|
|
 كـوستي ..ربـك..مـاذا يحـدث هنـاك؟
|
النيل أمامهم وصنادل البضائع خيارهم (1 ــ 2)
العائدون .. لابد من الجنوب وإن شْقّ السفر ..!!
كوستي ـ ربك موفدة الصحافة
صباح احمد
يبدو ان الازمة التي تعمقت وتعملقت بميناء كوستي وميناء الشهيد فضل السيد ابو قصيصة بربك اخيرا لن تنتهي قبل ان تثير الاسئلة وتكتب سطراً جديداً من معاناة العائدين الي الولايات الجنوبية على خلفية تكدس عشرات الجنوبيين بأسرهم في مينائى كوستي وربك انتظاراً للجرارات التي تقلهم عبر ميناء كوستي الي مناطقهم بالجنوب
هؤلاء العائدون مسئولية من ؟
سؤال بديهي ، لكنه مهم اصطحبته معى في سياق بحثي عن الحقيقة : من هو المسؤول .. هل هي مسؤولية الحكومة المركزية أم حكومة الجنوب ، أم حكومة النيل الابيض ؟.
* حكومة الوحدة الوطنية ، حسب وليد حامد الناطق الرسمي باسم الحركة الشعبية (قطاع الشمال) ، غير مسؤولة عن هذه العودة .. فقد اوضح لي وليد حامد انها مسؤولية حكومة الجنوب .. وطلب مني الاتصال بسامسونج كواجي وزير الاعلام والناطق الرسمي باسم حكومة الجنوب وسؤاله عن ماهية الأمر ، غير ان صوت المجيب الآلي كان يجيبني على الدوام : بأن هذا المشترك لا يمكن الوصول اليه حاليا .. ويرجوني الاتصال به لاحقا .
وفيما قال وزير الدولة بوزارة الداخلية اليو ايانق اليو الاربعاء الماضي ، ان حكومة الجنوب خصصت 24 مليون دولار لتنفق في برنامج عودة النازحين الي جانب 63 مليون دولار من المانحين من جملة الدعم البالغ 4 مليارات دولار. ونفي خلال مؤتمر صحفي عقده الاسبوع الماضي، تكدس اعداد كبيرة من العائدين في ميناء كوستي ، وقال انه حديث غير صحيح ..
وقفت (الصحافة) علي حقيقة الوضع بميناء كوستي حيث رصدت اكثر من 950 عائدا إلى الجنوب يتكدسون بميناء كوستي وميناء ابو قصيصة بربك في إنتظار الجرارات التي ستقلهم إلى مناطقهم وعلى حسابهم الشخصي .
الثابت حتي الآن ان مسئولية العودة الى الجنوب مسئولية (شخصية) تقع على عاتق العائدين انفسهم .. حسبما علمت من عدد كبير منهم التقيتهم بميناء ابو قصيصة الاسبوع الماضي بإعتبارها ـ أي العودة ـ طوعية غير منظمة.
تحدثوا معي عن معاناتهم وقسوة الظروف التي يمرون بها وكيف انهم عانوا مرتين .. مرة اثناء نزوحهم فرارا من ويلات الحرب ، ومرة ثانية اثناء عودتهم الي مناطقهم بعد ان وضعت الحرب اوزارها.
قال لي احدهم ، ويبدو عليه انه شخص متعلم وذلك من طريقة حديثه : ان المعاناة ليست وليدة ميناء كوستي لكنها بدأت منذ الخرطوم.
(اعداد كبيرة منا عانت صعوبات في توفير حتي ثمن تذكرة البص الي كوستي) ، هكذا قذف احدهم بعبارته هذه في اذني وهو يظنني احدي موظفات الأمم المتحدة .. ومضي ليبين انهم انتظروا الاموال التي قيل انها ستأتي من حكومة الجنوب دون جدوى.
قاطعته إمرأة طاعنة في السن مشيرة بيدها الى الطريقة التي تكدس بها عشرات العائدين فوق صنادل اعدت لنقل البضائع وطلبت مني ان اكتب عن هذه (الصورة المقلوبة) كما وصفتها ، قالت محدثتي بإنفعال : قيمة التذكرة الي جوبا 64 الف جنيه بينما تبلغ قيمة التذكرة الي ملكال 23 الف جنيه وهي قيمة عالية بالنسبة لهؤلاء ، واشارت بيدها مجددا لجموع المتكدسين فوق صندل البضائع الذي كان يرسو بميناء ابو قصيصة وقتها.
*(ليس بالامكان افضل مما كان) كانت هذه هي العبارة التي استقبلني بها مدير ادارة النقل النهري بكوستي محمد المعتصم وأنا اسأله عن اسعار التذاكر .. ومضى ليقول ان الجرار وحتي يصل جوبا يحتاج وقوداً يكلف 52 مليون جنيه .. هذا غير مستحقات العاملين والصيانة .. وكل هذا يدفع بالكاش .. يفترض علي الجرار أن يُغطى تكاليف رحلته وهذا ما لا يحدث في غالب الاحيان.
وفيما ترددت الانباء عن مخاطبة الحكومة لحكومات الولايات الجنوبية بأن تتم العودة عبر لجان شكلت خصيصاً لهذا الغرض ، قال لي احد الاخوة الجنوبيين وجدته بميناء كوستي حيث يعمل في النقل النهري ـ تحفظ عن ذكر اسمه ـ كان يفترض ان يحضر مندوب عن كل ولاية لكن هذا لم يحدث .. هل تعرفين السبب في ذلك ؟
وكأنه لا ينتظر مني اجابة مضى للقول : (انهم محرجون .. لا شئ في يدهم ليقدموه لهؤلاء .. اكثر من 900 عائد يعانون اوضاعا صعبة في الميناء .. ظل بعضهم موجوداً في الميناء لأكثر من ثلاثة اشهر ولا مُعين سوى الله.
*الصعوبة التي وجدتها في الصعود على متن صندل البضائع وانا اسير حافية القدمين لمدة طويلة .. اتحسس طريقي وانا اتحاشي انزلاق قدمي مخافة السقوط في المياه كان اقصى ما استطيع تحمله.
لكن بين الفينة والاخرى كانت الايادي تمتد من هنا وهناك تساعدني في الاحتفاظ بتوازني فوق الصندل.
وجهت سؤالي للشاب الابنوسي اللون والذي كان يقف امامي على متن صندل البضائع المزدحم بالعفش والركاب يُحدق بإهتمام في آلة التصوير التي احملها في يدي :
الا تخشي السقوط في النيل ، ولماذا لا تنتظر توفر وابور آخر بدلا عن الركوب هكذا فوق صندل البضائع هذا معرضا حياتك كما يعرض هؤلاء حياتهم للخطر ؟؟
هز كتفيه في استهتار وقال ان الانتظار سيطول خاصة ونحن لنا اكثر من شهرين هنا .. يقصد ميناء كوستي.
اثناء تواجدي بالميناء عرفت ان العائدين كتبوا تعهدات بأن لا مسؤولية تقع على عاتق النقل النهري حال حدوث اى حادث او سقوط احدهم من فوق صندل البضائع الى الماء ..
وفي ذات اليوم الذي ذهبت فيه الى ميناء ابو قصيصة تحرك جراران (دوما) الي جوبا و (دارفور) الي ملكال ،الاول يحمل اكثر من 600 شخص بينما لا يتجاوز عدد الركاب في الجرار الثاني المتجه الي ملكال 200 شخص .. فيما تبقي قرابة الـ 200 شخص بميناء كوستي في انتظار وابور يرحلهم الي مناطقهم.
ادارة النقل النهري بكوستي اقرت بوجود عجز في صنادل الركاب .. خاصة والنقل النهري كما علمت به اربعة صنادل فقط ،اثنان منها موجودان بجوبا منذ فترة طويلة ..وحينما قلت لمدير النقل النهري محمد المعتصم ان الطريقة التي تتبعها ادارة النقل النهري في نقل العائدين لا انسانية وتعرض حياتهم للخطر.. لم يجادلني كثيراً بل اومأ برأسه وبرر ذلك الاجراء بأن عدد العائدين الى الجنوب يتزايد بصورة يومية لهذا لم يكن هناك بديل لاسيما والنقل النهري لا يملك صنادل ركاب كافية.
قاطعته بقولي ان وزير النقل الاتحادي لوال منيانق وخلال زيارة قام بها لميناء كوستي مؤخراً اصدر قراراً بمنع سفر الركاب على صنادل البضاعة.. فقاطعني بدوره ان قرار الوزير المعني لم يحل المشكلة لهذا عاد الوزير وسحب قراره..
وختم المعتصم حديثه معي بقوله ان لديه التزامات اخرى غير العائدين.. وانه لا يوجد احتكار لقطاع النقل النهري لهذا لا يمكن ان يتحمل المسؤولية وحده.. ولفت نظري إلى وجود جهات يفترض لها الاضطلاع بمسؤولياتها تجاه العائدين.
* حديث المعتصم حول المسؤولية هنا بالضرورة يعيدني الى السؤال الذي بدأت به..
هؤلاء العائدون مسؤولية من؟
والي ولاية النيل الابيض الدكتور محمد نور الله التجاني قال ان المسؤولية قومية.. وانه لا يمكن لولاية النيل الابيض ان تتحمل مسؤولية العائدين نيابة عن الدولة.. لكن بحكم موقع الولاية الجغرافي الجزء الذي يلينا وهو تنظيم وترحيل العائدين نتحمل جزء من المسؤولية..
* حسناً.. فولاية النيل الابيض تعتبر ان عودة العائدين مسؤولية الحكومة المركزية.. أو مسؤولية الحركة الشعبية كما اوضح ليَّ والي ولاية النيل الابيض ، وان المسؤولية التي تقع على عاتق ولايته لا تتعدي تنظيم وترحيل العائدين ، لكن هذا لم يحدث رغم اجتهادات والي الولاية وحكومته.
* ففي اللحظة التي وصل فيها الجرار (دوما) الى الميناء تدافع العائدون بصورة هستيرية للصعود الى الجرار الامر الذي كاد ان يحدث كارثة محققة وذلك في حضور وزير الشؤون الاجتماعية عبد الهادي عبودي ومعتمد محلية كوستي والمشرف السياسي للحركة الشعبية بولاية النيل الابيض دينق كوج.
والي ولاية النيل الابيض قال ان العائدين للولايات الجنوبية يتحركون بصورة عشوائية.. ويأتي عدد منهم للولاية في شكل جماعات بينما يأتي آخرون في شكل أسر وافراد للبقاء في الميناء النهري بكوستي ، الامر الذي سبب بعض الاشكاليات في الولاية.. لكن الولاية لم تنتظر الحكومة المركزية بل كونت لجنة برئاسة وزير الشؤون الاجتماعية لبحث القضية.
* من جانبه ، وزير الشؤون الاجتماعية عبد الهادي عبودي ألقى الضوء على اللجنة المعنية ، وقال انها تتكون من مفوضية العون الانساني وممثلين لجهات الاختصاص كالمنظمات الاجنبية ووزارة الصحة والنقل النهري لدراسة الوضع..
* وعقب اطلاع الوزير على تقرير اللجنة واجتماعه بها ، رأى اقامة ورشة في الولاية بمشاركة وزارة النقل الاتحادي والشؤون الانسانية والمركز القومي للنزوح والعودة الطوعية وممثل لحكومة الجنوب لمناقشة قضية العائدين من كافة جوانبها..
قال ليَّ عبودي انه لا يمكن لأية جهة التحكم في اعداد العائدين أو مواعيد وصولهم للميناء ، خاصة بعد انتهاء الحرب ، لكن لابد من تدخل الجهات الاتحادية للمساعدة في العودة الطوعية.
* ذهبت الى مقر مكتب الحركة الشعبية بمدينة ربك لمقابلة المشرف السياسي دينق كوج.. سألته عن مهام مكتب الحركة الشعبية.. أليس من بينها الاهتمام بعودة النازحين الجنوبيين الى مناطقهم ، فقال ليّ (ليس بيدنا شيء) غير انه تحدث عن عودة منظمة ستتم خلال الايام القادمة بواسطة سلاطين القبائل.. وان التسجيل جارٍ لحصر العائدين..
* وكشف دينق كوج عن لقاء جمعهم بوالي النيل الابيض خلال اليومين الماضيين تم خلاله مناقشة امر عودة النازحين للجنوب عبر ميناء كوستي والصعوبات التي يتعرض لها العائدون.
قلت: الوابور يسير اكثر من اسبوع بلا توقف.. بينما يتكدس المئات فوق البضائع اليس هذا امراً مقلقاً بالنسبة لكم؟
هز رأسه بأن نعم.. وقال ليس هناك بديل.. وقد اقنعنا وزيرالنقل بسحب قراره بمنع سفر الركاب على صنادل البضائع لأنه لم يضع البديل..
*وفي مكتب مفوضية العون الانساني بكوستي تحدث معي محمد عبد الرازق ماهر مدير المركز القومي للنزوح والعودة الطوعية بولاية النيل الابيض عن دور المنظمات التطوعية الموجودة بالولاية ، وقال لي ان منظمتي ادرا وفار (زملاء الاغاثة الافريقية) قامتا بعمل مظلتين ومراحيض بميناء كوستي.. كل مظلة تسع 180 أسرة.
وقال ليَّ ان متوسط العائدين من خلال النقل النهري كوستي فقط دون رصد العائدين عن طريق البر يتراوح بين 400 - 600 شخص شهرياً ، لكن ارتفع العدد الآن من 600 شخص في الشهر ، الي 1200 شخص عن طريق النقل النهري كوستي.
* عموماً.. الرحلات عبر النيل تجيء - غالباً - لالتماس النزهة.. وتكون رحلة ممتعة ويندر ان تسبب الكدر والمعاناة غير ان قصة العائدين عبر البحر الى الجنوب خالفت هذه الحقيقة.. فالبحر امامهم وصنادل البضائع خيارهم..
= حدثتكم عن العائدين إلى الجنوب عن طريق البحر وفي المرة القادمة سأحدثكم عن العائدين الى الجنوب براً..كوستي ..ربك..ماذا يحدث هناك؟
|
|
 
|
|
|
|
|
| |
صباح احمد
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست