الصيرورة الصفرية وأدب الاستقالة مابين حاتم السر ومدني عباس

Quote: اصدر مدني عباس مدني قرارا لطيفا جدا بمنع التجارة لغير السودانيين أو السودانيين بالتجنس. طبعا يبدو أن القرار يستهدف به السوريين اصحاب المطاعم والمحال التجارية ..الخ. والواقع أن هذا القرار وضح تماما كيف أن من تم توزيرهم من كفاءات قحط ليسو بأكثر من جهلاء ركبوا قطار الثورة ثم حماهم العساكر ووضعوهم هنا كواجهة مدنية وهمية كوهمية تجمعه الوهميين والقحاطة. ولكن كما يقول المثل: حبل الكذب قصير. فقد اتضح جليا أن تجار الثورات هؤلاء لا يفقهون شيئا في إدارة مرحاض عام ناهيك عن وزارات. فبدأوا يختلقون معارك دونكيشوتية مع طواحين الهواء أما العمل الحقيقي والذي يدخل في صلب وصميم أزمة المواطن فهم بعيدون عنه كل البعد. كما وضح لي أن مستشاري تلك الوزارات ووكلائها يتعمدون لخبطة الوزير واظهار جهالته ؛ عندما يتركوه يصدر من القرارات التهريجية المسخرة ما يريد دون أن ينصحوه النصح القويم. دعونا نتجاوز عن بلاوي وزراء كفاوي القحاطة السابقة ولنقرأ قرار مدني جرادل الأخير ولنضحك ملء أشداقنا من هذا الجهل المدقع. صمت دهرا ولما نطق نطق كفرا ؛ دعونا ننظر لأول سطر في القرار: (يحظر لغير السودانيين الحاملين الجنسية بالميلاد من ممارسة النشاط التجاري في المجالات التالية:) ورغم ركاكة النص لغويا وإن تجاوزنا ذلك فسوف نلاحظ أن القرار قد حظر على غير السودانيين الحاملين للجنسية بالميلاد...الخ وهذا طبعا ضد الدستور وضد القانون: فدستور 2005 أحال للقانون (قانون الجنسية 2005 وحتى تعديلاته لسنة 2013) في تنظيم شأن الجنسية ؛ والذي لم يفرق في الحقوق والواجبات بين من يحمل الجنسية بالميلاد أم بالتجنس. كل مافي الأمر أن الجنسية بالميلاد حق وجوبي وأما الجنسية بالتجنس فتقديري ولكل منهما شروط اكتسابه القانونية لكن..متى ما نال الشخص جنسيته السودانية أصبح مواطنا كامل المواطنة من حيث الحقوق والواجبات. السيد مدني جرادل جاء ليقيد قانونا صادرا من برلمان بمجرد قرار بائس من حكومة مؤقتة وخارج أي إطار شرعي دستوري سوى المحاصصة البائسة والتي طعنا فيها أمام المحكمة الدستورية والتي لا زالت تماطل في الفصل في الطعن حتى اليوم. الجنسية من المسائل السيادية للدولة وهذا مبدأ مقرر في القانون الدولي الخاص. ومتى ما نال المرء الجنسية ما عاد بالامكان تمييزه عن غيره من المواطنين إلا بناء على قانون ؛ بل حتى هذا القانون يجب أن لا يخالف الدستور. فمن أين أتى مدني جرادل بهذه البدعة؟ يبدو أن السيد مدني يعتقد أن النظام القانوني في السودان نظام فوضوي ؛ صحيح أنه نظام يحتاج لاصلاحات عميقة لكنه يمتلك تاريخه ومبادءه وقواعده ومؤسساته. لكن طبعا وزراء قحط جاءوا في غفلة من الزمان واستغل العسكر جهالتهم ليضعوهم في الواجهة فظن هؤلاء أن البلد فوضى مطلق عنانها لهم. لا يا سادة.. هذا عيب.. ولنواصل مهزلة قرار مدني جرادل ؛ والذي سيكون لنا معه قريبا مواجهة قضائية خطيرة جدا سنعلنها في حينها ؛ فقد استمر القرار ناصا على أنه: يحظر: (التواجد بالأسواق المحلية وممارسة عمليات البيع والشراء سواء مباشرة أو عن طريق وسيط محلي). وما سبق خطير جدا ؛ فأولا استخدم كلمة (تواجد) ، والتواجد في ذاته ليس نشاطا تجاريا ؛ ويبدو أن السيد مدني لا يعرف التمييز بين التواجد والتجارة. فالتجارة هي نشاط احترافي لعمليات البيع والشراء ، أما لو ذهبت للسوق وبعت حذاء أهدوه اليك لأنه ضيق او كنت محتاجا للنقود فهذا ليس عملا تجاريا ؛ بل هو نشاط مدني يا مدني ؛ فمن شروط اكتساب صفة التاجر هو الاحتراف والممارسة المستمرة ، ولذلك لا يمكن استخدام كلمة تواجد التي تنصرف الى الشخص لا إلى النشاط. ولكن الأخطر من ذلك أن القرار جاء قابضا ؛ والقرار القابض هو القرار الذي لا يمنح أي خيارات أخرى أمام صاحبه فمآله حتما الى سلة القمامة. فمثلا لو ان السوري الذي يملك مشروعا تم اغلاقه له فقام ببيع اصوله وغادر فالسودان سيخسر مشروعا ناجحا وسيخسر دولارات لأن هذا السوري سيشتري دولاراته ويغادر البلاد. فالسودان ليس نيويورك بل هو يحتاج لكل دولار يمكن أن يدخل اليه في اللحظة الراهنة. ثم ما هي آليات تنفيذ هذا القرار ومعاييره: هل ستذهب الشرطة لتراقب كل أجنبي (متواجد) داخل السوق. وهل ستسأل كل شخص ذو ملامح ما عن جنسيته؟ فهذا القرار حتى لم يستخدم الصيغة اللغوية المناسبة ؛ فهو توجه نحو الشخص (تواجد) وليس النشاط التجاري (محل تجاري). وهذا سيفتح بابا لن يغلق بسهولة من الفوضى. وختم القرار بان من يخالفه سيتعرض للعقوبات وفق القوانين واللوائح. أي قوانين يقصد وأي لوائح؟ هل أنت نفسك استندت لهذه القوانين واللوائح في قرارك. ياخي عندما يصدر قرار إداري يجب أن يوضح أعلاه كل قانون أو لائحة تتعلق بالقرار ؛ لكي يعرف الناس ما هي تلك القوانين وما هي تلك اللوائح. بل الأنكى والأمر أنه قال في بداية القرار: (بالاستناد إلى القرارات الحكومية السابقة)؟!!! أي قرارات سابقة؟ وأي حكومة سابقة؟ واذا كانت هناك قوانين تعاقب الاجنبي او السوداني بالتجنس فما الحاجة أساسا لقرار مدني عباس؟ لماذا لا يصدر قرارا فقط بتفعيل القوانين هذه إ لم تكن مفعلة؟ _ اشكاليات عديدة أخرى تواجه مثل جهل قرارات حكومة كفاوات قحط مثل قانون اللجوء لسنة 2014 والمعاهدات والاتفاقيات الدولية التي تفرض على السودان منح اللاجئين الاجانب حق ممارسة النشاطات التجارية لكي يعولوا انفسهم بل أن كل دول العالم تتمنى أن يقوم اللاجؤون بممارسة التجارة ليعولوا انفسهم بدلا عن منحهم الدعم الاجتماعي الذي تفرض المعاهدات الدولية على الدولة ان تمنحه للاجئين. وماذا سيفعل مدني جرادل عندما يتعارض قراره مع الكوميسا ومفوضية اللاجئين والتجارة الحدودية...الخ. يا رب... أرحمنا إنك أنت الغفور الرحيم..وتب علينا من الجهالة والجاهلين..وأخرجنا من هذا المرحاض سالمين..ولا تعدنا إليه إلا جثامين.. قادر يا كريم...