المكتبة السودانية: العرش والمحراب...الامام عبدالرحمن المهدي

نعى اليم ...... سودانيز اون لاين دوت كم تحتسب الزميل فتحي البحيري فى رحمه الله
وداعاً فتحي البحيري
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-28-2024, 04:57 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف للعام 2020-2023م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
10-18-2011, 09:27 AM

adil amin
<aadil amin
تاريخ التسجيل: 08-01-2002
مجموع المشاركات: 36947

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المكتبة السودانية: العرش والمحراب...الامام عبدالرحمن المهدي (Re: adil amin)

    هذه دراسة قيمة قد تتقاطع مع الكتاب المعروض هنا
    للاخ صدقي كبلو في معرض رده على رؤية عادل عبدالعاطي حول الارستقراطية الدينية في السودان
    لذلك نوردهه هنا للمقاربة

    مناقشة عادل عبد العاطي : "أزمة الشرعية

    في الحركة السياسية السودانية"

    أزمة الشرعية أم أزمة المشروعية أم أزمة الهجمنة؟
    هل هو خلط في المفاهيم عابر أم عجز في تحليل الأزمة؟
    صدقي كبلو
    19-10-2000
    مقدمة
    يزداد إعجابي كل يوم بالأستاذ المجتهد عادل عبد العاطي فهو شخص جاد يتعاطى التفكير والتنظير حول قضايا الوطن وهمومه بإخلاص واجتهاد وشجاعة في اقتحام الجديد، ورغم اختلافي مع منهجه ونتائجه، إلا أنني أقدر عاليا جهده وأرى أن ما يكتبه يستحق منا جميعا نقاشا هادئا. وأرجو أن يعذرني عادل فأنا لا أزعم دور الأستاذ عندما أبدأ بمحاولة تصحيح بعض المفاهيم، فالغرض هو الاتفاق على لغة مشتركة حتى يصبح النقاش ممكنا ومثمراً.

    تصحيح بعض المفاهيم:
    في رسالته الانجليزية يقول عادل "

    " Dear all,

    Attached is an article about

    The crisis of Legacy in Sudanese Politics ,

    Your comments are apreaciated .."

    وكلمة legacy تعني بالعربية ميراث أو تراث، بالتالي يصبح عنوان مقاله أزمة الموروث في السياسة السودانية، فهل يا ترى يختلف العنوان الإنجليزي عن العربي؟

    والكلمة الإنجليزية للشرعية هي legality أم الكلمة الإنجليزية للمشروعية فهي legitimacy والفرق بين الكلمتين في اللغة العادية ليس كبيرا ولكنه فرق كبير في مقولات العلوم السياسية والقانون فمثلا لو أخذت قاموس الفكر السياسي لمؤلفه روجر سكرتون[1] فهو يعرف الشرعية legality "الالتزام بالقانون، القاعدة الأساسية على أساسها التي يمكن للمواطن فيها الطعن في قرار هيئة سيادة (مثل قرار الدولة)" (المرجع المذكور ص 262) ويذهب فيشرح أن مثل ذلك الطعن يعني تذكير هيئة السيادة بضرورة أن تكون متناسقة في قراراتها مع القانون وأن أي نظام لا يسمح بمثل ذلك الطعم فهو نظام استبدادي (نفس الصفحة).

    أما كلمة مشروعية legitimacy فهي متعلقة بمفاهيم الحق والسلطة والقبول فالسلطة يقال عنها مشروعة إذا استعملها من عنده حق استعمالها والسلطة هنا تشمل السلطات التي تستعملها الحكومة وهذه تثير أربعة قضايا الأولى خاصة بمجال الفلسفة السياسية وهي ما الذي يجعل أي ممارسة للسلطة مشروعة؟ والقضية الثانية برجماتية سياسية يلتفت لها كل سياسي: كيف يجعل ممارسة السلطة مقبولة كحق أي سلطة مشروعة؟ والقضية الثالثة قانونية وهي ما الذي يجعل السلطة المشروعة شرعية أو قانونية؟ أما القضية الأخيرة فتجمع الثلاث قضايا وهي حول نظام الحصول على السلطة وتبديلها وهي قضية قانونية تتعلق بالشرعية وبرجماتية تتعلق بالممارسة وفلسفية تتعلق بفلسفة الحكم. ولعل عادل يذهب لتعريف ذلك تعريفا صحيحا حين يقول:

    إننا هنا ولتسهيل التعريف نزعم بان المشروعية تعتمد اعتمادا كبيرا على واقع القبول والاعتراف بالسلطة السياسية المعينة ؛ من قبل المواطنين الخاضعين لسيادتها ؛ بصورة سلمية وطوعية ؛ دون قهر خارجى ؛ قانوني أو روحى أو بدنى . فالسلطة ؛ سواء كانت فى حزب ؛ نظام ام مجموعة اجتماعية ؛ تمارس فى ظل مفهوم السيادة ؛ وبهذا فعلى السائد ان يجد القبول بسيادته ؛ وبذلك الاعتراف بمشروعيته ؛ من قبل المحكومين . ان عالم الاجتماع الفرنسي مارسيل غوشيه ؛ يحأول أن يجد الإجابة على السؤال ؛ لماذا يقبل إنسان أو مجموعة ؛ بان يقدم الطاعة لإنسان آخر ؛ يتمتع بممارسة السلطة

    إذن الشرعية والمشروعية ليست مسالة واحدة. لذا يصبح الحديث عن مفهوم الأزمة مختلف تماما إذا تحدثنا بلغة العلوم السياسية عن أزمة شرعية وأزمة مشروعية. والشرعية الدستورية لا تحل أزمة المشروعية، لذا تحدث الثورات وتتغير الدساتير، وما يعطي الشرعية الدستورية مشروعية هو قبول الناس لها وخضوعهم لأحكامها طوعا واحتكامهم لها وهذا لا يتم إلا إذا حققت السلطة المنشأة وفقا للشرعية الدستورية الحد الأدنى من المصالح المشتركة للشعب المعين باختلاف طبقاته، ولهذا السبب استحدث بعض علماء السياسة مفهوم الهجمنة hegemony الذي لا أجد له مرادفا معبرا في العربية حيث يترجم "السيطرة" أو "الهيمنة" بينما هو عند غرامشي وهبرماس يعني الهيمنة المقبولة لدى الطبقات المحكومة، يعني القبول، ليس القائم فقط على الخداع الأيديولجي، بل تركيب الخطاب بحيث يحمل بعض قيم ومفاهيم وتطلعات الطبقات والفئات والقوميات المحكومة، وفي نفس الوقت تنفيذ البرنامج الذي يحوي جزءً من مطالب تلك المجموعات، وبالمسبة لي فالأزمة في السودان هي أزمة هجمنة وما الأزمات الخاصة بالشرعية والمشروعية إلا لحظات في تطور الأزمة العامة وكذلك الأزمات السياسية والاقتصادية المتعددة.

    ولنعد لطرح الأستاذ عادل: يقول:

    ظاهرة أزمة الشرعية ؛ سواء كانت فى الحركة السياسية ؛ أو فى مجمل النظام السياسي ؛ ظاهرة عامة عرفتها وتعرفها البشرية منذ عقود ؛ اذ أنها ليست خاصة بالكيان السودانى وحده ؛ أو الأحزاب السودانية حصرا

    ونحن نسأل ما المقصود؟ إذا قلنا الشرعية تعني القانونية، فهناك أزمة، وفقا لعادل هي أزمة قانونية الحركة السياسية أو أزمة قانونية النظام السياسي! وقي تقديري أن الأستاذ يخلط المفاهيم. وكأني به يريد أن يقول أن هناك أزمة مشروعية في الحركة والنظام السياسيين في السودان. ولعل الفقرة التالية توضح

    ان المظهر الذاتي لازمة الشرعية يتجلى في تبدى المقاومة المنظمة والمعارضة للحزب المعين أو النظام القائم ؛ وهى مقاومة تستند في المقام الأول على نقض شرعيته ؛ وتهدف إلى اقتلاع الحزب المعين أو النظام وتصفيته من الجذور ؛ وليس على المعارضة السلمية له في إطار نظام شرعي مقبول

    فلو حورت الجملة الأولى لتقرأ "إن المظهر الذاتي لأزمة المشروعية" لاستقام الحديث، أما إذا كان المقصود أن النظام المعين غير شرعي بمعنى أنه غير قانوني كالانقلاب العسكري مثلا فالمقاومة تستند على عدم الشرعية وعدم المشروعية معا وذلك هو ما يجعل استحالة المعرضة في "إطار نظام شرعي مقبول" وما يحيرني أن عادل قد وصف ذلك بأنه مظهر ذاتي لازمة الشرعية! ما المقصود بالذاتي؟ وما المقصود بالموضوعي؟ الذاتي موجود داخل الشيء أو متعلق به ويعتمد عليه في حركته وتطوره وهو في الغالب متعلق بالوعي. والموضوعي هو ما وجد خارج الذات مستقلا عنها أو عن وعيها بوجوده. ,فإذا اتفقنا على معنى مفهومي ذاتي وموضوعي، تصبح المقاومة موضوعية. وما يصفه عادل بأنه " أما المظهر الموضوعي له فيتبدى من خلال قراءة مدى مشروعية الحزب أو القائد أو النظام المعين على هدى المبادئ القانونية والدستورية لنظرية الشرعية" ولا موضوعي ولا حاجة! فالعلاقة بين المشروعية والشرعية التي تعتمد على النظرية ليست موضوعية.

    المهم أننا لو تابعنا عادل فقط لفقرة لوضح أن قراءتي الأولى لنصه هي الأصح والتي تعطي معنى فهو يقول:

    إننا ؛ انطلاقا من هذين المعيارين ؛ سننظر إلى تاريخ ومكونات الحركة السياسية السودانية والنظام السياسي السودانى . حيث نلحظ وجود مقاومة منظمة ؛ لا تنقطع ؛ لمجمل الأنظمة التى مرت على تاريخ السودان المستقل ؛ من مدنية وعسكرية ؛ وهى مقاومة استندت أساسا على حجة عدم مشروعية هذه الأنظمة . وإذا كانت المقاومة للأنظمة العسكرية قد كانت شاملة لقوى متعددة في القطر ؛ فان المقاومة للأنظمة المدنية قد جاءت من طرف الحركات الممثلة لجنوب السودان أساسا ؛ والتي كانت تذهب في معظمها ليس إلى نقض مشروعية النظام القائم فحسب ؛ بل إلى التشكيك في مشروعية الكيان التاريخي السودانى فى مجمله (دعوات الانفصال ؛ دعوات تحرير السودان) . ان وصول هذه المعارضة إلى حد المقاومة المسلحة توضح إلى اى حد تتبدى أزمة المشروعية هذه لدى معارضيها " الرجل يتحدث عن المشروعية، وما يقوله هنا صحيح تماما، فرغم توفر الشرعية لبعض الأنظمة السودانية منذ الاستقلال (باعتبارها قد جاءت عبر انتخابات عامة وفقا لدستور ديمقراطي الخ) فإن مسألة مشروعيتها كانت موضوع للمساءلة والتحدي من قبل قوى طبقية وإقليمية وقومية، والسبب الأساسي هنا أن تلك الأنظمة تمثل مجموعة طبقية من أواسط السودان الشمالي تدعي العروبة وتدين بالإسلام وفشلت في طرح وتنفيذ برنامج أو طرح خطاب سياسي وثقافي يمثل تشكيلة معقولة ومقبولة لتطلعات كل الشعب السوداني، أي أن النادي الحاكم فشل في تأسيس هجمنته establish its hegemony بالمعنى الذي أوضحناه من قبل، فخلق ذلك أزمة مشروعية، جعل المقاومة تسعى لنفي أو نقض الشرعية نفسها (حمل السلاح، الانقلاب العسكري، العمل السري غير القانوني الخ).

    ولكن عادل ما أن يدخل في التفاصيل حتى يخلط من جديد بين الشرعية والمشروعية، فهناك فرق بين شرعية الوراثة ومشروعية الوراثة وهي قضايا متعلقة بالأنظمة التي تسود فيها الأرستقراطيات الدينية أو القبلية أو القومية، فالأنظمة الأرستقراطية تعتمد الوراثة وفقا لترتيب معين يحدده العرف أو القانون (أو الدين) مثلا الابن الأكبر، وإن لم يوجد فالأخ وهكذا، وهذا يمت لمجال الشرعية، أما لماذا يقبل الناس بهذا النظام ( المهدي، الخليفة، النسب للنبي أو مباركة البابا مثلا و ليس حصرا) فتلك هي أسس المشروعية، تنشأ الحق وتبرر القبول بالحق، والشرعية تنظمه وتجعله نظاما ملزم الاتباع. فإذا أعترض شخص مثلا لماذا يتولى الصادق وليس أحمد المهدي إمامة الأنصار فهذه مسألة في الشرعية، مسألة قانونية أما إذا تساءل شخص لماذا يكون هناك إمام أساساً أو لماذا لا ينتخب الأنصار إمامهم فهي مسألة مشروعية رغم ما تطرح من قضايا شرعية.

    ويستمر عادل بعد ذلك في مناقشة قضايا المشروعية القبلية والدينية بطريقة واضحة و لا لبس فيها، وأجد نفسي على اتفاق عام معه وخلافي في هذا الجانب يعتمد على قراءتي الطبقية للأرستقراطيات عموما والدينية والقبلية في السودان تحديدا ولانتمائها تاريخيا لتشكيلات قبل رأسمالية تم مفصلتها ضمن الاقتصاد والبنية السياسية والاجتماعية الكولونيالية. وأشير هنا للفصل الثاني من رسالتي للدكتوراه وعنوان الفصل THE LEGACY OF COLONIALISM كنت اعني الموروث الاستعماري، كما أشير لفصل في كتاب أعده عن "الماركسية والديمقراطية في السودان" عن التركيب الطبقي واليك بعض ما كتبت عن الأرستقراطية في السودان:

    التركيب الطبقي الحديث في السودان كنتاج لعملية مفصلة أساليب الإنتاج
    والتركيب الطبقي لأي مجتمع هو نتاج لعملية تطور المجتمع أو التغيرات التي تحدث فيه أما نتيجة لتطوره الباطني المستقل أو نتيجة لما يحدث من تغييرات تفرض عليه من خارجه مثل الغزو الخارجي أو الاستعمار أو نتيجة لمحصلة من مؤثرات داخلية وخارجية معا كالتجارة الخارجية غير الممكنة إلا بوجود فوائض يمكن تبادلها أو الاستثمار الأجنبي الذي يتطلب وجود شروط محلية تحقق له أقصى ربح ممكن.

    ان التركيب الطبقي في السودان، مثله ومثل المستعمرات السابقة، هو نتاج لإلحاق الاقتصاد السوداني واقتصاديات تلك الدول التي كانت مستعمرة، بالسوق الرأسمالي العالمي وما تطلبه ذلك الإلحاق من سياسات مفصلة[2] أسلوب الإنتاج الرأسمالي وأساليب إنتاج ما قبل الرأسمالية التي كانت تتواجد في السودان والمستعمرات السابقة.

    ولكن التركيب الطبقي لأي مجتمع لا يتم في لحظة تاريخية واحدة ويظل ثابتا، وإنما تكوين الطبقات وفرزها هو عملية تاريخية مرتبطة بتطور عملية الإنتاج وإعادة وتقسيم وتراكم الفوائض الاقتصادية وتقسيم العمل وإعادة إنتاج القوى العاملة وتدريبها وما يصاحب كل هذه العمليات من تحركات سكانية بفضل إعادة تقسيم العمل القطاعي أو الإقليمي (داخل القطر الواحد) أو الإقليمي (بين دول مختلفة في الإقليم الجغرافي السياسي أو الاقتصادي) أو الدولي. لذا يصبح مفهوم التركيب الطبقي لأي مجتمع هو مفهوم تاريخي متغير، وعند محاولة تقديم صورة ما للتركيب الطبقي فإنها تعكس فترة تاريخية محددة.

    من هذا المنطلق نقدم هنا صورة للتركيب الطبقي للمجتمع السوداني كما تشكل خلال فترة حكم نميري وكما يظهر عندما انهار ذلك الحكم تحت ضربا ت انتفاضة مارس أبريل 1985. وتسمح لنا الإحصاءات الموجودة لدينا بإجراء بعض المقارنات بين وضع بعض الطبقات في سنين سابقة.

    1-الأرستقراطية القبلية والدينية
    الأرستقراطية القبلية والدينية، عدا عائلة المهدي، هي من بقايا المجتمع قبل الرأسمالي في السودان والتي قام الحكم الثنائي بالحفاظ عليها وتقويتها ومفصلتها ضمن أسلوب الإنتاج الرأسمالي الذي بدأ إنشائه ضمن الاقتصاد الكولونيالي التابع. وقد ألحقت عائلة المهدي بهذه الأرستقراطية بعد استيعاب السيد عبد الرحمن المهدي أثناء وبعد الحرب العالمية الأولى[3] ضمن مجموعة الأعيان.

    الأرستقراطية القبلية والحكم الثنائي
    لقد تناولنا تطور هذه الفئة التاريخي في غير هذا المكان[4]، ولكن رغم ذلك من الضروري إلقاء بعض الضوء على تطورها خلال فترة الحكم الثنائي والحكومات الوطنية حتى انقلاب مايو 1969. إن الحكم الثنائي لم ينشئ الأرستقراطية القبلية، فهي كانت موجودة قبله ولكنه أعاد إليها اعتبارها بعد ان اهتزت مكانتها على أيام الثورة والدولة المهدية، خاصة في الفترة الأولى للثورة عندما كان تعيين الأمراء يتم وفقا لأسبقية مبايعتهم للإمام المهدي وفي فترة حكم الخليفة عبد الله عندما كانت ثقة الخليفة أو واليه في الإقليم المحدد هي المعيار، إلى جانب ما حدث من هجرات وتحركات للقبائل خلال الثورة وفي فترة حكم الخليفة عبد الله. ولقد أدت هزيمة الدولة المهدية إلى رجوع معظم القبائل إلى مناطقها (ديارها) وخلافا لعلي دينار الذي أعلن نفسه سلطانا على دار فور فإن قبائل شمال السودان قد خضعت لسلطات الحكم الثنائي الذي اعترف بقياداتها وقد أوضح كتيب إرشادي أرسل إلى مساعدي المامير في عهد إدارة ونجت باشا (امتدت فترته كحاكم عام من 1900 إلى 1916) ان الشيوخ يقومون بدور هام ويتحملون مسئولية كبيرة وان الحكومة تهدف إلى ربطهم بالإدارة ولكن ينبغي ألا تتم معاملتهم وكأنهم موظفين عموميين، فهم وكلاء الحكومة القبليين، تعينهم، تنقض قراراتهم وتفصلهم أو تستبدلهم[5]. وبالفعل فقد قامت الإدارة البريطانية بتغيير بعض شيوخ القبائل. وقد توطدت سلطات الأرستقراطية القبلية عندما نفذ اقتراح المستر والاس مدير الاستخبارات والذي وجد دعما من المستر بونهام كارتر السكرتير القضائي بأعضاء الشيوخ سلطات قضائية تحت إشراف مفتشي المراكز، وقد دعمت لجنة ملينر، التي كلفت أساسا بدراسة أسباب ثورة 1919 المصرية ووسعت من سلطاتها لدراسة الوضع في السودان، هذا الاتجاه بتوصيتها بضرورة انتهاج شكل الحكم غير المباشر في إدارة السودان واستعمال العناصر المحلية لتخفيض التكلفة[6]. وقد انعكس كل ذلك في صدور قانون سلطات شيوخ الرحل لعام 1922، والذي استبدل بقانون سلطات الشيوخ لعام 1927 وتعديلاته في عام 1928 وقانون المحاكم الأهلية لعام 1930 الذي حل محله (والذي يقابله في الجنوب قانون محاكم السلاطين لعام 1931)[7].

    الأرستقراطية القبلية والاستقلال
    لقد أدى هذا الوضع الإداري والقانوني للأرستقراطية القبلية لوضعها في مكان متميز في الريف السوداني مما أدى لوضع يدها على ثروات طائلة بحكم إدارتها للمراعي والغابات والأراضي الزراعية لقبائلها المملوكة بشكل جماعي بواسطة القبيلة (ارض القبيلة أو دارها). ولقد أدى الاستقلال السياسي لزيادة نفوذها؛ فبعد ان كانت تابعة لجهاز الدولة، أصبحت جزء من الحلف الطبقي الحاكم الذي ضمها والأرستقراطية الدينية والرأسمالية التجارية والرعيل الأول من المثقفين الذين رهنوا الحركة الوطنية للأرستقراطية الدينية بعد مذكرة الخريجين في مطلع الأربعينات من هذا القرن. وبالتالي أصبحت الإدارة المحلية واقعة تحت نفوذها فبدلا من ان يكون رجال الإدارة الأهلية خاضعين للإداريين من مفتشي المراكز (والضباط التنفيذيين بعد إلغاء نظام المفتشين عام 1960)؛ أصبحت الإدارة الأهلية مسيطرة وقادرة بحكم نفوذها كجزء من التحالف الذي يسيطر على دولة ما بعد الاستقلال على التحكم في نقل وتثبيت الإداريين. إن هذا الانقلاب في السلطة في المركز والريف كان له أثر كبير في التراكم الرأسمالي في الريف واختلال مستوى تمفصل نمط الإنتاج الرأسمالي مع الأنماط السابقة للرأسمالية ذلك التمفصل الذي كان محروسا ومنظما وتتم إدارته بواسطة الدولة الكولنيالية، وخاصة في مجالات الرعي والزراعة والأراضي المحجوزة. لقد سمحت الأرستقراطية القبلية لنفسها ولحلفائها من الأرستقراطية الدينية والتجار والافندية، بالتوسع في الزراعة المطرية في أراضى القبيلة التي يشرفون على إدارتها بعد الاستقلال، وبتراكم ثروة حيوانية واسعة، والاحتفاظ بها قرب موارد المياه (كالدوانكي والحفائر)، مما أدى إلى تدهور الغطاء النباتي وازدياد تحركات الرعاة ونشوء الصدامات القبلية حول المرعى وموارد المياه.

    الأرستقراطية القبلية وثورة أكتوبر
    وإزاء هذا الحلف الجديد وممارساته في الريف، نهضت حركة واسعة مطالبة بتصفية الإدارة الأهلية بعد ثورة أكتوبر 1964؛ ولقد ووجهت تلك الحركة بمقاومة من الأرستقراطية القبلية والدينية ولقد لجأت الأرستقراطية القبلية للمرة الثانية في تاريخها لتنظيم نفسها بشكل مستقل، كانت المرة الأولى في نهاية الأربعينات عندما كونت لها حزبا سياسيا، أما بعد أكتوبر فقد أنشأت اتحاد رجال الإدارة الأهلية. ولكن الصراع ضد الإدارة الأهلية بعد أكتوبر أفقدها بعض هيبتها فاهتزت هيمنتها (أو هجمنتها)، وظهرت بعض النزاعات بين بيوت أرستقراطية سائدة وأخرى تدعي السيادة في بعض القبائل الصغيرة، بينما ظلت الأرستقراطية في بعض القبائل الكبيرة مستقرة ولا ينازعها سلطانها أحد (مثل أبناء علي التوم وسط الكبابيش، وأبناء ابوسن وسط الشكرية وأبناء مادبو وسط الرزيقات والشيخ بابو نمر ناظر عموم المسيرية والشيخ يوسف العجب ناظر الهوواير والشيخ منعم منصور ناظر الحمر).

    مايو وتدهور الأرستقراطية القبلية
    لقد أعلنت سلطة انقلاب مايو ضمن برنامجها بمجرد نجاح الانقلاب، تصفية الإدارة الأهلية وقد بدأت ذلك بشكل تدريجي بتصفية الإدارة الأهلية في المناطق الأكثر تطورا منذ يوليو 1969 وتوالى برنامج التصفية الذي تم دعمه بشكل مباشر بقانون الحكم الشعبي المحلي، ولكن جميع إجراءات تصفية الإدارة الأهلية ركزت على تجريد الأرستقراطية القبلية من نفوذها الإداري والقانوني، بينما لم تمس نفوذها الاقتصادي فيما يتعلق بجانب الثروة المتراكمة، سواء من أراضى ومشاريع زراعية، ثروة حيوانية، جنائن هشاب أو رأسمال نقدي، مما مهد لعودة معظم رجالات الإدارة الأهلية للسيطرة على مجالس الحكم الشعبي المحلي في القرى والارياف، بل انهم عادوا للظهور على المستوى القومي في مجلس الشعب القومي بعد إنشائه في عام 1972. وسلكت أرستقراطية القبائل تكتيكا مرنا بتحالفه مع عناصر المتعلمين الذين استقطبتهم مايو والذين انتشروا في وحدات وفروع الاتحاد الاشتراكي ولجان تطوير الريف واتحاد شباب السودان واتحاد نساء السودان. بل ان بعضهم جمع بين المحافظة بين تحالفه القديم مع الأرستقراطية الدينية وبين حلفه مع نظام مايو. وقد سمح لهم حلفهم مع مايو وما راكموه من ثروات قبلها لوجود الاستثمار الرأسمالي في مجالات الزراعة والتجارة والثروة الحيوانية. وقد استفادوا من ضعف الإدارة في نظام الحكم المحلي الجديد ليوسعوا من زراعتهم المطرية ومن تربية الحيوان مما كان له اثر مباشر على تدهور البيئة، خاصة في أماكن ومناطق القوز (شمال كردفان ودارفور) وفي مناطق الزراعة الآلية (مناطق سمسم والدمازين وهبيلة وجنوب دارفور). ولكن أدت إجراءات مايو هذه لضعف الأيدولجية القبلية التي ارتكزت عليها الأرستقراطية القبلية حتى إعلان الحكم الإقليمي، عندما عادت الايدولجية القبلية للظهور من جديد في الصراع حول تقسيم المحافظات وتقسيم المناصب الوزارية وتعيين الحكام خاصة في المناطق الأقل نموا، حيث ضعف التكوين الطبقي وحينما وجد بعض متعلمي تلك المناطق نفسهم في حاجة لدعم أهلهم في صراعهم من اجل تقسيم المناصب والغنائم، فلجأوا لاستعادة الايدولجية القبلية والتي استفادوا منها في صراعهم ضد أبناء الجلابة المستقرين من تلك المناطق أو الوافدين إليها أو الموفدين إليها من قبل السلطة وفي صراعهم ضد بعضهم البعض كأبناء إقليم واحد (تجلى ذلك بوضوح في دارفور وكردفان وإلى بعض الحد في الإقليم الشرقي، خاصة محافظة البحر الأحمر).

    ورغم محأولات الأرستقراطية القبلية لإحياء الإدارة الأهلية بعد الانتفاضة وتجاوب حزب الأمة معها في محأولة لاحياء التحالف بين الأرستقراطية الدينية والقبلية، إلا ان الضعف الذي أصاب الأرستقراطية القبلية وتحولها عمليا لرأسمالية، جعل نفوذها محدودا، رغم تفاوت هذه المحدودية بين القبائل الرعوية والزراعية، حيث ما زال نفوذ الأرستقراطية وسط الرعوية قويا.

    إن محاولة إرجاع نظام الإدارة الأهلية لن يعيد الأرستقراطية القبلية للحياة، فتاريخ العلاقات الاجتماعية في السودان قد تخطاها في كثير من المناطق، ورغم ان أفراد من الأسرة الأرستقراطية قد ينتخبون إذا ما عادت الإدارة الأهلية بالانتخاب أو قد يقومون بشغل مناصب في الحكم المحلي، إلا انهم مهما عاودهم الحنين للماضي ورغم تشبعهم بثقافة الأرستقراطية القبلية، سيحكمهم قانون التطور الرأسمالي الذي اصبح يحدد مصالحهم وتطورها، وسيعتمد موقفهم من قضايا الإصلاح الزراعي (مثلا استفادة المستثمرين منهم في الثروة الحيوانية من استمرار نظام دار القبيلة والمراعي المجانية في ارض القبيلة) على أساس تلك المصالح. إنه انتقال للصراع الطبقي في الريف إلى درجة أعلى واكثر تعقيدا تحتاج لبرامج جديدة وشعارات جديدة. حلفاء الأرستقراطية القبلية يريدون إحيائها لتسهيل عملية إدارة الدولة وجمع الضرائب وهذا هروب إلى الخلف من قضية بناء الدولة الديمقراطية الحديثة ولا بد للقوى الثورية ان تنتزع زمام المبادرة بتحديد الشعارات وطرح البرنامج، ولا يتم ذلك إلا بوجود هذه القوى وسط جماهير الجماهير والقيام بتنظيمها.

    أما وضع الأرستقراطية القبلية في الجنوب فقد تأثر كثيرا بمسيرة الحرب و السلام، فبينما لجأ النادي الحاكم في شمال السودان للتحالف وتقوية الأرستقراطية القبلية في الجنوب خلال الحرب الأولى (1955-1972)، فإن اتفاقية أديس أبابا قد حاولت نقل السلطة لشرائح المتعلمين الجنوبيين، فلجأ هؤلاء، قبل أمثالهم في الشمال، للاعتماد على النفوذ والتقسيم القبلي في صراعهم من اجل تقسيم المناصب والغنائم الناتجة من الاتفاقية، مما قوى من نفوذ الأرستقراطية القبلية في الجنوب وزاد من حدة الصراع القبلي ( أو بالأحرى بين شعوب جنوب السودان). ولقد ساعد التكوين الاقتصادي قبل الرأسمالي وبالتالي ضعف التكوين القبلي لسيادة هذا النوع من الصراع. ورغم ان الحرب الثانية بدأت تحت شعارات قومية لتجديد الحياة في السودان، إلا أن الصراع بين شعوب وقبائل جنوب السودان قد ترك سماته على مسيرتها وقد سارع النادي الحاكم لاستغلال ذلك الصراع وتعميقه بين شعوب الدينكا والنوير والشلك وقبائل الإقليمي الاستوائي، وقد فشلت محأولات إيجاد انشقاق بين قبائل شعب الدينكا نفسه الذي تتشكل منه أغلبية الحركة الشعبية.

    الأرستقراطية الدينية(الطائفية)
    رغم ان بدايات تشكل الأرستقراطية الدينية الإسلامية يمكن إرجاعها لسلطنة سنار[8] إلا ان السودان عرف الأرستقراطية الدينية مثله مثل المجتمعات الأخرى قبل سنار وقبل الإسلام. ولقد لعبت تلك الأرستقراطية أدوار هامة في مملكتي مروي ونبتة وفي الممالك المسيحية التي تلتها كالمقرة وعلوة وسوبا. وظلت الأرستقراطية الدينية تلعب دورا هاما في وسط القبائل والشعوب السودانية التي لم تعرف الإسلام حتى يومنا هذا، كالأدوار المهمة للكجور وسط قبائل النوبة في أواسط السودان الغربي أو في وسط شعب الشلك في أعالي النيل، أو وسط شعب الدينكا المنتشر في أعالي النيل وبحر الغزال بقبائلهم المتعددة. ورغم كل هذا فإن للأرستقراطية الدينية الإسلامية في شمال السودان تاريخا أكثر حداثة يعود للحكم الثنائي تحت الإدارة البريطانية.

    لقد بدأ الحكم الثنائي بعداء واضح للطرق الصوفية باعتبارها البؤرة التي نبعت منها الثورة المهدية وذلك لان الإمام محمد احمد المهدي كان أحد اتباع الطريقة السمانية واصبح أحد شيوخها قبيل الثورة المهدية[9]، ولقد استثنت إدارة الحكم الثنائي الختمية وزعيمها السيد علي الميرغني من تلك السياسة وسمحت له بإعادة بناء جامع الختمية بكسلا بينما كانت تمنع الطرق الصوفية الأخرى من بناء زواياها وجوامعها، وسمحت له بالتحرك الواسع لتجميع اتباعه وجمع الهبات والزكأوات منهم واغتناء الأراضي الزراعية والسكنية وأنعمت عليه بأرفع الأوسمة. ولكن هذه السياسة سرعان ما امتدت لتشمل طرقا صوفية أخرى مما أوضح أن سياسة الدولة الكولنيالية كانت محكومة بظروف الواقع العملي، أنها براغماتية، قائمة على أساس تجنيد المتعاونين وإقصاء الأعداء، وقد وضح ذلك جليا عند بداية الحرب العالمية الأولى، عندما لجأت الإدارة البريطانية في السودان لحشد تأييد الأرستقراطية الدينية حيث جمعت توقيعات 500 من زعماء الطرق الصوفية ورجال الدين لتوقيع كتاب الولاء الشهير والذي أيدوا فيه بريطانيا والحلفاء خلال الحرب ضد ألمانيا وتركيا، وكان المقصود قفل الطريق أمام الدعاية التركية باعتبار تركيا كانت حينها مقر الخلافة الإسلامية. ولقد أدي ذلك الجهد لاحياء الأرستقراطية الدينية ونمو عائلة المهدي : أرستقراطية دينية جديدة، تراكمت لديها ثروة طائلة بفضل تسهيلات السلطة الاستعمارية وقدرات السيد عبد الرحمن المهدي الاستثمارية والتنظيمية معا. ولكن بالمقابل فقد أدت السياسة الاستعمارية لانشقاق الأرستقراطية الدينية وصراع طائفتيها الأساسيتين: الختمية والأنصار حتى لقاء السيدين الشهير بعد وقت قصير من نيل الاستقلال.

    لقد اعتمدت الأرستقراطية الخطاب الطائفي الديني كأيدولجية لها وهذا خطاب يحمل في داخله إشكاليات مستقبلية، سرعان ما بدأت بالظهور بانتشار التعليم في السودان، ولعل أول تحدي واجه الخطاب الايدولوجي الطائفي كان الخطاب القومي السوداني الذي تبنته ثورة 1924 الذي رغم تبنيها لشعارات وحدة وادي النيل كانت تقوم على خطاب قومي يوحد السودانيين بكل قبائلهم وطوائفهم على أساس الولاء لملك مصر، وبالطبع كان هذا أحد أهم أسباب هجوم الأرستقراطية الدينية والقبلية على الثورة وقيادتها. وقد أدى هذا الصراع المبكر لوعي الأرستقراطية الدينية لتجنيد متعلمين لخمة أهدافها وكان أول المبادرين في ذلك زعيم الطائفة الهندية الذي أراد ان يستقوى بالمعلمين في صراعه مع الطائفتين الأقوى. ولكن سرعان ما دخلت طائفتا الختمية والأنصار الصراع وسط المتعلمين خاصة بعد نشوء مؤتمر الخريجين.

    ولكن رغم ذلك ظلت أغلبية الخريجين حتى الحرب العالمية الثانية بعيدة من النفوذ الطائفي ومنتقدة له. ولكن التطور السياسي أثناء الحرب ومذكرة الخريجين الشهيرة وضعا المؤتمر في مواجهة مباشرة مع الاستعمار، مما أدى لانقسامه وتوجهه نحو الأرستقراطية الدينية بحثا عن الدعم الشعبي والمادي، ولقد كان هذا خطأ فادحا في تاريخ الحركة الوطنية أدى لتقوية النفوذ الطائفي وحبس قطاعات واسعة من الجماهير في إطار الايدولجية الطائفية. ولقد ظل قطاع واسع من الخريجين، خاصة وسط مجموعات الأشقاء التي كونت الحزب الوطني الاتحادي فيما بعد، تنظر لارتمائها في أحضان الطائفية باعتباره تكتيكا مؤقتا في صراعها مع الاستعمار وطائفة الأنصار. ولقد تفجر الصراع بين هذه المجموعة وطائفة الختمية أثناء الحكم الذاتي وقبيل الاستقلال، مما أدى لانقسام الحزب الوطني الاتحادي وتكوين حزب الشعب والتقاء السيدين وسقوط حكومة الأزهري القومية وتكوين الحكومة الائتلافية بين حزبي الأمة والشعب الديمقراطي برئاسة عبد الله خليل.

    إن ائتلاف حزبي الأمة والشعب الديمقراطي يعبر عن وحدة مصالح الأرستقراطية الدينية، فيما يتعلق باستثماراتها الزراعية في أواسط وشمال السودان، وخاصة، فيما أشار الدكتور تيسير محمد على، لمصالحها فيما يتعلق بمياه النيل. وفي نفس الوقت فإن الرأسمالية السودانية الناشئة حينها، كما سنوضح فيما بعد، والمنقسمة وفقا للانتماء الطائفي والقبلي كانت تسعى لتوحيد صفوفها، وبما أن قطاعا هاما منها كان يؤيد الحزب الوطني الاتحادي المتمرد حينها على نفوذ الختمية، فكان هناك اتجاهان يعملان في وقت واحد، أحدهما لاعادة توحيد الوطني الاتحادي والآخر لإقامة تحالف بين حزب الأمة والوطني الاتحادي، ولكن انقلاب 17 نوفمبر وضع حدا لهذين الاتجاهين معا بمحاولة إيجاد سلطة مستقلة نسبيا لخدمة مصالح التطور الرأسمالي في السودان.

    لقد أدى الصراع داخل القوات المسلحة بين العناصر المؤيدة للوطني الاتحادي والمتحررة من الطائفية وبين جناحي الطائفية، لإقصاء ممثلي طائفة الأنصار أولا من قيادة المجلس الأعلى للقوات المسلحة (احمد عبد الوهاب وعوض عبد الرحمن)، ثم إقصاء العناصر المؤيدة للوطني الاتحادي (محي الدين احمد عبد الله وشنان) مما جعل القيادة الحقيقية في يد مؤيدي طائفة الختمية (عبود وحسن بشير نصر).

    انقسامات الأرستقراطية الدينية ومحاولات التجديد في صفوفها
    لقد كان الإمام عبد الرحمن المهدي عنصرا هاما في قيادة الأرستقراطية الدينية والحفاظ على وحدتها وتحالفها مع الأرستقراطية القبلية، ورغم أن السيد الصديق المهدي قد ورث عنه تلك القدرات القيادية إلا أن السيد الصديق كان ميالا لقيام تحالف وطني مع الرأسمالية السودانية وقطاعات المتعلمين ولقد كان من البدء معترضا على تسليم السلطة للجيش وميالا لقيام ائتلاف سياسي مع الوطني الاتحادي لحل الأزمة السياسية التي نشأت في البلاد بعد انتخابات 1958 وقد يكون ذلك نابعا من طبيعة نشأة وتربية وتعليم السيد الصديق المهدي (فهو من أبناء المهدي القلائل الذين تلقوا تعليمهم في السودان، فهو خريج كلية غردون وقد اشترك في إضراب الكلية الشهير ويعرف قادة الخريجين الذين اصبحوا قادة للأحزاب منذ أيام الدراسة وأقام علاقات شخصية مع قادة العمل السياسي والنقابي) مما جعله قائدا فريدا للأرستقراطية الدينية. ولكن الموت المبكر للسيد الصديق ترك طائفة الأنصار منقسمة على نفسها. فرغم المحاولات التي تمت في مؤتمر الجزيرة أبا بعد وفاة السيد الصديق للتوفيق بين الصادق المهدي وعمه السيد الهادي المهدي.

    لقد عاد السيد الصادق المهدي من دراسته ببريطانيا وهو يحمل أفكارا عن تجديد الأرستقراطية الدينية ولكنه كان متنازع بين تيارين فكريين يحاول الجمع بينهما: الأول تيار إصلاحي يدعو للتجديد الاقتصادي لدائرة المهدي وإعادة ترتيب العلاقات فيها بتحويل استثماراتها إلى استثمارات رأسمالية حديثة (للأسف ليس بين يدينا المذكرة التي كتبها السيد الصادق حول تحديث دائرة المهدي في بداية الستينات ونعتمد على الذاكرة على اطلاع عاجل لها في منتصف عام 1987) ولقيام نظام رأسمالي حديث في السودان. والثاني تيار إسلامي يعتمد خطاب الأخوان المسلمين في إقامة دولة دينية في السودان. ولم يكن السيد الصادق المهدي يرى أي تناقض بين التيارين اللذين يتنازعانه، فهو يريد أن يجعل من الأيديولوجية الإسلامية الأخوانية أيديولوجية للتحول الرأسمالي الحديث في السودان.

    ولقد تفجر الصراع في حزب الأمة وأرستقراطية آل المهدي الدينية بعد ثورة أكتوبر ليقسم هذه الأرستقراطية بين جناحي الصادق والإمام الهادي، مما أسهم في إضعافها، خاصة بعد توحد الوطني والاتحادي وحزب الشعب الديمقراطي في الحزب الاتحادي الديمقراطي والذي انعكس في انتخابات 1968 والتي فقد فيها الصادق المهدي مقعده الانتخابي في إحدى دوائر منطقة كوستي واصبح الحزب الاتحادي فيها أكبر الأحزاب في البرلمان (الوضع الذي فقده بعد انقسامه عشية الاستقلال) وجناح الإمام الهادي شريكا اصغر في الحكومة الائتلافية. وقد أدى طرح مشروع الدستور عام 1968 إلى توحد أرستقراطية آل المهدي من جديد للاستعداد لانتخابات الجمهورية الرئاسية ولكن انقلاب مايو قد وجه ضربة قاسية لأرستقراطية بيت المهدي.

    مايو والأرستقراطية الدينية:
    وكما أضعفت مايو الأسس المادية لتركيبة الأرستقراطية القبلية، فإنها دون شك قد أضعفت الأسس المادية لتركيب الأرستقراطية الدينية ومن الخطأ بمكان أن نعتبر ذلك الضعف نتيجة فقط للإجراءات القمعية ومصادرة الممتلكات وحق التنظيم بعد مايو مباشرة، وإنما هو نتاج لعملية تاريخية تم خلالها نمو الإنتاج السلعي وتوسعه، ونمو الرأسمالية السودانية واحتدام الصراع الاجتماعي والسياسي بأبعاده الطبقية والقومية والإقليمية، وبانتشار التعليم وبتأثير تنظيمات القوى الحديثة السياسية والنقابية والاجتماعية.

    وكما سنوضح في القسم الثالث من هذا الفصل فإن الرأسمالية السودانية والإنتاج السلعي قد توسعا بشكل جعل الهيمنة الاقتصادية للرأسمالية السودانية أمرا واقعا ، وبالتالي ضعفت الأسس المادية للأرستقراطية الدينية وهذا لا يعني ان أفراد وعائلات هذه الفئة الطبقية اصبحوا أقل ثراء بقدر ما يعني، ان تلك الفئة لم تعد المهيمنة على الاقتصاد السوداني. بل ان أطرافا من الأرستقراطية الدينية ومؤيديها السياسيين أو التابعين لطرقها الصوفية أو الطائفية الدينية انتقلت بثرواتها واستثماراتها إلى المشاريع الرأسمالية الزراعية (الزراعة الآلية) والصناعية، وبالتالي لم يعد الولاء أو الانتماء الطائفي وحده هو الذي يحكم علاقات أفراد وعائلات الأرستقراطية الدينية فيما بينها وبينها وبين مؤيديها، بل هناك عنصر المصلحة الاقتصادية والمبنية على أساس تأثير الاستثمار الرأسمالي وقوانينه الاساسية، خاصة بعد ان جاء لقيادات العائلات المؤيدة والتابعة أجيال جديدة تلقت تعليما عصريا ولا تكن نفس الولاء الطائفي ولم تعد أسيرة للأيديولوجيا الطائفية.

    وما أسهم في إضعاف الأرستقراطية الدينية أنها قد واجهت مايو بعد ان فقدت قياداتها المتمرسة، فالختمية مثلا كانوا قد فقدوا لتوهم (1968) زعيمهم الروحي السيد على الميرغني، وكان زعيمهم السياسي السيد علي عبد الرحمن قد اصبح كهلا وشل المرض حركته، بينما توفى حليفهم الأكبر السيد اسماعيل الأزهري في الأيام الأولى لمايو وانتقلت قيادة الحزب الاتحادي للخارج بقيادة الشريف حسين الهندي، ومارست مصر ضغوطها على قيادتهم لتأييد النظام المايوي.

    ولم يكن حال عائلة المهدي التي تتزعم طائفة الأنصار بأحسن حالا من الختمية، فهي قد فقدت قيادتها التاريخية منذ فترة الحكم العسكري الأول (توفى السيد عبد الرحمن المهدي عام 1959 والسيد الصديق عام 1963) وقتل الإمام الهادي المهدي عقب أحداث الجزيرة أبا خلال العام الأول لانقلاب مايو (مارس 1970)، واستطاعت مايو تحييد السيد احمد المهدي لمعظم فترة مايو وكسبه لتأييدها خلال فترتها الأخيرة.

    الطائفية وتنمية الأصولية
    لقد توطدت العلاقة بين الطائفية والأخوان المسلمين في الفترة بين مايو 1969 والمصالحة الوطنية في عام 1977. وكانت علاقة جناح الصادق المهدي من طائفة الأنصار مع الأخوان المسلمين قد نمت خلال الديمقراطية الثانية منذ اشتعال ثورة اكتوبر في محاولتهم للجم ثورة اكتوبر من ان تحدث تحولا عميقا في الحياة السودانية، ودعم حزب الأمة جناح الصادق المهدي مؤامرة الأخوان لحل الحزب الشيوعي، وعملت الطائفية على دعم حركة الأخوان في الجامعات والمعاهد والمدارس، واشتركت معهم في محأولة قسم الحركة النقابية بتكوين ما سمي الجبهة الوطنية للنقابيين واتحاد عمال القطاع الخاص واتحاد عمال القطاع العام، وعندما اكتمل انقسام حزب الأمة كون معهم الصادق المهدي مؤتمر القوى الجديدة. ولكن هذه العلاقة النامية انتقلت إلى طور أعلى في مواجهتهم لانقلاب مايو، فقد لعب المرحوم محمد صالح عمر دورا كبيرا في تهريب السلاح للجزيرة أبا، ولعب عثمان خالد واحمد عبد الرحمن أدوار مماثلة في حشد تأييد السعودية للجبهة الوطنية، وقد اعتمدت الجبهة في اتصالاتها وحركتها التنظيمية على جماعة الأخوان، واستفادت حركة الأخوان من هذه الصلات فأقامت اتصالات عالمية إقليمية جديدة، ودربت كوادرها على العمل المسلح واخفت بعض السلاح لصالحها، واخترقت الأحزاب التقليدية وبنت تحالفات داخلها مع بعض الشخصيات التي ظلت تمثل حركة الأخوان داخل هذه الأحزاب وتشكل مجموعات ضغط، وعن طريق علاقاتها مع الأنصار استطاعت الوصول لمناطق في السودان لم يكن لها فيها وجود.

    الطائفية ومنافسة الأصولية
    ولعل أهم الهجمات التي واجهتها الطائفية خلال نظام نميري تمت من خلال التحالف بين النظام وجماعة الأخوان المسلمين تحت رعاية وتشجيع النظام السعودي. ولهذا خلفية لابد من التوقف عندها. فقد أدت الأزمة الاقتصادية التي بدأت تتفاقم في السودان منذ عام 1973 إلى اعتماد نظام نميري بشكل متزايد على دول الخليج خاصة المملكة العربية السعودية التي بدأت فرض شروطها حول أسلمة النظام والذي بدا برنامجه بما سمي بالقيادة الرشيدة 1975 وحل توتو كورة في نفس العام، ثم بالسماح لبنك فيصل الإسلامي بالعمل في السودان في منتصف السبعينات. لقد قام الأمير محمد الفيصل المالك لاكبر نسبة من اسهم البنك بتعيين كوادر الأخوان المسلمين في قيادة البنك وشركاته وكان الأمير محمد الفيصل قد ارتبط بعلاقات وثيقة مع حركة الأخوان المسلمين في السودان منذ منتصف الستينات عن طريق ما سمي بمنظمة الشباب الوطني ورئيسها علي عبد الله يعقوب (انظر الافندي، ثورة الترابيين 1991 بالإنجليزي، ص 98). وقد استغل الأخوان وضعهم في البنك لتمويل كوادرهم ومؤيديهم واختراق صفوف الحرفيين وصغار المنتجين، موسعين لأول مرة في تاريخهم قاعدتهم الاجتماعية. يقول حسن الترابي عن تلك الفترة:

    فبالرغم مما عهدت الحركة من دعوة عامة ونشاط سياسي في السابق، فإنها لم تلتحم بالمجتمع كما التحمت به في هذه المرحلة.... وكان هذا العهد هو عهد العمل الاقتصادي الإسلامي الذي ابتدر قبيل المصالحة، لكنه انفتح بعدها واصبح كسبا من مكتسبات حركة الإسلام في السودان_ كسبا لتجربتها في تطبيق الإسلام ولقوتها في سبيله. "( حسن الترابي : الحركة الإسلامية في السودان ، التطور والمنهج والكسب طبعة لاهور 1990 ص 37)

    ويقول في مكان آخر:

    "لئن كانت الصدقة هي قوام المالية العامة في مجتمع السنة لا سيما في مقابلة النفقات الجهادية، فإنها لم تكن معهودة في الحركة الإسلامية بالسودان، لان سوادها الأعظم من الطلاب المعسرين. لكن مع ولوج أعضاء الحركة في مجال التجارة والعمل في المهاجر العربية، ومع توافر المؤسسات المالية الإسلامية التي هيأت للملتزمين بأحكام الدين مجالا في اعتمادات التمويل كسائر رجال الأعمال ومكنتهم من المنافسة والربح، ومع التحام الحركة بالحياة العامة وما استصحبه ذلك من تحديات تستفز المؤمن للعطاء...."(المرجع السابق ص 88).

    ولم تستفد حركة الأخوان ماليا ومن توسيع قاعدتها الاجتماعية وسط الحرفيين والتجار خاصة تجار العملة فقط، بل استفادت من تحالفها لاختراق الصوفية السودانية واقامة تحالفات وسطها، وكانت مثل هذه التحالفات حكرا على الطائفية باعتبار أنها تحالف داخل الأرستقراطية الدينية.

    الأرستقراطية الدينية و الديمقراطية الثالثة
    لقد وجدت الديمقراطية الثالثة الأرستقراطية الدينية في أضعف حالاتها، فإلى جانب نمو الرأسمالية والإنتاج السلعي والإجراءات التي قام بها نظام نميري لاضعافها، كان إعلان نظام نميري لقوانين سبتمبر 1983 قد وضع الطائفية الدينية في موضع أيديولوجي محرج للغاية فهي لا تستطيع الدفاع العلني عن تلك القوانين فتضع نفسها في مواجهة القوى الديمقراطية وجماهير شعبية واسعة تعارض تلك القوانين وتفقد بالتالي أي فرصة لإحلال السلام في البلاد والتوصل لحل سلمي مع الحركة الشعبية لتحرير السودان التي تحمل السلاح وظلت تحقق انتصارات متوالية في الجنوب والجنوب الشرقي، وفي نفس الوقت لا تريد أن تعارضها وهي تمثل الغطاء الأيديولجي الذي تحتمي به والذي لا تريد ان تتخلى عنه للجبهة القومية الإسلامية.

    ولقد كان وضع أرستقراطية بيت المهدي وحلفاؤها أحسن حالا من وضع أرستقراطية آل الميرغني، إذ أن أرستقراطية بيت المهدي تعتمد سياسيا على طائفة الأنصار التابعة لها، وكان دائما لها الكلمة الأولى والنهائية حول كيفية بناء حزب الأمة وتشكيل قيادته، بينما تعتمد أرستقراطية آل الميرغني على تحالف بين طائفة الختمية التابعة لها وجماعات الوطني الاتحادي أو الأحزاب الاتحادية التي كان وجود الزعيم الأزهري عاملا هاما في وحدتها، وبغياب الأزهري أنتقل ذلك الدور للشريف حسين الهندي والذي توفى فبل الانتفاضة باعوام، وغابت عن الساحة عناصر اتحادية أخرى كان يمكن ان تساعد في توحيد الحزب كالأستاذ عبد الماجد أبو حسبو والسيد إبراهيم المفتي والسيد يحي الفضلي والسيد نصر الدين السيد، واستطاعت الحركة الإسلامية أن تكسب إلى جانبها السيد احمد زين العابدين المحامي الذي ظل يمثل عنصرا انقساميا في الحزب.

    ولقد انعكس كل ذلك في توسع الحركة الإسلامية على حساب الأرستقراطية الدينية خلال الديمقراطية الثالثة في نتيجة الانتخابات العامة عام 1986 حيث فازت الحركة الإسلامية في دوائر مقفولة تاريخيا للأرستقراطية الدينية (وسنناقش فوزها في دوائر الخريجين فيما بعد).

    ولكن رغم ذلك وجدت الأرستقراطية الدينية نفسها في قيادة دولة الديمقراطية الثالثة، وفشلت في إدراك اضمحلالها التاريخي وأهمية تحولها لرأسمالية (كما فعلت كل من الأرستقراطيات في أوربا: بريطانيا، ألمانيا، فرنسا،...الخ) توحد حولها فئات الرأسمالية الأخرى وتكمل التحولات الرأسمالية التي بدأت في النصف الأول من عهد نميري بتبنيها برنامجا للتحول الرأسمالي يحجم الرأسمالية المالية للجبهة القومية الإسلامية ويضع الرأسمالية الزراعية والصناعية في قيادة الرأسمالية السودانية ويعيد للرأسمالية التجارية التقليدية اعتبارها.



    عودة لعادل
    الشرعية الدستورية
    وعندما يصل عادل للشرعية الدستورية ندخل من جديد مأزق الخلط بين الشرعية والمشروعية. ولنتابع كل ذلك

    الشرعية الدستورية لا تخلق بشكل أوتوماتيكي مشروعية، إلا لأصبح الحديث عن المشروعية وأزمتها منذ الاستقلال لا معنى له. الشرعية الدستورية هي في مجال القانون: يعني إتباع نصوص وأحكام دستور ولا يفرق لو كان دستور نميري أم ناصر أم السادات أم سوكمارسون، ولكن الفرق كونه دستور ديمقراطي أم لا، برلماني أم رئاسي، يقوم على فصل السلطات أم دمجها والتداخل بينها، وهذا يدخل في مجال المشروعية لأنه يتعلق بقوانين اللعبة وهي أما قوانين مقبولة أم غير مقبولة، بعض المثقفين يعزون الأزمة في السودان لعدم وضع دستور دائم وهذا غير صحيح فنميري وضع دستورا أسماه دائما وهكذا فعل الترابي، المسألة هي دستور متفق عليه، مقبول من قبل كل الأطراف باعتباره يحدد قوانين اللعبة بشكل مقبول، يعطي حقوق يعترف بها وواجبات يتم تنفيذها أو التقيد بها. فالدستورية ليست هي الحل السحري ولكن الدستورية المجمع عليها جزء من الحل وليست كله، إيطاليا مثلا بها دستور متفق عليه وتعاني عدم استقرار سياسي (انظر مثلا David Hine (1993): Governing Italy, the politics of Bargained Pluralism, Calerdon Press, Oxford، وبريطانيا ليس لديها دستور ولكن هناك اتفاق على سيادة البرلمان التشريعية وهناك استقرار سياسي في معظم مناطقها، والمنطقة التي نعاني عدم استقرار لأنه ليس هناك قبول جامع لحق بريطانيا في إدارة ايرلندا الشمالية. وهكذا. ,بالتالي يصبح أي برنامج يدعو لمجرد الدستورية أو سيادة الدستور برنامج لا ينفذ لجوهر المسألة السودانية، مثلا دستور ألمانيا الغربية لعام 1949 أضطر واضعيه لجعل بعض مواده جامدة لا يمكن تعديلها وهي المتعلقة بالحقوق الأساسية والتعددية واضطروا لتسمية الدولة دولة اجتماعية social state لصيانة بعض الحقوق الاجتماعية (راجع مثلا William E Paterson & David Southern (1991) Governing Germany, Blackwell , Oxford) وتصور مثلا أن ما حدث في الولايات المتحدة من خلاف بين كلينتون والكونغرس حول الميزانية وأدى لإغلاق بعض مكاتب الحكومة الفدرالية، حدث بدستور مماثل في السودان، تتطور المسألة من أزمة تشريعية لأزمة مشروعية ويحدث انقلاب لوقف تلاعب السياسيين بمصالح الخلق فتنتفي الشرعية والمشروعية معا. الفرق أن الرأسمالية الأمريكية استطاعت إنشاء هجمنتها، بينما المجموعات الطبقية الحاكمة عندنا فشلت في ذلك (أنظر Sidgi Kaballo (1994) The Political Economy of Crisis in Sudan, PhD Thesis submitted to University of Leeds)

    الشرعية الثورية
    كل الأنظمة التي يراها الأستاذ عادل مستقرة وديمقراطية و... و... سبقتها فترات شرعية ومشروعية ثورية، حيث خرج الثوار على الشرعية القديمة وأقاموا شرعية جديدة في مكانها واستمرت الشرعية الجديدة لأنها تعبر عن مشروعية، عن ذلك القبول الذي نتحدث عنه، وبالمناسبة كانت هناك فترات انتقال في كثير من هذه البلدان اعتمدت أساسا على المشروعية وبعضها اعتمد على مشروعية التحرير (الثورة الأمريكية والجمهورية الرابعة الفرنسية، وبالمناسبة المشروعية لقيام الجمهورية الخامسة قامت على أساس دعوة رئيس الجمهورية لديجول لتأليف حكومة وديجول لم يكن نائبا بل كان قد اعتزل السياسة ونفى نفسه في قريته، ودستور الجمهورية الخامسة قد فصله ديجول على مقاسه وبدأت التعديلات فيه بعد أن استقالة ديجول عقب استفتاء عام دعا له لتأييد بعض سياساته ولكن الأغلبية التي نالها لم ترضيه فاستقال). المهم كيف تتحول الشرعية الثورية لشرعية دائمة وتصبح مشروعية. والشرط الأساسي في تحولها نحو الديمقراطية وحكم القانون. والترابي ليس غبيا أو مجنونا فهو أراد أن يفعل ذلك بانقلاب يونيو ولكن المسألة الأساسية هي فشله في كسب أي مشروعية لمشروعه الحضاري ولنظام الحكم الملطخ بالجرائم والفساد وانتهاكات حقوق الإنسان.

    شرعية الصفوة
    حديث عادل حول شرعية الصفوة أيضا يمكن فهمه على أساس أنه يقصد مشروعية قيادة الصفوة التي تقود لحكم شمولي ديكتاتوري لأنه مبنية على قيام الأقلية بحكم الأغلبية دون تفويض من الأخيرة لذا فهناك صعوبة في كسب المشروعية بشكل دائم.

    شرعية الحركة السياسية
    لنتفادى الخلط بين الشرعية والمشروعية دعنا نبدأ بالشرعية أولاً. هناك مستويان للشرعية أولا شرعية الحركة السياسية بمعنى أنها منظمات قانونية، بمعنى أن وجودها لا يخالف القانون ولا تدعو لانتهاكه أو العمل خارج نطاقه وهذه تعتمد على نوع القانون والنظام السياسي وما إذا كان ديمقراطيا يكفل حق التنظيم للجميع. وعلى الأحزاب نفسها وإذا ما كانت برامجها وأساليب عملها تعتمد العمل الديمقراطي القانوني و لا تسعى لتقويض النظام الديمقراطي. المسالة الثانية الشرعية داخل كل حزب بمعنى التزام ذلك الحزب لدستوره وأسس تنظيمه التي توضح كيف يتكون ولماذا يدعو وكيف تتكون قيادته وأجهزته. ورغم أن هذه مسألة خاصة بكل حزب إلا أنها موضوع لرأي الآخرين وتقييمهم ونقدهم ضمن الصراع السياسي وطبعا موضوع لتقييم الباحثين ودارسي العلوم السياسية والاجتماعية والمؤرخين. أما مشروعية وجود حزب ما فتحددها الجماهير في مجتمع ديمقراطي وكل حزب يسعى لكسب الجماهير يسعى لتأسيس مشروعيته وزيادة وتوسيع رقعتها. فما الذي يناقشه عادل في هذا الصدد؟

    يبدو أن عادل مهتم بالنظام الداخلي للأحزاب و مدى ديمقراطيتها. وهذه مسألة مهمة جدا لأن الحزب غير الديمقراطي في بنيته لا يمكن أن يبني مجتمعا ديمقراطيا. وفي هذه الوجهة فإن الحركة السياسية السودانية تواجه أزمة وأن حل تلك الأزمة يحتاج لصراع داخل كل حزب ومن خارجه في نقد الأحزاب الأخرى له ونقد الدارسين والباحثين والمؤرخين ...الخ. وإصلاح هذه الأحزاب لا يمكن فرضه بقانون ولكن بتطور الحركة السياسية والوعي الديمقراطي.

    وفي هذا النطاق يمكن التعامل مع تقييم ونقد عادل للحركات السياسية. وفي تقديري أن المخرج في النضال الصبور من أجل نظام ديمقراطي يحترم الحقوق الأساسية وبالتالي يتيح جو للصراع الديمقراطي السياسي والاجتماعي مما سيؤدي حتما لتطور القوى السياسية وفقا لمستوى تطور الشعب، وهذا دون شك يحتاج لدستور ديمقراطي يجعل من الممارسة الديمقراطية ممارسة شرعية ومشروعة. وهذا وحده لا يحل الأزمة في السودان ولا بد من أن يحدث معه اتفاق حول قضايا تقسيم السلطة والثروة، والتنمية المتوازنة وتلبية احتياجات الجماهير الأساسية. وهنا تقدم مختلف القوى السياسية برامجها ويحاول التجمع أن يطرح برنامجا يوحد أغلبية الشعب السوداني لبناء سودان جديد يحقق السلام والديمقراطية والعدل.

    ولعادل تحياتي وشكري على طرحه القضايا الهامة التي تحتاج للمناقشة وأرجو أن يسهم الآخرون في المناقشة.



    صدقي كبلو- بيرمنجهام- بريطانيا
    19-10-2000











    --------------------------------------------------------------------------------

    [1] Roger Scruton,(1982), A Dictionary of political Thought, Pan Books in association with the Macmillan Press, London

    [2]مفصلة هي الترجمة العربية الحرفية لمفهوم Articulation والذي يعطي معنىً أغنى من المعنى اللغوي لكلمة مفصلة يعبر عن عملية يتم من خلالها إنشاء مجموعة من علاقات التشابك في مجالات الإنتاج والتبادل والقوى المنتجة والسياسية بين تشكيلة اقتصادية اجتماعية أو اكثر تؤدي لخدمة أغراض التشكيلة الاقتصادية الاجتماعية الأكثر تطورا. انظر لمزيد من التفاصيل حول الموضوع كتاب صدقي كبلو " الاقتصاد السياسي للأزمة في السودان" مصدر سبق ذكره.

    [3]لقد تناول باحثون كثيرون مسألة استيعاب السيد عبد الرحمن المهدي وطائفة الأنصار ضمن التشكيلة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي بناها الحكم الثنائي في البلاد ومن هؤلاء الدكتور جعفر محمد علي بخيت في كتابه الإدارة البريطانية في السودان، محمد عمر بشير في كتابه عن الثورة و الحركة الوطنية في السودان، والبروفسير حسن محمد ابراهيم في بحثه عن المهدية الجديدة في السودان، والدكتورة فدوى عبد الرحمن علي طه في ورقتها التي قدمتها لمؤتمر الدراسات السودانية بجامعة درهام بإنجلترا عام 1991 عن "السيد عبد الرحمن المهدي: النسب وتعقيداته في الحركة الوطنية السودانية"



    [4]انظر صدقي كبلو: الاقتصاد السياسي للازمة في السودان، مرجع سبق ذكره، الفصل الثاني.

    [5]انظر: صدقي كبلو: الاقتصاد السياسي للازمة في السودان،مرجع سبق ذكره، ص 58؛ كما انظر جعفر محمد علي بخيت، الإدارة البريطانية والحركة الوطنية في السودان 1919-1939، المطبوعات العربية للتأليف والترجمة الخرطوم، 1987.

    [6]راجع الاستعراض الوافي لتقرير ملينر في كتاب ماكمايكل MacMichael, Harold, The Anglo-Egyptian Sudan, Faber and Faber, London, 1934.

    [7]يمكن الرجوع بالإضافة لمرجعي جعفر بخيت وماكمايكل سابقي الذكر، لمقالة مولانا محمد ابراهيم النور، 'The Role of the Native Courts in the Administration of Justice in the Sudan' in Sudan Notes and Records Vol. 41, 1960 pp 85- , Khartoum, Sudan Philosophical Society.

    [8]أنظر طبقات ود ضيف الله، الطبعة الثانية 1974 ، ص 40-41

    [9] هناك كتب كثيرة تناولت السياسة الدينية للحكم الثنائي ومن بينها كتاب المرحوم الدكتور جعفر بخيت "الإدارة البريطانية والحركة الوطنية في السودان" وهو ترجمة لرسالته للدكتوراه (انظر طبعة 1987 الصادرة من المطبوعات العربية، الخرطوم) وكتاب المرحوم البروفسير محمد عمر بشير Revolution and Nationalism in the Sudan, London, Rex Collings, 1977 وكتابي البروفسير Dally ، الأول بعنوان Empire on the Nile, The Anglo-Egyptian Condominium, 1898-1934 Cambridge University Press 1986- والثاني بعنوان Imperial Sudan, The Anglo-Egyptian Condominium, 1934-56, Cambridge University press 1991


    المصدر


    http://www.mafhoum.com/press/kaplo.htm






                  

العنوان الكاتب Date
المكتبة السودانية: العرش والمحراب...الامام عبدالرحمن المهدي adil amin10-12-11, 09:29 AM
  Re: المكتبة السودانية: العرش والمحراب...الامام عبدالرحمن المهدي adil amin10-12-11, 09:34 AM
    Re: المكتبة السودانية: العرش والمحراب...الامام عبدالرحمن المهدي adil amin10-12-11, 09:35 AM
  Re: المكتبة السودانية: العرش والمحراب...الامام عبدالرحمن المهدي adil amin10-13-11, 08:37 AM
    Re: المكتبة السودانية: العرش والمحراب...الامام عبدالرحمن المهدي adil amin10-16-11, 09:59 AM
      Re: المكتبة السودانية: العرش والمحراب...الامام عبدالرحمن المهدي adil amin10-16-11, 10:38 AM
        Re: المكتبة السودانية: العرش والمحراب...الامام عبدالرحمن المهدي othman mohmmadien10-16-11, 01:10 PM
  Re: المكتبة السودانية: العرش والمحراب...الامام عبدالرحمن المهدي adil amin10-17-11, 10:55 AM
    Re: المكتبة السودانية: العرش والمحراب...الامام عبدالرحمن المهدي adil amin10-18-11, 08:53 AM
      Re: المكتبة السودانية: العرش والمحراب...الامام عبدالرحمن المهدي adil amin10-18-11, 09:27 AM
        Re: المكتبة السودانية: العرش والمحراب...الامام عبدالرحمن المهدي adil amin10-18-11, 09:41 AM
          Re: المكتبة السودانية: العرش والمحراب...الامام عبدالرحمن المهدي adil amin10-19-11, 03:09 PM
            Re: المكتبة السودانية: العرش والمحراب...الامام عبدالرحمن المهدي adil amin10-19-11, 03:19 PM
              Re: المكتبة السودانية: العرش والمحراب...الامام عبدالرحمن المهدي adil amin10-20-11, 08:07 AM
                Re: المكتبة السودانية: العرش والمحراب...الامام عبدالرحمن المهدي adil amin10-20-11, 08:13 AM
                  Re: المكتبة السودانية: العرش والمحراب...الامام عبدالرحمن المهدي adil amin10-22-11, 08:07 AM
                    Re: المكتبة السودانية: العرش والمحراب...الامام عبدالرحمن المهدي adil amin10-22-11, 08:10 AM
                      Re: المكتبة السودانية: العرش والمحراب...الامام عبدالرحمن المهدي adil amin10-22-11, 08:13 AM
                        Re: المكتبة السودانية: العرش والمحراب...الامام عبدالرحمن المهدي adil amin10-22-11, 08:32 AM
                          Re: المكتبة السودانية: العرش والمحراب...الامام عبدالرحمن المهدي adil amin10-23-11, 09:39 AM
                            Re: المكتبة السودانية: العرش والمحراب...الامام عبدالرحمن المهدي adil amin10-23-11, 09:47 AM
                              Re: المكتبة السودانية: العرش والمحراب...الامام عبدالرحمن المهدي adil amin10-24-11, 08:18 AM
                                Re: المكتبة السودانية: العرش والمحراب...الامام عبدالرحمن المهدي adil amin10-24-11, 08:29 AM
                                  Re: المكتبة السودانية: العرش والمحراب...الامام عبدالرحمن المهدي adil amin10-24-11, 09:39 AM
                                    Re: المكتبة السودانية: العرش والمحراب...الامام عبدالرحمن المهدي حيدر حسن ميرغني10-24-11, 09:55 AM
                                    Re: المكتبة السودانية: العرش والمحراب...الامام عبدالرحمن المهدي حيدر حسن ميرغني10-24-11, 09:56 AM
                                      Re: المكتبة السودانية: العرش والمحراب...الامام عبدالرحمن المهدي adil amin10-25-11, 09:17 AM
                                        Re: المكتبة السودانية: العرش والمحراب...الامام عبدالرحمن المهدي محمد ميرغني عبد الحميد10-25-11, 10:59 AM
                                          Re: المكتبة السودانية: العرش والمحراب...الامام عبدالرحمن المهدي حيدر حسن ميرغني10-25-11, 11:09 AM
                                            Re: المكتبة السودانية: العرش والمحراب...الامام عبدالرحمن المهدي adil amin10-26-11, 08:34 AM
                                              Re: المكتبة السودانية: العرش والمحراب...الامام عبدالرحمن المهدي رؤوف جميل10-26-11, 09:22 AM
                                                Re: المكتبة السودانية: العرش والمحراب...الامام عبدالرحمن المهدي adil amin10-26-11, 09:57 AM
                                          Re: المكتبة السودانية: العرش والمحراب...الامام عبدالرحمن المهدي adil amin10-26-11, 08:19 AM
                      Re: المكتبة السودانية: العرش والمحراب...الامام عبدالرحمن المهدي adil amin12-27-11, 12:32 PM
            Re: المكتبة السودانية: العرش والمحراب...الامام عبدالرحمن المهدي othman mohmmadien11-08-11, 09:05 AM
  Re: المكتبة السودانية: العرش والمحراب...الامام عبدالرحمن المهدي adil amin10-26-11, 09:00 AM
    Re: المكتبة السودانية: العرش والمحراب...الامام عبدالرحمن المهدي محمد عمر عقيد10-26-11, 11:22 AM
      Re: المكتبة السودانية: العرش والمحراب...الامام عبدالرحمن المهدي adil amin10-27-11, 07:53 AM
        Re: المكتبة السودانية: العرش والمحراب...الامام عبدالرحمن المهدي adil amin10-27-11, 07:58 AM
          Re: المكتبة السودانية: العرش والمحراب...الامام عبدالرحمن المهدي adil amin10-27-11, 08:27 AM
            Re: المكتبة السودانية: العرش والمحراب...الامام عبدالرحمن المهدي adil amin10-29-11, 09:44 AM
              Re: المكتبة السودانية: العرش والمحراب...الامام عبدالرحمن المهدي adil amin11-03-11, 08:43 AM
                Re: المكتبة السودانية: العرش والمحراب...الامام عبدالرحمن المهدي adil amin11-07-11, 02:58 PM
                  Re: المكتبة السودانية: العرش والمحراب...الامام عبدالرحمن المهدي adil amin11-07-11, 03:06 PM
                  Re: المكتبة السودانية: العرش والمحراب...الامام عبدالرحمن المهدي adil amin11-07-11, 03:17 PM
                    Re: المكتبة السودانية: العرش والمحراب...الامام عبدالرحمن المهدي othman mohmmadien11-08-11, 09:13 AM
                    Re: المكتبة السودانية: العرش والمحراب...الامام عبدالرحمن المهدي othman mohmmadien11-08-11, 09:19 AM
                      Re: المكتبة السودانية: العرش والمحراب...الامام عبدالرحمن المهدي othman mohmmadien11-08-11, 09:28 AM
                        Re: المكتبة السودانية: العرش والمحراب...الامام عبدالرحمن المهدي محمد عمر عقيد11-08-11, 09:25 PM
                          Re: المكتبة السودانية: العرش والمحراب...الامام عبدالرحمن المهدي adil amin11-09-11, 01:46 PM
                          Re: المكتبة السودانية: العرش والمحراب...الامام عبدالرحمن المهدي adil amin11-09-11, 01:55 PM
                            Re: المكتبة السودانية: العرش والمحراب...الامام عبدالرحمن المهدي adil amin11-09-11, 02:06 PM
                              Re: المكتبة السودانية: العرش والمحراب...الامام عبدالرحمن المهدي adil amin11-09-11, 02:10 PM
                                Re: المكتبة السودانية: العرش والمحراب...الامام عبدالرحمن المهدي adil amin11-09-11, 02:42 PM
                              Re: المكتبة السودانية: العرش والمحراب...الامام عبدالرحمن المهدي adil amin11-09-11, 02:25 PM
                                Re: المكتبة السودانية: العرش والمحراب...الامام عبدالرحمن المهدي محمد عمر عقيد11-09-11, 11:47 PM
                                  Re: المكتبة السودانية: العرش والمحراب...الامام عبدالرحمن المهدي adil amin11-13-11, 10:20 AM
                                    Re: المكتبة السودانية: العرش والمحراب...الامام عبدالرحمن المهدي adil amin11-15-11, 08:32 AM
  Re: المكتبة السودانية: العرش والمحراب...الامام عبدالرحمن المهدي adil amin11-16-11, 03:55 PM
    Re: المكتبة السودانية: العرش والمحراب...الامام عبدالرحمن المهدي adil amin11-30-11, 09:33 AM
      Re: المكتبة السودانية: العرش والمحراب...الامام عبدالرحمن المهدي ابوهريرة زين العابدين12-02-11, 04:28 PM
        Re: المكتبة السودانية: العرش والمحراب...الامام عبدالرحمن المهدي adil amin12-03-11, 09:23 AM
          Re: المكتبة السودانية: العرش والمحراب...الامام عبدالرحمن المهدي عبدالله الشقليني12-03-11, 10:44 AM
            Re: المكتبة السودانية: العرش والمحراب...الامام عبدالرحمن المهدي adil amin12-26-11, 01:09 PM
              Re: المكتبة السودانية: العرش والمحراب...الامام عبدالرحمن المهدي adil amin12-26-11, 01:15 PM
                Re: المكتبة السودانية: العرش والمحراب...الامام عبدالرحمن المهدي adil amin04-01-13, 11:32 AM
                  Re: المكتبة السودانية: العرش والمحراب...الامام عبدالرحمن المهدي adil amin04-01-13, 11:43 AM
                    Re: المكتبة السودانية: العرش والمحراب...الامام عبدالرحمن المهدي adil amin04-02-13, 10:59 AM
                      Re: المكتبة السودانية: العرش والمحراب...الامام عبدالرحمن المهدي adil amin04-03-13, 11:46 AM
                        Re: المكتبة السودانية: العرش والمحراب...الامام عبدالرحمن المهدي adil amin04-04-13, 08:39 AM
                          Re: المكتبة السودانية: العرش والمحراب...الامام عبدالرحمن المهدي adil amin04-20-13, 01:14 PM
                            Re: المكتبة السودانية: العرش والمحراب...الامام عبدالرحمن المهدي adil amin05-04-13, 12:49 PM
                              Re: المكتبة السودانية: العرش والمحراب...الامام عبدالرحمن المهدي حسن مستور06-11-13, 03:24 PM
                                Re: المكتبة السودانية: العرش والمحراب...الاما� adil amin02-12-20, 12:26 PM
                                  Re: المكتبة السودانية: العرش والمحراب...الاما� adil amin02-12-20, 12:28 PM
                                    Re: المكتبة السودانية: العرش والمحراب...الاما� adil amin02-12-20, 12:36 PM
                                      Re: المكتبة السودانية: العرش والمحراب...الاما� adil amin02-12-20, 12:52 PM
                                        Re: المكتبة السودانية: العرش والمحراب...الاما� adil amin02-13-20, 04:18 AM
                                          Re: المكتبة السودانية: العرش والمحراب...الاما� adil amin02-13-20, 04:26 AM
                                            Re: المكتبة السودانية: العرش والمحراب...الاما� adil amin02-13-20, 04:37 AM
                                              Re: المكتبة السودانية: العرش والمحراب...الاما� adil amin02-15-20, 04:43 AM
                                                Re: المكتبة السودانية: العرش والمحراب...الاما� adil amin02-15-20, 04:51 AM
                                                  Re: المكتبة السودانية: العرش والمحراب...الاما� adil amin02-15-20, 05:01 AM
                                                    Re: المكتبة السودانية: العرش والمحراب...الاما� adil amin02-15-20, 05:03 AM
                                                      Re: المكتبة السودانية: العرش والمحراب...الاما� adil amin02-15-20, 01:54 PM
                                                      Re: المكتبة السودانية: العرش والمحراب...الاما� adil amin02-15-20, 01:55 PM
                                                        Re: المكتبة السودانية: العرش والمحراب...الاما� adil amin02-15-20, 02:07 PM
                                                          Re: المكتبة السودانية: العرش والمحراب...الاما� adil amin02-16-20, 04:00 AM
                                                            Re: المكتبة السودانية: العرش والمحراب...الاما� adil amin02-19-20, 05:02 AM
                                                              Re: المكتبة السودانية: العرش والمحراب...الاما� adil amin02-19-20, 05:04 AM
                                                                Re: المكتبة السودانية: العرش والمحراب...الاما� adil amin02-22-20, 04:11 AM
                                                                  Re: المكتبة السودانية: العرش والمحراب...الاما� osama elkhawad02-22-20, 06:04 AM
                                                                    Re: المكتبة السودانية: العرش والمحراب...الاما� adil amin02-23-20, 02:14 PM
                                                                  Re: المكتبة السودانية: العرش والمحراب...الاما� adil amin02-23-20, 02:32 PM
                                                                    Re: المكتبة السودانية: العرش والمحراب...الاما� adil amin02-23-20, 02:39 PM
                                                                      Re: المكتبة السودانية: العرش والمحراب...الاما� osama elkhawad02-23-20, 06:36 PM
                                                                        Re: المكتبة السودانية: العرش والمحراب...الاما� adil amin02-24-20, 05:03 AM
                                                                          Re: المكتبة السودانية: العرش والمحراب...الاما� adil amin02-28-20, 07:24 AM
                                                                          Re: المكتبة السودانية: العرش والمحراب...الاما� adil amin02-28-20, 07:27 AM
                                                                            Re: المكتبة السودانية: العرش والمحراب...الاما� osama elkhawad02-29-20, 03:50 PM
                                                                              Re: المكتبة السودانية: العرش والمحراب...الاما� adil amin03-01-20, 03:12 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de