دولة بلا هوية ومجتمع متعدد الهويات ونقد لرؤى الهامش والمركز "الهوية ليست المشكلة ليست الحل"!

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-30-2024, 09:45 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف للعام 2018م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
06-10-2018, 03:56 PM

محمد جمال الدين
<aمحمد جمال الدين
تاريخ التسجيل: 10-28-2007
مجموع المشاركات: 5319

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
دولة بلا هوية ومجتمع متعدد الهويات ونقد لرؤى الهامش والمركز "الهوية ليست المشكلة ليست الحل"!

    دولة بلا هوية ومجتمع متعدد الهويات ونقد لرؤى الهامش والمركز وللمركزية الهويوية اي كانت .. "الهوية ليست المشكلة ليست الحل"!


    دولة اللا هوية حلقة 4-4 : من هم سكان السودان الأصيلين؟ وكيف ولماذا ومتى سادت اللغة العربية في الوسط النيلي دون غيره من أرجاء السودان!

    ملاحظة إستباقية: هذه الحلقة الرابعة من سلسلة "دولة اللا هوية" أجيء بها في المقدمة ثم أضع الحلقات 1 و2 و 3 تحتها بالتتابع كون هذه الحلقة الرابعة والأخيرة متحدثة عن سكان السودان في الأساس "مسح ديمغرافي تاريخي" بينما الثلاثة حقات الأخرى متحدثة عن "دولة اللا هوية" موضوعنا الاساس والتي نزعم أنها دولة المستقبل كما في هذه الحلقات محاولة نقدية لمضوع "الهوية" من حيث المبدأ ولدولة الهوية وللمركزية الهويوية ولنظريات أو رؤى الهامش والمركز.. مع رؤية نقدية خاصة في الحلقة الثانية لأراء د. أبكر آدم إسماعيل ود. محمد جلال هاشم ود. الباقر العفيف كأمثلة توضيحية للمنادين بدولة هوية أفريقية مقابل دولة الهوية العروبو/إسلاموية القائمة!.

    4-4
    سنتتبع اليوم خلفيات الهويات العرقية والتاريخية في السودان، ومن هم أهل السودان الأصيلين؟ ماذا كانت معتقادتهم ونشاطاتهم الإقتصادية؟. كيف نشأ النسق المسيحي في السودان الشمالي والوسيط ولماذا أنهار؟ وكيف ومتى ولماذ سادت اللغة العربية في الوسط النيلي دون أرجاء السودان الأخرى!.

    من خلال ذلك نأمل ان نعرف التغيرات التي جرت في التركيبة السكانية والتي على أساسها بنيت حضارات و أنهارت أخرى ونشأت صراعات وتحولات و هجرات بشرية داخل الرقعة الجغرافية ومن خارجها.

    نبدأ بالإجابة على سؤال هل يمكن معرفه من هم مجموعة السكان المحليين indigenous groups و التي وجدت قبل آلاف السنين في السودان.
    هناك اتفاق أكاديمي معقول علي من هم هؤلاء الناس و التحولات التي حدثت عبر ازمان مختلفة وعندي إضافات جديدة لتلك النظرة الأكاديمية العامة سنتعرف عليها خلال هذا السرد.

    و قد كتبنا عدة حلقات في الماضي وبدأنا في دراسة في التركيبة السكانية لشعوب السودان عبر القرون ووصلنا الى تصور نراه معقول في مسألة تأطير مجموعات السكان القدامي أو الاصليين في السودان.

    وقبل أن نمشي لقدام هنا ملاحظة إستباقية أراها ضرورية أن الهدف من البحث في التركيبة السكانية التاريخية للسودان ليس القول بمن الأكثر احقية من مبدأ الاولوية في الوجود، كلنا مفترض سودانيين نتمتع بنفس الحقوق وعلينا ذات الواجبات في الوضع الصحيح.. كما أن البشر عبر التاريخ في حراك وتحول وتلاقح وإختلاط مستمر فلا يوجد نقاء عرقي مثلما هم في صراع ونزاع على الأرض والموارد والمصالح المادية والرمزية بين الفينة والأخرى.

    ولكن هدفنا هنا هو الوعي العملي بالهويات العرقية والتاريخية وكيفية التعامل مع إرثها الخاص وفلكلورها ولغاتها ومخيالها الإجتماعي الذي قد يختلف بحكم العوامل الإجتماعية والبيئية.
    وهذا إن حدث ليس مفيداً أكاديمياً فحسب بل سيفيد الإدارة السياسية السليمة الآن وفي المستقبل ويمكنها من إبتداع أنظمة للحكم تناسب إرث ومخيال الجماعة المحددة أو الأقليم المحدد مما يعجل بالإستقرار السياسي والإزدهار الإقتصادي للأقليم المحدد وللسودان قاطبة.

    نرجع إلى الموضوع .. التشكيلات الأساسية لسكان السودان تاريخيأ أستطيع أن اصنفها في سته مجموعات كبيرة.
    وهذه المجموعات غير منسجمة بالضرورة مع بعضها البعض وكل واحدة منها لديها تاريخ مختلف كثيراً أو قليلأ عن الأخرى و لديها عناصر اجتماعية وتاريخية مختلفة عن الأخرى وعندها نسق حضاري وديني وعقائدي مختلف عن التشكيلات الأخرى.

    المجموعة الأولى من السكان الأصليين هم نوبة الشمال ونوبة الجبال.

    المجموعة الثانية هي البجا وحضورهم الأساسي التاريخي في شرق السودان لكنهم موجودين في أرجاء كثيرة في السودان وهذه المجمومة تشكل الوسط النيلي ايضاً مثلها والمجموعات الأخرى.

    المجموعة الثالثة هم الفونج و الانقسنا في النيل الأزرق من سنار إلى الحبشة.

    والمجموعة الرابعة هي الشلك والذين كانوا يشغلون المساحة من جنوب الخرطوم إلى الكوة في عدد من التصورات الأكاديمية وشخصياً أرى هذا التصور منطقي. ففي يوم من الأيام كان جنوب السودان الحاضر غير صالح للسكن بالقدر الذي نراه اليوم. فقد كان مغموراً بالمياه وارضه مستنقعات وغابات موحشة وارض طينية شبه مبتلة بالكامل.

    المجموعة الخامسة هم الفور بأقسامهم المختلفة ومكانهم معروف هو دارفور الحالية والجبال تحديدا ومعهم البرتي والمساليت والميدوب وربما جماعات أخرى أقل عددا.

    المجموعة السادسة والأخيرة هم اهل الصحراء الغربية وهم أهم واقدم جماعات الوسط النيلي.

    ويتكون أهل الصحراء الغربية من عدد كبير من الجماعات المنوعة ولكن أهمهم وأكبرهم عدداً وتاثيراً الجموعية في الوسط النيلي (القبائل التي ورثت الاسم جموعية).

    وهناك الزغاوة رحلو إلى الغرب البعيد والفزانيين في جنوب ليبيا. إذ توصلت إلى اعتقاد عبر الدراسات التي أعمل عليها التي اعمل عليها في السنوات القليلة الماضية والملاحظات التي أجريتها بأن هذه المجموعات الثلاثة من جذر واحد.

    وبعد ذلك هؤلاء الناس اختلطوا بجماعات أخرى ومافي صفاء ولا نقاء عرقي لكن جذرهم واحد وهم الذين أسسوا حضارة الشهيناب الشهيرة وعاصمتها تقع عدة كلوكمترات شمال ام أدرمان الحالية. وهي حضارة عند كثير من الدارسين سابقة للفرعونية كما سابقة للحضارة الكوشية.

    هذه الجماعات الثلاثة: الفزانيين والزغاوة والجماعات التي ورثت الاسم جموعية حسب هذا التصور كانوا يشغلون المسافة من جبل عوينات إلى الشهيناب وهذه المنطقة التي هي الآن قلب الصحراء الكبرى كان فيها في الماضي البعيد أنهار وواحات وحيوانات مفترسة وأفيال وغابات كثيفة.
    كانت منطقة غنية جدا في لحظة من اللحظات لكن حصل الانقلاب المناخي بشكل تدريجي وأصبحت صحراء. فاضطر هؤلاء الناس إلى التشتت في ثلاث مجموعات كما قلت هي الفزانيين ذهبو إلى ليبيا والزغاوة ذهبو إلى دار فور وشرق تشاد. واما المجموعية بجماعاتهم المختلفة أرتكزو على ضفتي النيل الغربية وبعضهم في الشرقية (عدد اقل) وعندي إعتقاد أن اقدم منطقة في الخرطوم هي اللاماب بحر أبيض واتوقع أن عمرها ربما 11 الف سنة وهي تاريخياً أرض جماعة من جماعات الجموعية.

    وشغل الجموعية تاريخياً الضفية الغربية من النيل من المتمة إلى الحدود الغربية من كوستي. ولكن جماعات كثيرة فلتت من الإسم جموعية لتأخد اسماء قبائل اخرى حديثة في التاريخ. وعندي تصور معقول وقيد التحقق أن: جعليي المتمة وشندي إلى الوسط النيلي أصلهم من ذات الجذر "جموعية" وليس العكس. أي هم بدورهم أهل الصحراء الغربية في الأصل.

    وأن هذه المجموعات أصلاً منوعة ثم أختلطت وتمازجت مع الوافدين الجدد إلى السودان (أقباط وعرب وشركس والبان أي مماليك والمزيد) بدءاً بالألفية الاولى بعد الميلاد وربما قبلها بقليل وحتى تاريخ اليوم هذا التلاقح يجرى مثلما كان في الماضي.

    الجموعية هم أول الجماعات التي شكلت الوسط النيلي عبر ألاف السنين ثم يليهم الشلك أو قل معاً ثم البجا (هناك قريتين في شرق جبل أولياء تحمل الإسم بجا) ثم أخيرأً نوبا الشمال (نوبة الجبال تأخر حضورهم لأن ارضهم أخصب وعندهم مياه كفاية).. كمان أيضاً نوبا الشمال جاء متأخرين نسبياً إلى الوسط النيلي وبشكل واضح بعد إنهيار مروي على يد عيزانا الحبشي عام 350 ميلادية.
    وأسسوا بعدها مباشرة حضارة علوة المسيحية التي أنهارت على يد حلف من الفونج والأنقسنا (جلهم وثنيين آنها ومهنتم الاساسية الرعي) وجماعات أخرى من سهل البطانة بقيادة العبدلاب (رعاة مسلمين) ويدعمهم الجموعية (أصبحو مسلمين وهم رعاة ومزارعين) والشلك (وثنيين/رعاة/صيادين/صناع) والبجا (وثنيين/رعاة). وأحدد المهنة السائدة والتوجة العقائدي في كل مرة لكل مجموعة كي نستطيع أن نتصور جذور الصراع الآيديولوجي والإقتصادي بين هذه الجماعات التي اشتركت بشكل او آخر او وقفت في جانب الحياد عند ضرب سوبا النوبية المسيحية وتخريبها في حدود العام 1503م وإحداث إنقلاب حضاري جديد شامل في السودان.

    تلك الجماعات باختصار يمكن تسميتهم بالجماعات الأصيلة في السودان. وطبعا بعد ذلك حدثت تحولات في الجماعات دي نفسها وحصلت هجرات كبيرة للداخل وللخارج (قليلة).

    إذ أن السودان استقبل هجرات إلى داخله أكثر مما أرسل هجرات .. السبب دائما كان السودان منطقة خصبة مقارنة بالبلدان التي حوله. خصوصا الشمال فكلما اتجهنا شمالا يزداد التصحر وكان في السودان مياه أفضل من الآن بكثير (ربما هناك 77 نهراً في السودان آنذاك لم يتبق منها اليوم غير عشرة فقط) وكان فيه أراضي أوسع من الآن.

    لذلك مجموعات السكان الأصيلين التي ذكرناها الآن والتي كانت الأساسية في السودان كانت في لحظة من اللحظات هي نفسها تستقبل وترحب بشدة بأفواج قادمة من البعيد وتشجع الهجرة إلى السودان بشكل مستمر من الشرق (الحجاز واليمن) ومن الشمال (مصر) ومن الغرب (المغرب والأندلس ومالي والنيجر ونيجيريا) ومن طبعا الحبشة.. ولكن ليس من العمق الأفريقي الإستوائي.

    يعني الأفارقة المعروفيين في حدودنا الآن مثل أوغندا وكينيا وزائير وأفريقيا الوسطى لم يأتينا منهم ربما ولا فرد واحد!.

    والسبب بسيط جدا لأنو عندهم مياه وأراضي خصبة أكثر مننا لذلك لم تكن تأتينا هجرات من العمق الأفريقي ولكن كان يأتينا الناس من الغرب من مالي والنيجر ونيجيريا ومؤكد من موريتانيا وصحراء المغرب العربي والجزائر لأن هذه المناطق أيضا ضربها الجفاف والتصحر في لحظة من اللحظات.

    والسودان كان دائما أفضل منها من حيث الأراضي الخصبة والمياه. وان عدد سكان السودان كان دائماً اقل من مساحته اي بالمقارنة كما ايضاً مقارنة بجيرانه وحتى تاريخ اليوم سكانه اقل في العدد.

    إذ لم يكن في التاريخ إقصاء لأن الأراضي كانت واسعة جدا وكانت الجماعات الأصلية في السودان تحتاج لأيدي عاملة بشكل مستمر في التاريخ كله و لآلاف السنين ولغاية مشروع الجزيرة كان السودانيين محتاجين لأيدي عاملة.. لأنه عندما تأتي أيادي من الخارج لا تنافس في المدى المنظور على السلطة المادية ولا الرمزية. وفي ذات الوقت فإنها تثري الاقتصاد بشكل مستمر وبالتالي تساعد في دعم حكم الطبقات المسيطرة وتلك من اهم اسرار إستمرار الهجرة إلى السودان.

    لذلك كانت شعوب السودان بشكل مستمر ترحاب بالغريب عكس بقية معظم شعوب الارض.

    وحتى الآن نحن في السودان عندنا نزعة موروثة إلى الترحاب المفرط أحياً بالوافد الغريب. لأن الغريب كان دائما إضافة جيدة في عقلنا الباطن.
    كان الغريب إضافة اقتصادية جيدة فكان مثلاً يشتغل بالحديد ويعمل القدور والاواني والحلل أو بعرف زراعة من نوع جديد أو بعرف حجامة أو فقه المهم عنده إضافة ما مفيدة أي بيعرف شيء ما يضيفه لك بشكل مستمر وبلا خسائر وكانت الأسباب دائماً اقتصادية في المقام الأول.

    وفي تصوري أول ناس على الإطلاق جاؤوا السودان على شكل جماعات منظمة هم الأقباط المصريين قبل نشوء الممالك المسيحية وفي زمن مملكة مروي. كان يأتينا أقباط لأن مملكة مروي استمرت حتى 350 ميلادية. وكان ذلك الوقت بداية الانتشار المسيحي ويقال أن أول كنيستين في العالم هما الكنيسة القبطية المصرية وبعدها أو قبلها بقليل الكنيسة الأثيوبية وليس روما طبعا.

    والكنيسة القبطية هي التي أسست للمسيحية في السودان وكثير من الدلائل التاريخية تشير إلى ذلك.
    وكانت الممالك المسيحية السودانية دائما رئاستها الروحية في الاسكندرية و تابعة للكنيسة القبطية جل الأوقات.

    ثم جاءت بعد ذلك قبائل الصحراء المصرية وبشكل مستمر كان السودان يستقبل وافدين من الشمال للعوامل البيئية في المقام الأول ثم بعدها كانت العوامل السياسية ومنها هجرة المماليك إلى السودان بعد مذبحتهم الشهيرة عام 1520م.

    كيف إذن سادت اللغة العربية في الوسط النيلي ومتى؟

    الانقلاب اللغوي في "الوسط النيلي الوسيط" حدث في تصوري دفعة واحدة ولم يكن تدريجيا!.
    فاللغة العربية في الوسط النيلي لم تسد تدريجيا وإنما سادت في لحظة واحدة في الفترة من 1500 إلى م1550 دفعة واحدة لأسباب جوهرية فهذه اللحظة حدث فيها انهيار الأندلس وجماعات كبيرة جدا من الأندلسيين والمغاربة وصلوا السودان (المغرب العربي كان فقيراً ومتصحراً بالمقارنة ولا يسع قوم إعتادوا على المياه الوفيرة والطبيعة الغنية الساحرة).

    كانت تلك جماعات حضارية منظمة. وفي نفس اللحظة حدث انقلاب حضاري في مصر وحدث التحول من عهد المماليك الشركس والألبان إلى العهد العثماني وحصلت مجزرة ضخمة جدا للمماليك في مصر وجاءت منهم أعداد معقولة وصلت الوسط النيلي في لحظة وصول الأندلسيين (صدفة تاريخية).

    وكانت هذه الجماعات منظمة وكانت شبه جيش نظامي وعندهم بريق حضارة طازجة.
    هم من عملوا التحول المفاجيء إلى اللغة العربية في الوسط النيلي في لحظة واحدة دفعة واحدة دون أن تكون لهم السلطة السياسية!.

    إذن كيف حدث ذلك؟!.

    لازم نضع في الاعتبار أن الوسط النيلي لم يكن ما نراه الآن!.
    فقد كان عدد سكان الخرطوم قبل ألف سنة ربما صفر!. يعني ما كان فيها سكان لكن كان حولها في جبل أولياء مثلاً.. وفي الصحراء الغربية ومنطقة اللاماب التي كانت موجود فيها دائما جماعة ومناطق سوبا الشرقية وما بعدها إلى الشمال والشرق.

    لكن الخرطوم نفسها كان عدد سكانها ربما صفرا.. كانت منطقة مستنقعات غير صالحة للسكن.. ولدي تصور أن أكثر منطقة كانت مأهولة شرق النيل هي منطقة جبل أولياء. لكن عدد سكانها ربما لا يزيد عن 400 إلى 500 شخص (تصور معي) إذا جاءهم 200 مملوكي من مصر و100 من الغرب البعيد "الهاربين من الأندلس" سيشكلون أكثر من نصف عدد السكان، هذا ما يجب ملاحظته. ويمكن أن يكون العدد الوافد اكبر من كدا يعني العدد الذي وصل الوسط النيلي من الأندلس والمغرب ومصر كان أكبر من عدد سكان الوسط النيلي (هذا محتمل) في تلك اللحظة التاريخية (لا نتحدث هنا عن بقية أرجاء السودان).

    ولك أن تتصور معي أنه حتى عهد قريب وعند بداية الثورة المهدية كان عدد سكان أمدرمان حوالي 200 شخص فقط، أمدرمان كانت قرية صغيرة.

    يجب أن نلاحظ أن التحولات الديموغرافية التي حدثت بعد ذلك حصلت على مستوى الأعراق وعلى مستوى اللغة وعلى مستوى المخيال الاجتماعي في تلك اللحظة التاريخية لأن عدد السكان كان قليل جدا مقارنة بالوافدين الذين جاؤوا من تلك الجهات.

    ملاحظة أخرى بأن الناس الوافدين ما كانوا منافسين على السلطة السياسية في المدى المنظور. والدليل أنه في مملكة سنار كان الحكام الأساسيين من السكان الأصيلين من الفونج و الأنقسنا (المملكة الزقاء) إلى أن انهارت الحضارة السنارية سنة 1821 بواسطة الأتراك العثمانيين ممثلين في أسرة محمد علي باشا، كان دائما الحكام كل تاريخ السودان قبل ذلك الإنقلاب العثماني كانوا سكان السودان القدامى. لذلك فإن الوافدين في الحقيقة لم يكونوا منافسين على السلطة المباشرة.

    وذلك ساعد في انتشار اللغة العربية بشكل أفضل كون الناس نظرت لها كوسيلة محايدة للتواصل وذلك ايضاً ساعد في انتشار الدين الإسلامي كدين مضاد للدين العدو في لحظة تاريخية محددة دون أن يكون آيديولوجيا منافسة على السلطة.

    الدين "الآيديولوجي منه" العدو لجل سكان السودان الأصيلين أنفسهم يعني الشلك الكانو موجودين في الوسط النيلي والقبائل التي ورثت اسم الجموعية والبجا لم يكونوا مسيحين وكانوا ضد المسيحية لذلك هم تبنوا العرق العربي والدين الإسلامي ليحاربوا النسق المسيحي الذي كان فاسدا في الحقيقة وكان يضطهدهم و يستعبدهم في لحظة تاريخية محددة.

    ولم تكن العبودية عندهم مثل العبودية اللتي نعرفها في التاريخ القريب وإنما كانت أبشع!. حيث كان كل الناس عبيد للملك النوبي الموجود في سوبا في لحظة تاريخية بعينها إن لم يكن كل الوقت ويبدو أنه كان نظاماً كهنوتياً غير محبب وإلا لما تحالف اغلب جماعات السودان الاصيلة لمحاربة سوبا وتخريبها أي تدميرها مادياً ومعنوياً مرة واحدة وإلى الأبد!.

    هذا ما حدث في الوسط النيلي في لحظة تاريخية محددة وأدى إلى انهيار النسق المسيحي وتبني نسق أيديولوجي وحضاري وعرقي جديد من جل الجماعات الأصيلة التي تمازجت بصورة سلسلة مع الوافدين الجدد وتبنت اللغة الجديدة واضافت لها ذوقها كما غذتها بقاموس ومعاني جديدة. كما تبت النسق العقائدي الجديد وعبأته في كبسولات الروح القديمة. وفي ذات الوقت أحتفظت بإرثها الفكلوري وبمخيالها الإجتماعي والكثير من لون بشرتها.. وهذه واحدة من أهم مميزات إنسان السودان!.

    هنا تنتهي الحلقةة الرابعة من دولة اللا هوية.. فقط هناك شوية شرح إضافي.
    استمرت الهجرات بشكل مستمر من مناطق مختلفة من الصحراء الغربية المغربية ومورتانيا ومالي والنيجر ونيجيريا ومن الصحراء المصرية ومن صحراء سينا. وعندما حدث انقلاب في الأجزاء الجنوبية من الجزيرة العربية أدى بدوره إلى حدوث هجرات مستمرة لجماعات وقبائل كاملة إلى السودان. يعني الدعاوى التي ترجع جماعات محددة من السودانيين إلى أصول عربية أو مملوكية أو تركية او قبطية طبعاً أو أي كانت، تلك الدعاوى لديها ما يؤيدها من التاريخ. لكن طبعا مؤكد أن فيها مشاكل كثيرة جدا لأن هؤلاء الناس امتزجوا واندمجوا اندماج شبه كلي مع المجموعات الأصيلة كالنوبة والبجا والجماعات الصحراوية كالزغاوة والفزانيين والجماعات التي ورثت اسم جموعية والذين كانوا يوما ما قبائل الصحراء ثم نزحوا إلى الوسط النيلي واختلطوا مع بعض واختلطوا مع الوافدين الذين هم ليسوا عربا فقط كما قلنا فمنهم أقباط و جماعات الصحراء المصرية والصعايدة المصريين ولاحقا جماعات أخرى كالمجر واليونانيين ثم جاءت أعداد كبيرة جدا من جماعات الهوسة والفولاني من الغرب الأفريقي وهناك هجرة مستمرة من الحبشة لكن ليس العكس، دائماً الأحباش كانو يحتاجون السودان مثل غيرهم لكن السودان به سهول كفاية للرعي وماء كفاية واثيوبيا بلاد جبلية معظمها وعر.
    وقلنا أن هناك عندي دلائل شبه مؤكدة بأن اللغة العربية لم تسد بشكل تدريجي وإنما سادت بشكل مفاجئ كما قلت سابقا سادت في الوسط النيلي الوسيط عكس أرجاء السودان الأخرى للأسباب التي قلنا بها.

    يعني أرجاء السودان الأخرى تبنت اللغة العربية كلغة تواصل في وقت متأخر جدا ولغاية الآن هناك عربي جوبا والبجا يتحدثون لغتهم واللغة العربية لغة ثانية عندهم والنوبيون في أقصى الشمال مازالوا يتحدثون لغاتهم المحلية واللغة العربية لغة ثانية عندهم والفور والزغاوة والمساليت والبرتي والميدوب كلهم يتحدثون لغاتهم واللغة العربية لغة ثانية. كما نوبة الجبال وهم 99 قبيلة كلهم يتحدثون لغاتهم الأصيلة واللغة العربية عندهم لغة تواصل ثانية والفونج والأنقسنا من الجماعات الأصيلة في السودان وهم مازالوا يتحدثون لغاتهم الأصلية.
    وكل هذه الجماعات كانت عبارة عن دول مصغرة تحكم نفسها ذاتياً جل الوقت و لم يكن لديها لغات خاصة فقط وإنما كان عندها نسقها الحضاري المتكامل ولغتها ومعتقداتها وأديانها المحلية والتي استمرت بعضها بجلاء حتى سبعينات القرن الماضي في مناطق مختلفة من السودان وما يزال البعض.

    ملاحظة مهمة قبل أن نمشي.. أنا أعتقد بأن هناك تضخيم لدور الصوفية في السودان من حيث اللغة العربية.. فهم ليس لديهم دور كبير جدا في نشر اللغة العربية في السودان ولا في نشر الإسلام كما تدعي كثير من الكتابات الأكاديمية التي نقراها كل يوم.

    الصوفية طبعا مؤكد عندهم إعتبار لكن كانوا موجودين في منطقة محددة وهي منطقة الجزيرة ومناطق الوسط النيلي وقليل من مناطق الشمال الأقصى فقط وكانو تيارات صفوية محددة جل اوقات العهد السناري وكان دائماً الأهم والاعلى في التراتبية هو شيخ القبيلة وليس الطريقة لأنه يملك الأرض ويملك جيش القبيلة.

    وفي التاريخ ما كان في صوفية بهذا القدر الكبير في شرق السودان ولا في شمال السودان ولا في غرب السودان يعني بشكل معتبر لدرجة التأثير في التركيبة السكانية وليس الوسط النيلي أيضاً.. التيار الصوفي نما أكثر وأصبح اكثر قوة في العهد التركي حتى استطاع قيادة الثورة ضد الأتراك عام 1882م.

    ولو لاحظت فإن أي حبوبة في الوسط النيلي سيسقط أمامها عبد القادر الجيلاني ويسقط أمامها الشاذلي ويسقط أمامها كل أقطاب وقيادات الصوفية إذا تحدثت عن الرعي وعن السربة والسرحة والصرار وحاجات الرعي التي لا يعرفها الصوفية.. في الحقيقة كما قلنا اللغة تم تبنيها بعد جاءت جماعات الأندلس والمماليك بين عامي 1500 وعندها حصل التحول الشامل الذي قلنا به!.

    ما أريد توضيحه من خلال هذا المسح أنه لا يوجد صفاء عرقي في السودان وبشكل مستمر كانت هذه الأرض متحولة ومتحركة وكان فيها حضارات عظيمة لكن هذه الحضارات لم تكن أبدا في انسجام مع بعضها البعض ولم يكن لديها شعور بالمصير المشترك ولا بالمصلحة المشتركة بل كانت متحاربة ومتنافرة في لحظات تاريخية محددة لكن أيضا كانت متصالحة ومنسجمة في لحظات تاريخية أخرى لكن ليست كلها بل كانت في تحالفات ضد بعضها البعض وتحالفات مع بعضها البعض وتحالفات ضد الآخرين بشكل مستمر.
    وبعد هذا السرد والمسح التاريخي أريد أن أخلص إلى أن الهوية التي قلت سابقا بأنها خمس مستويات هي في الحقيقة على المستوى العريض نوعين الهوية الاجتماعية وهذه هوية العناصر الاجتماعية وإحساس الناس بمن هم وما هي جذورهم أنت نوباوي أنت فونجي أنت أنقسنا أنت بجا أنت فور أنت مساليت انت زغاوي هذه هي المكونات الاجتماعية أو تريد القول بأنك عربي فلا يمكن أن تجادل شخص في هويته أو تدعوه بالمستلب ياخي أنا مستلب لي 700 سنة أنت عايز تصلحني ليه الآن؟.
    من أنت؟.
    وبعدين ليه أسمع كلامك؟ حتى لو صاح؟. ح استفيد شنو؟ تقول لي أنت ما نوبي أنت ما جعلي انت ما وانت ما. عشان تعمل بي دا شنو؟ دا ما ح ينفع.
    وقلنا في الحلقات السابقة ما تغالط زول في هويته فهذا لن يجدي من أنت لتغالطني وما هو دليلك التاريخي؟ وحتى لو كان عندك دليل ولو كان حقا لن يقتنع أحد بذلك لان المصلحة مع الواقع.. الهوية يتم التعايش معها ويتم قبولها بالقانون ولا يتم نفي هويات الناس أي كانت. لأنك إذا نفيت هويتي فإنك تقصيني حتى لو كانت هويتي زائفة حسب وجهة نظرك ولكنها هويتي أنا.. أنت شايف هويتك أصيلة طيب كويس.. خليني أنا براحتي مع هويتي المزيفة.. هذا مجرد رشح آيديولوجي.

    المفترض أن نتفق على شيء مهم جدا أنو ما نغالط بعض في هويات بعض فالهوية حق مثلها والرغيف ولكن ما أكثر من كدا.

    كما قلنا الهوية على المستوى العريض نوعين (هذه محاولة أراها ضرورية لفك الخلط وسوء الفهم المزمن بين هوية المجتمع/الجماعة وهوية الدولة).

    الأولى الهوية الاجتماعية والثانية الهوية القانونية وهي الدولة.. والهوية الاجتماعية حق لكل شخص يقول كما شاء يعني يقول بهويته العرقية أو بهويته الغيبية العقائدية الروحانية أو بهويته المدنية نقابة اتحاد نادي كما يشاء وما في زول يغالطك في هويتك المفترض .. أما الدولة فهويتها عقد اجتماعي قانوني لذلك نحن نقول دولة اللاهوية تتتعدد هويات المجتمع وهوية الدولة واحدة .. راجع لطفاً الحلقات الثلاث السابقة لهذه الحلقة إن شئت فهم هذه الفكرة أفضل!.

    ملاحظة: هذا الكلام الغرض منه ليس التاريخ ولا التوثيق لشعوب السودان ذاك شأن آخر وإنما هذه هي الحلقة الرابعة والأخيرة من الدفاع عن ما أسميه "دولة اللا هوية" أي أن الغرض عملي ومباشر.

    كان ذلك تسجيلاً صوتيا 4-4 حول دولة اللا هوية تم تحويله بتصرف إلى نسخة مكتوبة.


    وأدناه بقية الحلقات المعنية 1 و2 و3 (مرقمة من 1-4 والرابعة جئنا بها أولا) لمن شاء التعرف على صيغة "دولة اللا هوية" التي نقول أنها دولة المستقبل!


    دولة اللا هوية 1-4 (نقد للمركزية الهويوية ولنظريات الهامش والمركز)!

    سأعمل عدة حلقات قصيرة أوضح فيها وجهة نظري لما أعنيه بدولة اللا هوية وهو مصطلح من عندي يعبر عن دولة غير منحازة لأي هوية من الهويات الاجتماعية الموجودة في الرقعة الجغرافية أي أن جهاز الدولة "إدارة وقانون" يقف على مسافة واحدة من جميع الهويات أي كانت.

    وأن صيغة الدستور أو صيغة العيش السلمي المشترك هي هوية الناس الجامعة.. دولة لا تتبع مذهب محدد ولا عرق محدد ولا تاريخ محدد.. سأشرح هذا التصور تفصيلياً وكيف يكون في ذلك الحل للأزمة الوطنية التي طال أمدها وتمثلت في الإقصاء والإقصاء المضاد الذي نرى نتيجته في الإنقلابات العسكرية والحروب الأهلية وحالة اللا إستقرار القائمة والتردي الإقتصادي والثقافي والأكاديمي والأخلاقي.

    ففي إطار دولة اللا هوية يمارس الناس هوياتهم الاجتماعية والذاتية كما شاءوا دون نفي أو إقصاء بما يحقق الإستقرار وبناء الحضارة لشعوب السودان. هذا باختصار شديد ما أعنيه بدولة اللاهوية.

    وأنا أعرف أن المسألة محتاجة شرح أكثر.. وهذه التسجيلات الجديدة في الواتساب شرح إضافي كما محاولة للرد على الأسئلة الجديدة التي وصلتني:
    على سبيل المثال سؤال: كيف دولة تكون ما عندها هوية و من أين سنأتي باللغة الرسمية؟!.
    والأسئلة الأخرى المتعلقة بالدين والعرق والتاريخ.. والاحوال المدنية كالزواج والطلاق والميراث.

    ساحاول الإجابة على كل هذه الأسئلة الحلقة دي والحلقات الأربعة الجاية وأكون سعيد بأن تتابعوا معاي وتشاور مع بعض حول الفكرة. وهناك اربع حلقات اخرى من هذه السلسلة.

    فنحنا أظن كلنا نعلم أننا أمام أزمة وطنية شاملة في بلدنا ومزمنة وعلينا أن نفكر بهدوء وبتجرد وبأمانة مع الذات وأن نحاول نكون مبدعين بقدر تحدي الازمة الكبيرة.

    وأيضا سأحاول التعرض لتيارات أو افكار أشخاص قياديين في منحى المناهج الثقافية أي الاتجاه الآخر أعني التحليل الثقافي الذي يرفع من شأن الهوية ليجعلها هي وحدها مركزاً جوهرياً للأزمة المعنية ومنها ينطلق الحل أي بتحديد هوية الدولة الديمغرافية والتاريخية وذلك بالرجوع للأصول العرقية والثقافية/التاريخية نكون عبرنا بالسودان إلى مرحلة الحداثة او هذا ما تصوره تلك المنهجية التي نختلف معها في تصورها للنتائج وعندنا ادلة مادية على ذلك وليس ظرفية فحسب!.

    وهناك قيادات يشتغلون على الهوية كحل بهمة وممكن ناخد منهم أمثلة زي د. أبكر آدم إسماعيل ود. محمد جلال هاشم و د. الباقر العفيف.. سأخذ هؤلاء الثلاثة كنماذج للمدافعين والداعين لدولة الهوية ولديهم رؤى مكتوبة وحوارات جارية في وسائل التواصل الاجتماعي حول مركزية الهوية ونحن سنناقش تلك الرؤى. وهذا لمزيد من الإيضاح عشان أقدر أبين وجهة نظري ويقال بضدها تعرف الأشياء. فهم يقولون الهوية وأنا أقول اللا هوية وكل له حجته!.

    وأعتبر أن الهوية ليست المشكلة كما الهوية ليست الحل والقضية قضية مختلفة جدا عن مسألة الهوية وإنما الهوية نفسها تستخدم كمجرد بنزين أو زيت للنار وللحرب، مجرد وسيلة من الوسائل للإستقطاب السياسي لجلب المنافع او دفع الضرر الحقيقي أو المتخيل عن الجماعة السياسية المحددة سواءاً خارج أو في إطار الجماعة الحاكمة وهو بالضبط ما يحدث الآن في ارض الواقع.. دولة الهوية القائمة الآن في صدام متبادل مع جماعات هويوية مضادة في أطراف السودان الأربعة وفي وسطه!.

    هذه الحلقة ستكون مجرد مقدمة للمزيد من الشرح للفكرة التي أعرف أنها ليست سهلة التأطير.
    وكي نمضي إلى الأمام أعني بدولة اللاهوية دولة تقف على مسافة واحدة من جميع الأعراق.. دولة تقف على مسافة واحدة من جميع الأديان الممكنة ودولة تقف على مسافة واحدة من تاريخ الناس الذي يدعونه حقا أو زيفا لا يهم. دع الناس وشانهم في هوياتهم الذاتية!.

    في ناس بقولو نحن جزورنا في كوش هذا طبعاً من حقهم وناس بقولو نحن فونج ناس بقولو نحن فور وناس بقولو نحن عرب وناس شركس وألبان إن وجودو فهو من حقهم شوية أو كتار ما مهم.. الناس ترجع نفسها أو تعرف نفسها زي الواقع أو كما ترى نفسها في أي مرجعية أي كانت هذا حق إجتماعي يتعدد والدولة حاجة واحدة للجميع من المفترض.

    لماذا هذا مهم.. لأن الدولة مفترض تكون محايدة تجاه عقائد وأعراق وتاريخ الجاماعات كلها وتقف على مسافة واحدة من جميع الهويات الممكنة في الرقعة الجغرافية من اجل حفظ التوازن الضروري للسلام الإجتماعي و الإستقرار السياسي والإزدهار الإقتصادي.

    أي أن الدولة تقف على مسافة واحدة من جميع هويات الناس .. سنشرح بدقة قدر الإمكان كيف أن الهوية ليست مشكلة ولست حل ودولة اللا هوية هي الحل..لماذا؟
    وما هي هذه الدولة المشروع التي نعني؟ وما اختلافها عن الدولة المدنية أو العلمانية أو الأنماط الأخرى والنظم السياسية الممكنة؟.

    سنناقش هذا بهدوء وسنفكر سويا وسنصبر على بعض.. و الكلام دا ليس له علاقة بمشروع السودان 200 الذي أنا مبادر فيه مع المبادرين الكلام دا طبعاً للناس المطلعة ومتابعة.. أنا أتحدث من وجهة نظري كشخص ولا أمثل أي جهة أو أي مشروع.. ومشروعنا غير سياسي وغير أيديولوجي وكلامي هذا غير سياسي وغير أيدولوجي لكنه في السياسة وفي الأزمة لكن ما منطلق من وجهة نظر محددة يعني حزبية أو أيديولوجية أو سياسية وإنما أمثل نفسي فقط هذه مجرد وجهة نظر.

    أولا قبل كل شيء يجب أن نعرف الهوية نفسها يعني من ناحية الاصطلاح واللغة.. ماذا تعني الهوية؟.

    وهنا تظهر مشكلة مفهومية من إملاء صراع الواقع المأوزم لأن هناك أناس كترين فاكرين أن الهوية هي مجرد العرق والبعض يتناسى الدين كون الواقع يقول أن المسلمين قد يتكتلو كما هو الواقع على أسس عرقية لحظة الأزمات والحرب أو جلب المصالح دون كثير إعتبار لعقيدتهم المشتركة، هذا يحدث الآن.

    لكن في الحقيقة الدين بإطلاقة ليس الإسلام وحده إحدى محددات الهوية الإجتماعية ولا يوجد كثير جدل أكاديمي في هذا المعنى. كما أن التاريخ أيضاً من محددات الهوية الإجتماعية "الحضارات القديمة مثال". هذه الأشياء الثلاثة العرق والدين والتاريخ المحدد المشترك يإرثه وحجاويه واساطيره التي تشكل مخيال الناس يكون هوية في مرة من المرات وفي زمان من الأزمان.. وعند كثير من الناس هذه الثلاث عناصر هي المحددات الأساسية للهوية.. هذا الكلام صحيح طبعا .. لكنه ليس كافي هناك ايضاً تجليات أخرى للهوية منها المدنية الحديثة والتيارات المذهبية التي نتجت عنها فالماركسية واللبرالية اصبحتا هوية للبعض وهذا على سبيل المثال.. كل هذا سنقف عليه الآن وفي الحلقات المقبلة.

    المسألة في تقديري معقدة اكثر مما تبدو في السطح!.

    أولاً من حيث اللغة فالهوية مشتقة من كلمة "هو".. في السعودية مثلاً في الدوائر الرسمية قد يقال لك اخرج هويتك أي بطاقتك الشخصية يعني من أنت؟..
    ومثلا عندما تسمع أن هذا هو محمد عثمان الميرغني فيخطر في بالك فورا رجل لابس جلابية وعمة ولديه طريقة دينية اسمها الميرغنية وإلى أخره.. وهو من وين ثم يأتي التاريخ.. فنحن هنا نتعرف على هوية الشخص وهي مركبة من حاجات جسمانية وحاجات مظهرية وحاجات فكرية وحاجات روحية "عقدية".. هوية الشخص نفسه.

    اما الهوية في المصطلح فهي ليست مفردة وغير مسطحة وإنما هي عدة مستويات وأعماق.. وإذا لم نعي بهذا الحقيقة سنكون في ضلال دائم عندما نتحدث عن الهوية وسنكون ماسورين بالمعنى السطحي الذي نتج عن الأزمة ونحصر الهوية في "العرق".
    فالهوية بالإضافة إلى انها متعددة في كل دولة وفي كل مجتمع وفي كل لحظة من التاريخ ايضاً هي متحركة ومتغيرة ومتبدلة.

    ونحن في السودان من حيث تجليات الهوية نختلف عن العالم بحكم الخصوصية الإجتماعية التي نتجت عبر الزمان في الجغرافيا.. أي هناك خصوصية زمكانية.

    وارى أن هناك خمسة تجليات للهوية في السودان لكن في هولندا مثلاً "والغرب كله" لا يوجد هذا العدد لأنو هولندا ما فيها هوية عرقية (واحد ناقص).

    ما في زول بقول أنا قبيلتي شنو وما في زول بيتحدث عن دمه أنا شايقي وأنا هدندوي وانا فوراوي وأنا زغاوي وأنا جعلي وأنا محسي.. مافي كلام زي دا.. يعني الهوية العرقية ما عادت موجودة، أختفت من التاريخ وحلت محلها التجليات المدنية في إطار الدولة والمجتمع.

    الهوية العرقية نفسها بتتجلى على أسس سياسية عندنا هذا لا يحدث في أوروبا كثيراً ليس القاعدة لأن الهوية العرقية نفسها في إطار الدولة المحددة غير فاعلة وأصبحت القبيلة مجرد فلكلور لا تراه إلا في الفنون الشعبية.

    نحنا العكس أولا عندنا الهوية العرقية هي الاعلى.. عندنا العرق يتمظهر في شكل عشائر وقبائل ينتمي إليها الأفراد والأسر الممتدة.. يعني الكتير منا الآن بمشي اشرب الشاي مع حبوبته كلما حانت المناسبة وأرسل ليها قروش وأتعامل معها والحبوبة أخوها وأختها وقد يكون عندها ود خالها وبت عمها مثلاً.. هنا نرى الأسرة النووية ثم الأسرة المتددة والأسر الممتدة من ذات الدم تشكل العشيرة سواء كانت مسمية أو غير مسمية ولكنها موجودة في الواقع ومكونة من ناس بتبادلو المنافع والمصالح والذكريات المشتركة والمصير المشترك في الموت والأفراح والأتراح. في اوربا التكتل على اساس الدم بينتهي عند الاسرة الننوية ومن عمر 18 سنة أي زول بتوكل ويغادر ليكون فرد حر في المجتمع المدني لا علاقة له باسرة ممتدة بالتالي هناك ينقطع خط وشائج التماسك على اساس وشائج الدم ولذا أختفت العشائر والقبائل في التاريخ السحيق وحلت محلها البنيات المجتمعية المدنية الحديثة ودولة المواطنة العصرية.

    عندنا مازل حتى الآن التجلي جسداني من وشائج الدم فاعل إذ يحصل تجلي ينتمي إليه الفرد وتكون هذه هويته.. يقول أحدهم أنا عليابي وأنا عمرابي وغيرها من تفاصيل الشايقية والهدندوة والزغاوة وبيوتات مختلفة ولا حصر لها في السودان كل السودان تلك مجرد امثلة للتوضيح.. هنالك هوية جسدانية مبنية على وشائج الدم وهي الهوية رقم واحد عندنا في السودان والغالبة.

    وبعض الناس تتحدث عن أنها هي المشكلة والتي على أساسها قامت الحرب وما زالت وعلى أساسها هناك تعالي عرقي وعنصرية متبادلة في البلد وكلها مسائل معروفة.. أنا أحاول أن أعرف أنماط وأشكال وأعماق الهوية وأحاول أن اعدد تمظهراتها لنتحقق في المستقبل من موقعها الفعلي من الصراع!.

    التجلي الثاني للهوية في السودان ومنتشر وملموس ونراه في اليومي هو التجلي الغيبي أو التجلي الروحاني وأمثلته كثيرة من المعتقدات المختلفة حتى الكجور عنده تجلي ناهيك عن المسيحية الكلاسيكية الموجودة أيضا في السودان لكن أعظم تجلي نشهده كل يوم هو تجلي الطرق الصوفية يعني الناس عدنا تتكتل على أسس روحانية وتتشكل من هنا هوية فيصبح الزول قادري شاذلي برهاني وعلى أساسها يتعرف الناس على بعضهم - فالهوية هي المميزات التي تضعها أنت لنفسك وعلى أساسها يحددك الآخرون يعني يعرفونك على أساسها-
    فالنكات مثلاً تظهر أن هناك مجموعة من الناس متهورين وآخرين سذج حسب التنميطات الموجودة وهذه أمثلة لشكلها الحاد..
    نرجع للهوية الأولى الجسدانية لوهلة ونواصل .. التجليات العشائرية لا تأتي من الفراغ إذ لديها هدف مركب وهو: البقاء والأمن والمعاش والرفاهية.. ففي يوم من الأيام ما كانت في دولة.
    وحتى عندما تشكلت الدولة الحديثة عندنا جاءت ناقصة يعني ليست دولة مواطنة اي ليست دولة كل الناس حقاً بل دولة هوية في الاساس، هذه الدولة فاشلة!.

    نحن الآن نتحدث في الهوية بمعناها الإصطلاحي.. التكتلات على اساس الهوية تحقق للناس مصالح متعلقة ببقائهم وأمنهم ومعاشهم ورفاهيتهم.. ولذلك يتنافس الناس على الموارد وعلى الأرض وعلى المكاسب الرمزية مستخدمين هويتاهم ككتلة لوحدتهم في مواجهة الطبيعة والآخر.

    يعني في حالة هجوم وحش أو قبيلة على قبيلة أخرى يقوم الفرسان بحماية جماعتهم وكسب الغنائم المادية والرمزية لها.
    وفي حالة صبت مطرة بعملو نفير لبناء البيوت مثلاً وكذا يتشاركون الطعام والسكن والترفيه.. وهذه هي الأسباب العملية لوجود تجليات جسدانية قديمة كعشائر وقبائل.. وأحيانا أعمالها وفوائدها ومصالحها تكون خفية ومعقدة لا ترى بطريقة جلية لكنها هناك.

    وأحيانا تكون واضحة بالذات في العشائر المتماسكة الصغيرة حيث يتعايشون مع بعضهم وينجزون أعمالهم مع بعضهم البعض.. مثلأ الجاليات السودانية في دول الخليج معظمها يقوم على القبلي والعشائري ثم المناطقي/الجهوي ونرى ذلك في الجمعيات الخرية والبيوتات العامة التي يستأجرونها كي تكون متاحة للجماعة كإستراحة عامة. هذا مثال للتجلي الجسداني للهوية ولمحة لأسبابه.. وهذا التجلي عنده نظم وقيم راسخة في العقل الباطن للجماعة عشان الناس تتماسك على اسس قوية وإلا ستتشت الجماعة وتتبدل هويتها إلى المدنية مثلاً في المدن الكبيرة ويضيع رويداً رويداً الشعور بالإنتماء للجماعة الجسدانية لان الهدف أمكن تحقيقه بصورة أخرى قد تكون أنجع واشمل!.

    التجلي الثاني للهوية كما قلت هو الروحاني وهذا أيضا لديه قيم مثل الزهد والورع وإلى أخر قيم التصوف المعروفة وعنده بالضبط مثل التجلي العرقي أهدافه العملية والنفسية والروحية.. وعندي محاولة دراسة عن سيكولوجية الزول السوداني يمكنكم الإطلاع عليها إذا أردتم معرفة المزيد أو إن شتئم.

    نمشي للتجلي الثالث والذي أسميه التجلي العقلاني الواعي بذاته (الحر) وهو واحد من تجليات الهوية وهو التجلي المدني الحديث والذي جاء وافداً في العهد القريب يعني بعد أن أتى الإنجليز إلى السودان وأدخلوا المدنية فأصبح الناس يتكتلون على أسس مدنية.
    يعني يعملو نقابات واتحادات كالنقابات المهنية فيكون الفرد منتمي للنقابة وعضو فيها ويدفع إشتراك لأنو في مصالح محددة مادية ومعنوية.. وهذه أيضا هوية عندها قيم وتبنى على مصالح مادية محددة مثل بقية الهويات.. هذه ثلاث أشكال كبيرة للهوية.. وهناك مستوى رابع وآخر خامس.

    ثم الهوية الشخصية للفرد "الذاتية" في المستوى الرابع للهوية.. وهي هوية الشخص نفسه.. فالفرد لديه ذوقه الخاص هناك أشياء يفضلها من مأكل ومشرب وعطور وروائح.. وعنده ذوقه الخاص في الموسيقى مثلاً.. وعنده أفكار محددة تختلف عن الأخرين وعنده طريقة محددة للبس ونظام الحياة يعني ما في زول بيشبه الآخر 100%.. إذن كل زول عنده هوية وهو يشعر بها وعلى أساسها يتعرف الناس عليه.. ثم يختار الفرد أن ينتمي أو لا ينتمي إلى بقية الهويات الاخرى الجماعية التي نتحدث عنها
    في ناس هويتهم هي الذاتية فقط وهم من وجهة نظري أرقى ناس في تراتبية التحضر التكنلوجي الكوني.. يعني هو ما عندو هوية عرقية قصدي دا ما موضوعه وما عنده هوية غيبية وما عنده انتماء لجماعة ولا يعرف نفسه بها وقد لا يشعر بالإنتماء للدولة نفسها كهوية قانونية أي النوع الخامس من انماط الهوية، سنشرح ذلك بإستفاضة لاحقاً.

    طبعا الهوية والإنتماء الهويوي أمر مباح وأنا لا أشجب الناس العندهم هوية والهوية مسألة ضرورية جدا وتبني على مصالح محددة آنية أو تاريخية يعني مسألة معقدة جدا ولا يمكن شرحها في عجالة وإنما حالة قد تتكون عبر مئات السنين لتحافظ على مصالح الناس المادية والرمزية في الإطار المحدد والذي لا يوجد فيه دولة مواطنة راسخة فيتكتل الناس كما قلنا على أساس الهوية ليحققوا مصالحهم المادية والمعنوية في مواجهة الطبيعة والآخر.. هكذا كان التاريخ ونحن ما نزال نعيش في التاريخ لكن نامل في الخطو إلى الامام!.

    هذه تعتبر كل الهويات الجزئية في السودان.. وأقول جزئية لأن الهوية الكلية "المستوى الخامس والأخير" من المفترض أن تكون هي الدولة أي صيغة العيش السلمي المشترك وهي نفسها هوية!.

    زي ما الناس داخل الجغرافيا المحددة بيتعرفو على بعض بتفاصيل هوياتهم الذاتية والجزئية والشخصية (القبيلة والطائفة مثال).. الدولة عبر الأمم بتتعرف أيضا بهويتها والتي من المفترض أن لا تكون عرق أو دين أو تاريخ إنما هي صيغتها القانونية هي دستورها. يعني اسمها جمهورية السودان الديمقراطية يعني هي جمهورية وهي ديمقراطية وهذه هويتها التي يعرفها الناس كعنوان كبير عند الامم الأخرى.. ولا أحد من المفترض يهتم إذا ما كانت هذه الدولة أفريقية أو عربية أو زنجية او اي شيء.. دي ما شغلة الشعوب التانية.. ومن المفترض أن لا تكون شغلة الدولة نفسها.. لأنه من المفترض أن تكون الدولة هي اتحاد الهويات كلها.. وإذا حاولت أي هوية ادعاء أنها الأغلبية أو الأقوى أوحاولت فرض نفسها أو فرض صبغتها على الدولة.. هذا يعني أن هناك هوية واحدة جزئية من المحتمل اضطهدت أوأقصت أو همشت بعض أو جميع الهويات الأخرى وهذا ما يحدث في الحقيقة (الإقصاء والإقصاء المضاد) وهو سبب الأزمة لا الهوية كحق من حقوق الإنسان والجماعة وهي حق مثلها والرغيف لكن لا اكثر أي لا قداسة!.

    فيأتي أناس ينادون بعرق محدد أو ينادون بأيديولوجيا محددة في السودان اشتراكية في زمن نميري أو إسلامية الآن أو ينادون بالليبرالية.. كلها هويات.. هويات إما يفرضونها على مستوى الدولة عبر العنف أو يحاربون الدولة بالسلاح للإستيلاء على الدولة كمرجعيات هويوية.
    هؤلاء الناس لا يمثلون الهويات كلها.. لا الهويات العرقية ولا الهويات العقائدية ولا الهويات المدنية مثل الاتحادات والنقابات والتي كانت دائما في صراع مع الدولة .

    فالنقابات تولت الدولة قل (الحكومة) بعد سقوط عبود وقادت الدولة في المرحلة الانتقالية.. فالتجليات الحديثة تصادمت مع الدولة وبعض العشائر والقبائل والاعراق في صدام وحرب مع الدولة الآن وليس الأعراق أو الطوائف فقط فقط بل أيضاً الهويات الحديثة في الحقيقة الهويات الحديثة (المدنية) هي أول المتضررين من دولة الهوية القائمة وأول من حاربها ولو بطرق مختلفة عن الأعراق.. كما أن الأفراد في صدام مع الدولة وعندك مثلاً قانون النظام العام في السودان وعندك مؤخراً قضية الشابة ويني وغيرها الكثير أمثلة ساطعة لأن دولة الهوية تتعارض بالضرورة مع هويات الناس الخاصة وتحاول مصادرة حتى أذواق الناس الخاصة في الملبس والمشرب وأدوات الترفيه وفي العقيدة وطريقة العبادة وإلخ!.

    لأن الدولة دولة هوية واحدة ومذهب واحد وحزب واحد وقيادة سياسية واحدة فقط متعددة في الشكل لا الجوهر.. ذلك نتيجة للأزمة.. أزمة الدولة التاريخية القديمة التي ما تزال تعيش في القرن الواحد وعشرين.. غير ممكن إلا عبر العسف.. وهذا ما يقول به الواقع بجلاء.

    هذا الدولة كانت كل الوقت كذلك منذ تأسيس السودان الحديث عام 1821.... لماذا؟ لأن هذا هو حال الدولة التاريخية والدولة في السودان قديمة.. أصلا نحن ورثنا الدولة الاستعمارية وسرنا على نفس نمط الدولة القديمة.. يعني ما تم تحديث أو بت في الدولة ولم يحدث أن تجمعت كل الهويات الموجودة في البلد سواء جسدانية أو روحية أو مدنية لتشكيل الدولة وفق صيغة وفاقية للعيش السلمي المشترك.. وهذا المفترض يحدث لكن ليس بعد لهذا نحن في صدام وتشتت وتنافر.. يعني أول ما الانتخابات.. أول شيء الناس يفترض تأسس صيغة للعيش المشترك.

    لا يوجد أي دولة في الدنيا تأسست بانتخابات ديمقراطية حقاً أو مزيفة.. الدولة في التاريخ تتأسس عبر العسف المادي بالقوة يعني أو عبر الوفاق الشامل وهذا هو التاريخ ثم يتحقق الوفاق أو لا يتحقق وعلى اساس ذلك تستمر أو نتفض الدولة وتتلاشى اذ العسف وحده ليس كافياً لإستمرار الدولة. ففي حالة أي إختلال لميزان القوة المسيطر ربما نتهار الدولة ولذا أنقسم الجنوب وذهب لحاله لأن دولة الهوية التي لا تحترم حتى هويات الأفراد لا تحترم طبعاً هويات الجماعات المخالفة لها في الهوية.. شيء طبيعي!.

    قلنا أولا صيغة العيش السلمي المشترك.. مثلا ألمانيا تأسست عبر الوفاق والإمارات العربية المتحدة أصبحت متحدة عبر الوفاق بس لكن المملكة العربية السعودية تأسست عبر العسف المادي ثم بعدها جاء الوفاق ودائماً هناك صراع في الدول التي تتأسس اولا عبر العسف ما لم يحدث تجديد وتطوير مستمر لحالة الوفاق المتفق عليها.. في النهاية لازم يكون في وفاق هو الضمان الوحيد لإستمرار الحضارة.

    كل الدول الناجحة في العالم في العالم تأسست على الوفاق واسطع مثال هو البعبع الكوني الكبير: أمريكا.

    الوفاق يعني أن يتفق الناس أن تنتظم كل الهويات الممكنة للاتفاق على صيغة لاهووية يعني صيغة ما فيها هوية زول محدد أو جهة محددة إنما صيغة عيش سلمي مشترك.. وهذه هي الدولة الحديثة التي أعني والتي حصلت في أوروبا أولا ثم إنتشرت في العالم لكن نحن لسنا بعد.. لذلك عندنا مشكلة دولة ومشكلة سلام إجتماعي.

    إذ ما يوجد لدينا الآن هو دولة هوية ما كويسة ولا نريدها ولا نريد استبدالها بدولة عرقية أخرى فإذا كانت هذه الدولة دولة عروبية/إسلاموية (البعض يقول بذلك) فهذه دولة فاشلة في الوقت الحاضر.. فاشلة في صناعة السلام والإستقرار وفاشلة في الحفاظ على الرقعة الجغرافية أي فاشله في الجوهر. وهي إن كانت عروبية إسلاموية لكنها لا تمثل العرب والمسلمين في السودان أو أي منهما لا يوجد اي دليل على ذلك وإنما العكس وإنها دولة آيديولوجية بجدارة تمثل فقط الجماعة المذهبية المحددة التي تسطو عليها كل مرة عبر القوة العسكرية.. وهذا ما يقول به الواقع الماثل وتجليات صراعه.

    لا ننسى اننا نحن هنا نتحدث عن المستوى الأخير والشامل للهوية (الخامس) وهي هوية الدولة. وقلنا بالأسباب سابقاً لماذا يجب أن تكون هذه الدولة محايدة تجاه الهويات.

    يعني الدولة ذاتها تكون بلا هوية ولا يوجد تناقض هنا مع الوضع في الإعتبار الموافقة على تمسك المجتمع بتعدد هوياته والأفراد ايضاً. يعني الدولة نفسها غير منتمية لواحدة من الهويات وغير متبنية أو داعمة بشكل غير عادل لواحدة من الهويات الاجتماعية الموجودة في الرقعة الجغرافية.. إنما دولة قائمة على صيغة العيش السلمي المشترك أو الدستور الذي يتيح للجميع أن يمارسوا حاجاتهم بالتساوي.. على مستوى الجماعات بأن تتصرف كما تريد ولَك الحرية لأن تكون ما تريد عربي أو أفريقي أو قادري أو برهاني أو في نقابة الأطباء أو غيره.. أنت مرحب بك ومقبول.

    وانت كفرد أيضاً عندك هويتك إن كنت تريد التصرف على انك شخص عندك هويتك وذوقك المختلف: تلبس كما تشاء وترقص كما تشاء وتغني كما تشاء وتعبد الله كما تشاء وفق الدستور.. حتى على المستوى الشخصي تكون هويتك محترمة في دولة اللا هوية دولة المشروع دولة المستقبل.. ناهيك عن هويات الآخرين كالعشائر والقبائل.. فمن أراد القول بأنه أفريقي خالص وفق فهمه وتقديره لا نغالطه من المفترض فمرحبا به ولَه دور يؤديه في المجتمع والدولة من منطلق ثقافته الافريقية التي يعتقد فهي محترمة.. وإن كنت تريد القول بأن أصولك تركية فعندك مساهمتك الخاصة.. وإن كنت تريد القول بأنك عربي أصلي وجدك هو النبي صلى الله عليه وسلم فلك ذلك.. إذ نحن من المفترض لا نستطيع التأكد من هذا الشيء فقد لا نستطيع تكذيبك ولا تصديقك بل لا يحق لنا ذلك من المفترض فكل شخص له حرية ادعاء ما يريد. لكن لا تطالبنا بأن نبوث يدك وإلا جلدتنا، هذا خطأ مفترض وفق الدستور اللا هويوي (هذا مجرد مثال مطلق).. تلك هي الدولة التي تقف على مسافة واحدة من كل الهويات..هذه ببساطة دولة اللاهوية.

    قد يقول البعض أن بعض الدول الأوروبية مثل ألمانيا وفرنسا وبريطانيا دول عندها هوية وهذا كلام غير صحيح.. أولا التطور في أوروبا حصل بشكل مختلف عن التطور عندنا.. لأن التطور عندنا لم يكتمل.. أوروبا قامت في الحقيقة على الهوية في الماضي (شيء طبيعي ذلك الزمان مافيش غير كدا).

    لأن كما قلنا الدولة في التاريخ كانت لازم تقوم على الهوية ولا يعرف الإنسان غير ذلك والنَّاس على دين ملوكهم ولا توجد طريقة أخرى.. حيث كانت الدولة ملكا لعرق واحد وبقية الأعراق مضطهدة.. أو تكون الدولة لدين واحد وبقية الأديان مضطهدة.. أو الدولة تكون ذات تاريخ واحد مشترك وبقية الناس الذين يقولون بأن لدينا حضارات أخرى مضطهدين.. أو تكون الدولة ملك لأسرة واحدة وبقية الأسر تعمل وفق فهم وخطة هذه الأسرة. كدا في التاريخ وفِي أوروبا كانت كذلك ثم طورت ذاتها إلى واقع جديد انتج مبادئ الثورة الفرنسة ثم الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لاول مرة في تاريخ البشيرة.

    لكن نحن دولتنا ما زالت تاريخية وهذه الدولة التي لا نريد لانها غير مناسبة ولا صالحة للحظة التاريخية الراهنة من تطور البشرية.

    ما حدث في أوروبا أن هذه الدول كانت قائمة بذات النهج التاريخي الذي نتحدث عنه هنا ثم حصل لها تطور داخلي نوعي على أساس حق المواطنة للجميع والتساوي في الحقوق والواجبات إذ حدود معظم الدول الأوربية ما زالت قائمة بذات الجغرافيا القديمة ولكن الهويات كلها تمثلت على مستوى الدولة وأصبحت الدولة دولة المواطنة لا الهوية.

    ولكي يحدث ذلك كانت هناك وعي مشترك بالمصلحة المشتركة من جميع الأطراف يعني أن الطبقة الحاكمة القديمة تنازلت كلية وبشكل حاسم عن هويتها في مستوى الدولة وتنازلت عن الحكم.. الحكم المباشر لمصلحة بقية التيارات والمذاهب.. فصارت الدولة ما عندها هوية محددة غير صيغة العيش السلمي المشترك.. وبالتالي يستطيع أي لاجىء الحصول على الجنسية المحددة في خمس سنوات ويستطيع أن يترشح في الإنتخابات ويدخل البرلمان بأصوات البيض من اهل البلد وفق الدستور (دا مجرد مثال روتيني يحدث كل يوم في الواقع).

    إذ الدولة (الدولة لا المجتمع) ليس لها هوية عقدية أو عرقية أو تاريخية متبناء على مستوى القانون .. في هولندا مثلاً الدولة غير مسيحية وغير عرقية وليست ملكا للهولنديين المفترض أصيلين وحدهم بل ملك كل هولندي ولا يهم خلفيته العقائدئة ولا العرقية ولا التاريخية ولا اللونية.. أنت إنسان هولندي مساو في الحقوق والواجبات مع الجميع في دولة بلا هوية دولة تحترم هويات الناس الجماعية والفردانية وتقف على مسافة واحدة من الناس ومذاهبهم في إطارها الجغرافي.

    نتحدث هنا دائماً عن الدولة لا المجتمع وما يميزه من ثقافات وفلكلور والوان وخلفيات منوعة تعطي صبغة عامة مشتركة أو مميزة للمجتمع المحدد عن المجتمعات الاخرى. دا شيء آخر مختلف.. نحن هنا نتحدث عن الصيغة القانونية الكلية للعيش السلمي المشترك = الدولة.

    دا كان تسجيل صوتي 1 من 4 في قروب دولة اللا هوية في الواتساب.. ومن باب محاولة البيان سأخد في الحلقة المقبلة في الإعتبار الأراء الهويوية لأبكر آدم إسماعيل و محمد جلال هاشم والباقر العفيق أو كما وعدنا.. وإلى لقاء.

    دولة اللا هوية 2-4 (نقد للمركزية الهويوية ولنظريات الهامش والمركز)!

    ونظرة في أفكار أبكر آدم إسماعيل والباقر العفيف ومحمد جلال هاشم والمركز والهامش!.




    مقدمة:

    هذه الحلقة الثانية للنظر في ما أعنيه بدولة اللا هوية في مواجهة دولة الهوية...
    نحن لم نصل بعد إلى وعي مشترك بالدولة الحديثة والمعاصرة. نحن في حسباني مانزال في مرحلة متأخرة وهي مرحلة دولة الهوية.

    وقلنا في الحلقة السابقة أن دولة الهوية هي الدولة التاريخية .. دولة الهوية بمعنى أن يكون فيها عرق واحد سائد ودين واحد سائد وتاريخ واحد ويكون عندها أسرة حاكمة واحدة أو اتحاد أسر حاكمة أو جماعة عرقية واحدة.

    هذه دولتنا الآن وهي الدولة التي لا نريد من المفترض.. هي دولة الماضي دولة التاريخ.. فاشلة بشهادة الواقع الماثل.. نحن نريد دولة اللاهوية "المواطنة" وليس من المفترض أن نجرب المجرب أي أن ننادي بدولة هوية بديلة إذن نحن نراوح مكاننا من التاريخ ولن تشفع لنا المبررات مادمنا أننا أخترنا دولة الكهوف من جديد!. هذا الكلام عفوي ومباشر في قروب الواتساب دا.. قروب دولة اللا هوية.. عشان نركز مع بعض في حوارنا المباشر دا.

    يتحدث الناس وكما نقرأ في الكتب والأكاديميات أن الغرب قد فصل الدين عن السياسة: أصبحوا دول علمانية أي فصلوا الدين عن الدولة ولذا نعرف أن ذلك النظام السياسي الحديث في سلم التطور البشري أدى إلى نهضة الغرب في المجمل وإستمرار سيطرته ليس على الكرة الارضية فحسب بل الكون البعيد مثال القمر والمريخ وهناك سفن ذهبت ابعد في الفضاء وكل يوم نسمع اختراع جديد.. ونحن نزحف إلى الوراء للبحث عن شيء ضاع منا في التاريخ السحيق إسمه "الهوية"!.

    هنا نقطة مهمة وذلك أن كانت عناصر الهوية الإجتماعية في الدين والعرق والتاريخ المشترك فنحن لكي ننهض نحتاج أن نفصل عناصر الهوية كلها عن الدولة لكي نحقق التوازن الإجتماعي ويتبعه الاستقرار ثم الحضارة.

    وليس تجربة الغرب وحدها تقول بذلك بل الأمم الأخرى الحديثة!.

    العلمانية وحدها ليست كافية في حالتنا.. العلمانية التي قد تعادل في التلطيف " الدولة المدنية" ليست كافية لأننا نحن في التاريخ ابعد من لحظة اوروبا حينما أخذت بالعلمانية حلاً لأزمة الدين والسياسية التاريخية.. ذلك صالح في لحظة التطور الغربية وحدها.. نحن لسنا بعد!.

    إذ أن الدولة العلمانية عندنا تستطيع أن تكون عسكرية وعرقية وتاريخية فقط غير دينية والدولة المدنية تستطيع أن تكون عرقية وتاريخية ودينية فقط غير عسكرية.

    وكما ذكرت سابقا أن التطور في أوروبا تم بطريقة مختلفة عننا.. يعني عندنا إلى الآن دائرة التطور لم تكتمل.. وإلى الآن مجتمعاتنا مقسمة على أسس عشائرية وقبلية وعلى أسس الدم.. مسألة العرق في أوروبا انتهت ولذلك لم يتحدثوا عن دولة اللا هوية العرقية أو/ التاريخية وإنما كان تبقت لهم مشكلة الدين في الأساس تلك اللحظة التاريخية.. ما عندهم مشكلة عرق ولا تاريخ.. حسموها قبل ذلك بكثير وعلى اساسها توزعت اوروبا في الدول التي نراها الآن.. وبالتالي هم ركزوا أكتر فيما يناسب لحظتهم التاريخية وتراضو على العلمانية "فصل الدين عن الدولة" كآخر عبقة في تحقق دولة اللا هوية وقد حدث.. لذا كلمة علمانية زائفة ومضللة في حالتنا.. الصحيح أن نقول دولة اللا هوية "فصل الدين والعرق والتاريخ عن الدولة" لا الدين وحدة ذلك ليس الحل وحده!.

    إذا فصلنا الدين عن الدولة ستظل غير مفصولة عن العرق وهو أشد كما التاريخ "الحضارات القديمة" والرشح التاريخي القديم.. العرق أشد في التماسك ومعظم مجتمعاتنا التي نراها في الحركة اليومية منقسمة على أسس تاريخية وعرقية (قبلية وعشائرية) تنفي بعضها البعض وتحقق مصالحها بناء على التلاحم الذي تصنعه بالهوية العرقية.. هذا نشهده كل يوم في المنابر.. أنت شايقي وداك جعلي ودا فوراوي وداك هدندوي وهنا بطحاني وهناك زغاوي إلخ.

    وعندنا حركات مسلحة وحركات ثورية ومتمردة ومليشيات (كلنا نعلم) من قبائل وبيوتات محددة.. تصنع الحرب وتتفاوض عشان السلام.

    وعندنا حكومة المؤتمر الوطني ومليشياتها المعلنة (حميدتي مثال وموسى هلال سابقا) وداخلها تيارات قبلية مختلفة وبنسمع الناس تتحدث عن قبائل محددة سواء كانت من الوسط النيلي أو من الشرق أو من الغرب، أظنه معلوم.
    ودي مجرد أمثلة "حية".

    فلحظتنا التاريخية مختلفة عن الغرب وبالتالي مشكلتنا ما بس فصل الدين عن الدولة وإنما فصل العرق عن الدولة وكمان فصل التاريخ عن الدولة كما قلنا سابقا.
    وتلك إذن دولة اللا هوية التي نعني.. دولة المواطنة.

    وإذا أردتم فهمي بشكل أفضل اسمعوا لطفاً الحلقة السابقة والثلاثة حلقات الأخرى (هم أربعة من هذه السلسلة) .

    فبالتالي بدولة اللاهوية نعني دولة اتحاد الهويات جميعا.. دولة تقف على مسافة واحدة من كل الهويات. ومن حق الهويات كلها الجماعية والذاتية أن تعبر عن نفسها حسب الدستور وحسب القانون.

    طيب واحد قال في قروب الواتساب اللغة أليست هوية ؟ والدولة لازم يكون عندها لغة؟.

    طبعا صحيح الدولة لازم يكون عندها لغة وطقس وبيئة مكتسبة وأشياء تأتي بها الطبيعة.. يعني الطقس والمناخ سواء كان صحراوي أو ممطر فهذا ليس خيار الناس، شيء عليهم التأقلم معه.

    فإذا كانت تلك الطبيعة وعليك التأقلم معها كذلك اللغة كحاجة اجتماعية.
    فهناك تطورات في التاريخ عليك التأقلم معها فتبحث عن اللغة المناسبة للتواصل بين الناس والتي تحقق الازدهار الاقتصادي والتي تربطك مع العالم احسن.. حاجة عملية؟.

    ما هي أفضل لغة تحقق ذلك؟.. بعض الأفارقة اختاروا اللغة الانجليزية وبعضهم اختاروا لغاتهم المحلية وآخرين اختاروا لغات أخرى كالأسبانية التي مثلاً أختارها كثير من الهنود الحمر وهم ليسوا أسبان.

    فاللغة كما قال أحد الكتاب هي غنيمة حرب.. وهي في الحقيقة غنيمة تاريخ. فاللغة الرسمية التي تستخدمها قد تكون لغة جماعة محددة زي بعض انواع الرقيص والزي الجلابية مثلاً فهي خاصة بجماعة محددة في التاريخ القريب أو البعيد في السودان.

    لكن اختيارك للغة واختيارك لرمز محدد زي الجلابية على سبيل المثال من المفترض أن لا يعطي جماعة محددة تميز على الجماعات الأخرى .. تبنينا اللغة ولكن لم نتبناكم أنتم أيها السادة الفلانيين فأنتم مثلكم وبقية خلق السودان متساوون في الواجبات كما الحقوق.
    وقضايا الأحوال الشخصية والمدنية ممكن تتحل عبر تعدد الخيارات القانونية مثلاً في حالات الميراث والزواج والطلاق إلخ.

    ذكرت أنني سآخذ نماذج ضدية لابين بشكل افضل وجهة نظري في القضية.. وذكرت إسماء محددة عندها إجتهادات كثيرة مختلفة في مضمار الهوية ودولة الهوية. وهم: أبكر آدم إسماعيل والباقر العفيف ومحمد جلال هاشم.

    ..
    باختصار سألخص لكم فكرة كل زول من الناس ديل.
    هؤلاء الثلاثة نماذج يقولون بدعوى متشابهة من وجهة نظري .. مختلفة فقط في شكلها الخارجي.

    وفحوى هذه الدعوى أنو حل مشكلتنا كسودانيين يكون بمعرفتنا لانتمائنا الحقيقي التاريخي والعرقي والجغرافي.
    وهذا الانتماء يكون لأفريقيا أي الأفريقانية يعني نحنا نعرف أنفسنا كقوم سودانيين سود وعلى هذا الأساس نقبل بعض ونتمازج مع بعض ونعرف نفسنا للآخرين كعرق أفريقي وقوم سود أصيلين وهذه منطقتهم (ممكن معانا شوية ناس مهاجرين) ومن يقول بغير ذلك فهو زول مستَلب أو زول من الجماعة العروبي إسلامية المسيطرة على السلطة والثروة والتي لها مصلحة في إستمرارية الدولة العروبية البغيضة القائمة ولا تريد الدولة الزنجية الافريقية الصحيحة!.

    تلك هي الدعوى مجملاً باختصار شديد جدا طبعاً وقد يكون مخلاً فأرجو ملء الفراغات معي فمعظمكم سمع أو قرأ عن هذه الشخصيات الثلاثة المجتهدة والمثابرة والذين اتخذتهم كنموذج أمامنا كضد لدعوة دولة الللاهوية. والتي من وجهة نظرنا أو في زعمنا أو ادعائنا هي دولة العصر ودولة المستقبل والدولة التي من المفترض أن ننتمي لها ولا نرجع أنفسنا إلى الوراء كرد فعل.. ما أريد قوله أن دعاوى دولة الهوية هي دعاوى رد فعل لدولة الهوية التاريخية القائمة الآن منذ العام 1821 في السودان وهي دولة غير صالحة ويجب أن تذهب وستذهب لأن التاريخ ماشي في الاتجاه دا حسب تصوري.. لكن بديلها ليس مثلها!.

    طيب قلنا باختصار أن محتوى الدعاوى الثلاث واحد لكنها مختلفة في المقدار فحسب.
    نأخذ دعوى الباقر العفيف أولاً والذي لديه ورقة عنوانها: قوم سود ذو ثقافة بيضاء:
    وهو يعني بذلك - والورقة واضحة من عنوانها - أن هناك قوم سود تخلوا عن ثقافتهم السوداء الأصيلة وتبنوا ثقافة بيضاء لا تمثلهم.

    ويمكن أن نذهب بخيالنا أكثر إلى أن هناك جماعة فرضت هذه الثقافة على الناس وسيطرت بها على السلطة والثروة.. هذه دعوى الباقر العفيف.. أما دعوى محمد جلال هاشم أنو نحن يحب أن نؤسس دولتنا على ويعينا بذاتنا كأفارقة سود وهو يكرر هذا الكلام وهذا رأيه المحترم جدا.. لكن السؤال هنا: ما الحاجة لأن نعرف أنفسنا لأنفسنا؟!.

    ونحن فعلا ممكن نكون أفارقة أو جزء كبير جدا مننا أفارقة بالمعنى الجغرافي والعرقي، نوبيين أو كوشيين حسب فهم الدكتور الأستاذ محمد جلال هاشم.

    هذه دعوته وأنو في الحقيقة نحن سود البشرة والدليل من التاريخ حسب قوله أن مروي وكوش والسودان وأثيوبيا كلها أسماء للسودان بمعنى الناس السود.. ومعني هذا الكلام وجب أن لا ندعي بأننا عرب أو شركس أو ألبان إنما نحن سود ونعيش سود ونقبل سوادنا عشان نتصالح مع نفسنا. وقال بالنص أن: البنات يفترض أن لا يفسخوا جسمهم عشان يبقوا بيض وهذا استلاب وجزء من الضياع الذي نعيشه.
    قال: أننا سود ولكن نظن أننا عرب والعرب بيض ( العرب أصلا ليسوا بيض).. وبالتالي بناتنا حسب هذا الاستلاب بيحاولو يفتحوا لونهم ليحاكوا المثال الموجود في خيال المجتمع عن الجمال.
    تلك باختصار شديد جدا الدعوة الثانية دعوة الدكتور محمد جلال هاشم... سنأتي لمناقشتها بعد شوية مع الدعاوي الأخرى.

    أما دعوة أبكر آدم إسماعيل فهي نفسها لكن بطريقة أخرى مفصلة أكثر قد تكون أو قل أكثر نسقاً أيديولوجيا!.

    ودعواه تقول بأن السودان فعلا أسود ويجب على السودانيين أن يتعرفوا على نفسهم الحقيقية ولا يهربوا منها وأضاف شيء زيادة وهو شيء مهم فيما معناه أن الإستمرارية المادية للسيطرة تتبعها سيطرة رمزية شاملة.. ومن هنا تتركب دعوى الهامش والمركز. وضمنه أن المركز بجغرافي وليس سياسي فحسب.. سأشرح هذه النقطة.. فهو يتصور أنه يوجد مركز جغرافي سياسي.. يعني في جماعة محددة مهيمنة على السلطة والثروة وهذه الجماعة لها نفس ثقافة جماعة محددة موجودة في الوسط النيلي (هم المنتمون للعرق العربي أو المستعربين) . ولو عندي أن كان هناك جماعة مسيطرة ليس بالضرورة أن هذه الجماعة تمثل فعلا العرب أو المسلمين ولا تمثل السودان ولا الوسط النيلي.. هذه وجهة نظر عاجلة ونذهب إلى الامام.

    المركز جغرافي بمعنى عرقي وموجود في مكان محدد وحتى لو كنت أنت كفرد عندك خيارات مضادة لجماعتك التي حددها ابكر وترى أن هذا المركز لا يمثلك ولست راضٍ عنه وحتى لو كنت معارض وموجود في سجن كوبر الآن ما دمت موجودا في الوسط النيلي فيزيائياً (داخل الحظيرة) إذن أنت مستفيد من السلطة رمزيا وماديا لأنك من الجماعة العرقية التي تنتمي إلى دم وثقافة هذه الجماعة وبالتالي في كل الأحوال أنت مستفيد وبالتالي أنت جلابي .. وإنو الناس الزي دا في النهاية مهما كانوا هم مستفيدين عملياً ورمزياً وبالتالي هم مع النظام دا كله في النهاية ولا يسعون إلى تغييره بشكل كامل.

    و إنما الناس الذين من المفترض أن يسعوا لتغييره بشكل شامل هم الناس اللذين خارجه فعلا عرقيا وفِي الدم وفي الممارسة وهم الأفارقة وناس الهامش. وهم يعرفون أنفسهم ومن المفترض أن يشكلوا الدولة من جديد.. هذا من فهمي لأبكر آدم إسماعيل.. لكن كيف؟. والإجابة متقمصاً رأي أبكر من جديد: بأن تتشكل الدولة بالوعي بالذات العرقية والثقافية يعني تكون دولة أفريقية ضد الدولة العربية القائمة والتي هي عرقية أيضا.

    أنا هنا أحاول تلخيص الدعوى الاساسية التي تلمستها من كتابات وندوات ومحاضرات في الإنترنت لأبكر وهو زميل وصديق ايضاً بالمعنى الحرفي للكلمتين.
    ولأبكر طبعاً كتابات كتيرة.. وهذا التلخيص أرجو ألا يكون مخلا ولكنه يشير إلى الدعوى الأساسية لصديقي أبكر آدم إسماعيل فيما يتعلق بمنتهى جدلية المركز والهامش.. هذه هي الدعاوي الثلاثة وسأرد عليها وأقول رأيي الذي يختلف، أظنه يختلف كثيراً!.

    نمشي أولاً إلى دكتور الباقر العفيف الذي يقول بأننا قوم سود ذو ثقافة بيضاء، شجبا لثقافة هؤلاء الناس التي تتناقض مع واقعهم وهذا ما يفترضه هو.. أنا أتصور أن الثقافة ما عندها لون وأن القوم السود ممكن تكون ثقافتهم بيضاء، فلا مانع قانوني ولا أخلاقي ولا أدبي يمنع قوم سود زي الفحمة من أن يكون عندهم ثقافة بيضاااااااااء زي الحليب من وجهة نظري لا مانع.

    والمفروض يحدث العكس بأن نحترم القوم السود أصحاب الثقافة السوداء ونحترم ثقافتهم فهم ارتضوا ذلك لأنفسهم وهذا جميل جدا على الأقل حق.

    وإذا فِي قوم جنبهم سود وثقافتهم بيضاء هذا أيضا محترم فهذه ثقافتك أنت ولَك أن تتثقف بما تشاء.

    ولا مانع من وجود قوم بيض ثقافتهم بيضاء أو وجود قوم بيض ثقافتهم سوداء ودا حاصل في السودان بالمناسبة.

    يعني في ناس ألبان وشركس تبنوا الثقافة السودانية أكثر من السودانيين السود.. ففي الحقيقة هناك في السودان قوم بيض تبنوا ثقافة سوداء وهي ثقافة جماعات أفريقية موجودة في السودان أو زول أسود اللون إذا تكلمنا بنفس منطق دكتور الباقر العفيف.

    حقوق الإنسان تتطلب أن نحترم خياراته الشخصية وخيارات الجماعة أيضا.

    يعني لو أراد سوداني عادي أن يتصرف زي الخواجات يرقص بطريقتهم ويغني بطريقتهم ويأكل بالشوكة والسكين فأنا أعتقد أن هذا حقه.. يعني ويلبس البنطلون القميص وكلنا بنعمل كدا وهو لَبْس غربي ما كان موجود في السودان أدخله الإنجليز زي ما أدخلوا قيم أخرى أنتجت أنواع من جديدة من الهوية تحدثنا عنها سابقا وقلنا أن الهوية خمس مستويات وهي العرق والتشكيلات المكونة من بنيات الغيب ومن ضمنها الطرق الصوفية وايضاً البنيات الموضوعية والعقلانية التي نشأت حديثا زي المنظمات والنقابات والاتحادات هذه كلها أماكن للانتماء الهووي وقلنا أن الهوية تبنى على المصلحة المجردة ثم تصبح رمزية لتتواصل وهذا موضوع طويل سنشرحه لاحقا.

    نرجع للباقر العفيف فقصة أن تشتم ثقافة زول وتقول بأنه أسود اصلي وثقافته تافهه يعني بيضاء ليست ثقافته.. فهذا أيضا إقصاء ودي حاجة في ظني ما كويسة.

    مفروض نخلي الناس ليقولوا ما يريدون فإذا أراد أحدهم أن يقول أنه عربي فله ذلك وإذا أراد أحدهم القول بأنه أفريقي زنجي أصيل وله ثقافته فنحترمها ونحترمه .. زول قال إنّو عربي حقا أو زيفا فهذا حقه إلا إذا ضرك يعني عمل حاجة ضد القانون وعندها يتحاكم بالقانون.

    قضايا العنصرية الفجة "معلومة" وحلها في القانون والوعي بحقوق الإنسان والسعي إلى تحقيق دولة المواطنة.

    حالة الإستقرار في مصلحة الجميع.. أنت لن تصنع حضارة بلا وفاق شامل.. التجارب البشرية ماثلة أمامنا.

    ليس من الحكمة أن تغالط الناس في هوياتهم وهذا لا ينفع أصلا.. يعني إذا أردنا من خلال مهاجمة هويات الناس التذكير بهوية واحدة وعلى أساسها يتم التلاحم وعمل انسجام في المجتمع ودولة وطنية حديثة. فهذا لن يحدث بهذه الطريقة والأدلة العملية أمامنا كتيرة وواضحة وضوح الشمس.

    فدولة جنوب السودان فيها عرقية واحدة ودين واحد غالب ولا أحد يدعي أنه عربي ورغم ذلك في اللحظة التي أخذ فيها الجنوب استقلاله قبل ست سنوات فقط من الآن .. حصلت حرب عرقية هكذا أسمتها الأمم المتحدة وهذا ليس كلامي أنا طبعاً.
    يعني قالوا بأن هناك تطهير عرقي بين أهلنا الجميلين الدينكا والنوير تحديدا (عرقي!). هذه الكلمة مهماً جداً "عرقي"!.
    وعندنا أمثلة كثيرة جدا أن الهوية الواحدة لم تكن حلا أبدا يعني الصوماليين ما فيهم مسيحي واحد ربما ولا عندهم دعوات مميزة تقول بعرق عربي وكلهم عارفين إنّو كلهم أفارقة ولديهم لغة واحدة مشتركة ولديهم تاريخ مشترك ورغم ذلك الصومال تشتت واصبحت اسوأ امثلة العالم في عدم الإستقرار السياسي بجانب جنوب السودان الذي أنفصل عن السودان الأب الذي نفسه مثال أمام العالم لعدم الإستقرار السياسي!.

    أمثلة زيادة: هناك الكنغو عندهم دين واحد ولا أحد هناك يقول بأنه عربي أو آسيوي أو لاتيني.

    ولكن الكنغو لم تستقر خلال ال 60 سنة السابقة مثلنا تماماً.
    وهناك الليبيريين وهم الزنوج الذين أخذهم البيض في يوم من الأيام كرقيق إلى أمريكا ثم ثاروا وعادوا إلى جذورهم وعملوا دولة إسمها ليبيريا.

    وعملوا نظام يشبه النظام الأمريكي ولكنه سرعان ما انهار ولغاية الآن هم بيذبحوا بعض رغم أنهم دين واحد وعرقية واحدة وتاريخ واحد وتاريخ مظالم مشتركة واحدة .. تلك هوية واحدة من كل النواحي لكن الهوية الواحدة لم تصنع سلام.

    وفي المقابل الهويات المتعددة ليست سببا في الحرب ونرى الهويات المتعددة في الهند وهي دولة ديمقراطية عظيمة كبيرة وفِي ماليزيا وفِي أمريكا وفِي كندا إلخ.

    هذه الدول أساسا عملت صيغة لا هويوية للعيش المشترك ولا يوجد هوية واحدة سائدة فالدولة محايدة وهي دولة لا هوية.

    تلك كانت محاولة لتبيان خلافنا مع رؤية الباقر العفيف ونمشي للبقية.

    دعوة محمد جلال هاشم قريبة من الدعوى السابقة بأننا مفترض نعي بأصولنا كسودانيين سود وإلى آخر الدعوة
    هذا لا يعني شيء ولا يقدم أي حل فأنت في النهاية تريد القول بأن الدولة عرق واحد.. ما كل الناس ممكن فاهمين دا أظنه مجرد رشح آيديولوجي.. في ناس عندهم إدعاء آخر باطل ولا صالح هو فهمهم!.. كيف ستقنع هؤلاء الناس؟.. فهم لن يسلمو بذلك إلا بالقوة.. وهذا غير ممكن أظنه وغير مفيد أصلا في شي.. فمثلاً لا أظن يمكنك إقناع زول فوراوي بأنه كوشي ولو حدثت معجزة حتى الكوشيين نفسهم وقل النوبيين سينادونه الفوراوي المتنبب على وزن مستعرب.

    يعني هذه القصة معقدة جدا وهي لا تتعلق بك وحدك بل بك وبالاخر.

    وبالتالي هي قصة معقدة ولا يجب أن تغالط الآخر في هويته بل أن تتصالح مع هويته وتعمل نظام يجبره على احترام هويتك المختلفة عنه.. نظام يجعلنا كلنا نحترم هويات بعض الذاتية والجزئية داخل الإطار الكلي الدستوري وتكون الهوية الكبيرة "الجامعة" هي الدستور وصيغة العيش السلمي المشترك.

    ما بتمشي لي زول تقول له أنت أسود وما عربي والعرب بحتقروك وبقولو فيك كلام فارغ.

    فللعرب أو الهنود أو الروس أو الالمان النازيين أن يقولوا ما يريدون.. المفترض لا يهمنا.

    فَلَو اجتمع عرب مكة والمدينة المنورة في سقيفة بني ساعدة من جديد وقرروا بالإجماع أن: عرب السودان ليسوا بعرب فهم أيضا ليسوا عرب بل جايين من بخارست في واحدة من المصادر الموثقة.. قصدي دا كلام اي كلام!.

    والسوريين سريانيين وأرمن واللبنانيين فينيقيين يعني ما عرب. والفلسطينين ما عرب وفلسطين موجودة قبل أن يخلق العرب أو يسموا بهذا الاسم. والعراقيين اكراد وفرس وآشوريين وبابليين والمغرب العربي كله بربر وطوارق وجبهة بلساريو. والليبيين معروفين من زمن الفراعنة ما عرب وإنما هم ليبيين وكان عندهم حروب مع الفراعنة والكوشيين في التاريخ البعيد معلومة.

    هنا لا يوجد دفاع عن مفهوم عرب أو افارقة او أتراك إلخ بل العكس أنا اقول أن لا فائدة عملية من هكذا تصنيف من الأساس.

    وطبعا السودان فيه مجموعات محلية معروفة منذ عشرات الآلاف من السنين زي البجا والنوبيين الكوشيين ونوبة الجبال والفور والزغاوة والأنقسنا والقبائل النيلية (راجع الحلقة الرابعة) وكلها قبائل أصيلة جدا وقديمة جدا ولكن السودان جاؤوه عرب وشركس وألبان وفولان وهوسة وأحباش ومجر وإغريق وشاميين والآن يأتيه صينيون وفلبينيون فهذه الأرض مثل الآن كانت متحركة بشكل مستمر وما في صفاء عرقي وما في أفارقة بس ولا اي شيء بس!.

    إذن قصة تغالط زول إنك ما عربي واقتنع بأنك أسود وما تفتح لونك الأسمر ما عندها معني ولا تفيد في شيء. لأن تلك خيارات شخصية وإجتماعية بحتة وليست قانونية أو عامة إنها من حقوق الإنسان!.

    وبالمناسبة في دول الآن تناقش شرعنة الإنتحار عبر الطبيب وليس الموت الرحيم فقط وهذا إشارة إلى المغالاة في إحترام خيارات الفرد الحر في العالم الذي سبقنا إلى دحض الهوية في المستوى الرسمي لأنها ضد خيارات الفرد!.

    أولا تفتيح البشرة موجود في العالم كله في الهند وفِي البرازيل وفِي أمريكا معظم الناس السمر بحاولو تفتيح لونهم وهذا ما فعله مايكل جاكسون في أمريكا.

    يعني ليس بناتنا وحدهن.. والعربيات أصلا سمر يعني اليمنيين والعرب الأصليين أيضا يستعملون كريمات تبييض بشرة بكثرة، شوف النت ستجد هذه الحقيقة.

    دي مسألة عالمية عندها علاقة بالعولمة والأزمة الكونية التي صنعها الرجل الأبيض ومقاييس الجمال التي وضعها لنا جميعا وجعلها كونية.. ما قصة عرب وأفارقة، وما العرب أو المستعربين إلا ضحية لذلك، مثل كل العالمين.

    ويحدثنا التاريخ بجلاء أن أهل السودان الحقيقين في يوم من الأيام كانوا يرحبون بالناس من كل مكان.. عرب شركس ألبان وأحباش إلخ منتهى الترحاب. كانو فاتحين البلد زي اللوتري الأمريكية الآن للغاشي والماشي.. لاسبابهم الذكية والحتمية!.

    كان في مساحات كبيرة ومياه وهم أرادوا أن يزدهر الاقتصاد يعني التاريخ ما كان فيه الإقصاء الذي نشهده الآن.. دا له علاقة بالعصر الحديث والحرب الباردة.. أعني صعود سؤال الهوية محور أساسي للصراع.

    أنا مازلت مع محمد جلال هاشم .. وكما قلت سؤال الهوية هو ليس المشكلة وليس الحل وإنما هو سؤال خارج التاريخ وهو سؤال لا موضوع أصلا .. جاء اكثر حدة بعد انهيار المعسكر الاشتراكي بشكل حاد لأنو زمان الناس كانت متكتلة على أسس إنسانية وأسس طبقية وكان الشعار الجبار يا عمال العالم اتحدوا وأن العالم منقسم إلى شرق وغرب وكان الغرب الليبرالي ممثل في منطقتنا في الخليج والشرق الاشتراكي ممثل في حزام وقد قسمت المنطقة في السابق إلى أربعة أحزمة.. خط الخليج (السعودية/الامارات/عمان/قطر/البحرين/الكويت وأضفنا لهم الأردن وإسرائيل للأسباب التي قلنا بها.. ودا الخط السلفي (إسلاموي/عبري/رأسمالي/غربي) والخط العروبي الليبرالي في المغرب العربي (تونس/الجزائر/المغرب/موريتانيا) تبع فرنسا في المجمل جل الوقت .. والخط العروبي الإشتراكي (العراق/سوريا/لبنان/فلسطين/مصر/السودان/ليبيا/واليمن) وخط أفريقيا (جل أفريقيا وراء الصحراء) أيضاً إشتراكية (بان أفريكانزم) متحالفة جل الوقت من الخط العروبي الإشتراكي تحت بند التحرر من الإستعمار الغربي الرأسمالي.

    وشرحنا كيف أن الحرب الباردة شكلت خيال العالم وشكلت الثورات الحالية بتاعة الربيع العربي فكل الدول التي حصل فيها الربيع وتفككت تسليحها روسي لو نلاحظ (الخط العروبي الإشتراكي).. وسأوضح علاقة هذا بسؤال الهوية وعلاقته بما فعلته الليبرالية في تفتيت الكلية الاشتراكية القائمة على الإنسانية وَيَا عمال العالم اتحدوا كشعار كلي جماعي وشمولي (هنا لسنا مع أو ضد الإشتراكية دا مجرد توضيح).

    كانت الليبرالية تعمل على ايقاظ البنيات التفصيلية مثل القبائل والطوائف ومن هنا برز سؤال الهوية بشكل أكثر حدة (بداية بالثمانينيات من القرن الماضي وحتى الآن) طبعاً بالإضافة إلى عوامل أخرى بدورها مهمة.

    وشرحنا لما حصلت الثورات العربية في الدول الجيوشها مسلحة تسليح روسي فقط، ما عدا تونس التي عولجت مشكلتها على وجهة السرعة.. لكن مصر فيها مشكلة حتى الآن "مظهرها الأخوان والجيش" والعراق انقسم وليبيا تتقسم والسودان انقسم بالفعل وقابل للمزيد واليمن تتقسم والتي هي تبع الخط الاشتراكي وتسليحها أيضا روسي.. لأن أعظم تجارة العالم في السلاح وليس البترول!. هذا جزء من الصورة الكلية.

    نمشي في النهاية لصديقي أبكر آدم إسماعيل ولو بإختصار إذن نأتي له لاحقاً لأهميته.. وكلامه صحيح جداً مية المية بس في التاريخ السحيق ليس هذا العصر!.

    فهو يقول أن السلطة ليست مجرد مصالح إقتصادية وآنية ملموسة وإنما هي رمزية أيضا .. يعني أن الجماعة ذات الثقافة والهوية المسيطرة فإن الفرد منها البعيد أو المضاد للجماعة المسيطرة إفتراضاً أيضا سيستفيد من التعليم والتجربة الحياتية ما دام موجودا في محيط السلطة الملموسة وليس مثل الأخرين خارج هذا الإطار الثقافي والتاريخي والعرقي للجماعة الحاكمة.. هذا تصوري لفهم أبكر.. أو هذه دعواه وهذا الكلام صحيح جدا مية المية كما قلنا.

    لكنه ينطبق على الدولة التاريخية الموجودة حاليا والتي من المفترض لا نريدها.. فنحن لا نريد استبدال دولة عرقية بدولة عرقية أخرى لأنو اذا جاءت دولة عرقية ستكون ضد العرق الثاني والذي يرمز له الآن بالعروبية والإسلاموية وربما آخرين.. هي بالضبط الدعوة كدا.. ونحن من المفترض لا نريد دولة كهذه.

    إذن سنكون في حالة إستقطاب سلبي أبدي كما هو الحال الآن!.

    لا نريد دولة تقصي أيا منا، لا نريد دولة عندها رمز جماعة محددة نريد دولة ملكا لكل الناس.. ما في جماعة عرقية مركزية محددة يعني لا نريد دولة أفريقانية ولا نريد دولة عروبية ولا نريد دولة مصبوغة بصبغة أي هوية من الهويات السائدة في الموقع الجغرافي.

    يعني نحن لا نريد دولة العرق الواحد ولا نريد دولة الدين الواحد ولا نريد دولة التاريخ الواحد ولا نريد دولة الأسرة الواحدة ولا اتحاد الأسر أو اتحاد الطوائف أو اتحاد القبائل المحددة يحكم أو يسود في المجتمع.

    ولا نريد دولة مساومة تاريخية كما قال أبكر وآخرين أنها من الخيارات المحتملة ولا نريد دولة محاصصة عرقية أو طائفية أو إشتراكية أو لبرالية دي كلها آيديولوجيات أو هويات وربما هناك المزيد.

    كله وجب أن يكون مرفوضاً لأنننا جربانه وجربه غيرنا وفشل الجميع.. ماذا نريد إذن من المفترض؟!:

    نريد دولة العيش السلمي المشترك.. دولة العقد الاجتماعي دولة اللاهوية عرقية واللاهوية عقائدية واللاهوية تاريخية.. دولة تقف على مسافة واحدة من كل الهويات.. دولة المواطنة.. نريد دولة العيش السلمي المشترك.

    نحنا عندنا إطروحة جديدة قابلة للإعتقاد فيها كما قابلة للنقد والتطوير والتكميل وهي "دولة اللا هوية".

    كانت تلك هي الحلقة الثانية في الدفاع عن دولة اللا هوية .. من تسجيل صوتي مباشر في الواتساب ببعض التصرف.. ونواصل.. ما تزال هناك حلقتان لتكتمل الصورة المرجوة.. إلى لقاء.. طابت ايامكم.


    دولة اللاهوية الحلقة 3-4: العلمانية والمدنية بمعناهما السائد مفهومان قاصران عن إدراك اللحظة التاريخية!

    دي الحلقه التالته من سلسله دولة اللاهوية و هي عبارة عن حوار عفوي ومباشر على هامش مشروع السودان 200.

    و قبل أن نبدأ أذكركم بأننا نقول بأن أهمية مشروع السودان 200 هي افتراضنا بأن حياتنا العامة حسب الواقع الذي نراه أمامنا لا تقوم علي العلمي وبالتالي ربما ليست واقعية، الواقع يخبرنا بذلك!.

    يعني هناك إفتراض أن نحن لا نعرف طبيعة مجتمعنا و لا نعرف كفايه طبيعة بيئتنا الخاصة المحيطة بنا. لأننا لم نعمل فيها دراسات كفاية عشان نعرف خصوصياتها ولا يوجد توثيق شامل لتجرة الماضي لذا نحن نجرب المجرب بشكل مستمر ونراوح مكاننا من التاريخ.

    كل مجتمع مختلف بالضرورة عن الآخر ونحن في الكليات الاجتماعيه و السياسية ندرس العلوم الغربية و نقرأ دراسات كثيرة أجراها الغربيون في مجتمعات أخرى مختلفة و هذا ليس كاف بالنسبة لنا لنعي بأنفسنا لأن مجتمعنا عنده خصوصياته و عنده تميزه وعنده انميازه عن المجتمعات الأخرى.

    ونحن كي نؤسس سياسة و اقتصاد وثقافة مستندة على الواقعي والعلمي يجب أن تقوم على الوعي بالذات كما تقول التجارب التي حولنا وهو أيضاً التصور الأكاديمي المتفق عليه حتى الآن!.

    والوعي بالذات يشمل بالإضافة إلى الوعي بالمكونات الاجتماعية و مخيال المجتمع يشمل معرفة البيئة و الطبيعة و المناخ.. هذه محاولة للتذكير فقط و أنا لا أتكلم الآن بلسان المشروع، بالطبع لا، و إنما أود أن أقول أننا و لغاية الآن لا نعرف أنفسنا و لابد أن نعمل دراسات كافية لذاتنا الجماعية و أرضنا و بيئتنا من جميع النواحي وهذه تضمنت في محاور مشروع السودان 200 والذي نعمل عليه الآن وهو منبر مدني شعبي مفتوح للجميع غير سياسي غير آديولوجي غير حزبي غير حكومي.

    نرجع للموضوع.. لدي افتراض قلته كتابه وفي تسجيلات صوتية سابقة أن موضوع الهوية ليس موضوع و هو أصلا ليس المشكلة وليس فيه الحل.

    ليه نحن عندنا مشكلة تعريف لنفسنا؟. هذا غير مهم في شي!.

    الهوية شيء متحرك مع الزمان والمكان. المشكلة هي القانون و العدالة و التي يمكن أن يصنعها الناس بالاتفاق بينهم.. نحن ما لاقيين طريقه نتفق ولم نستطع حتى الآن أن نجلس سويا لعمل صيغة للعيش السلمي المشترك كما فعلت شعوب كثيرة في الارض مثل كندا وامريكا والغرب كله واستراليا و نيوزلندا و ماليزيا في الشرق وجنوب أفريقيا كلهم عاملين عيش سلمى مشترك كل وفق طريقته الخاصه و بما يشبه حال مجتمعه.

    طبعا هناك خطوط عريضة متفقة عليها البشرية في حد معقول لكن الخصوصيات المجتمعية المتعلقة بنيات المجتمع و البيئة المحيطة تفرض على الناس نظام محدد معدل و متوافق وموائم لبيئتهم الاجتماعية و الطبيعية.

    المشكلة الأساسية هي مشكلة اقتصادية وطريقة حكم ..إن كانت تلك حقاً هي المشكلة فما علاقة الهوية بالصراع؟.

    الهوية ضرورية وتصعد للصطح كآلية تعبئة رخصية التكلفة لنيل الحقوق المادية والرمزية في كثير من المجتمعات ليس عندنا فحسب.. ففي مواجهة دولة الهوية التي لدينا الآن لابد من أن تستخدم هويتك لتحقيق مصالح الذاتية المادية والرمزية. هذا ما نراه فنحن نشاهد حركات مسلحة تنشأ لتشارك في السلطة وهناك حركات مسلحة ترى بأنه يجب تغير كل شيء وخلق سودان جديد مختلف يتعمل بصيغة جديدة. لكن هؤلاء الناس أيضا منطلقين من هوياتهم الذاتية التي يرون.

    الحركة الشعبية تأسست من الدينكا والنوير والشلك في الاساس من منطلق الهوية الواحدة (هذا مجرد مثال كما فعل أيضاً النظام السياسي في الشمال وهو مثال ساطع). لكن الركون للهوية الواحدة وتجاوز الآراء الشاملة للعدل الإجتماعي وقومية الرؤيا لم يكن فيه حلاً.. إذ أول ما حدث الإستقلال فالهوية لم تحل للناس قضية وتقاتل الرفاق إلى ما وصف بتطهير عرقي. الآن بعض أهلنا الأعزاء في دارفور يعانون من التعبئة العنصرية القائمة على الهوية والهوية المضادة.. معظم الحركات في الطرفين قبائل في مواجهة قبائل في مواجهة السلطة المركزية. هذا مؤسف طبعا!.

    يعني هذه المرة الهوية العرقية تتجلى تجلي أيديولوجي سياسي ليأخذ الناس حقوقهم.. يعني الهوية نفسها ليست مشكلة إذا أخذ الناس حقوقهم الفعلية فالقضية بهذه البساطة. وهذا ليس رأيي الذاتي فحسب بل نراه في المجتمعات التي عملت تماسك و عملت ديمقراطيات فلا يوجد تنوع اكثر من جنوب أفريقيا والهند فيهم تنوع عظيم جدا لكن الناس استطاعت الوصول إلى حقوقها دون الرجوع إلى هوياتها كي لا تتصادم الهويات مع بعضها وتحدث الحرب باسم العرق ثم يحصل التطهير و الذي يحدث بسبب الأرض و البترول و الأشياء المادية الاخرى والسلطة.

    يعني أن الحرب لا تحدث لأن هناك جماعة تكره جماعة فقط عشان هويتها.. هذا ليس ممكنا إذا كان هؤلاء الناس عندهم مصلحة معاهم ويتبادلوا معهم الخبز و الحليب و الفنون والعلوم فلن يقوموا بحربهم وإنما يحدث التطهير عندما يضيق الأفق وتنتفي المصلحة المشتركة وبل يحدث الضد. ولهذا السبب قد تحدث البشاعات ويحدث التطهير العرقي في التاريخ. يعني أحد الهويات تعمل تطهير عرقي لهوية عرقية أخرى.. كل ما يحدث في السودان الآن و ليس في دارفور فقط وما حدث للجزء منا الذي ذهب كان التجلي العرقي هو الغالب فيه يعني قبائل محددة في الجنوب معروفة هي الدينكا والنوير والشلك صنعوا تجلي سياسي اسموه الحركة الشعبية التي عملت نيفاشا و عندما انقسم الجنوب حكمت الحركة الشعبية.

    ثم ما حدث أن من كانوا يحاربون هناك لأجل هوياتهم عندما عادوا هناك لم تنفعهم الهوية أمام المصالح المادية و السياسية التي لم يستطع الناس حلها وعمل وفاق وصيغة مرضية للعيش السلمي المشترك.. فحدث قدر من التطهير العرقي المتبادل.. شيء مؤسف طبعاً.. لا نفس سوية تتمناه لهؤلاء الناس الطيبين المعذبين.

    لكن هذا الواقع الذي نراه أمام أعيننا.. وهناك تجلي عرقي في الشرق معلوم إسمه "مؤتمر البجا بالإسم. البجا كعرقية تتكون من عدة قبائل وكانوا يفاوضون الحكومة في السابق وحاليا أصبحوا جزء منها باسم مؤتمر البجا واستطاعوا تحقيق مصالحهم المادية و الرمزية بالمشاركة في السلطة حسبما تفاوضت زعاماتهم مع النظام باسم مؤتمر البجا يعني هوية. نحن في الشمال وفي الشرق والغرب والجنوب (نحن كلنا في المجمل) عندنا مشكلة تاريخية مع الهوية كآلية رخيصة للتعبئة السياسية لكنها خاسرة النتئج على الدوام!.

    ما أريد قوله أننا لن نحتاج إلى هذا إذا صنعنا شكل من الوفاق يأتيك بحقك دون أن ترجع إلى أي هوية ممكن أن تكون منتمي إليها سواء كانت عشائرية قبلية يعني عرقية جسدانية كما أسميها أو هوية غيبية مثل الطرق الصوفية و التي تتدخل أيضا في السياسة و تحكم و المهدي معروف حركة صوفية سمانية ثم أصبحت الأنصارية أصلا حركة صوفية و الميرغنيه و الأنصار و الهندي كلها من التجليات الهووية الغيبية الممثلة في الطرق الصوفية. من الذين يصلون إلى السلطة ويشكلون الدولة أيضا.

    ثم أيضا توجد التجليات المدنية الهويوية الحديثة التي تأتت بعد عهد الإنجليز مثل وحدة وادي النيل ثم جاءت الاشتراكية ثم الإسلام هو الحل ثم أخيراً اللبرالية هذه كلها أيديولوجيات ناس المدينة وأتت مع الاقتصاد الحديث (هويات جديدة).

    يعني عندما ننظر إلى الأحزاب الغير متكئة على خلفية عرقية أو غيبية فإنها تضم الناس المتعلمين من سكان المدن و من الطبقات الأفندية و من التجار الأصيلين من سكان المدن والصناع و العمال و الموظفين و هذه التنظيمات منها الحزب الشيوعي و الحركات الاشتراكية وحركة الإخوان المسلمين بأنواعها المختلفه و حركات السلفيين الحديثة فكل أعضائها خلفياتهم حديثة يعني من حيث خلفية النشاط الاقتصادي.

    فالتجليات العرقية و التجليات الغيبية لديها اقتصادها المختلف المعتمد على الرعي ثم الزراعة أما سكان المدينة فيقوم اقتصادهم على الخدمات والتجارة والصناعة.
    كل هؤلاء عندما يصلون السلطة يصبغون جهاز الدولة بصبغتهم سواءأ كانت هذه الهوية: عرقية أو دينية أو إشتراكية أو لبرالية.. لقد حدث عدة مرات وخير مثال الدولة القائمة الآن. هنا تكمن دائرة التخلف الذي يتمثل في عدم الإستقرار السياسي والإقتصادي بسبب دخول المجتمع كله في حالة حرب هويوية لأن لا وسيلة أخرى متفق عليها لنيل الحقوق او التمثيل في مستوي الدولة.

    قلنا الهوية ليست المشكلة ولا الحل .. فقط هي آاية للتعبئة السياسية وقت الأزمات العامة.. لأن البشر أصلا هوياتهم مختلفة في كل مجتمعات العالم. وأمامنا الهند كمثال فهم استطاعوا التعايش رغم أنهم أعراق وقبائل مختلفة جدا وطوائف عديدة أكتر مننا بكتير لكن لا أحد يحمل سلاحا باسم هويته ولا أحد خائف على هويته لأنها دولة لا هويوية. تحترم هويات الكل.

    فالناس ترجع إلى هوياتها عندما لا تكون هناك دولة مواطنة فتحس بأن فيتنادون ويتكتلون على أسس هويتهم هذه هي القصة الأساسية والتي تسبب الحروب والانشقاقات المجتمعية.

    إنتباه هنا لطفاً.. لماذا الهوية آلية جيدة للتعبئة الجماهيرية لكنها دائما علمنا التاريخ أن النتيجة غير مشرقة أو المقدمات مختلفة عن النتائج؟. سأحاول الإجابة على هذا السؤال عبر ضرب الامثلة.

    أي هوية كانت دينية غيبية أو عرقية أو مدنية تكون آلية لنيل الحقوق من أطراف ترى ذاتها مضطهدة أو تفرض على مستوى الدولة تكون مشكلة قابلة للإنفجار في أي لحظة.

    مثلاً الهوية العرقية تحتاج صفاء عرقي لأن العرق أصلا قائم على الشياخة والتبعية المطلقة وأنت تثق في هذا الشخص لأنه من دمك وما في زول بيخون دمه يعني مافي زول بيخون نفسه. وهذه خطورة وأهمية القبيلة والعرق.
    وبالتالي عندما تقوم الحرب من أجل الحفاظ على الهوية من أجل الحقوق والتميز بالهوية من أجل نيل الحقوق الاقتصادية والسياسة فإن ما يحدث أن الجماعة القائدة ستكتشف أن داخلها ذاته منوع كأي جماعة عرقية أخرى منوع على الأقل من حيث الفقر والغنى ومن حيث التراتبية الرمزية.

    وما سيحدث لاحقا أن هناك جماعة ستسود على الأخرى وستسيطر على السلطة والثروة لأنها هي التي بادرت بالفعل الموجب على سبيل المثال أو هي الأغلبية وهذا بالضبط ما حدث في جنوب السودان وحصل في رواندا وحصل في ليبيريا وحصل في دول كثيرة جدا كانت تحارب على أساس الهوية وعندما جاءت لحظة الانتصار ووصلت البرلمان أو احتلت القصور الجمهوري وجدوا أن الهوية ما بتعمل حل وهي نفسها مشكلة كبيرة جدا وحالة ندم!.

    ندم على النتيجة، لأنها فيما بعد أدت إلى حالات تطهير عرقية في حالات كثيرة جدا منها رواندا وجنوب السودان والصومال والكنغو ولايبريا وكوسوفو (أمثلة).

    لكن في نقطة غاية في الأهمية فارجو أن ننتبه لها.. وهي الخصوصية الهويوية الذاتية.. سأشرح دا لانه مهم لانني لا أدين التجليات السياسية العرقية أو الطائفية أو المدنية من حيث المبدأ.. لا!. هذا امر عنده ضرورة فيما يتعلق بالحكم الذاتي والتراث الذاتي واللغة الذاتية إن وجدت وإلخ!.. لكن لا يجب أن نطالب بفرض هويتنا الذاتية أي كانت على الدولة!.

    أعني أنني أنا لا أدين تجلي الناس على أسس عرقية أو مدنية أو تاريخية فأنت لديك تميزات ثقافة جزئية محددة في إطار البلد، مثلا: تريد الحفاظ على لغتك وعاداتك ولبسك الشعبي فمن حقك أن تنشئ تنظيم باسم كوش مثلا (جميل) أو تنشئ تنظيم باسم مؤتمر البجا وهو حاصل أو تنشئ تنظيم وتمسيه جعليون من اجل المتمة (تصور).. مافيش مشكلة (تلك مجرد امثلة للبيان).

    هذا من حقك إذ عندك مطالب في برنامج محدد تطالب بها من اجل قطاع من الناس أو كل الناس. ولكن لا تطالب بفرض برنامجك المحدد كنظام للدولة وصيغة الحكم.
    مثلاً فرض ثقافتك وهويتك وزيك على الآخرين هذا هو الخطأ لأنك بهذا تعتدي على هويات الآخرين.. هذا إن حدث يحدث وفق أتفاق يتضمنه الدستور برضى الناس.. وعليك أن تتعايش مع هويات الآخرين في المكان الذي اتفق فيه الناس على صيغة عيش سلمي مشترك.. هوية الدولة ليست ملكا لك وليست ملكا لي هي ملكنا كلنا مع بعض أنت والمسافة المليانة ناس بيني وبينك من المفترض في الوضع الصحيح.

    هذه هي الدولة التي من المفترض أن نحلم بها وهي دولة لا تنحاز إلى أي هوية من الهويات وهي دولة ما عندها هوية وفِي الحقيقة اسمها وهويتها معلومة مفترض:

    اسمها (جمهورية السودان الديمقراطية) هذه من المفترض هوية الدولة.. والهويات الأخرى أيا كانت هويات عرقية أو عقائدية أو هويات مدنية أيا كانت حسب التقسيم الذي ذكرناه سابقا كل هذه الهويات تكون محترمة وتمارس نشاطاتها وتلاقحها مع الآخرين في الإطار الاجتماعي إلا أن تصطدم بالقانون أو تعتدي على هويات الآخرين.. هذه هي دولة اللا هوية.

    فبالتالي نحن لا نقول بفصل الدين عن الدولة أي العلمانية هذه مرحلة تاريخية خاصة بأوروبا فقط.. نحن مفترض ننادي بفصل الدولة عن الهوية وهذا يفترض أن يكون ندائنا الأول للأسباب التي ذكرنا بأن أوروبا لم يكن فيها تجليات عرقية عندما نشأ فيها سؤال الدين يعني ما فيش سؤال عرقي كما لدينا والعرق أشد وهو فوق الدين.. يعني الآن التجليات العرقية معروفة داير ترتبط أو تعرس كحالة إجتماعية مثلاً بفتشوك من الخلف وربما حتى الآن ولا يسألون عن دينك بل يسألون عن عرقك وفِي الماضي كان أبشع من كدا.

    فبالتالي العرق أول عندنا وما دام عندك تجلي عرقي سياسي فيجب النظر لهذه قبل الدين.. والدين أيضا مشكلة لسبب بسيط وقتل بحثاً أظنه. فعندما تفرض شريعة محددة يحدث جدل كبير جدا فأنت مختلف مع الجمهوريين مثلاً وهم مسلمون ومحمود محمد طه أعدم في ظل قوانين إسلامية. وهو رجل إسلامي ويكتب في الإسلام وبغض النظر عن رأينا في آرائه. لكن كان له وجهة نظر مختلفة.. ولما تحكم جماعة سلفية وتفرض هويتها السلفية على الدولة فهذا إقصاء مباشر للصوفية في السودان إن لم يكن إعدام!.

    ما أريد قوله أن الهوية من جميع النواحي تسبب مشكلة حين فرضها في مستوى الدولة. الهوية تُمارس ولا تفرض على مستوى الدولة لكن الدولة أيضا تحترم هويات الجميع فمن أراد أن يتزوج على الطريقة الإسلامية المدنية فالدستور يبيح له ذلك والذي يريد الزواج على الطريقة المسيحية وهو مسيحي لا توجد مشكلة كل الناس تكون محترمة وكل الهويات تكون محترمة بنص الدستور.. هذا فيما يتعلق بالأحوال المدنية والشخصية.

    هذه دولة اللاهوية وأنا لا أصر على الإسم وممكن نسميها بأي اسم ثاني مستساغ للناس الذين يفكرون معي في مسألة دولة اللاهوية في هذا المنبر والآخرين طبعاً كمحاولة للخروج من الأزمة الكبيرة المدلهمة التي نعاني منها جميعا.

    الهويات عديدة التي قد تسعى إلى فرض صبغتها على الدولة من اجل السيطرة الآيديولوجية وليست عرقية فقط كما قلنا في الحلقة السابقة. هذا لن يفيد أحد منا، لقد أثبتت لنا التجارب فشلنا جميعاً أمام الهوية من كنا "هامش ومركز" وهذا التوصيف نفسه أسطع دليل على الأزمة!.

    يعني ليس فقط المفترض أن يكون التجليين العرقي والغيبي بعيدان عن الدولة ويكونان محترمان في الإطار الجغرافي بل أيضا الأيديولوجيات الحديثة. يعني أنت حزب سياسي اشتراكي ما تجي تقول الدولة تصبح اشتراكية. الدولة اسمها جمهورية السودان الديمقراطية وأنت تنفذ برنامج اقتصادي فقط في فترة زمنية محددة.. المفترض.. وفق الدستور.

    ولَك أن تؤسس حزب إسلامي وأوروبا نفسها فيها الحزب المسيحي في هولندا لكن الحزب المسيحي لا يطالب بأن تصبح الدولة مسيحية وإنما هذه الدولة محايدة والحزب المسيحي لديه برنامج إصلاحي محدد بتاع قيم ومثل يستطيع عمله في فترته الانتخابية وإذا سقط الحزب يسقط البرنامج وإذا انتخبه الناس مرة أخرى يعمل برنامجه هذا شرط أن البرنامج لا يتعارض مع الدستور وهذا مهم جدا جدا وإذا تعارض الحزب السياسي مع الدستور يتوقف الحزب كله.

    هذه هي الديمقراطية وهذه هي الدولة التي نريدها ومن المفترض أن نفكر فيها ونتفق عليها.. وأنا أعلم أن هذا يحتاج لجهد كبير جدا وأشخاص متخصصين يقعدو يفكرو ونترك قصة الزول السياسي القبلي العرقي الهويوي المحدد الخطير (من نص أم أطراف السودان) يتحدث في كل شيء في السياسة والاقتصاد والشعر والفن والفلكلور والكورة والحجامة فقط لمجرد كونه الزعيم الهويوي.

    وكما قلت تلك مشكلة الشياخة أيا كانت وهذه الشياخة موجودة في كل أنحاء السودان وليس في الأرياف فقط ومعظم تجلياتها تجليات عرقية في الأساس وما في تجليات مدنية أو طائفية كثيرة في الأساس في الريف.. يعني مافي أي تجلي طائفي في جنوب السودان وما في تجلي طائفي أو حركة في دارفور قائمة على أساس طائفة دينية محددة وكذلك الشرق كمان مافي تيارات إشتراكية في شكل حركات ولا لبرالية مسلحة متمردة.. لماذا هذا!.
    ولماذا حصل ذلك في الوسط النيلي فقط وهذا سيوضح لماذا الوسط النيلي في السودان مختلف عن الريف ومختلف عن أطراف وأعماق السودان.. هذه نقطة للتأمل عشان نفكر في النظام السياسي والإقتصادي الذي يناسب واقعنا.. هو مختلف عنهم لأن تجلياته السياسة تحدث بطريقة مختلفة في مرة من المرات. لذلك يوجد سوء فهم وتعارض كبير جدا بين ناس الوسط وناس الأطراف وهذا التعارض عميق جدا ولا يرتبط فقط بالأشياء الآنية وإنما عنده علاقة في الحقيقة بالتاريخ ومظالم التاريخ لكن في اللحظة الحاضرة الهويات المتصارعة على السلطة والثروة تستخدم الهوية والتاريخ للوصول للسلطة والثروة ولكن الناس التي قامت باسمها الحركات والأحزاب والإنقلابات العسكرية يصبحون وقود لها ولا يحصلون على شيء وبالتالي بتكون الأزمة موجودة بشكل مستمر.

    نحن من المفترض أن نجتهد ونكون علميين في التفكير الموجب ومن ضمن هذا نساعد في إنجاز مشروع السودان 200 الذي يحوي 27 محورا تغطي جميع عناصر الحياة الممكنة وأتمنى كل الناس تنتبه لهذا المشروع وهو ليس مشروعي أنا وليس مشروع جماعة محددة هو مشروعنا جميعا إن شئنا. إذ معظمنا نحلم ونفكر بطريقة واحدة وكلنا نريد الأفضل ولكننا لم نجد طريقة بعد لجمع الأيادي مع بعض لنعمل بفاعلية ونخرج إلى بر آمن. لكن أنا واثق من إصرار جماعة صغيرة مؤمنة والتي عندما تعمل وتتحرك وهي حاليا بدأت ستأتي بقية الناس المترددة والتي لم تسمع بالفكرة بعد وسننجز المشروع في مداه الزمني أو هي طبعاً الأماني!.

    والسودان200 إضافة لا تعطل شيء حسب خطته الموعية بل تضيف لأي محاولة جدية جارية في الواقع كما أنها عمل مدني شعبي لا سياسي لا آيديولوجي لا حزبي لا حكومي (راجع إن شئت فكرة السودان200 في مكانها)!.

    ملاحظة ختامية: هذا الكلام الغرض منه ليس التقييم السياسي أو الأحكام القيمية إنما هذه هي الحلقة الثالثة في الدفاع عن ما أسميه "دولة اللا هوية" أي أن الغرض عملي ومباشر.

    كان ذلك تسجيلاً صوتيا 3-4 حول دولة اللا هوية تم تحويله بتصرف إلى نسخة مكتوبة.

    محمد جمال الدين

    (عدل بواسطة محمد جمال الدين on 06-18-2018, 08:01 AM)
    (عدل بواسطة محمد جمال الدين on 06-18-2018, 08:17 AM)
    (عدل بواسطة محمد جمال الدين on 07-22-2018, 08:53 PM)
    (عدل بواسطة محمد جمال الدين on 07-27-2018, 00:46 AM)
    (عدل بواسطة محمد جمال الدين on 07-27-2018, 02:00 AM)
    (عدل بواسطة محمد جمال الدين on 08-09-2018, 09:42 PM)





















                  

العنوان الكاتب Date
دولة بلا هوية ومجتمع متعدد الهويات ونقد لرؤى الهامش والمركز "الهوية ليست المشكلة ليست الحل"! محمد جمال الدين06-10-18, 03:56 PM
  Re: صيغة جديدة للدولة في السودان andquot;بلا هويةand Deng06-10-18, 05:55 PM
    Re: صيغة جديدة للدولة في السودان andquot;بلا هوي� محمد جمال الدين06-10-18, 08:24 PM
      Re: صيغة جديدة للدولة في السودان andquot;بلا هوي� Abdullah Idrees06-11-18, 00:23 AM
  Re: صيغة جديدة للدولة في السودان andquot;بلا هويةand محمد حيدر المشرف06-11-18, 06:16 AM
    Re: صيغة جديدة للدولة في السودان andquot;بلا هوي� محمد جمال الدين06-11-18, 07:32 PM
      Re: صيغة جديدة للدولة في السودان andquot;بلا هوي� محمد جمال الدين06-11-18, 10:42 PM
    Re: صيغة جديدة للدولة في السودان andquot;بلا هوي� محمد جمال الدين06-13-18, 06:26 PM
  Re: صيغة جديدة للدولة في السودان andquot;بلا هويةand AMNA MUKHTAR06-11-18, 11:13 PM
    Re: صيغة جديدة للدولة في السودان andquot;بلا هوي� محمد جمال الدين06-13-18, 02:05 AM
      Re: صيغة جديدة للدولة في السودان andquot;بلا هوي� محمد جمال الدين06-13-18, 07:02 PM
        Re: صيغة جديدة للدولة في السودان andquot;بلا هوي� محمد جمال الدين06-15-18, 12:45 PM
          Re: صيغة جديدة للدولة في السودان andquot;بلا هوي� محمد جمال الدين06-17-18, 08:21 PM
            Re: صيغة جديدة للدولة في السودان andquot;بلا هوي� Deng06-17-18, 09:32 PM
              Re: صيغة جديدة للدولة في السودان andquot;بلا هوي� محمد عبد الله الحسين06-17-18, 10:00 PM
  Re: صيغة جديدة للدولة في السودان andquot;بلا هويةand محمد حيدر المشرف06-17-18, 10:20 PM
    Re: صيغة جديدة للدولة في السودان andquot;بلا هوي� محمد جمال الدين06-17-18, 11:13 PM
      Re: صيغة جديدة للدولة في السودان andquot;بلا هوي� محمد جمال الدين06-18-18, 08:21 AM
        Re: صيغة جديدة للدولة في السودان andquot;بلا هوي� Deng06-18-18, 09:38 AM
          Re: صيغة جديدة للدولة في السودان andquot;بلا هوي� AMNA MUKHTAR06-18-18, 03:55 PM
            Re: صيغة جديدة للدولة في السودان andquot;بلا هوي� آدم صيام06-18-18, 05:13 PM
            Re: صيغة جديدة للدولة في السودان andquot;بلا هوي� محمد جمال الدين06-18-18, 07:04 PM
            Re: صيغة جديدة للدولة في السودان andquot;بلا هوي� محمد جمال الدين06-18-18, 07:24 PM
              Re: صيغة جديدة للدولة في السودان andquot;بلا هوي� Deng06-18-18, 08:06 PM
  Re: دولة بلا هوية ومجتمع متعدد الهويات ونقد ل� محمد حيدر المشرف06-18-18, 09:31 PM
    Re: دولة بلا هوية ومجتمع متعدد الهويات ونقد ل� محمد جمال الدين06-18-18, 10:12 PM
      Re: دولة بلا هوية ومجتمع متعدد الهويات ونقد ل� Deng06-19-18, 08:12 AM
        Re: دولة بلا هوية ومجتمع متعدد الهويات ونقد ل� اسماعيل عبد الله محمد06-19-18, 09:17 AM
        Re: دولة بلا هوية ومجتمع متعدد الهويات ونقد ل� محمد جمال الدين06-19-18, 09:39 AM
          Re: دولة بلا هوية ومجتمع متعدد الهويات ونقد ل� محمد جمال الدين06-19-18, 09:47 AM
        Re: دولة بلا هوية ومجتمع متعدد الهويات ونقد ل� آدم صيام06-19-18, 10:26 AM
  Re: دولة بلا هوية ومجتمع متعدد الهويات ونقد ل� محمد حيدر المشرف06-19-18, 10:05 AM
  Re: دولة بلا هوية ومجتمع متعدد الهويات ونقد ل� محمد حيدر المشرف06-19-18, 12:02 PM
    Re: دولة بلا هوية ومجتمع متعدد الهويات ونقد ل� محمد جمال الدين06-19-18, 01:15 PM
      Re: دولة بلا هوية ومجتمع متعدد الهويات ونقد ل� مني عمسيب06-19-18, 01:27 PM
        Re: دولة بلا هوية ومجتمع متعدد الهويات ونقد ل� آدم صيام06-19-18, 04:05 PM
          Re: دولة بلا هوية ومجتمع متعدد الهويات ونقد ل� محمد جمال الدين06-19-18, 06:34 PM
            Re: دولة بلا هوية ومجتمع متعدد الهويات ونقد ل� Kabar06-20-18, 11:31 AM
  Re: دولة بلا هوية ومجتمع متعدد الهويات ونقد ل� حاتم إبراهيم06-20-18, 04:07 PM
    Re: دولة بلا هوية ومجتمع متعدد الهويات ونقد ل� Deng06-20-18, 05:16 PM
      Re: دولة بلا هوية ومجتمع متعدد الهويات ونقد ل� محمد حيدر المشرف06-20-18, 08:02 PM
      Re: دولة بلا هوية ومجتمع متعدد الهويات ونقد ل� محمد حيدر المشرف06-20-18, 08:02 PM
        Re: دولة بلا هوية ومجتمع متعدد الهويات ونقد ل� محمد جمال الدين06-20-18, 08:56 PM
          Re: دولة بلا هوية ومجتمع متعدد الهويات ونقد ل� محمد جمال الدين06-20-18, 09:34 PM
            Re: دولة بلا هوية ومجتمع متعدد الهويات ونقد ل� محمد جمال الدين06-20-18, 10:39 PM
              Re: دولة بلا هوية ومجتمع متعدد الهويات ونقد ل� محمد جمال الدين06-21-18, 00:06 AM
  Re: دولة بلا هوية ومجتمع متعدد الهويات ونقد ل� حاتم إبراهيم06-21-18, 02:40 PM
    Re: دولة بلا هوية ومجتمع متعدد الهويات ونقد ل� محمد جمال الدين06-21-18, 10:46 PM
    Re: دولة بلا هوية ومجتمع متعدد الهويات ونقد ل� محمد جمال الدين06-21-18, 10:46 PM
  Re: دولة بلا هوية ومجتمع متعدد الهويات ونقد ل� حاتم إبراهيم06-22-18, 05:59 AM
    Re: دولة بلا هوية ومجتمع متعدد الهويات ونقد ل� محمد جمال الدين06-22-18, 02:45 PM
      Re: دولة بلا هوية ومجتمع متعدد الهويات ونقد ل� حاتم إبراهيم06-22-18, 02:57 PM
        Re: دولة بلا هوية ومجتمع متعدد الهويات ونقد ل� معاوية المدير06-22-18, 03:27 PM
    Re: دولة بلا هوية ومجتمع متعدد الهويات ونقد ل� Abdullah Idrees06-22-18, 03:31 PM
      Re: دولة بلا هوية ومجتمع متعدد الهويات ونقد ل� حاتم إبراهيم06-22-18, 03:35 PM
  Re: دولة بلا هوية ومجتمع متعدد الهويات ونقد ل� حاتم إبراهيم06-22-18, 03:39 PM
    Re: دولة بلا هوية ومجتمع متعدد الهويات ونقد ل� Abdullah Idrees06-22-18, 03:52 PM
      Re: دولة بلا هوية ومجتمع متعدد الهويات ونقد ل� حاتم إبراهيم06-22-18, 04:05 PM
        Re: دولة بلا هوية ومجتمع متعدد الهويات ونقد ل� Abdullah Idrees06-22-18, 04:09 PM
          Re: دولة بلا هوية ومجتمع متعدد الهويات ونقد ل� محمد جمال الدين06-22-18, 05:51 PM
            Re: دولة بلا هوية ومجتمع متعدد الهويات ونقد ل� محمد جمال الدين06-22-18, 06:31 PM
  Re: دولة بلا هوية ومجتمع متعدد الهويات ونقد ل� حاتم إبراهيم06-22-18, 06:17 PM
    Re: دولة بلا هوية ومجتمع متعدد الهويات ونقد ل� محمد جمال الدين06-22-18, 06:34 PM
      Re: دولة بلا هوية ومجتمع متعدد الهويات ونقد ل� محمد جمال الدين06-22-18, 06:42 PM
        Re: دولة بلا هوية ومجتمع متعدد الهويات ونقد ل� محمد جمال الدين06-22-18, 06:47 PM
          Re: دولة بلا هوية ومجتمع متعدد الهويات ونقد ل� محمد جمال الدين06-22-18, 07:38 PM
            Re: دولة بلا هوية ومجتمع متعدد الهويات ونقد ل� محمد جمال الدين06-23-18, 05:28 PM
              Re: دولة بلا هوية ومجتمع متعدد الهويات ونقد ل� محمد جمال الدين06-24-18, 06:17 PM
                Re: دولة بلا هوية ومجتمع متعدد الهويات ونقد ل� محمد جمال الدين06-25-18, 12:56 PM
                  Re: دولة بلا هوية ومجتمع متعدد الهويات ونقد ل� محمد جمال الدين06-25-18, 06:27 PM
                    Re: دولة بلا هوية ومجتمع متعدد الهويات ونقد ل� Abdullah Idrees06-26-18, 12:16 PM
                      Re: دولة بلا هوية ومجتمع متعدد الهويات ونقد ل� محمد جمال الدين06-27-18, 05:52 PM
                        Re: دولة بلا هوية ومجتمع متعدد الهويات ونقد ل� محمد جمال الدين06-28-18, 12:09 PM
                          Re: دولة بلا هوية ومجتمع متعدد الهويات ونقد ل� محمد جمال الدين06-30-18, 00:10 AM
                            Re: دولة بلا هوية ومجتمع متعدد الهويات ونقد ل� محمد جمال الدين07-03-18, 10:33 AM
                              Re: دولة بلا هوية ومجتمع متعدد الهويات ونقد ل� محمد جمال الدين07-04-18, 07:17 PM
                                Re: دولة بلا هوية ومجتمع متعدد الهويات ونقد ل� محمد جمال الدين07-06-18, 10:16 PM
                                  Re: دولة بلا هوية ومجتمع متعدد الهويات ونقد ل� محمد جمال الدين07-07-18, 04:41 PM
  Re: دولة بلا هوية ومجتمع متعدد الهويات ونقد ل� محمد حيدر المشرف07-07-18, 06:29 PM
    Re: دولة بلا هوية ومجتمع متعدد الهويات ونقد ل� محمد جمال الدين07-07-18, 07:14 PM
      Re: دولة بلا هوية ومجتمع متعدد الهويات ونقد ل� محمد جمال الدين07-08-18, 03:38 PM
        Re: دولة بلا هوية ومجتمع متعدد الهويات ونقد ل� محمد جمال الدين07-09-18, 09:07 PM
          Re: دولة بلا هوية ومجتمع متعدد الهويات ونقد ل� محمد جمال الدين07-10-18, 04:41 PM
            Re: دولة بلا هوية ومجتمع متعدد الهويات ونقد ل� محمد جمال الدين07-11-18, 11:33 PM
              Re: دولة بلا هوية ومجتمع متعدد الهويات ونقد ل� محمد جمال الدين07-12-18, 11:38 AM
                Re: دولة بلا هوية ومجتمع متعدد الهويات ونقد ل� محمد جمال الدين07-13-18, 03:07 PM
                  Re: دولة بلا هوية ومجتمع متعدد الهويات ونقد ل� محمد جمال الدين07-13-18, 06:11 PM
                    Re: دولة بلا هوية ومجتمع متعدد الهويات ونقد ل� محمد جمال الدين07-14-18, 12:25 PM
                      Re: دولة بلا هوية ومجتمع متعدد الهويات ونقد ل� محمد جمال الدين07-14-18, 07:11 PM
                        Re: دولة بلا هوية ومجتمع متعدد الهويات ونقد ل� محمد جمال الدين07-15-18, 04:36 PM
                          Re: دولة بلا هوية ومجتمع متعدد الهويات ونقد ل� محمد جمال الدين07-17-18, 05:41 PM
                            Re: دولة بلا هوية ومجتمع متعدد الهويات ونقد ل� محمد جمال الدين07-19-18, 07:15 PM
                              Re: دولة بلا هوية ومجتمع متعدد الهويات ونقد ل� محمد جمال الدين07-19-18, 11:52 PM
                                Re: دولة بلا هوية ومجتمع متعدد الهويات ونقد ل� محمد جمال الدين07-20-18, 10:12 PM
                                  Re: دولة بلا هوية ومجتمع متعدد الهويات ونقد ل� محمد جمال الدين07-21-18, 05:26 PM
                                    Re: دولة بلا هوية ومجتمع متعدد الهويات ونقد ل� محمد جمال الدين07-21-18, 08:54 PM
                                      Re: دولة بلا هوية ومجتمع متعدد الهويات ونقد ل� Mahjob Abdalla07-22-18, 11:55 AM
                                        Re: دولة بلا هوية ومجتمع متعدد الهويات ونقد ل� nazar hussien07-22-18, 02:24 PM
                                          Re: دولة بلا هوية ومجتمع متعدد الهويات ونقد ل� Frankly07-22-18, 04:51 PM
                                            Re: دولة بلا هوية ومجتمع متعدد الهويات ونقد ل� Frankly07-22-18, 05:14 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de