عليش الريدة !

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 06-09-2024, 00:45 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف للعام 2018م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
05-03-2018, 07:06 PM

عليش الريدة
<aعليش الريدة
تاريخ التسجيل: 08-17-2015
مجموع المشاركات: 1709

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عليش الريدة ! (Re: سيف النصر محي الدين)

    شكرا دكتورنا العزيز..دا من ذوقك ياراقي..

    دا الفصل الأول والتاني...ياأمير ورينا رأيك ضروري،الدكاترة ديل كيشاء ساكت ماتسمع فصاحتم دي ..
    وعلى قول ود الباوقة أقبض
    (1)
    قال سعد:الآن سنفترق،لابد أن نأخذ قسطا من النوم..سيأتيني التاكسي أولا..سأكون معك في الساعة الثانية بالضبط إن شاء الله..لاتنس أن تضبط المنبه..
    كانا قد أنجزا كل الأشياء المتعلقة بما في ذلك وداع الأهل والمعارف..تبقت ست ساعات فقط لموعد الذهاب إلى المطار،الحقائب مهيأة بكل الاحتياجات،وتنتظرفي المنزلين لموعد ساعة الصفر،الساعة التي تقلع فيها الطائرة إلى أوربا..لم يبق شئ لم ينجز..هما الآن على وشك الافتراق المؤقت استعدادا للتقابل من جديد،والذهاب معا إلى المطار..
    في هذه اللحظات مرا بالقرب من مسجد الحي العتيق،أراد عصام أن يعلق مؤمّنا على كلام صديقه،لكنه عندما لمح المسجد تذكر أنه قد نسى شيئا هناك..
    فصاح بلهفة:ياالله،اللابتوب..
    :ماله اللابتوب؟
    :لقد نسيته في المسجد بعد صلاة العشاء..
    :ولماذا أحضرته للمسجد أصلا؟
    :لم أحضره أنا،كان مع ياسر وأحضره لي في المسجد..
    :على كل حال،لن يأخذ منا وقتا طويلا،سنذهب للتلباني في غرفته ونخبره ليفتح لنا الباب..
    دقائق معدودة ووقفا أمام الغرفة الصغيرة الملحقة بالفناء والمخصصة لسكن القائم على المسجد،وقبل أن يطرقا على الباب،سمعا صوتا من الداخل،ليس صوت التلباني ولا حتى صوت رجل آخر،وإنما هو صوت نسائي رقيق يحمل في طياته نبرة من بكاء..
    بهت الشابان قليلا،لكن سرعان مابدت على وجه سعد التصميم،فمد يده بعنف ليطرق على الباب،لكن عصام اعترضه وقبض على ساعده قائلا..
    :هيا لنذهب..
    ابتسم سعد هازئا:لماذا نذهب؟مماذا تخشى؟
    :سعد،لاداعي لمثل هذه التصرفات،تبقت لنا هنا بضع ساعات فقط،ولن نعود إلاّ بعد عامين،فليس هناك داعي البتة لما تود فعله..
    :ياسلام؟واللابتوب،هل ستتركه؟
    :نعم،سأوصي شقيقي بالاهتمام بأمره..
    :ولماذا كل هذا؟هل تخشى من الحقيقة لهذه الدرجة؟
    :نعم،أنا أخشى من الحقيقة لهذه الدرجة..والآن دعنا نذهب..
    :إن أردت أن تذهب فهذا شأن يخصك،أما أنا فسأدخل لهذه الغرفة،لأرى ماذا يفعل هذا الفاجر..
    وبمجرد أن أنهى عبارته،مد يده محاولا الطرق على الباب من جديد..لكن عصام اعترضه مرة أخرى..
    :ياسعد،أرجوك اترك هذه التصرفات ال..
    لم يستطع إكمال عبارته،لأن سعد قد دفعه بعنف،تعثر عصام،تحرر سعد من قبضته وفورا توجه نحو الباب من جديد..لكن قبل أن يطرق على الباب كان عصام قد أحاط به من الخلف..وبدا أن باب الغرفة البائس صار كظبي ميت بين فهدين..فتشابكا وتعالت أصواتهما..
    وفجأة فتح ببساطة متناهية،ماكان السعي لفتحه،يتطلب عدة مناورات وعراكا حاميا..أطل وجه كالبدر نورا..لم تعجز اللحية المهذبة البيضاء وشعر الرأس الأبيض الخفيف والتجاعيد الخفيفة التي على الجبين،عن إخفاء ذلك النور وحسب،وإنما زادته سحرا..
    قال شيخ التلباني بصوته الندي الدافئ:السلام عليكم..
    وفورا عدل الصديقان عن رغبتهما في التعارك..فوقفا مثل جنديين في طابور الصباح..
    على الضوء الخافت تبينهما..
    :مرحب بالشابين النابغين،لماذا لاتردان السلام..
    لكن أيضا لم يرد عليه أحد...
    فكر التلباني قليلا ثم قال:لقد سلمت اللابتوب لشقيقك ياعصام،إن كان هذا هو السبب الذي أتى بكما،لكن إن أتيتما لوداعي،فتفضلا بالدخول..
    قال ذلك وفتح الباب على مصراعيه..
    :أريد ان أعرفكما بشقيقتي..أرجوكما أدخلا..لن أسالكما لماذا تمارسان الفوضى أمام قصري المنيف..
    في هذه الليلة،اتخذ التلباني طريقة مغايرة في الكلام والسلوك..حتى خيل للصديقين اللدودين،أنه شخص آخر..
    سعد كان أول من قطع تردده ودخل،ثم تبعه عصام على وجل..
    بدت بالداخل،سيدة أنيقة ذات جمال ولى،لكنه ترك بوضوح أطلاله الجذابة..كانت تجلس على المقعد الوحيد المتوفر في الغرفة الصغيرة..لم يكن الناظر يحتاج لفراسة بالغة ليعرف أنها أخته بالفعل..أخذت تمسح بمنديلها على وجهها باضطراب،وبدا جليا أنها تحاول أن تغطي على واقع كونها تبكي..الشئ الذي جعل عصام يضاعف في سره كيل السباب لسعد..
    :ياسلمى سلمي على هذين الشابين،الملتحي لن يصافحك فهو سلفي..
    ابتسمت سلمى بحزن أخاذ ومدت يدها نحو عصام..
    :هذا اسمه عصام..والسلفي اسمه سعد..
    :هل تعرفين؟هذان الشابان سيطيران بعد قليل إلى أوربا..
    لم تتحدث سلمى إطلاقا،حتى أنها صافحت عصام دون كلام..
    :لقد اختارتهما لجنة عوان الأكاديمية للدراسة في أوربا..سيحصلان على الماجستير من هناك..
    تغير وجه سلمى قليلا،لكنها حافظت على صمتها..
    :تصوري؟هذان الشابان سيقابلان مستر عمر طه شخصيا..
    ضحك التلباني عندما قال ذلك،أما سلمى فقد زاد وجهها في تغيره..مما جعل الأمر يبدو وكان شقيقها يتعمد إزعاجها..
    كان الصديقان في موقف من الذهول عظيم،حتى أنهما نسيا السبب الذي أوصلهما إلى هذه الغرفة..
    سأل التلباني بتذمر مصطنع:لماذا أنا أحدث نفسي،لماذا يصمت كل من أخاطبه؟
    تأكد لهما أن الشيخ يصر على أن يكون غريبا في هذه الليلة..
    نهضت سلمى واستأذنت منصرفة،حاول إبقائها لكنها أصرت،فخلى في النهاية سبيلها.. بعد أن خرجت قال للشابين:أما أنتما،فلدي لكما قصة شيقة،سأحدثكما عن مستر عمر طه شخصيا..أعرف ان طائرتكما ستقلع بعد قليل،لذا سأوجز غاية الايجاز..
    جلس على المقعد،ثم أشار للسرير مردفا بلهجة آمرة:تفضلا بالجلوس..
    عصام الذي لايشبع من سيرة مسترعمر طه ـــ وكان قد نصبه مثلا أعلى له منذ فترة طويلة سابقة ـــ تجاهل تماما كل الظروف المحيطة،وجلس على السرير متحفزا..سعد كان ينوي الانصراف،لكنه بقى لبقاء صاحبه..


    (2)

    أُتخم شاطئ النيل في تلك الأمسية،بالحركة وصيحات العبث والتمازح المندفعة من أفواه أولئك الصبية المشاغبين،الذين احتلوه وأخذوا يمارسون السباحة في ضوضاء عالية،مسببين للآذان شرخا كبيرا من التلوث البيئي،ورغم أن تلك الضوضاء كانت لتصبح منجماغنيا بالأذى،لوأنها مورست فى مكان آخر،إلا أنها هنا انسجمت تماما مع الجو العام لشاطئ النهر العجوز،فقد تناثرت على حافته بعض السيارات والشاحنات الصغيرة،التي بدت مستمتعة بالحمام المسائي الذي يزيل عنها أوساخ هذا النهار والنهارات السابقة،كان الصبيان الذين يغسلونها،يصر كل واحد منهم على تشغيل (مُسجّل) عربته بأعلى صوت متيسر،بينما راح أصحابها يتسكعون فى المكان ويفرغون علي الهواء مباشرة،مافى أفواههم من كرات السعوط المشبّعة باللعاب،ثم يعيدون ملأ تلك الأفواه المتبلّدة كرّة بعد أخرى،أثناء اختلاسهم للنظرات البريئة وغير البريئة للأسر المتنزهة،والتى أخذ أطفالها يلتهمون بسرعات قياسية مافى أيديهم من قطع الموز و الحلويات،ليس لشهيتهم الجبارة،وإنما ليقذفون بأسرع طريقة ممكنة،بالقشر وصناديق الحلوى لأبعد مسافة استطاعوها داخل النهر،وكان هناك أيضا بعض أصحاب عربات الكارو الذين سحبوا أحصنتهم لداخل النهر و أخذوا يغسلونها،كانت تلك الجياد بدورها لاتدّخر جهدا لتملأ المكان بالفضلات السائلة والمائلة للصلابة...وراح الجو يقذف بين الفينة والأخرى،بالنسمات التى تحمل فى ثناياها،روائح الفضلات الآدمية القديمة والجديدة..وبدا كأن الجميع منهمك فى مسابقة حامية الوطيس،للفوز بجائزة أبشع حضور،فى أضيق حيّز يمكن أن يستوعب ذلك التنوع الواسع من كل تلك الكائنات الأنانية والخالية من المسئولية.
    وهكذا قُدّرللنيل أن يجرب سنن الزمان،فهاهو فى هذه المواسم يُركل بأحذية الذل والهوان،بعد أن كان الناس فى أزمان سابقة،لايعترفون بجدوى أى ممارسة أدوها،اجتماعية كانت أم دينية أوحتى سياسية،إلاّ بعد أن يبارك عليها هو بخاتم رضاه...وبعد أن كان الشباب يُحرمون لإجله في مناسبات عديدة من الزواج بأجمل ماجادت به أرحام هذه البقاع من فتيات.
    وفجأة علت صيحات هلوعة،مسببة لنوع شاذ و خطيرمن الإزعاج :غريق..غريييق!
    وعندما طرقت تلك الصيحات على أذن عمر،اندفع وابل الأدريلين فى جوفه،مثل البالونة التي نُفخ فيها بمكبس الدراجات النارية،وفورا أخذ يسبح تجاه المكان الذى تصدر منه تلك الصيحات،وساعدت مهارته فى السباحة،وفورة الأدريالين الطاغية،فى وصوله عاجلا للغريق الذى كان يوشك أن يغوص غوصته النهائية،وكما توقع تماما،كان ذلك الغريق هوصديقه المفضل (تامر)..وبدلا من أن يراجع عمر بعض الحسابات قليلا،اندفع مباشرة للإمساك بتامر،الذى بادر وتشبّث به كما تتشبّث الغرغرينا بالساق المصابة بالسكّر..لابدّ فى النهاية من ذهابهما معا..بذل عمر بعد ذلك مجهودا عظيما ليفلت من ذلك العناق المميت،لكن دون جدوى،فأخذ يلطم،ويخربش بأظافره ثم عضّ بأسنانه..لكن أيضا دون جدوى..ومرت أجزاء الثواني بعد ذلك ثقيلة كخطوات الحلزون الوليد..ثم غطس الصديقان مرة،وأخرى،وأخيرة..فتراخت العضلات،وانفك التلاحم...ورويداغطّى الظلام الدامس على كل شئ.
    ماحدث بعد ذلك،أكد واقعية الرومانس الذي يقول:لايوجد سوء خالص فى الإنسان..فمن هذه الكائنات الأنانية التى انحشرت فى هذا الحيز الضيق،كان هناك شباب لديهم شجاعة فطرية تدفعهم للمخاطرة بحياتهم فى سبيل إنقاذ حياة الآخرين،وعندما طرقت تلك الصيحات على آذانهم،كانوا على مبعدة من موقع الحدث،وساهمت استجابتهم العالية فيما بعد،بجزء من إمكانية إنقاذ الموقف،لكن العامل الحاسم فى هذا الإنقاذ،كان تلك الثواني الغالية من الحياة الإضافية،التى وهبها عمر لتامرعندما كان تحت قبضته الفولاذية،فهي التي أتاحت الزمن الكافي لكي يصل فيه أولئك الشباب وينقذوا الصديقين معا..
    حوّل هذا الحدث،شاطئ النهر إلى مسرح بائس من تلك المسارح،التى ليس لديها ماتقدمه للمشاهد سوى قدرة ممثليها المفرطة على التعبير بالأوجه،وأخذ كل شخص يحاول أن يجد له دورا ليلعبه..و بينما مُدّد الغريقان لتجرى لهما عملية التنفس والاستفراغ،كانت النصائح الخاصة بأفضل طرق تلك العملية،تنهال بالتساوي من أصحاب السيارات،والصبية الغسالين،والأسر المتنزهة،التى كانت نساؤها خاصة يحاولن أن يخفين من تحت تأوهات الشفقة المتكررة على الصبيين،ابتهاجهن المشع،لأنهن اخترن هذا اليوم بالذات للتنزه،فسيكون هذا الحدث بلاشك هو الحرس الجمهوري خاصّتهن والمعوّل عليه لأيام كثيرات قادمات،فى التغلّب على جيوش الملل الجرّارة،التي هي في حالة هجوم على الحمى بصورة متواصلة..إذ أنه من المستحيل مقاومة تلك المتع التى سيجلبها الاجترار المستمر لهذا الحدث أثناء تجمعاتهن،خاصة إذا حفلت تلك التجمعات بطقوس شرب القهوة،وإزدراد الفول السودانى المدمّس،وبطبيعة الحال،ستحتم تلك الطقوس أيضا،تزيين الحدث الرئيسى بقائمة طويلة ومتجددة من التفاصيل الفرعية التى لم تحدث على الإطلاق.
    أفاق عمر من إغمائه أولا،ولم يستهلك وقتا طويلا ليستطيع أن يستوعب ماحدث،فانهمك مباشرة للمساعدة فى إفاقة تامر،وحسمت شخصية عمر القوية بعد ذلك،تمسّك المسرح المستميت بهما،ورغبته الواضحة فى استمرار آثار ذلك الحدث لأطول فترة ممكنة،فتمكنا بعد زمن قصير من الإفلات من قبضة الشاطئ اللحوحة وتوجّها نحو منزليهما آمنين ..
    وفورما أصبحا وحدهما قال عمرمنفعلا:هذه آخرمرة أحضرك معى للسباحة،لماذا وصلت إلى ذلك المكان البعيد؟
    قال تامر مذهولا: لم أذهب برغبتي ولكنهم دفعوني دفعا لذلك.
    : كنا سنموت وتقول لى دفعوني؟
    أوشك تامر على البكاء:أنا آسف يا عمر
    هدأ عمر وأخذ يتأمل فى وجه تامر:ماهذا؟ إن وجهك يبدومثل الضفدع المتيّبس،وماهذه الخدوش والجروح على عنقك وصدرك؟هل حاولت الأسماك أن تلتهمك بهذه السرعة؟
    :لا..لقد عضيتني أنت.
    :أنا عضيتك ياكذاب،يبدوأنك مازلت تحت تأثيرالصدمة.
    :لقد عضيتني وخمشتني بأظافرك حتى سالت منى الدماء،وأنت تعلم ذلك جيدا.
    :آآآه..لم أكن أعلم أنك قوي هكذا،لقد كدت أن تحطم أضلعي،سأذهب لأصوّر صدري،إنني لا استطيع التنفس جيدا.
    :وأنا لم أكن أعلم أنك تعضّ وتخربش بأظافرك مثل الفتيات.
    ضحك عمر و قال:
    والآن دعنا من المزاح،هل ستخبر أهلك بما حدث؟
    :على الإطلاق،ماذا تظنني؟
    :وإذا سألوك عن هذه الخدوش؟
    :سأقول أني تعاركت مع أحدهم.
    :جيد،أراك غدا فى المدرسة إذن،إلى اللقاء.
    كان تامروهو يتحدث مع عمر،يخفى شعوره بالإجهاد الشديد الذى حطّم أوصاله..وسيطرت الحمى بعد ذلك على جسده شيئا فشيئا،مماجعله يشعر ببرد شديد،وبالكاد استطاع أن يصل إلى منزله،ولحسن حظه وجد أهله منشغلين ببعض الضيوف،فدخل إلى غرفته بهدوء،وسرعان ماغطّ فى نوم عميق.
    فى اليوم التالى تعمّد عمرالذهاب إلى المدرسة باكرا،حتى تتاح له الفرصة لمقابلة تامر قبل أن يبدأ اليوم الدراسي،كان يود أن يطمئن على ماجرى بعد أن فارق صديقه،لكن تامر تأخرحتى بدأت الحصة الأولى،واستمرغيابه حتى نهايتها،الشئ الذى ولّد لدى عمرشعورا مقلقا،وبعد أن بدأت الحصة الثانية بقليل،سمع التلاميذ طرقا على باب الفصل،وبعد لحظات صاح المعلم:عمر طه..السيد المدييير ينتظرك فى مكتبه.
    وماإن نطق المعلم بتلك العبارة،حتى علت الهمهمات فى وسط التلاميذ..وفى الواقع لم يكن عمر يحتاج لكى ينمّي شعوره بالخوف،إلى ذلك الإسلوب الإيحائي الذى مطّ به المعلم كلامه،ولا إلى أن يسمع همهمات التلاميذ المشفقة والفضولية،فقد ظلّ المدير على الدوام،يحتّل مركزالصدارة بالنسبة للتلاميذ،فى الاتجاهات التى قد تشكّل خطورة ما فى أى يوم من الأيام..فقد كان أبدا لايبالي كي يحافظ على الشروط القياسية للحظيرة،بالحملان التى قذف بها إلى الخارج،ولا بتلك التى تنازل بأن سمح لها بالبقاء بعد أن هشّم عظامها ..لذلك كانت تنهال عليه الألقاب كما ينهال النمل على الحشرة الميتة،فالتلاميذ المولعون بالتاريخ كانوا يطلقون عليه اسم:نيرون..أما الذين يتنطّعون باللغة الإنجليزية فيسمونه:مستر(إكست)..أما أولئك الذين يتابعون الدورى المحلي لكرة القدم بالمدينة،فقد أطلقوا عليه اسم:زمبا الأحوص،وهو لقب لحكم بذلك الاتحاد،مُنح له لصرامته الإرهابية،ولعلاقته غير الشرعية بالبطاقة الحمراء خاصة،حتى أنهم يقولون أنه يستخدمها فى غرفة نومه أحيانا..
    ومع ربط هذا الاستدعاء بحادث الأمس،وغياب تامر اليوم،فإن عمر كان يحتاج لصوامع من الشجاعة حتى يستطيع مجابهة ماينتظره هناك..فى منتصف المسافة إلى المكتب قابله تامر،فتبادلا النظرات حينا ثم أطرق تامر برأسه واستمر فى سيره دون أن يقول شيئا...
    تمتم عمر :لابد أنى قد تعرضت لخيانة جسيمة.
    وعندما وصل إلى العرين،أخذ المدير يتأمل فيه حينا ثم سأله ببرود:اسمك بالكامل؟
    :عمر طه محجوب
    :ماذا يعمل والدك؟
    :عامل فى السكة حديد
    :أين كنت عصرأمس؟
    صمت عمرللحظات ثم قال:ذهبت للسباحة فى النيل
    :و لماذا استدرجت زميلك تامر محمود التلباني ليذهب معك؟
    :لم استدرجه هوالذى ألحّ فى الذهاب معي
    :هل هوصديقك؟
    :نعم
    :إننى فى الواقع محتارجدا،لأنه إذا حاول ابن عامل إقامة علاقة صداقة مع ابن وكيل وزارة سابق،فهذا أمر مفهوم،لكن غيرالمفهوم هو أن يحدث العكس..وأنت يمكنك أن تزيل عنى هذه الحيرة..ماهي برأيك المغريات التى تتمتع بها لتجعل تامر يسعى لصداقتك؟
    قرّرعمرأن يلتزم الصمت فاستمرالمدير:أنت لاتعرف عائلة التلباني جيدا،إنها عائلة لها جذورضاربة فى كل شئ قد يخطر ببالك..كلللل شئ..هل تفهم؟ولولا تبرعاتها هي وبعض العائلات الأخرى لكنا أغلقنا هذه المدرسة منذ زمن بعيد،و بالتالي أنت تحديدا مدين لهم،لكني أرى أنك تحاول رد هذا الدين بطريقة غوغائية ،الشئ الذى يتناسب تماما مع إمكانياتك المادية والأدبية ..لكن دعنى اسألك سؤالا:هل تبرّع والدك بشئ قط لهذه المدرسة؟أعني عدا المتاعب التي تنهمر منك مثل المطر؟
    واصل عمر في صمته..
    :أنا انتظر ردك ياحلوف..
    :لا.
    :إذن حسم الأمر..افتح أذنك جيدا حتى تستوعب كلامي هذا،إن حدث منك أى شئ مرة أخرى فاعلم تماما أنى سأعيدك إلى أبيك،هذا إنذار رسمي،هل فهمت؟
    :نعم.
    :غور من أمامي
    عندما خرج التلاميذ لتناول وجبة الإفطار،توجه تامريبحث عن عمر،وعندما وجده قال مباشرة:أنا آسف جدا ياعمر، هل عنّفك المدير؟
    :بالأمس دفعونى دفعا واليوم أنا آسف جدا..سأخبرك بشئ..أنت لافائدة منك على الإطلاق،وإياك أن تقترب مني بعد الآن..
    قال عمر ذلك واندفع مبتعدا..لكن تامرأمسك بذراعه قائلا
    :لقد هلوست ياعمر.
    :نعم؟
    واندفع تامرقائلا:بعدما انصرفت منك شعرت بالحمى،وكنت محظوظا لأنه لم يقابلني أحد من الأسرة عندما وصلت إلى البيت،لذلك أويت مباشرة إلى الفراش،لكن فى نومي هلوست بحادث الغرق،فأخذت أصيح باسمك حتى استيقظت،فوجدتهم يبحلقون فيّ،وسألنى أبي:من عمر؟وطلب منى إخباره بكل شئ،ولم استطع أن أكذب عليه،ولقد رجوته كثيرا ألاّ يحضر للمدير،لكنه أصرعلى ذلك...أنا آسف جدا ياعمر.
    كان تأثر تامر واضحا،لكن ليس هذاهو السبب الوحيد الذى جعل عمريصدقه،فتامر معروف لكل التلاميذ بأنه لايكذب أبدا،حتى أن هذه الخصلة بالذات كانت فى أحيان كثيرة،مصدر إزعاج كبير للقريبين منه.
    ربّت عمرعلى بطنه قائلا:آآه..لقد سُقيت جرعة من الإهانات لو سقيت لحوت بالغ لاعتزل البحر..لكني لن اعتزل هذه المدرسة،فليمت زمبا بغيظه..
    انشرح قلب تامر لأنه يعلم أن هذه واحدة من طرق عمر المفضلة ليقول: لاتوجد مشكلة.
    استمرعمر:إن زمبا الأحوص يترصدنا فيجب أن نلزم جانب الحذر.
    :ماذا ترى؟
    :أرى أنه طالما بقى عام ونصف فقط على دخولنا الجامعة،فلنقلل من لقاءآتنا داخل المدرسة،وأرى كذلك ألاَ تذهب معي إلى النيل مرة أخرى،أوإلى أى مكان قد يراه أبوك خطراعليك،حتى ننتقل إلى الجامعة ونترك هذه البلدة.
    :أما بالنسبة للنيل فإنى لن اكتفي بعدم الذهاب إليه فقط،بل سأترك حصة الجغرافيا حتى لا أضطر إلى رؤيته فى الخريطة..
    ضحكا معا،وقال عمر: وأخيرا بدأت تتعلم المزاح،هذا تقدم جيد.
    وبعد أن هدأت الضحكات قال تامر:هل سمعت عن طيورتشرب دم بعضها،أوأشياء من هذا القبيل؟
    :ماهذا الجنون الذي تتفوّه به؟
    :أقصد..هل عمل أبوك فى منطقة قاحلة من قبل أو صحراوية؟
    :نعم عمل في شمال البلاد،في محطة بعيدة عن النيل
    :ألم يحك لك عن مثل هذه الطيور
    :لا لم يحك لي..لكن ماذا حدث هل هلوست بهذه الطيور أيضا؟
    :لا لا..على أى حال دعنا منها،وأخبرني بما جرى معك أنت فى البيت؟هل عرفوا بالحادث؟
    صمت عمرقليلا ثم قال:نعم لقدعرفوا.
    أحس تامربالإثارة فقال متلهفا:وماذا فعلوا معك؟
    :لقد بدا أبي كأنه تحسّرعلى أني نجوت،اعتقد أنه كان يفكر فى المصاريف التى سيوفرها لو قضيت نحبي،لكني اعتذرت وأوضحت له أن الخطأ لم يكن خطأيي،إنه خطأ أولئك الشباب المنتفخين الذين أنقذونا.
    عاد تامرإلى الضحك مجددا وهو يردد:أنت بشع جدا..فى الواقع لا يوجد شئ أبشع منك.
    ربت عمرعلى بطنه قائلا:وهذه جرعة إضافية من الإهانة..كيف أكون عندك أبشع من زمبا الأحوص؟.
    وهكذا استمرت تلك العلاقة اليافعة صلبة وغنية،وذلك لأنها رغم سذاجتها،استطاعت أن تحل الشفرة الرئيسية لضمان نمو واستمرار أى علاقة بين إثنين من البشر:الاستعداد الأكيد لبذل التنازلات عند الضرورة..ساعدهما على ذلك،البعد المريح عن التعرّض لضغوط الأهل المباشرة،أو أية ضغوط خارجية أخرى،فلم يحدث أن تبادل الصديقان الزيارات فى منزليهما،لذلك تمكنا من الحفاظ على علاقتهما تحت درجات عالية من العنفوان،حتى انتقلا للمرحلة الجامعية،ورحلا إلى عاصمة البلاد.




















                  

العنوان الكاتب Date
عليش الريدة ! نعمات عماد05-03-18, 07:50 AM
  Re: عليش الريدة ربنا يلطف بينا جميعاً نعمات عماد05-03-18, 08:10 AM
    Re: عليش الريدة ، لا تكون مفقود؟ نعمات عماد05-03-18, 10:17 AM
      Re: عليش الريدة ، أوعى تكون أختفيت قبل تخلص الرواية؟ نعمات عماد05-03-18, 12:06 PM
        Re: عليش الريدة ، أوعى تكون أختفيت قبل تخلص ا ABUHUSSEIN05-03-18, 12:11 PM
          Re: عليش الريدة ، أوعى تكون أختفيت قبل تخلص ا نعمات عماد05-03-18, 12:14 PM
            Re: عليش الريدة ، أوعى تكون أختفيت قبل تخلص ا ABUHUSSEIN05-03-18, 12:22 PM
            Re: عليش الريدة ، أبو حسين يكون جابو الشمار ؟ ☺ نعمات عماد05-03-18, 12:22 PM
              Re: عليش الريدة ، أكيد المسكنة غيروها !!! نعمات عماد05-03-18, 01:36 PM
                Re: عليش الريدة ، أكيد المسكنة غيروها !!! محمد عبد الله الحسين05-03-18, 02:11 PM
                  Re: عليش الريدة ، أكيد المسكنة غيروها !!! نعمات عماد05-03-18, 03:16 PM
                    Re: عليش الريدة ، أكيد المسكنة غيروها !!! امتثال عبدالله05-03-18, 03:23 PM
  Re: عليش الريدة ! امير الامين حسن05-03-18, 03:21 PM
    Re: عليش الريدة ! Nasser Amin05-03-18, 03:26 PM
      Re: عليش الريدة ! عليش الريدة05-03-18, 04:23 PM
        Re: عليش الريدة ! نعمات عماد05-03-18, 04:46 PM
          Re: عليش الريدة ! سيف النصر محي الدين05-03-18, 05:33 PM
            Re: عليش الريدة ! عليش الريدة05-03-18, 07:06 PM
          Re: عليش الريدة ! نعمات عماد05-03-18, 05:34 PM
            Re: عليش الريدة ! نعمات عماد05-03-18, 07:03 PM
        Re: عليش الريدة ! صلاح عباس فقير05-03-18, 07:15 PM
          Re: عليش الريدة ! صلاح عباس فقير05-03-18, 07:19 PM
            Re: عليش الريدة ! نعمات عماد05-03-18, 09:06 PM
              Re: عليش الريدة ! محمد عبد الله الحسين05-03-18, 09:32 PM
                Re: عليش الريدة ! ABUHUSSEIN05-03-18, 10:46 PM
                  Re: عليش الريدة ! امتثال عبدالله05-03-18, 11:49 PM
                    Re: عليش الريدة ! عليش الريدة05-04-18, 01:36 AM
                      Re: عليش الريدة ! نعمات عماد05-04-18, 07:49 AM
                        Re: عليش الريدة ! ABUHUSSEIN05-04-18, 08:04 AM
                          Re: عليش الريدة ! نعمات عماد05-04-18, 09:07 AM
                            Re: تعرف يا عليش ، أبوحسين دا فهمني غلط ! نعمات عماد05-04-18, 10:50 AM
                              Re: تعرف يا عليش ، أبوحسين دا فهمني غلط ! نعمات عماد05-05-18, 09:10 AM
                                Re: تعرف يا عليش ، أبوحسين دا فهمني غلط ! ABUHUSSEIN05-05-18, 10:12 AM
                                  Re: تعرف يا عليش ، أبوحسين دا فهمني غلط ! نعمات عماد05-05-18, 11:56 AM
                                    Re: يا أبوحسين قلتها برااااك، أتلااااايق نعمات عماد05-05-18, 07:01 PM
                                      Re: يا أبوحسين قلتها برااااك، أتلااااايق ABUHUSSEIN05-06-18, 07:40 AM
  Re: عليش الريدة ! امير الامين حسن05-06-18, 12:18 PM
    Re: عليش الريدة ! MOHAMMED ELSHEIKH05-06-18, 12:32 PM
      Re: محمد نجم فعلاً مجنون ابداع نعمات عماد05-06-18, 05:12 PM
  Re: عليش الريدة ! امير الامين حسن05-09-18, 03:36 PM
    Re: عليش الريدة ! الفاتح ميرغني05-09-18, 03:46 PM
      Re: عليش الريدة ! نعمات عماد05-09-18, 05:50 PM
        Re: عليش الريدة ! نعمات عماد05-12-18, 11:59 AM
          Re: عليش الريدة ! ABUHUSSEIN05-12-18, 12:57 PM
            Re: عليش الريدة ! نعمات عماد05-12-18, 06:09 PM
              Re: عليش الريدة ! Salah Zubeir05-12-18, 06:49 PM
                Re: عليش الريدة ! Salah Zubeir05-12-18, 06:53 PM
                  Re: عليش الريدة ! نعمات عماد05-14-18, 08:27 AM
                    Re: عليش الريدة ! ABUHUSSEIN05-14-18, 09:35 PM
                      Re: عليش الريدة ! نعمات عماد05-17-18, 10:28 PM
                        Re: عليش الريدة ! ABUHUSSEIN05-18-18, 00:42 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de