نحن عرب السودان .. تاج فوق التيجان.

Quote: سلطنة «شوا» الإسلامية المخزومية أنموذجاً العلاقات الحبشية السودانية من المنظور التاريخي الإسلامي الدكتور أحمد عثمان خالد ٭ يمكن للباحث أن يقرأ العلاقات بين الشعوب أو الدول من زوايا مختلفة، وغالباً ما تقرأ من الناحية السياسية أو الاجتماعية أوالتجارية، لكن العلاقات الأفريقية الأفريقية إذا نظرنا إليها من منظور إسلامي نجد أن هجرة الصحابة الأولى إلى الحبشة تمثل المرتكز الأول لهذه العلا قات، خاصة أن المهاجرين كانوا عرباً مسلمين جاءوا إلى القارة الإفريقية فراراً بدينهم الذي ضاقت به جزيرة العرب ذرعاً فلجأوا إلى ملك الحبشة الذي كان نصرانياً عادلاً لا يظلم عنده أحد كما وصفه النبي صلى الله عليه وسلم للمهاجرين، فهذه الهجرة كانت من أهم المرتكزات في العلاقا ت الأفريقية بعد انتشار الإسلام في كل أنحاء القارة، بالإضافة إلى عوامل أخري ساعدت في نمو العلاقات وازدهارها، كالعامل التجاري والاقتصادي والاجتماعي، وقد أجمع كتاب القرن العاشر الميلادي، مثل المسعودي وابن حوقل، وغيرهما علي ازدهار الحياة الإسلامية في كثير من مدن الحبشة، ويبدو أن الإسلام توطدت اركانه في هذه المنطقة في وقت مبكر ربما في القرن الثالث الهجري ووصل إلي منطقة شوا ببلاد الحبشة وأقيمت سلطنة إسلامية في هذه المنطقة عملت علي توطيد العلاقة الإسلامية في جنوب وشرق الحبشة، وهذه السلطنة قامت على أيدي علماء من قبائل بني مخزوم، ومعلوم أن قبائل بني مخزوم من القبائل السودانية المعروفة والمنتشرة خاصة في وسط وغرب السودان. وقد أشار إلى هذه السلطنة المؤرخ والمستشرق الإيطالي «تشيرولي»، وذكر أنها قامت في القرن الثالث عشر الميلادي على يد أسرة عربية تسمى أسرة بني مخزوم، وقد أشار إلى هذه السلطنة كذلك المؤرخ البروفيسور رجب محمد عبد الحليم في كتابه «لمحات من تاريخ القارة الأفريقية»، وهذا الكتاب عبارة عن موسوعة علمية شارك في إعداده ثلة من العلماء، جميعهم أكدوا الدور الكبير الذي لعبته قبائل بني مخزوم في تعزيز العلاقات الحبشية السودانية منذ فجر التاريخ، وفي تقديري أن هذا الحراك السياسي الإسلامي الممتد قد مهد لقيام مجموعة الممالك الإسلامية السودانية فيما بعد، مثل دولة الكنوز الإسلامية في بلاد النوبة في الفترة «723 ــ 926|1323ـ1530م» ثم سلطنة الفونج الإسلامية «910 ــ 1336هـ/1505ـ1830م» ثم دارفور الإسلامية «849 ــ 1393هـ /1445ـ1875م» وهنا لا بد من الإشارة إلى أن المؤرخين للممالك الإسلامية يذكرون أن أصل الفونج سلالة عربية أموية هربت من وجه العباسيين وجاؤا إلي الحبشة أولاً ومنها إلي السودان الشرقي «النيلي»، وفي هذا دليل على عمق العلاقة بين القبائل الحبشية والقبائل السودانية وأزلية التواصل بين الشعبين، كما أن سلطنة دارفور يتألف سكانها من العنصر الزنجي والعنصرالحامي، إلا أن الشعب الأصيل لهذه المنطقة هو شعب الداجو الذي وفد إلى دارفور من الشرق أو من جبال النوبة الواقعة غرب النيل الأبيض كما يذكر المؤرخون، وهذا الوصف أقرب إلى الحبشة منه إلى أية منطقة أخرى، وهذا يؤكد ما ذهبنا إليه من قدم العلاقات بين السودان وبلاد الحبشة، ولعل عامل الإسلام والعقيدة الإسلامية كان من أهم عوامل هذه العلاقات كما أسلفنا. وبعد هذا العرض التاريخي وحتى تتضح الصورة جلية، لا بد لنا أن نسأل ما هي سلطنة شوا الإسلامية المخزومية؟ متي نشأت وكيف نشأت؟وكيف دخلت قبائل بني مخزوم من الحبشة إلى السودان؟خاصة أننا نعلم أن القبائل العربية دخلت إلى السودان من جهة الشمال الأفريقي في هجرتها من الجزيرة العربية إلى القرن الأفريقي، وقد تكون الإجابة على هذه الأسئلة من الصعوبة بمكان في هذا المقام الصحفي الضيق، باعتبار أن الموضوع موضوع تاريخي ذو أبعاد ويحتاج إلى بحوث ودراسات علمية مستفيضة محلها المجلات العلمية المتخصصة والكتب التاريخية، لكن بدوري أشير إلى بعض النقاط المهمة في هذا الموضوع، وهي عبارة عن معلومات تاريخية موثوق بصحتها. أولاً: بالنسبة لهذه السلطنة الإسلامية فإن المؤرخين يرون أنها قامت في الفترة «383ـ 6847هـ/ 896 ــ 1285م»، ويجمعون علي أنها قامت باسم أسرة عربية تسمي بني مخزوم، وأن هذه الأسرة جاءت من الجزيرة العربية ونزلت بأرض الحبشة في ضيافة أمارة حبشية، ثم اختلطوا بالأمراء عن طريق المصاهرة، حتى آل إليهم الملك آخر الأمر، وأسسوا سلطنة شوا الإسلامية، وأياً كان الأسلوب الذي انتقل به الحكم في شوا إلى هذه الأسرة العربية المخزومية، فقد أدى ذلك إلى قيام سلطنة إسلامية استمرت أربعة قرون من الزمان. ثانياً: شهدت هذه السلطنة في ظل الأسرة المخزومية تطوراً هائلا في المجال الحضاري والعمراني، وأرجع المؤرخون هذا التطور إلى ما تتمتع به هذه الأسرة من ثروة ونفوذ، ونتيجة لهذا الازدهارلم تكن الدولة المخزومية فى شوا إمارة أو مملكة صغيرة، بل كانت سلطة كبيرة توالى على حكمها كثير من الحكام الذين اتخذوا لقب «السلطان». هذا وقد ظهرت في سلطنة شوا الإسلامية كل وظائف الدولة السياسية والاقتصادية والاجتماعية المعروفة وقتذاك فى بقية الدول الإسلا مية، مثل الوزراء والقضاة، فقد كان بها منصب الوزير وقاضي القضاة. ثالثاً: تؤكد المصادر التاريخية لهذه السلطنة وجود حياة دينية وثقافية وعلمية، كما تشير إلى وجود المساجد والمدارس والعلماء، وهذا ما جعل للسلطنة الدور الكبير في نشر الوعي الإسلامي واللغة العربية في أفريقيا بشكل عام. لكن بعد هذا العمر المديد لسلطنة شوا الإسلا مية، يذكر المؤرخون أنها سقطت لعوامل سياسية واقتصادية وصراعات داخل الأسرة الحاكمة، وتفرقت هذه الأسرة من بعد ذلك في القارة الأفريقية، بعضها استقر به المقام في السودان وبعضها استقر في السودان الغربي ــ تشاد حالياً. وعندما نسقط هذه المعلومات التاريخية عن سلطنة شوا لإسلامية على قبائل بني مخزوم السودانية نجد أوجه تشابه تكاد تتطابق في كثير من الأوجه، وهذا مجرد تحليل، ولنأخذ على سبيل المثال أوجه الشبه التالية: أولاً: توجد قبيلة عربية بهذا الاسم في السودان تسمى قبيلة خزام، وهي منتشرة في غرب السودان ووسطه، كما توجد في النيل الأزرق بأعداد قليلة وربما كانوا بقية من المهاجرين من سلطنة شوا الإسلامية بعد خرابها إلى السودان عبر بوابة النيل الأزرق. ثانياً: كل الأوصاف التي اتصفت بها قبائل بني مخزوم في سلطنة شوا الإسلامية تنطبق على قبائل بني مخزوم في السودان، مثل الاهتمام بالعلوم الإسلامية، وحفظ القرآن الكريم ونشر الدعوة، وكنت قبل أعوام مضت قد التقيت أحد رموز مدينة الأبيض وهو الشيخ أحمد الأمين الرفاعي، وسألته عن أعلام الدعوة الإسلامية بمدينة الأبيض، فذكرلى فيمن ذكر والده الشيخ أحمد الأمين الرفاعي، والشيخ العالم إبراهيم الذي جاء إلى كردفان داعية وتوفي في منطقة أبو حراز غرب مدينة الأبيض، وهذان الشيخان ينتميان إلى قبيلة بني مخزوم، كما امتد أثر هذه القبيلة إلى جبال النوبة في منطقة ميري شمال غرب كادقلي، حيث كان الشيخ المجاهد حامد السنوسي إحدى ركائز الدعوة الإسلامية بجبال النوبة وشيخ الطريقة التجانية، كما كان لوالده الشيخ السنوسي جاد المولي دور كبير في نشر الإسلام في جبال النوبة، بل ذهب أكثر من ذلك حيث قام بتزويج بنته «حليمة» إلى أحد تلاميذه من أبناء ميري تأكيداً لعمق الصلات الاجتماعية بين كل القبائل دون النظر إلى الفوارق العرقية التي لا تعني شيئاً في المنظور الإسلامي. ونخلص مما سبق إلى أن القبائل السودانية المختلفة لعبت دوراً أساسياً فى تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدان الأفريقية، وهذا الذي ذكرناه إنما هو أنموذج لحراك ديني اجتماعي تاريخي يكشف لنا مدى دور بعض القبائل السودانية في تشكيل الهوية الأفريقية الإسلامية، ولعل سلطنة شوا الإسلامية تمثل أنموذجاً رائعاً في هذا الاتجاه. وأرى أنه يجب إجراء مزيد من البحوث والدراسات حول الدور التاريخي للقبائل السودانية في بناء وتعزيز العلاقات مع بعض الدول الأفريقية المجاورة، وهذا يدفعني إلى القول بأن الممالك الإسلامية التي قامت في القرن الأفريقي ربما لعبت القبائل السودانية فيها دوراً أساسيا، خاصة إذا أخذنا في الاعتبار مقولة البروفيسور عبد الله الطيب الذي يرجح إنتماء بلال الحبشي إلى القبائل السودانية. ومما يؤكد ما ذهبنا اليه في العلاقات التاريخية بين الحبشة والسودان التداخل القبلي منذ الهجرة الأولى للقبائل العربية إلى الحبشة، كذلك نجد أوجه شبه بين السودان والحبشة في أسماء المناطق، فنجد المتمة كمنطقة في الحبشة كما نجد المتمة في شمال السودان، ونجد في القوميات الحبشية بني شنقول، بينما نجد في السودان قبيلة شلنقو وشلنقو هو الجد الأكبر لقبائل بني مخزوم، وهي ذات القبيلة التي أقامت السلطنة الإسلامية في شوا كما اسلفنا. وخلاصة القول في هذا الموضوع أن علاقة السودان بالحبشة علاقة أزلية وتحتاج إلى مزيد من الدراسات العلمية لكشف الأبعاد الخفية في هذا الجانب، ولعل الهجرة الحبشية المتزايدة إلي السودان تأتي في إطار حنين الدم إلى الدم، ولذلك نقول للمسؤولين عن الهجرة في السودان رفقاً بأهليكم وخيركم خيركم لأهله، ولعل أكثر المواقف السياسية وضوحاً في الجوار الأفريقي هو موقف الدولة الإثيوبية خلال الفترة الماضية في أشد الأزمات السياسية التي واجهت السودان، فهل هذا من باب أنا وابن عمي على العدو، أم أن هناك أمراً آخر في غياهب السياسة لا نعلمه، لكنني أرجح الاحتمال الأول.. فمن يوافقني من القراءالكرام؟