|
وكادت أختي تموت
|
وكادت أختي تموت
وقفت في ذلك اليوم أصلى المغرب حين تعالى صوت زوجة أبي وهي تندفع بخطواتها المهرولة (كالمعتاد) ، وهي تنادي بصوت يشهد بحدته ذلك الأزيز الذي يتصاعد في داخلي كلما سمعته ، واخترق صوتها صميم أذني وهو يكاد يشق طبلتي المسكينة إلى نصفين بلبل ، اين انت يا حبيبتي ؟؟ ) ، وكنت موقنة أنني لست المقصوده ، ليس فقط لانني لست بلبلاً ، ولكن لانه من سابع المستحيلات أن أنادى ب " حبيبتي !! " ، وادركت انها تقصد أختى الصغيره ، ولم أجبها بالطبع ، لأنني لم أكن قد أنهيت صلاتي بعد ، ( رغم أن ذلك قد لا يكون سبباً مقنعاً جداً من وجهة نظرها ! ) ، المهم أنها غادرت مسرعة حينما لم تجد أختي معي ، وهرعت إلى الشقة المقابلة حيث تقيم زوجة أبي الثانية ( أم بلبل !! ) ، واختفى صوتها تدريجياً لأستعيد سلامي الداخلي وأنا أتشهد ... لا تستغربوا مما قد يبدو عليه الأمر من غرابة ، فنحن عائلة كل ما فيها غريب ، و " بلبل " كما يحلو لزوجة أبي أن تسميها ، قام بتربيتها أمان ، قد يحسدها البعض ، أما عني ، فبين حسن خصال هذه وسماجة تلك ، آخذ دور المتفرج على مسرحية هزلية ، تمس شغاف قلبي طيبة هذه ، حتى يكاد ينفطر أحياناً ، وتغيظني تلك بتصرفات المراهقين أحياناً ، وبربرية التتر أحياناً أخرى ، حتى إنني لأظن أنها تعتنق بعض أفكار النازيين الحنونة ، أو سياسة هتلر الرقيقة !! لكنني – للأسف الشديد – أتشبث باعتقاد غبي يلازمني دائماً ، وهو أنه لا يوجد إنسان يخلو من الطيب تماماً ، واعتقادي الأهم أنني لا أزال ... المتفرج ! وعودة إلى صلاتي المشهودة ( قبلها الله ) ، فقد كنت أسلم إنهاء لها حين سمعت صراخاً ، فما دريت بنفسي إلا وأنا أندفع جرياً في عتبات السلم إلى الأسفل ، في إثر المرأتين المولولتين ، والتي وقعت إحداهما على الأرض ونهضت في جزء من الثانية ! ( أثق في حصافتكم ، نعم لقد كانت الأم المسكينة ) ، وأنا في إثرها أجري دون أن أفهم شيئاً ، كنا كمن " يساقون إلى الموت وهم ينظرون ! " ، وكان قد تبقى خمس عتبات من السلم المأفون ، حين وصلتني صيحة مميزة تحمل كلمتين أوقفتا قلبي " بلبل ماتت ! " ، حينها لم أر شيئاً من تحتى وأخذت ما تبقى من السلم وثباً ، والباقي من المسافة عدواً ، وما دريت بنفسي إلا وأنا أمام العربة المغلقة ، والمرأتان تضربان الزجاج في هستيريا لتكسيره ( كان يكفي صراخهما لذلك أعتقد ! ) ، وفتحت إحداهما الباب في عنف ، والأخري تجر بلبل الملقاة على المقعد الخلفي إلي صدرها وهي ترفع رأسها في بطء ، فقد كانت نائمة عندما أيقظتها الحرب العالمية الرابعة التي اندلعت وراء الزجاج المغلق ! وعندما أطمأننا أنها بخير ، إنفجرت الأم باكية والأخرى تأخذ أختي إلى الداخل ، وتبين فيما بعد أن الصغيرة تم نسيانها منذ العصر في العربة ، حينما أوصت الأم السائق بإيقاظها وإدخالها وصعدت معتقدة أنه سيفعل ! ولم يفعل ، ولا أخبر أحداً أنها لا تزال نائمة ، وأوصاه ذكاءه المتقد بأن يغلق جميع نوافذ الاوكسجين في إحكام مخلص قبل ذهابه ، تاركاً إياها في ذلك القبر مدة لا تقل عن ساعتين ! وسائقنا يا أحبائي ، من النوع ال " فيل " كما يحلو لي وصفه ! فأنا أعتقد راسخاً بأن المثل القائل " طول النخلة وعقل السخلة " إنما قيل في وصف خصاله الجميلة ! وبعد فترة هدأت فيها النفوس ، اندلعت الحرب مرة أخرى في أرجاء منزلنا الهادئ ، شتماً وسباً ينهال على السائق من كل صوب ، رغم أن إهمال الأم التي كانت تعتقد ابنتها في الاسفل مع امها الثانية ، او مع أختها الكبرى – العبد لله – كان سبباً أقوى من عته السائق وعبطه ، لكنني لم أوضح وجهة نظري تلك تماماً في وقتها ، ( وذاك نوع من الحكمة التي هبطت علي من السماء حينها ! ) وهدأت من روع المرأتين وأنا أحمد الله ، وأتحسبن وأتحوقل وأشكو إلى الله سماجة " عبدو " وهبله ، ولكم أن تتخيلوا ما قد جناه على نفسه ، وفكرت أن أخط هذه الكلمات إلى كل أم وكل أب ، فإهمال ساعة ، قد يؤدي إلى أحزان عمر .... اللهم قد بلغت ، اللهم فاشهد !
|
|
|
|
|
|
|
|
|