|
Re: كتاب andquot;أزمنة الريحandquot;..سيرة ذاتية لـ د. (Re: احمد سيد احمد)
|
د.حيدر إبراهيم علي بيحكي عن ابوهو انو كان شرطي في السكة حديد من الأربعينات وفي سنة 1954 تمت ترقيته لضابط بوليس بعد كورس بمدرسة البوليس وقد استوجبت ظروف الاستقلال اعادة هيكلة جهاز الخدمة المدنية بمجمله،وكان دا بسبب دواعي السودنة. وقد تسببت حقبة السودنة هذه في حراك اجتماعي غير مسبوق، فقد بدأت فئة الافندية تتحول الى برجوازية صغيرة في نمط حياتها، وطريقة تفكيرها وثقافتها. وبرزت تناقضاتها في مجال التحديث مقابل التقليدية والمحافظة، فهي قد اكتسبت كل مظاهر التحديث الشكلية، ولكن ظلت ثقافتها وعقلها الباطن اسيرين للماضي والتقاليد الراسخة. وتمكنت فئة كبار موظفي الخدمة المدينة (اطباء، مهندسون، محامون وغيرهم) وفيما بعد الضباط ، من بداية الخمسينات في امتلاك العقارات في المراكز الحضرية ، ودخل بعضهم في استثمارات مشاريع الطلمبات والمقاولات، ورخص الاستيراد والعمولات. وتقع حقبة ما بعد السودنة, في اطار ما يطلق عليه علماء الاجتماع, حقبة غلبة (اللامعيارية) او (anomie), وهي حالة تهتز فيها المعايير القديمة وتتغير, ولم تحل مكانها معايير جديدة بعد. وقد مثلت فترة الانتقال السياسية, فترة انتقال اجتماعية تسببت في كثير من المشكلات وخلخلة سلم القيم السائدة. وامتدت هذه الفترة القلقة حتى اليوم. وكثيرا ما اتامل في تجربة والدي واتخذها كدراسة حالة للصدمة الثقافية / الاجتماعية التي طالت قطاعات واسعة من الفئات البسيطة والعادية. فقد حتمت عليه الوظيفة الجديدة ان يقتني نوعا معينا من الملابس, وبالفعل قام بتفصيل عدد من البدل لمناسبات مختلفة وربطات العنق. وبدأ في استخدام عربات الحكومة, والانتقال الى درجة عليا في القطار, مع وجود مضامين (هم المساجين المسموح لهم بالخروج خلال اليوم من الحبس حتى المساء, تحت شرط وجود ضامن لهم), يخدمون بمنزله, وتتغير حتى صيغة المخاطبة, فهو (جنابو) ثم (سعادتو), وسلام التعظيم من الجنود الاقل رتبة, حين يدخل المركز بالمكتب. صار لوالدي تصيب في سلطة ما بعد الاستقلال, واصبح مشاركا فيها بسهم, فقد كان مفوضا بحفظ الامن في مواقع كثيرة, خاصة النائية. وقد اصبح والدي من الشخصيات الهامة ويتوقع منه حل المشكلات قرية بوسائل رسمية وغير رسمية. وهذا اشكال ما يسمى بــ "النفوذ" الذي صارت تمارسه نخب ما بعد السودنة, والذي حل محل سيطرة وغطرسة المستعمر. اثّرت هذه النقلة الاجتماعية- الثقافية على والدي, والذي تغير كثيرا على المستووين : الاجتماعي والخاص, ووصل حد الارتباك, ولم يعد مقتنعا بوضعه السابق ويسعى لخلق وضع جديد. وكان اخطر ما اصاب شخصيته, انه بدأ في مراجعة حياته في اسرته الصغيرة و ويبدو انه وصل درجة عدم الاقتناع بالطريقة التي تزوج بها. وهي بالفعل طريقة مصطنعة خاليه من التفاهم والمودة. ولكن هذا هو العرف والذي نفخر به لانه : "عاداتنا وتقاليدنا". ونُقِل الضابط الشاب ذو الاصول القروية الى العاصمة الوطنية (امدرمان), كأول مكان عمل بعد الترقية, وكانت هذه قفزة كبيرة. ورغم انه عمل من قبل بمدينة الخرطوم بحري, ولكن ذلك كان في زمن اخر, وفي موقع ادنى. كانت نخبة السودنة قد اكتشفت عددا من سلالم الصعود الاجتماعي, وبعضها مازال ساريا حتى اليوم, ان لم يكن قد انتشر اكثر. فبالاضافة للتعليم والوظيفة, تعتبر مصاهرة الاسر العاصمية العتيقة والمشهورة او الغنية, من اسرع المصاعد الاجتماعية الى اعلى. ويكون الريفي المشتاق للصعود, اكثر حظا لو كانت الزوجة المبتغاة بيضاء اللون. وضمن هذا المناخ الاجتماعي, لم يكن والدي استثناءا. ولكنني اميل للقول ان دافعه كان عاطفيا, فقد سمع في هذا المجتمع المتغير, لآول مرة بكلمة اسمها : الحب, التي صار يسمعها ويراها في الافلام وحياة المدينة. ولذلك لم يفرط في اول دعوة حب قطعت طريقه, وكانت قد اطاحت بتوازنه الوجودي, وتعطل المنطق لتتحدث لغة الهوى. كُلّف الضابط الشاب القروي, مفتول العضلات والمبتسم دوما, بالتحقيق في قضية سرقة ذهب من اسرة امدرمانية ثرية. وسجل والدي اول نجاحاته المهنية بالقبض على السارق, ولكن بتردده على المنزل والتعارف الوثيق بافراد الاسرة, حدثت سرقة من نوع اخر ولكنها متبادلة: سرقة القلوب. فقد انشب (كيوبيد) سهامه في قلب ابنة الاسرة الوحيدة, وفي قلب الضابط الشاب. وعشا قصة حب اقرب للروايات الفرنسية في القرن ال19 عن معشوقة الرجل المتزوج, وتشاء الظروف ان يتزامن ذلك مع تعقيدات سياسات الاسرة التقليدية فهي تختلق مشكلات كادت ان تطيح بالاسرة الصغيرة. وقد اوشك ان يطلق والدتي وجاءته هذه الازمة من السماء فقد كان يبحث عن مبرر مريح يخلصه من عبء تلك الزيجة الجزافية.وقد جاء الفرج في اخر لحظة ولم يحدث الطلاق.
|
|
|
|
|
|