً سياسيةٌ لمرحلة محدودة من عمر
الوطن، ولا حكومة تبقى للأبد .. بينما الوطن هو الهوية و مقوماتها
من تاريخ وجغرافيا،و ديمغرافيا و و تراب ضمَّ رُفاة الأجداد و تشرب
بعرقهمو دمائهم ، هو الفكر و الكتب، والعادات والتقاليد ..❗

● لهذا من حقِّ كل إنسان أن يكره الحكومة ولكن ليس من حقِّه أن يكره الوطن
والمصيبة الأكبر من الخلط بين الحكومة والوطن هو أن نعتقد أنَّنا ننتقم من
الحكومة إذا أتلفنا مقدرات الوطن ..!!.. وكأنَّ الوطن للحكومة و ليس لنا❗

● فما علاقة الحكومة بالشارع و النفاج الذي نمشي فيه أنا و أنتَ، و بقاعة
الدراسة التي يتعلم فيها ابني و ابنكَ، و بالشفخانة التي تتعالج فيها زوجتي
و زوجتكَ ،الأشياء ليست مِلكاً لمَن يديرها و إنَّما مِلك مَن يستخدمه فنحن في
الحقيقة ننتقمُ من أنفسا ممثلةً في شخص الوطن كمن بنس يكويه البحرفيصرته
و ليس من الحكومة.، و الحكومات تُعاقبُ بطريقة أُخرى لو كنَّا نحبُّ الوطن فعلاً ‼
الثَّاني : أنَّ ثقافة الملكيَّة العامًَّة معدومة عندنا، حتى لنبدو أنَّنا نعاني شيزوفربنيا ما..
فالذي يحافظ على نظافة مرحاض بيته هو نفسه الذي يوسِّخ المرحاض العام .. والذي يحافظ على الطاولة في البيت هو نفسهالذي يحفر اسمه على مقعد المدرسة والجامعة .. والأبُّ الذي يريد من ابنه أن يحافظ على النِّظام في البيت هو نفسه الذي يرفض أن
يقف في الطابور بإنتظار دوره .. والأُمُّ التي لا ترضى أن تُفوِّت إبنتها
محاضرة واحدة هي نفسها التي تهربُ من الدوام ..‼

خلاصة القول :
● الحكومة ليست الوطن شئنا هذا أَم أبَينا، ومشاكلنا مع الحكومة
لا يحلُّها تخريب الوطن .. إنَّ الشعب الذي ينتقم من وطنه لأنَّ حكومته
سيئة لا يستحقُّ حكومة أفضل ..❗ ورُقيِّنا لا يُقاس بنظافة حديقة بيتنا
وإنَّما بنظافة الحديقة العامَّة بعد جلوسنا فيها ..❗لو تأمَّلنا حالنا لوجدنا
أنَّنا أعداء أنفسنا، وأنَّه لا أحد يسيء لأوطاننا بقدر ما نفعل نحن ..❗
وصدق القائل : الإنسان لا يحتاج إلى شوارع نظيفة ليكون محترماً،
ولكن الشوارع تحتاج إلى أُناسٍ محترمين لتكون نظيفةً