|
Re: الصوفية - المثقف الكونى - الموقف الاجتماعى - حوار مع الراحل هادى العلوى (Re: Abdel Aati)
|
مقاطع من: ديوان الوجد .. فيوضات الحب الآلهى لهادي العلوي
حدائق الوجد :
نقرأ في الغلاف الخلفي للكتاب نصا جميلا مروَّسا بالبيت الشعري التالي :
ترى المحبينَ صرعى في ديارهم كفتيةِ الكهفِ لا يدرونَ كمْ لبثوا
بعد البيت الشعري وتحت عنوان " من حدائق الوجد " نقرأ التعريف التالي للكتاب بقلم المؤلف الراحل :
(( هدية محب للمحبين من خمائل الحب الإلهي. والحب الإلهي هو الحب الشرقي وهو الحب المشاعي ما هو حب الشعراء ولا حب التجار. المرأة فيه كائن روحي. والمحبوب زوجة أو حبيبة كونية أو أم فقيدة أو ابن برور يرحل وترحل معه مخايل النجابة والنبل .والنجابة والنبل قطوف من حدائق الحب الإلهي... و محبوبنا إله أينما كان وأينما أقام لا تحجبه عنا سماوات ولا أرض. أما سمعت قوله : الحمد لله الذي لا تواري عنه سماء سماءً ولا أرض أرضاً ؟
وهل هي هدية المستريح من عناء السفر ؟ أو غبار الوقائع ؟ ولكن من يحسبها كذلك ونحن نخوض المعامع منذ البدء والبدء في نقطة الباء وهي نقطة الدم فيها يمتشج الميلاد بالميلاد ، يسوع و لاوتسه ، ماركس وغوته ،الحسين بن منصور الحلاج و يوهانسن ، وتزول البلبلة فيتخاطب الجميع بلسان الوجد والوجد هو الميلاد والميلاد هو العدم .
(...) إنما هي خَطرة ثم فكرة ثم تَقَرُ العينُ بزوال الحجاب ومثلما يتحد الموت بالولادة يتوحد المحب بالمحبوب وتزول دواعي العبودية وتكون العزة للناس . وتلك هي غاية الحب وشوط المحب ومنتهاه .))
فتوحات بغدادية :
((..الحب شرقي . لأنه علاقة مشاعية . والشرق هو آسيا ، تكوين مشاعي كما بيناه في ما سلف من كتاباتنا . ومدار عقل الشرق ووجدانه على اتساع رقعة الملكية المشاعية فيه . وتعنى المشاعية نزاهة الإنسان عن علاقات البيع والشراء وفراغ ذهنه من شحنات التوتر السوقي الذي يصيب الإنسان جراء تفكيره الزائد في المال ووسائل الحصول عليه وحفظه . والمال كما يقول لاوتسه ومن بعده يسوع يستلزم كلفتين :كلفة التحصيل وكلفة الحفظ . وفي هذا الوسط المشاعي الغالب اتجه العقل الشرقي الى تقرير الوجدان وتقنينها في منظومات نفسية وأخلاقية أريد بها مجارات الجوهر البشري الخارج من ترم التملك لأن هذا الجوهر هو في أصله وخلافا لتنظيرات فلاسفة الملكية الخاصة ينشأ بلا تعلقات خارجية أعني اقتصادية .(...)
الحب الشرقي ثمرة الوجدان الشرقي بهذا القيد . وليس كل شرقي محبا ففي الشرق شياطين السوق ومعلمو الغرائز و السيّافون وفيه أنصار شيوعية النساء الذين يجمعون كما يجمع الغربي بين صيانة المال وإباحة المرأة لكن الفرد العادي في الشرق يكون في المعدل محبا متواجدا بكاءً لأنه كما وصفه شيوخنا من أهل التصوف صافي السريرة ناعم الضمير خلي القلب من شواغل الأغيار . وهو الفرد الغراري الذي يتشكل منه مفهوم العامة حسب التعريف التاوي . والعامي قرين الصوفي والتاوي وهما غرار المثقف الكوني في الحضارتين فإذا ذكرنا الثلاثة امتنع التمييز . وللعامي من الوجدان ما للصوفي والتاوي ومع أنه قليل البضاعة من العلم فهو يتمتع بالوعي المكافئ لوعي الصوفي والتاوي وله لحظات يكون فيها شاعرا كما يخبرنا هذا الفلاح من جنوب العراق عن نفسه :
هَزني الهوى بكل حيله لن شاعر مسوِّيني .
هامش : حيل : قوة ومنه رتبة " رب حيل " لقائد الجيش عند ملكتنا الجميلة زنوبيا .
لن : بمعنى إذ الفجائية أصلها لأنه . مسويني : جاعلني وهي من الفصيح سوّى .ص11))
جنون اللغة :
((..جاء المتصوفة أولا من وراء العبارة المكثفة الشاطحة أو الشارحة لموقف .لكن ما يميزها ليس الكثافة بل الحرية فالعبارة الصوفية كما تبلورت على يد البسطامي طليقة محلقة جانحة تتوجه في الجهات الستة بانفلات لا يحده إلا خيال الصوفي وقدرته على التركيبة. وقد كسروا قيود اللغة من جهة التصريف أولا فمشى الاشتقاق عندهم على غير ما ألفته الكتابة الأدبية كما تنمطت على الجاحظ . وهم أقل احتراما للغويين من بين سائر فئات المثقفين أو الاختصاصيين . فقد تساوق خروجهم على الإكليروس الديني مع الخروج على الإكليروس اللغوي . و أعطوا المفردات معاني ومدلولات مرتجلة بلا قرينة في الأغلب . و أسقطوا انفلاتهم على نصوص الكتاب والسنة فتصرفوا في التأويل السائب متجاوزين تأويلات الباطنية بقلبهم المدلولات الى عكسها – تأويل العذاب بالعذوبة –والباطنية مقيدة بالجذر اللغوي للكلمة المؤولة . وتدخل لغة الصوفية مع الحلاج والنفري حالة ما يسميه الأب لويس نويا : جنون اللغة .والجنون من مصادر السلوك الصوفي ويقترن بالهذيان ، والمتصوف يهذي و يحدس فيكسر اللغة والمنطق ويخبط العقل بضربات مفاجئة يذهل بها عن اتساقه فيصبح اللامعقول معقولا والمستحيل ممكنا ومن هنا يتوغل حدس الصوفي وينطلق لسانه فيبدع نصوصه الخاصة التي يتداخل فيها الأدب الرمزي مع الحدس لتظهر مزيجا من الاختراق المتجدد ينفتح على آفاق الفكر لأنه فكر في أسه ،وعلى المخيلة لأنه صورة من صور الأسلوب الأدبي جنحت خارج اللغة وأساليبها المستقيمة .ص25))
زيارة الى بغداد :
((..منذ أن ناداني سيدي أبو يزيد البسطامي قائلا : اترك نفسك وتعال ، وأنا في السلوك إليه أجاهد للخروج من قيد الأغيار والدخول في قيد الخلق وللخلق حظوظ وللنفس حظوظ وحظوظ النفس تابعة لحظوظ الخلق ومادامت فيحد الغياب ولا يصح للنفس حضور ولها حظوظ فحضورها غياب لأن حظوظها ليست لها . ولما سافرت في تلك الليلة الى بغداد لأرى سيدي حسين بن منصور لامني على بقية من نفسي بقيت لي وقال إن أهل بغداد سلبت حظوظهم وأنت باق على شيء من حظوظ نفسك . فنزعت من صحوي الى سكري فرأيت مشرعة الكرخ من وراء العباءات واستيقنت عندئذ أن رؤيتي مشوبة فعزمت على الاغتسال في ماء دجلة لكني غرقت فيها.
ودامت غيبوبتي في الماء شطرا من الليل ثم صحوت وأنا سكران . والصحو إذا لم يصحبه حظ فهو عين السكر وأنا لا بد لي من الصحو بعد السكر ولكن بهذا القيد لأن الصحو المطلق لا يقع لمن سلك وإنما يكون ذلك قبل السلوك .
وعدت من سفري تلك الليلة لأبلغ أصحابي بما رأيت في بغداد وصح عزمنا عندئذ أن ننتقل الى ساحة جديدة نعمل فيها على وضع القواعد المطلوبة للمجتمع العظيم كما تعلمته من شيخنا الصيني تشوانغ تسه . وما لم نبلغ في سلوك هذا الحد تبقى بغداد رهينة عند حامد بن عباس وقد يأتي بعد حامد بن عباس الفضل بن مروان وتتقلب بغداد عندئذ بين حامد والفضل فتبقى بلا حظوظ .ص2)
وحدة شهود:
((..يمر الزمان بآناته قصيا وتزدحم الأسئلة .
ومن نقطة البدء الى نقطة المنتهى تلف الغيابة سرَّ الكلام فيغدو الجوابُ سؤلا والكلامُ امتثالا وتضيق العبارة عن خبر لا تراه الحروف .
سألتُ وكم أخطأ السائل القصدَ فكان الجواب حروفا والحقيقة لا تجتلى بالحروف فالحقيقة شوق والكلام اقتحام والبداية في نقطة الباء لا نقطة البدء ومن قال إن الولادة بدء فالولادة موت والموت نهر الحياة انبعاث الخليقة من محوها إلى صحوها به تتجلى وفود السماء لأربابها تطل على ساحة الموت يوم النشور حيث الغياب نشور لا يكرر معنى السؤال وفي لحظة الغيب تحيا الإشارة (...) ألا خسئوا ليس ذا زمن العقل بل زمن الجوع والعصر عصر الجنون الذي بشرونا به وقالوا هو الكل والعالم الأكمل
وفي زمن الجوع كل حنين لغير السلاح جفاء .(...)
فكيف يحن الترابُ إلى الماءِ والنخيلُ الى الشمسِ والقمحُ للسنبل بل كيف أحن إليك وما بي حنين إلى راية يستظل الجياع بها ليقتحموا شاهقات القصور والقلاع الحصينة بالجند والمال فيمضي الجنود الى أهلهم وتعود القلاع الى أهلها ويفرح بالعدل أهل السماء ؟
(...)
سلام عليك فإنا احترقنا جميعا لكي يحكم الموت أرض العماء فتنبثق المعصرات بحارا من الوجد تغني الألوف بها ويمطر توق الجياع
سلاما وفيض مسرة .ص139))
البداية :
((..وإذا قرأت :
علي قدر أهل العزم تأتي العزائم وتأتي على قدر الكرام المكارم
وتعظم في عين الصغير صغارها وتصغر في عين العظيم العظائم
أجد نفسي على سواحل العراق أمام البوارج الأمريكية ومن حولي فتيان العراق يتغلغلون في أحشاء الجنود الأمريكان ليقطعوها بالسكاكين.. ص23))
|
|
|
|
|
|
|
|
|