|
Re: دَرْبْ التُرُكْ (Re: كمال حسن)
|
تلك الجدران المتطاولة لم تجد سبيلاً لبيتنا إذاً، بل ظل الشوك ـ أو ما قلّ منه ـ يحيط به، ولعلّي لا أكون مخطئاً، عندما أقول أن مسألة بناء الجدار هي الأخرى، وجدت عناداً من حبّوبتى، فهي ترى في ذلك رفضاً ورفساً لبركة (ود الكندري) وهو الذي جاء من (آخر الدنيا) على حد زعمها، ومن حيث لا أحد يدري، قاطعاً السبل، رمالاً وودياناً، ليحفّنا ببركته ويصير جاراً لنا. هكذا كانت حبّوبتي الرابحة دائماً بمنطقها، وبشخصيتها التي جعلتها في مقدّمة الركب، حتّى من سبقوها عمراً تحسبهم أطفالاً، عندما تفرد أشرعتها، بل وتحسب آرائها دائماً، كأنّما فكّر لها فيها جمع من الناس، حتى أنّها عندما تكون غائبة، عن موقفٍ يجتمع فيه كبار الأركي، ويحاول فيه بعضهم إبراز عضلات منطقهم، محاولين بزّ الآخرين، طلعت عليهم حبّوبتي - إن ما جاءت - برأي جديد لم يكن قد فكّر فيه أحد من قبل، فتسمع إستحسانهم وإستصوابهم لرأيها. كان أكثرهم إستصواباً لآرائها دكتور الطريفي - الباش ممرض أصلاً - كثيراً ما أطلق مقولته الشهيرة: - هلا هلا يابت ود الشريف ، ده الكلام والله بلاش هل كان إستحسان دكتور الطريفي لآراء حبّوبتي هو لأن آرائها كانت دائماً عين الصواب؟ أم لتواطؤ الاثنان معاً- كما تدّعي بخيته الدايه - وأن حبوبتي هي أول من أسبغ على الطريفي لقب الدكتور ذاك. كنت في كل مرة، أقتنع بصحة أحد الرأيين المطلقة، فتارةً عندما يصادف رأي بت ود الشريف رأيي، ويصادف الإستحسان - المعهود - للطريفي، أزداد قناعة بأنه ( ده الكلام والله بلاش ). وفي أحايين أخرى أرى - في إعتقادي - أن رأيها لا يعدو أن يكون مجرد خطرفة - لأني أرى غير ذلك - وأزداد قناعة بأن الطريفي مجرد ( باش ممرض ). وأن التواطؤ المحض فقط هو الذي جعل منه دكتور. في تلك اللحظات كنت كثير ما ينتابني الإحساس، بأنني قد صرخت في وجهه فعلاً : - ورّينا شهاداتك بتاعة الطب يا عم الطريفي !! كان هذا الإحساس يتعاظم عندي اكثر، عندما يكون رأيها مخالفاً لرأيي، فيما أراه شأناً خاصاً بي، أكاد أتصور الموقف - الذي يعقب صرختي - تماماً، دكتور الطريفي وعلى وجهه نظرة بلهاء، ممزوجة بدهشة غبية، يفتح فمه -كأنه يهم بقول شئ - ثم يغلقه، ثم يعود فيفتحه مرةً أخرى على آخره، مبيناً أسناناً مشتتةً كيفما اتُّفق لها، يتعلق بينها بقايا ( التمباك ). أسمع كلمات الإستنكار من هنا ومن هناك، من وجوه تحمل نظرات معاكسة تماما لما صرّحت به، عندها أعلم يقيناً بأنّي جهرت نيابة عن غالبيتهم بهذا المطلب البسيط.كم من مرةٍ جاهدت هذا الإحساس حتى لا ينفلت الأمر من يدي. وحتّى لا أفضح زيف ونفاق ثلّة من أولئك المجتمعين.
|
|
|
|
|
|
|
|
|