|
Re: دَرْبْ التُرُكْ (Re: كمال حسن)
|
تناولت منها (حقة) التمباك، ثم فتحت نافذة الغرفة على مصراعيها، كان الجو وقتها (محايدا) لم يقرر بعد انحيازه لبرودة ليل الصحراء، أو الاحتفاظ بحرارة نهارها الملتهب. كما أن الشمس نفسها كانت لا تزال تمارس عنادها في تحدٍ سافر للوقت المسموح لها فيه بالبقاء أعلى (الحرازة)، متشبثة بأشعتها الحارقة، كان إنهزامها ـ الحتمي ـ لا يخلو من كبرياء، بل وكانت تبدو على وجهها نفس تلك الأبتسامة الساخرة التي كانت ترتسم على وجه اللمين ود بابكر، وهم يقتادونه في المرة الأخيرة والتي لم يظهر له بعدها أي أثر. بل إن كبرياء الشمس هذا الذي لم ينكسر قط من قبل ، كان هو نفس ذلك الكبرياء الذي يسري إليك من (اللمين)، ويمنحك شهوة أن تتلقى بصدرك كل ما يتصيّد أولئك الذين تحب، ويغذّي فيك رغبة أن تقف بينهم وبين كل من، وما يتوعدهم أو يهددهم بأذىً. آه من هذا الكبرياء، ياله من إحساس قاسٍ، وأقسى ما يكون عند مواقف الإنكسار الحتمية، ليته كان مثل نظارة القراءة، تستعمله عند الحاجة، وتنزعه عنك متى أحببت، أو تستبدله بعدسات (التبلّد) اللاصقة. سيأتي بالتأكيد ـ أو بالأحرى قد أتى فعلا ـ زمن اللا كبرياء، لا كرامة، لا عزّة، وقد لا أجد إستغراباً فيمن يرى أنه لا فائدة من تعليم النشء هكذا قيم، لكل زمن قيمه!!!، إن العزة (وأخواتها) يتناسب متقلدها في هذا الزمن تناسبا عكسيا مع إرتفاع وعلو منصبه. تناولت سعفة من جريد النخل، كانت على الشباك، محاولا تنظيف ما علق من تمباك على حواف (الحقّة)، هكذا رأيت أبي دائماً يفعل عندما آتيه بالتمباك الجديد، كان يخشى عليه أن يفسد بسبب القديم، يا لرقة التمباك وحساسيته المفرطة !!! قبل أن تنتقل إلي هذه الخبرة في فن التعامل مع التمباك، كانت قد حدثت لي واقعة، تذكرتها لاحقا. كان قد أرسلني والدي كما هو معتاد لشراء التمباك له من دكان (الأزرق)، وأنا في طريقي إليه رأيته من على البعد، وقد هم بصب التمباك الجديد على ذلك القديم الذي كان بداخل حقة البيع الكبيرة، إندفعت بأقصى سرعة (ساعدتني عليها نحافتي آنذاك، وإنحدار القوز في إتجاه الدكان) ومن بين أنفاسي المتلاحقة ـ ولأنني كنت أحسب أن التمباك القديم (لابد أنه معتَّق) ـ طلبت منه أن يبيعني من القديم قبل أن يختلط بالجديد، إعترته الدهشة و إستجاب فورا لمطلبي ذاك، بالرغم عن ما هو معروف عنه حبه (للمعاكسة) للدرجة التي جعلته مشهورا ب(أزرق عكس)، لم أفهم حينها سبب دهشته تلك ولا سبب سرعته في أن يبيعني من القديم، ولكنني فهمت الآن، أن ما كانت تدعيه (بخيته الدايه) من غش الأزرق في البضاعة، لم يكن مجرد إدِّعاء. صارت (الحقة) بعد ذلك نظيفة، وصببت فيها كيس الصعود بكل حذر، ثم ناولتها إياها، أمطرتني بدعواتها، وأسبغت عليها بمجاملاتي اللا نهائية.
|
|
![Yahoo](https://sudaneseonline.com/db/blank.gif) ![Edit](https://sudaneseonline.com/db/blank.gif)
|
|
|
|
|
|
|