@ دعا فرعون جماعته واستشارهم فى أمر موسى عليه السلام وما رأى منه، فأشاروا عليه أن يجمع السحرة ليبطلوا ما جاء به موسى: {قَالُواْ أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِى الْمَدَآئِنِ حَاشِرِينَ * يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ}، ففعل فرعون ما طلبوا منه وذهب يجمع السحرة من كان بلاد مصر، وكانت فى ذلك الزمان مملوءة سحرة متمكنين فى سحرهم حتى اجتمع له خلق كثير وجمع غفير منهم، فكانوا سبعين ساحرًا وقيل أكثر من هذا بكثير، ولما اجتمعوا عند فرعون طلب منهم فرعون أن يجمعوا قواهم ويوحدوا هدفهم وجهودهم ليبطلوا بزعمه سحر موسى، وأخذ فرعون يُغريهم بالمال والمنصب وأنه جاعلهم من خاصته فيما إذا تمكنوا من موسى وغلبوه بسحرهم، قال تعالى:{فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ * وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنتُم مُّجْتَمِعُونَ * لعلَّنا نتَّبِعُ السَّحرةَ إن كانوا هُمُ الْغَالِبِينَ * فَلَمَّا جَاء السَّحَرَةُ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ * قالَ نعم وإنَّكم إذًا لمنَ المُقرَّبين}.
# وجاء موسى حاملا عصاه فى يده ومعه أخوه هارون فى الموعد المحدد، وكان فرعون جالسًا مُستشرفًا بأهبة فى مجلسه مع أشراف قومه من الأمراء والوزراء ومعهم السحرة، فأقبل موسى نحو السحرة:{قَالَ لَهُم مُّوسَى وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ}، ولما اصطفّ السحرة ووقف موسى وهارون تجاههم: {قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَن تُلْقِيَ وَإِمَّا أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى*قَالَ بَلْ أَلْقُوا}، وكان هذا تهكمًا بهما، يقول الله تبارك وتعالى:{قَالَ أَلْقُوْاْ فَلَمَّا أَلْقَوْاْ سَحَرُواْ أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ}، وقال الله تعالى:{فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى}.
# وأمام هذا الموقف المثير المستغرب أوجس نبى الله موسى فى داخل نفسه خيفة حيث خاف على الناس أن يفتنوا بسحر السحرة قبل أن يلقى ما فى يده، ولكن الله سبحانه وتعالى ثبّته أمام هذا الجمع الزاخر من السحرة وأوحى إليه أن {لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الْأَعْلَى}، وأمره تعالى أن يلقى عصاه التى كانت فى يده، فلما ألقاها عليه السلام إذا هى تنقلب إلى حية حقيقية عظيمة ذات قوائم وعنق عظيم وشكل هائل مزعج، بحيث إن الناس الذين كانوا بالقرب منها هربوا سراعًا، وأقبلت هذه الحية على ما ألقاه السحرة من الحبال والعصى والتى خُيّل للناس الحاضرين أنها حيات تسعى فجعلت تلقفه وتبتلعه واحدًا واحدًا وفى حركة سريعة والناس ينظرون إليها متعجبين لهول ما رأوا.
# وأما السحرة فقد كشف الله تعالى عن قلوبهم غشاوة الغفلة وقذف فيها الاهتداء والإيمان، لذلك أمنوا وخرّوا له ساجدين وأقرّوا بوحدانية الله تعالى، وأن ما جاء به موسى ليس من قبيل السحر، إنما هو آية من آيات الله تعالى الباهرة لتكون برهانًا ساطعًا على صدق موسى، يقول الله تبارك وتعالى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَايَأْفِكُونَ * فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ * فَغُلِبُواْ هُنَالِكَ وَانقَلَبُواْ صَاغِرِينَ * وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ*قَالُواْ آمَنَّا بِرِبِّ الْعَالَمِينَ*رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ}.
ولما رأى فرعون هؤلاء السحرة قد أعلنوا على الملإ إسلامهم وإيمانهم أفزعه ذلك وأعمى بصيرته، وكان فيه كيد ومكر وخداع فى الصدّ عن سبيلالله، فأراد أن يستر هزيمته ويستعيد هيبته فقال مخاطبًا السحرة بحضرة الناس:{قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِى عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ}.
# ونفّذ فرعون الطاغية تهديده ووعيده فصلب هؤلاء السحرة الذين أمنوا وتابوا وقطّع أيديهم وأرجلهم وقتلهم ليُروى غليله الحاقد دون أن يستطيع ثنيهم عن الإيمان والإسلام، فماتوا شهداء أبرار قد نالوا الدرجات العلى رضوان الله عليهم أجمعين. .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة