عالم عباس شاعر قصيدته الوطن .....جماع مردس

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 06-23-2024, 05:55 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الأول للعام 2006م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
05-01-2006, 03:34 AM

علاء الدين صلاح محمد
<aعلاء الدين صلاح محمد
تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 4804

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عالم عباس شاعر قصيدته الوطن .....جماع مردس (Re: Mohamed Abdelgaleel)

    صورة الوطن في شعر عالم عباس 2/2 " رد على مقال الأستاذ جماع مردس" بقلم سيف الدين عيسى مختار/ جدة
    [email protected]
    الأخ العزيز الأستاذ جماع مردس، أديب سرقته السياسة من الأدب، لكنه تمرد على دهاليزها المتعرجة، وأستطاع أن يهرب من أسوارها العالية المحكمة إلى عالم الأدب، فهو كاتب مقالة وناقد وشاعر، لكنه غير أصيل في كل هذه المجالات الأدبية لأنه كان قد أعطى ولاءه للسياسة، وجعلها مدار كل عمل أدبي وثقافي يتصدى له، ومع احترامنا لدوره الفاعل في الحزب الذي ينتمي له ، فان السياسة لم تكسبه بقدر ما خسره الأدب، فهو على نسق من الحساسية العالية تتنافي مع براغماتية السياسي، وعلى درجة من رحابة الصدر وتحمل الآخرين واتساع الأفق تتنافي مع صرامة التعصب الحزبي، ولأنه يؤمن مثلي بأن اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية أو كما قال عالم عباس:
    تنهزم الأفكار، نعم
    لكن بالأفكار
    يحتك المنطق بالمنطق
    والحجة بالحجة
    والبرهان الساطع بالبرهان
    نتجادل حتى
    يتثلم الرأي الأوهى
    في وجه الرأي الأقوى
    نختلف كما يختلف الناس
    ولكن يا للخزي ويا للعار
    إن أفلسنا
    حتى ضقنا ذرعا
    بالرأي الآخر
    فانني أجد سعادة بالغة في مواصلة النقاش حول شعر عالم عباس وأدعو الآخرين مشاركتنا فيه ، وهي مناقشة أردتها أن تكون هادئة وهادفة مبنية على أسس سليمة ومنهج علمي، لا يأخذنا التعصب الحزبي أو المذهبي، أو الأهواء الذاتية فنشتط، ولا نغلب الانتماء الأيدلوجي فنغمط الناس حقوقهم المشروعة أو نتحامل عليهم، وانطلاقا من هذا المبدأ أرجو أن يفهم مقالي السابق في ذات الموضوع، فلم أكن أقصد التحامل على الشاعر أو الحكم على شعره بأنه لا طائل من ورائه، وفي الوقت نفسه ما هدفت إلى أن أجعل شعره مبرئا من كل عيب وأنه فوق النقد أو أنه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، بل حاولت أن أنظر إلى نصوصه بموضوعية لتبيان الجوانب المشرقة العالية الشعرية، والإشارة إلى مواطن الضعف والخلل، فأكثر ما يضر تطور الفكر تلك القدسية التي تمنح لبعض الناس من قبل مريديهم ومعجبيهم، بالقدر الذي يلغي تفكيرهم ويجعلهم إمعة لا عقل لهم ولا تفكير ويسلسون القياد لمن أحلوه موضع المفكر الأوحد والعقل المدبر، ويسفهون آراء المخالفين له، وعلى الرغم من وجود هذه الظاهرة السالبة في العديد من المجتمعات العربية، إلا أنها متضخمة في السودان في كافة المستويات حتى في مجال الأدب والذي هو مجال خصب رحب الأفاق، تجد من كان يرى أن علوم الآداب قد توقفت عند عبد الله الطيب واقتصرت عليه، فهو فيه العلم المفرد، بينما المناوئون له كانوا يغالون في تسفيه آرائه إلى الدرجة التي جعلتهم يستنجدون بالدكتور محمد مصطفي هدارة ليفرد له فصلا كاملا في كتابه عن الشعر السوداني منتقدا له ومعتبرا شعره مجرد تقليد لا طائل من ورائه، فما أفاده المتعصبون له ولا أنصفه المناوئون، وكذلك الحال بالنسبة لأدب الرواية الذي توقف لدى البعض عند الطيب صالح، وفي السياسة مع زعماء الأحزاب، وفي المذاهب الدينية أيضا، وحتى في الغناء حيث يعتبر المتعصبون لمصطفى سيد أحمد أن قاطرة الفن قد توقفت عند محطته وهلم جرا، ولن تستقيم الأمور وينهض الفكر إذا لم ينته التعصب الأعمى من حياتنا وإذا لم نؤمن بأن كل إنسان يؤخذ من قوله ويرد عدا خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والتسليم كما قال الإمام مالك بن أنس رضي الله عنه
    تأسيسا على ما تقدم فإنني أهمس في أذن أخي جماع مردس بأن تلك العبارة التي ذكرها في مقاله المنشور بموقع سودانيز أون لاين ( Sudanese on line) و سودانايل (sudanile ) تحت عنوان (عالم عباس شاعر قصيدته الوطن) ردا على كلمة لي كنت قدمتها في الندوة التي أقامها منتدى الإمام عبد الرحمن المهدي الثقافي بجدة عن الشاعر عالم عباس حيث قال: " أعرف أني عندما أكتب عن عالم عباس وعن شعراء الانتفاضة لن أكون محايدا، لأن مواقفهم بالنسبة لي ولأبناء جيلي لم تكن يوما في المنطقة الرمادية أو الموقف اللامنتمي أو الحيادي" وهنا لم يستطع جماع أن يتخلص من السياسة، ونحن في معرض نقد أدبي لشعر عالم عباس، بينما هذا القول يشير بوضوح إلى ذلك الموقف السياسي الذي لم يستطع جماع أن يتخلص منه، ليدخل إلى شعر عالم عباس بأدوات الأديب الناقد وليس السياسي، ينبغي أن يكون الناقد الأدبي محايدا تماما، متحليا بالأمانة العلمية ليحكم على النص دونما تأثير من أية عوامل أخرى، كما وردت العبارة التالية في مقاله المذكور: (إذا رفعت رأسك أخي سيف، عوض السباب، بعين الرضا، لا السخط لرأيت أن نور عالم عباس أسطع وأصدق من كل شعراء الميل أربعين)، وهنا مقارنة مجحفة وإجمال تنقصه الدقة، فشعراء الميل أربعين فتية عبروا عن مواقفهم بمداد دمائهم، لم يطرحوا أنفسهم كشعراء، ورغم ذلك فقد كانت لبعضهم أبيات جياد رغم حداثة سنهم، تأمل معي عزيزي القاري هذه الأبيات الرصينة التي كتبها الشهيد على عبد الفتاح وهو لما يبلغ الخامسة والعشرين من العمر (فقد ولد في مارس 1968 وتوفي في مارس 1997م):
    لهفي عليهم سارعت بهم الخطى
    نحو الجنان وفي النعيم تواروا
    أسفى على نفسي تبقت بعدهم
    تنتابها الأهــــواء والأخطـــــار
    ألم يناوبني لفقد أحبـــــــــــة
    من نــــــورهــــــم تتلألأ الأنوار
    وأقول في نفسي يمزقني الأسى
    لولا الحيـــــاء لهــــا جنى استعبـار
    أما إن كنت – أخي جماع -تعني الشعر المقاتل في السودان بصفة خاصة، فتلك مرحلة فرضتها ظروف استثنائية، كان السودان فيها مهددا من كل الجوانب، وقد تنوعت الهجمات الشرسة عليه من حصار اقتصادي إلى ضرب لبعض المنشآت إلى التلويح بالتدخل العسكري وما إلى ذلك من ويلات ما زلنا نعيش نتائجهاـ فظهر شعر يعبر عن تلك المرحلة استرعى انتباه المهتمين، لكن هذا الشعر لم يدرس دراسة وافية مبنية على أسس بعيدة عن الأهواء والأغراض، فقد كان نتاج ظروف معينة أضفت على قائليها هالات معينة أدخلت ناقدي هذا الشعر الموالين في زاوية ضيقة لم تتح لهم سوى النظر إلى الظروف التي قيل فيها هذا الشعر ولم تسمح لهم بالنظر إلى النص، بينما أصر المعارضون على رفضه جملة وتفصيلا، والترفع عن قراءته، والحكم عليه مسبقا بأنه غير جدير بذلك (عدا قلة منهم مثل الشاعر صلاح أحمد إبراهيم رحمه الله الذي استمع إلى قصيدة الملازم الشهيد وداعة الله إبراهيم (يا الله يا صيف العبور) فبكي وأهدى ابن الشهيد مصحفا في موقف مؤثر نقلته الصحف في حينه) سقنا هذه الحادثة لا لكي نجعل من موقف الشاعر صلاح أحمد إبراهيم الانفعالي حكما قاطعا في جودة هذا الشعر، ولكن لنقول أن هذا الشعر لم يدرس الدراسة العلمية اللازمة، لأن المعارضين رفضوه تماما، والمعجبين به أحالت ظروف هذه القصائد بينهم وبين دراستها بحيدة خاصة وان معظم قائليها كانوا قد استشهدوا وكتبوا تلك القصائد بدمائهم، ولكي نصل إلى الحكم الذي أجمله جماع مردس في تلك العبارة التي جاءت عرضا في مقاله فان علينا قراءة ذلك الشعر قراءة متأنية حتى نستطيع الحكم على قوته أو ضعفه بمعايير النقد الأدبي وليس بمعايير السياسة
    لقد اتهم عالم عباس فهمي بالقصور عن إدراك الصور الشعرية التي أرادها عالم عباس حين قال بأن تلك الصور “قد بعدت من حيث التصور على الأستاذ سيف والذي يعشق الوطن بطريقته ويريد من الشعراء الدفاع عنه وفق منظوره " وقد جاءت هذه العبارة بعد مقدمة طويلة تحدث فيها عن سؤال مهم ظل يشغل بال الأدباء والنقاد على حد زعمه ألا وهو: لمن يكتب الشاعر؟ أللخاصة أم للعامة؟ ولا أحسب أن هذا الموضوع كان شاغل الأدباء، فالشعراء منذ العصر الجاهلي كانوا قد حددوا الجمهور الذي سيتجهون إليه بشعرهم، ولذلك حين سال أحدهم أبا تمام لماذا لا تقول ما يفهم ؟ أجابه ولماذا لا تفهم ما يقال؟ وهو القائل:
    على نحت القوافي من معادنها وليس على إن لم يفهم البقر
    لقد جعل جماع مردس من هذه القضية قضية جوهرية في النقد الأدبي، كما ذكر بأنه تشكلت في العصر العباسي مدرستان شعريتان تقليدية وحداثية، فليخبرنا جماع من هم أصحاب هاتين المدرستين الشعريتين؟، والى أي منهما ينتمي أبو تمام الذي استشهد به في مقاله والذي يبدو منه أن أبا تمام يعتبر قائد الاتجاه الحداثي في العصر العباسي، مع إن أبا تمام كان هو حامل لواء التقليد إن صح التعبير وزعيم هذه المدرسة بلا منازع، وجميع شعراء هذا العصر وخاصة المجددين منهم مثل على بن الجهم وابن الرومي وبشار بن برد والوليد بن مسلم وأبو نواس وأبو العتاهية وابن المعتز والبحتري والى عصر الشريف الرضي والمتنبي والمعري قد جعلوا من الأسلوب القديم وخاصة الجاهلي ديدنهم وكان التجديد عندهم هو بعث الجزالة العربية القديمة، وكان من أهم محاولات التجديد ما صنعه بشار بن برد ومن بعده السيد الحميري وأبي العتاهية الذان التمسا أن يجعلا الشعر شعبيا, الحميري بتشيعه وأبو العتاهية بزهدياته وإيثاره اللين من التعابير، وقد وفق أبو نواس إلى قدر كبير من الإجادة في خمرياته وذلك أنه احتفظ فيها بالجزالة القديمة, هذه المحاولات التي سبقت أبا تمام لم تحل صعوبة البداوة والجزالة التي وقف أمامها الشعراء مضطربين أيما اضطراب، تولى أبو تمام مواجهة الصعوبة التي أخفق أمامها بشار مع فصاحته وعظيم ذكائه وتمكنه من جزالة العرب , وأخفق أمامها أبو نواس مع ملكته الخارقة وذوقه الرفيع، وأخفق أبو العتاهية والسيد بشعبيتهما وجرأتهما، الذي نجح فيه أبو تمام هو أنه أعاد البداوة اللفظية إلى الشعر العربي في عصره وهي بداوة فكرية المنشأ، ثم بعد أن مر الشعر بعصور الانحطاط استطاع البارودي في العصر الحديث أن يعيد إلى الشعر العربي رونقه وجزالته القديمة ويعتبر بذلك أكبر المجددين في هذا العصر الحديث
    أما حديث أبي إسحاق إبراهيم بن هلال عن الغموض بقوله " أفخر الشعر ما غمض ولم يعطيك غرضه إلا بعد مماطلة منه" وهذا الحديث وان ذكر الغموض فيه فانه لم يقصد به شعر الغموض بل هو واضح الدلالة على أنه يقصد الرمزية، فالغموض مصطلحا هو الذي لا يعطيك غرضه، أما الرمزية فهي التي تعطيك الغرض بعد مماطلة أي بعد تعمق النظر في الشعر والتسلح بالأدوات اللازمة لفك طلاسم الرموز، وقد يكون الغموض نتيجة لعوامل عديدة منها ضعف الشاعر في التعبير عن غرضه أو خوفه من أمر ما ، وأستطيع أن أدلل على الغموض الناشيء من ضعف اللغة بالمقدمة التي أوردها الاستاذ جماع مردس عن الشاعر السويسري (جاكوته) والذي قال عنه بأنه يذكره بشعر عالم عباس وقد أورد مقولة أحد النقاد الفرنسيين دون أن يسميه عن جاكوته بأن موهبته تتمثل في ( تجليات الغريزة التي تمكن الأشياء من الانزلاق بعذوبة في الهواء صوب الأعالي) وهذه عبارة عجيبة لا طائل من ورائها،
    ومن أجمل ما وصف به شعر عالم عباس ما جاء في مقال جماع بأنه شعر (كالحلم توقظك كلماته المغسولة بالضوء، كالنهار الذي تنتظر قدومه، كالساعة التي لم تعشها ، فيوض من المعاني الشفافة المترعة بأنواع من الأحاسيس والدلالات المتناغمة ) ذلك لأنه شعر لغته ذات كثافة عالية وموسيقاه راقية وايقاعاته جهيرة
    والرمزية مذهب شعري حديث، يخالف الشعر التقليدي في صياغته وموضوعاته، وقد ابتدعه في القرن التاسع عشر الشاعر الفرنسي موريا ( Moreas) وريمبو وتبعهما أصحاب المذهب السوريالي (ما وراء الواقع) ثم بول فاليري وجورج استيفان بألمانيا وبلوك في التشيك والشاعر الانجليزي الكبير ييتس، وقد ازدهر في الأدب العربي في القرن العشرين وباختصار فان أهم ركائز هذا المذهب الشعري تتمثل في السحر اللفظي وحلاوة الموسيقي والاعتماد على الصور ذات الدلالات الموحية والاقتصاد في اللغة وعدم الاحتفال بالتفسير أو المقارنة وهذا ما يؤدى الى أن تكون الموضوعات خفية المقصد لا يفك رموزها الا من حباهم الله بالذكاء الوقاد والثقافة الواسعة ، وللحقيقة نقرر أن الصوفية كانوا أكثر من لجأ الى هذا النمط من الشعر للتعبير عن شطحاتهم الصوفية ومعتقداتهم
    غير أن عالم عباس وهو يلجأ الى الرمزية كان يدرك بانه انما يوجه رسالة ما، لذا كان يجب أن تكون مفاتيحه متيسرة للسواد الأعظم من متلقي شعره، فبدأت صوره واضحة الدلالة تقترب أحيانا من المباشرة ، مثال ذلك قصيدته التي بعنوان الثعلب العجوز والذئب، وقد ذكر عنها بأنها حكاية للأطفال بينما هي في الواقع واضحة المقصد وتكاد تقترب من مقال صحفي يحلل المواقف بتفصيل ، ولم يفعل سوي أن جمع ما قاله المحللون السياسون ووضع ذلك في قالب شعري ثم ختم بنظرة سوداوية اذ قال

    لم تزل معركة الثعلب والذئب
    تدور
    والضحايا ، كل يوم في الصفوف
    وعلى الرغم بأن الكل
    في الحرب عطوف
    وهي لما تنجلي
    كلنا يعلم عما تنجلي
    كلنا نعلم عما تنجلي
    عندها
    آن للحملان أن تثغو
    وأفواج الدجاج
    فعسى ترتع من بعد
    وتغفو في سلام
    ريثما
    يتبدى ثعلبان ماكر آخر
    أو ذئب جديد
    في مرثيته لمحمود محمد طه والتي عنونها ب (السطور الأخيرة في دفتر الحلاج الثاني) ، بدا تأثر عالم عباس واضحا بمسرحية (مأساة الحلاج) للشاعر المصري صلاح عبد الصبور فقد قسم عالم عباس القصيدة الى مشاهد، تخللتها مقاطع معنونة، بدأها بشعر عمودي مقفي بقوله:
    كدأبك ما تنفك أجلى وأضوأ
    وغيرك في الأوحال يخبو ويصدأ
    وشأوك عال لا ترام سماؤه
    وما أدركوا الا الذي منه تبدأ
    ثم لجأ الى شعر التفعيلة في مقاطع، ومن أجمل مقاطع القصيدة وصفه لمحمود وهو في طريقه ال المقصلة:
    حين جاءوا بك للموت ابتسمت
    ضوّأ الوجه النبيل
    أزهر الشيب حواليه بياضا ناصعا
    ثم استدار
    والشلوخ الغائرات الحزن أغفت
    فازدهى فيها الوقار
    وبريق في عيون
    هي لولا جنة الايمان
    نار
    ثم لجأ الى شعر النثر في المشهد الثاني من القصيدة :

    "كان الدرج الصاعد نحو المقصلة المنصوبة في سجن كوبر يدرك أن الخطوات المتئدات اللاتي سرت بهن وئيدا تفضي نحو الموت الرائع، والمتسق تماما مع ما كنت تقول ، كان الحبل الملتف على رقبتك الشامخة الرأس هو الطرف الآخر من ذات الحبل الملتف على عنق الوطن المقتول"
    ثم ختمها بنفس الجزالة بأبيات عمودية قوية العبارة:
    وقد ديس وجه الشعب في كل محفل
    ألم يبق في الشعب الأبــي أباء
    من قصائده الرائعة أيضا قصيدته في رثاء (جون قرنق) فمن بين القصائد العديدة التي كتبت في هذا الزعيم الجنوبي تعتبر قصيدة عالم عباس الأجمل والأقوى، وقد ابتدأها بأبيات أشار اليها الأستاذ جماع مردس في مقاله وهي:

    بعض الناس يعيشون
    لكي تحيا الأفكار بهم ما عاشوا
    فان ماتوا ماتت
    بعض الناس يموتون لتحيا الأفكار
    فان ماتوا عاشت
    ليس همك الطريق نفسه
    لكنما بداية الطريق
    ولا الوصول
    بل كيفية الوصول
    والطريق ليس غاية
    لكن معالم الطريق
    والنصر ليس نصرك الشخصي
    بل لمن معك
    والنصر يتبعك
    فالمجد لك
    وهي بداية ضعيفة، فالحكم التي بثها حكم مكررة متداولة لم يأت فيها بجديد، ولعل أضعف ما في هذه القصيدة استهلالها الذي يبدو وكأنه ملخص من مقال صحفي قائم على جمع الحقائق والمعلومات واجراء المقارنات، دور اللغة فيه ثانوي فهي مطية للهدف، بينما الشعر ينبغي أن يقوم على اللغة وعلى الاستفادة من الكلمة بأقصى ما يمكن، لكننا نجد بعد الاستهلال أن الشعر قد صفا له، فبدأ ينسج من متواليات اللغة نسجا محكم الوشي منمنم، ويستوحي من قصة سيدنا موسى عليه السلام القاعدة التي يقسم عليها بناءه الشعري، وهذه ظاهرة في شعر عالم عباس حيث تظهر ثقافته الدينية العالية، يتخذ من قصص القرآن العبر التي يحاول من خلالها تقديم الصور الراهنة، وهكذا استخدم التناص في هذه القصيدة بشكل مدهش، حتى إن النص القرآني يظل محلقا يلقي بظلاله الكثيفة على الصورة أمامك، والنص الشعري الذي استطاع الشاعر ببراعته أن يجعل منه مداخل لحالة الوطن اثر فقد ذلك الزعيم السوداني الكبير، وحالة قوم موسى وهم يتبعون نبيهم الكريم ويقفون حيارى أمام البحر يناوشهم الخوف من لحاق فرعون بهم، فإذا بموسى عليه السلام يضرب بعصاه البحر فينفلق البحر فرقتين كل منهما كالطود العظيم، وإذا بجون قرنق يضرب حالة القلق والخوف والحرب بقراره الشجاع فينفلق الأمر إلى ممشى طويل من نيفاشا والى الخرطوم، وكما غاب موسى عن قومه فأضلهم السامري، غاب موسى في الأماتونج ولم يستطع خلفه هارون(سلفا) كبح جماح الأمر فكان يوم الاثنين الأسود، وهكذا ترى أن الشاعر استطاع أن يخدم عدة قضايا بلغة ذات كثافة عالية، وذات إيحاء معجز، وأسوق لكم هذا المقطع من القصيدة للذين لم يقدر لهم الإطلاع عليها، ولن أتوقف في محاولة لفك رمز السامري والشيطان الذان صنعا عجل الفوضى في الخرطوم حتى حدث ما حدث:
    كان لا بد لهذا البحر أن ينشق
    يا موسى
    وللموج، وان علا وثار
    ها أنت يا صاح، وخلفك المستضعفون
    في الأرض، وهؤلاء المؤمنون السحرة
    كلهم خلفك يا موسى
    وها هم الحيارى والخائفون
    من بطش هامان، ومن ثراء قارون
    من الجند ومن فرعون
    ها هو المغرور في إثرك
    قاب قوسين، وهم يقتربون
    وصاح صائح، "إنا لمدركون"
    (كلا،
    ربي معي، وانه سيهدين)
    وإذ ضربت البحر يا موسى
    بمطرق السلام
    انبجس البحر فصار فرقتين
    كل فرقة تلوح كالطود العظيم
    وكان في اليم طريق لاحب
    من نحو "نيفاشا "
    عبرته لشاطىء الخرطوم
    هذه الألواح
    لما يجف عليها المداد بعد
    والجمهور
    في صمته السامي
    وفي سموه المقهور
    ما زال في وقفته بالساحة الخضراء
    تتلو على جموعهم
    سفرا من التسامح النبيل
    هل ما أراه الآن
    سنة من نوم؟
    صعدت للطور إذن
    على جبال "الأماتونج"
    لو تريثت قليلا
    ليت الذي نراه الآن
    سنة من نوم
    ما بال هؤلاء القوم
    في غيابك العاجل لا يصغون
    ما بالهم
    وأنت قد تركت فيهم هارون
    ما هذه الفوضى
    وأنت ما تزال بعد، والصدى
    يحمل بشريات صوتك الدافيء
    والواثق، في قدومك الميمون
    تنداح في جموع الساحة الخضراء
    أملا يلوح مخضرا
    يسيل دمعة رقراقة من العيون
    ما بالهم ألاء، ويهرعون؟
    في سورة من الهياج
    في الطغيان يعمهون
    والسامري والشيطان
    ينسجان
    من أحابيل الخداع
    يجمعان
    من مشاعر القوم الذين استضعفوا
    حلتهم،
    وزينة من باقيات عزمهم
    وهنا وقفة صغيرة ينبغي أن نتوقف عندها، وهي إن الذي صنع أسطورة قرنق، ليس هو قراره فحسب، بل رغبة الطرف الآخر الذي كان شجاعا وصادقا في الوصول إلى سلام حقيقي وتنازل طواعية عن منصبه لتحقيق هذا الهدف، كان ينبغي الإشارة إليه خاصة وان مثل هذا الشعر هو بمثابة شهادة للتاريخ، فلا نأخذ النصف الذي يخصنا من الحقيقة وندع النصف الآخر، فالطريق من نيفاشا والى الخرطوم كان قد سار فيه جميع الأطراف التي صنعت السلام وليس جون قرنق وحده فالمجد لهم جميعا
    آخر الكلام: أحمد لأخي جماع تلك الأمسية الرائعة، وأحمد له أنه جمع نماذج من شعر عالم عباس في كراسة أسماها (قراءة في كراسة النضال الشعري، عالم عباس، مراهم الحروف في جراح الوطن)، وأنني لأعجب كيف أصبحت حروف عالم عباس مراهما والوطن عنده كان قد مات: أليس هو القائل:

    في غيابة الجب
    وفي المستنقع العطن
    هوى وطن
    وأنت، نحن،
    كلنا قابيل
    من أفصح بالقول، ومن رطن
    وكلنا نيرون ضاحكين
    فوق كومة الرماد
    من بقايا جثة الوطن
    وإذ قد هوى الوطن في غيابة الجب وجلسنا جميعا ضاحكين فوق كومة الرماد من جثة الوطن، وأصابنا ما يشبه يوم الزلزلة :
    في غيبوبة الأسى
    وفي حبائل الشجن
    نجول بين الحبل والجلاد
    منفيين في البلاد
    هدنا الوهن
    وفي الجوانح الإحن
    نسائل الدمن
    هل التي تعممت أرجلنا
    أم الرؤوس انتعلت أحذية؟
    هل القميص ما نلبس أم كفن؟
    واينا الفطن؟
    هذا المقهقه الغارق في ضحكته،
    أم السادر في الأوهام والوسن؟
    وطن، وطن
    كان لنا وطن
    وهكذا نراه قد نعى لنا الوطن، لكنه حمّلنا جميعا دمه، وما عادت المراهم مفيدة مع حالة الاحتضار هذه، لأن بعض المراهم قد تكون حارقة وذات نتائج عكسية، وطن عالم عباس ما عادت تنفعه المراهم، لكن الذين صنعوا السلام كانوا قد أحسنوا التشخيص وحددوا الجراح التي تحتاج إلى عمليات جراحية معقدة فأجروها وحققوا السلام، وهم يأملون في أن تكون بقية جراح الوطن مجرد خدوش طفيفة تعالجها المراهم، خاصة في دارفور والتي نأمل أن تستجيب لعلاجنا السوداني الطبيعي دون الحاجة الى تدخل جراحي من الخارج ، خاصة وقد انتدبنا لهذه المهمة جراح السلام السوداني النطاسي القدير والله ولى التوفيق والسداد
    أخي جماع: قد أختلف معك في الرأي، لكنني أجد نفسي مستعدا للموت دفاعا عن رأيك، المجد لك ولعالم عباس التجلة والاحترام والتقدير وللقراء الكرام كل المحبة والمعذرة على الاطالة (فستذكرون ما أقول لكم وأفوض أمري الى الله، ان الله بصير بالعباد)
                  

العنوان الكاتب Date
عالم عباس شاعر قصيدته الوطن .....جماع مردس munswor almophtah04-22-06, 05:20 PM
  Re: عالم عباس شاعر قصيدته الوطن .....جماع مردس عشة بت فاطنة04-23-06, 00:10 AM
    Re: عالم عباس شاعر قصيدته الوطن .....جماع مردس munswor almophtah04-24-06, 01:42 PM
  Re: عالم عباس شاعر قصيدته الوطن .....جماع مردس munswor almophtah04-24-06, 01:34 PM
    Re: عالم عباس شاعر قصيدته الوطن .....جماع مردس jini04-25-06, 05:56 AM
      Re: عالم عباس شاعر قصيدته الوطن .....جماع مردس Mohamed Abdelgaleel04-25-06, 07:25 AM
        Re: عالم عباس شاعر قصيدته الوطن .....جماع مردس علاء الدين صلاح محمد05-01-06, 03:34 AM
      Re: عالم عباس شاعر قصيدته الوطن .....جماع مردس munswor almophtah05-01-06, 11:54 AM
  Re: عالم عباس شاعر قصيدته الوطن .....جماع مردس أبوذر بابكر05-01-06, 04:34 AM
    Re: عالم عباس شاعر قصيدته الوطن .....جماع مردس munswor almophtah05-01-06, 11:59 AM
      Re: عالم عباس شاعر قصيدته الوطن .....جماع مردس Mohamed Abdelgaleel05-02-06, 05:00 AM
        Re: عالم عباس شاعر قصيدته الوطن .....جماع مردس munswor almophtah05-02-06, 05:08 PM
          Re: عالم عباس شاعر قصيدته الوطن .....جماع مردس Mohamed Abdelgaleel05-03-06, 08:04 AM
            Re: عالم عباس شاعر قصيدته الوطن .....جماع مردس munswor almophtah05-05-06, 07:52 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de