دقس فلان في الأرض، تعني أوغل فيها، ودقس الوتد في الأرض إذا مضى، هذه معاني كلمة دقس في اللغة العربية، أما في لهجتنا فالمعنى يختلف تماماً مع بنت عدنان، وتعني ارتكاب خطأ فادح مع التغفيل، وانتشرت هذه الكلمة كثيراً في مجتمعنا، توجد في أحد أحياء أم درمان، مدرسة ثانوية حكومية للبنين تلقب بمدرسة (أبوك دقس)، طبعاً اسمها الرسمي غير ذلك، لكن طغى عليها هذا اللقب، ذات مرة سألت أحد معلميها أين تدرس؟ فقال لي بملء فيه: مدرسة أبوك دقس!.. استغربت لماذا سميت هكذا وهل آباء هؤلاء التلاميذ داقسون؟ كل الفترات السياسية التي حكمت البلاد لم تقدم هذا الوطن قدماً إلى الإمام، ففي كل حقبة يضيع الوطن، ويرجع القهقري، وفي كل حقبة شعب السودان يرزلون ويرزلون، عندما جاء جعفر نميري هتف الشعب له وقالوا : أيدناك بايعناك.. يا نميري أيدناك للجمهورية.. كما صدح بها الفنان الراحل سيد خليفة، وأدخل نظامه البلاد في أزمات طاحنة إلى أن قامت ثورة عليه واقتلعته وهو خارج البلاد، جاءت بعده حكومة انتقالية وأجريت انتخابات فاز فيها الصادق المهدي زعيم حزب الأمة، وهتفنا دعماً للصادق وقلنا: لن نصادق غير الصادق، فشلت الديقراطية التي أتت بالطائفية وأدخلت البلاد في أزمات اقتصادية طاحنة، وقويت شوكة التمرد آنذاك وسقطت مدينة جوبا في أيدي المتمردين وانقلبت الطاولة على الصادق المهدي وسقطت حكومته واستلم زمام الأمر عمر البشير. بدأ البشير بإصلاحات اقتصادية قللت من الضائقة التي ورثها من الحكومة السابقة، بدأ أيضاً خطوات في التنمية وخطوات أخرى في المشاركة السياسية والسلام وكنا نهتف له ونقول : سير سير البشير.. نحن جنودك للتعمير لكن في السنوات الأخيرة لحكمه، ظهرت أزمات نتيجة لمعضلات داخلية وخارجية، داخلياً ظهرت الجهويات والشلليات وكثرت القرارات الفردية التي تتخذ دون قرار ودون دراسة وعدم استقرار الحكومات، فكل شهر أو شهرين نسمع تغيير الوالي فلان وتعيين فلان، إضافة لأزمة اقتصادية طاحنة أصابت البلاد ممثلة في انعدام الوقود والخبز وبعض الأشياء الأساسية التي تمس معيشة المواطن، أما خارجياً فقد ازدادت دائرة التضييق ضيقاً على السودان من الدول الغربية بمساعدة بعض أبناء الوطن المهاجرين في تلطيخ اسم السودان بكل ما هو قبيح، وقامت ثورة ديسمبر على البشير فذهب وسقط وأودع السجن. وجاء التغيير وظننا فيه الخير.. لكن خاب الظن وازداد البلاء بلاء.. وتطور الخراب خراباً وأصبح البوم ينعق هنا وهناك.. ملك الأمر لغير أهله فساحوا في الأرض ظلماً وتجبراً.. فخارجياً لم نحقق مكاسب.. داخلياً لم نفرد مساحة واسعة للمشاركة السياسية.. .. لم يتحقق السلام الذى نريده.. الوضع الاقتصادى ازداد سوءاً.. وفينا من يهتف شكراً حمدوك!.. وتضيق علينا الأرض بما رحبت ونقول.. شكراً حمدوك وتضيع دماء الشهداء في مفترق الطريق ولا ندري حتى الآن من فض الاعتصام بالقوة ومن قتل هؤلاء الشباب؟.. لم نثأر للأمهات الثكالى ونهتف ونقول.. شكراً حمدوك!.. فالسؤال الذي يطرح نفسه الآن وبقوة.. هل الحكام الذين تعاقبوا على حكم البلاد توهموا النجاح أم نحن الداقسون؟ ....
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة