مِنْ حَرِّ الْبَلِيْلَةِ مَا يُضْحِكُ حَتَى يُجْهِشَكَ البُكَاءُ

(70)
●يحكى أن أعرابياً خرج يضرب كبد راحلته
في جوف الفيافي حتى نزل بحيٍّ في عز فلاةٍ مقفرة.
و قد انهدَّ حيله من وعثاء السفر ، و نال منه الجوع و العطش.
فأناخ ناقته حيث لم يجد سوى بيتٍ واحدٍ منسوجٍ من صوف الوبر،
و قائم على ساريتين من عيدان السَمُر. و لما ألقى تحيته، جاءه الرد
تعيساً بأسوأ منها ، بصوتٍ أنثويٍ متبرمٍ و ضَجِر ،أن لا مرحباً بك و لا
مسهلاً في هجعة الليل و قرب ساعة السحر.إذ نزلت بساحتنا منبوذاً
مدحوراً و حللت بدارنا ملوماً محسوراً .
● ثم قامت صويحبة الدار إلى حفنة برٍّ (قمحٍ)لها حيث طحنتها
و عجنتها و خبزتهاثم سمعها الأعرابي تلاحق دجاجةً لها حتى نحرتها
و أعدت منها إداماً من المرق صبته عليها في قصعةٍ لها مع فطيرة البر
و لم تعانق أنف الضيف منها سوى رائحةبوخها. ثم لم يلبثا طويلاً حتى
أقبل صاحب الدار عائداً متهللاً لوجود ضيفٍ عنده و راح يعانقه و يثني
عليه الخيركله و قال: لعل تلك التعيسة قد نفرت من مجيئك لم تحسن
و فاتدك و لم تكرم مثواك بشيء! ثم دخلعليها و ضربها فشجَّها و هو
يعنِّفها على سوء صنيعها بضيفه. ثم لمّا لم يجد ما يطعمه به قام إلى ناقة
الضيف و نحرها أمام اندهاش صاحبها و صياحه: ناقتي ناقتي. و صنع
مها شواءً طيباً و جعل يطعم ضيفه و يقول له:كل و أعذر (يعني شعوره
بالتقصير مع جوده بالموجود)؛ ثم يرمي إلى زوجهه و يقول لها: كلي
أيتها الشحيحية و لا أشبع الله لك بطناً . ثم خرج حيث ترعى نوقه،
ليعود على ظهر قعودٍ له و قدمه راحلةً لضيفه، عوض ناقته الذي ذُبِحتْ
لطعامه. و ودعه و قد هيأ له عدلين من لحمها زوادةً لطريقه.
*****************^^^^******************

● ثم استأنف الأعرابي مسيره يضرب أكباد الأبل في بطون الفيافي.
إلى نزل بحي آخر . و لما ألقى تحيته جاءه ردها بمثلها، بل و بأحسنَ منها،
بصوت أنثوي محتشم ، أن مرحباً بك ضيفنا , فقد نزلت بساحتها أهلاً و حللت بدارنا سهلاً.
ثم قامت صويحبة الدار إلى حفنة بُرٍّ لها ، حيث طحنتها و عجنتها و خبزتها ثم قد سمعها الأعرابي تمسك بدجاجةً لها حتى نحرتها و أعدت منها مرقاً طيباً قدمته له في قصعتها مع فطيرة البر و قالت: كل هنيئاً مريئاً و اعذر (تعني شعورها بالتقصير مع جودها بموجودها).
●ثم لم يبثا طويلاً حتى أقبل صاحب الدار عائداً منزعجاً متبرماً من وجود عرقوبٍ زائدٍ في عقر داره و قد استثقل ظله و راح يرغي و يزبد قائلاً : ما الذي يجيؤنا بغريبٍ و نحن في حالٍ يغني عن سؤالنا ، ثم لجأ إلى زوجته و ضربها فشجَّها و هو ينتهرها و يعنفها على
أن أحسنت و فادة الغريب و أكرمت مثواه . فقال له الأعرابي: عجباً لأمرك يا هذا .

● فأنا قادمً لتوي من أهل بيتٍ نكرتني صاحبته فيما رحب بي و أكرمني صاحبها.
و ها أنتما تتنازعان في أمري إذ تكرمني زوجك و تكره أنت منها ذلك ، و تعنفها و تضربها حتى تشُجَّها عليه فما خطبكما؟! قال له صاحب الدار : أما تلك التي كرهت انبعاث مجيئك
و طاوعت شح نفسها حتى ضنَّت عليك بما عندها، فكانت أختي في عصمة ذاك الذي تهلل بوجهك ، ثم جاد عليك بموجوده. و أما هذه التي عندي وقد اتقت شح نفسها، لتحسن ضيافتك و تدعوك إلى لقصعتها ، فهي زوجٌ لي و أختٌ لذاك الذي أتقىشح نفسه.
فعلم الأعرابي أن (العرق دساس و طباع النفوس جنودً مجندةٌ!!
*******************^^^^^^^^*******************