مأزق الشورى في مأزق الجماعة!! رؤية الأستاذ / عيسى إبراهيم

نعى اليم ...... سودانيز اون لاين دوت كم تحتسب الزميل فتحي البحيري فى رحمه الله
وداعاً فتحي البحيري
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-28-2024, 03:57 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة سيف الدين حسن العوض(سيف الدين حسن العوض)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
08-02-2007, 11:06 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مأزق الشورى في مأزق الجماعة!! رؤية الأستاذ / عيسى إبراهيم (Re: Elbagir Osman)


    الصادق المهدي و"الانكفائية" ودعاوى التجديد
    تعقيب على ورشة عمل الانصار"نحو مرجعية اسلامية جديدة ..."

    الحلقة الثالثة

    (9)[/align:396c1dbad5]
    بدأ السيد الصادق حديثه عن نظام الحكم ، بقوله (إن في الاسلام مبادئ سياسية واحكاماً ولكن ليس فيه شكل معين لدولة...) ولقد أكد هذا المعنى بقوله (إن حقائق الاسلام وحقائق التجربة التاريخية لا تقول بوجود دولة إسلامية معينة ملزمة للمسلمين انما توجد مبادئ سياسية اسلامية كالشورى والعدالة والحرية ..الخ)!! إن هذا التقرير العجيب يعني أحد أمرين: أما ان النبي صلى الله عليه وسلم ، لم يقم أي دولة ، أو انه أقام دولة ولكنها لم تكن دولة اسلامية!! أكثر من هذا!! الى ماذا يدعو السيد الصادق ، حفيد الأمام المهدي ، ما دام الاسلام أساساً ليس فيه نظام دولة؟! وماذا يأخذ السيد الصادق المهدي على العلمانيين ، الذين ما دعوا لترك الاسلام ، الا حين ظنوا ا كما ظن هو، انه ليس فيه نظام دولة؟ وهل يؤمن السيد الصادق بان الدين الاسلامي قد نظم حياة الفرد ، ورسم له كيفية ادارتها في كافة نواحيها ثم أهمل موضوع كيفية أقامة نظام الدولة؟!
    على ان السيد الصادق نفسه ، لا يلتزم بتصريحه هذا دائماً ، فهو يقول (الحكم الراشد قيمة يتطلع اليها الانسان عبر العصور وهو يقوم على اربعة اركان: المشاركة – المساءلة – الشفافية – سيادة حكم القانون . هذه القيم كلها توجد في النصوص القطعية الاسلامية) فعن وجود المشاركة يقول (الشورى هي المبدأ المنصوص عليه في القرآن لتحقيق مشاركة المسلمين) وعن وجود المساءلة وسيادة حكم القانون يقول (قال ابوبكر "رض" وليت عليكم وليس بخيركم فان احسنت فأعينوني وان اخطأت فقوموني" .. هذا مناخ فيه المخاطبون احرار) وعن وجود الشفافية يقول: (والنصوص الاسلامية تؤكد مبدأ الشفافية) .. فاذا صح كل هذا، وان المبادئ التي ذكر السيد الصادق ان الحكم الراشد يقوم عليها ، موجودة في النصوص القطعية الاسلامية ، فان السؤال هو: هل طبق الخلفاء الراشدون رضي الله عنهم هذه المبادئ واقاموا عليها حكوماتهم؟! بل هل طبقها النبي صلى الله عليه وسلم؟! فاذا كانت الاجابة نعم ، فلماذا صرح السيد الصادق بانه ليس في الاسلام شكل لدولة اسلامية؟ إن هذه الدولة التي انكر السيد الصادق وجودها ، ثم عاد واشاد بها ، هي نفسها التي تدعو لها الجماعات الاسلامية ، وتحاول اعادتها بديلاً عن الحكم الحديث ، ففيم يختلف السيد الصادق معهم ، ولماذا يسميهم "الانكفائية"؟!
    يقول السيد الصادق عن الدولة الاسلامية ، كما وصفها علماء السلف: (هذه النظرية حددت معالم الدولة الاسلامية قياساً على تجربة الخلفاء الراشدين . نظرية فصلها على اختلاف في التفاصيل الامام الشافعي في كتابه "الأم" وابن قتيبة في كتابه "الامامة والسياسة" والماوردي في كتابه "الاحكام السلطانية" . الخليفة الذي يقود هذه الأمة هو خليفة النبي في حراسة الدين وسياسة الدنيا وينبغي ان تتوافر فيه مؤهلات أهمها ان يكون عالماً مجتهداً شجاعاً سليم البدن والحواس قرشي النسب وان يختاره للخلافة أهل الحل والعقد وهم خيار الأمة بقياس الشرع من الرجال العدول) .. ألم يكن من الاجدى بدلاً من ان يعدد لنا السيد الصادق ، الكتب التي اطلع عليها ، ان يخبرنا أين يختلف مع هؤلاء العلماء حين ذكروا وجود الدولة الاسلامية وعددوا مواصفاتها؟!
    ولا يغني السيد الصادق ، ان يرفض مجرد وجود الدولة الاسلامية في التاريخ ، لأن الامويين أقاموا سلطانهم على البطش والقهر .. اسمعه يقول (هذه الآراء حظيت بقبول واسع لدى أهل السنة ولكنها لم تطبق ولم تقم بموجبها مؤسسات بل ظلت محض نظرية لان الحكام منذ الخليفة معاوية بن ابي سفيان أقاموا سلطانهم على القوة)!! فماذا عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وماذا عن الخلفاء الراشدين ، وعلى ماذا أقاموا سلطانهم ؟! ثم هل حكم معاوية بن ابي سفيان كان خلافة اسلامية ، حتى ينفي الصادق بسببه وجود الخلافة الاسلامية؟! ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم "الخلافة ثلاثون عاماً ثم تصبح ملكاً عضوضاً"؟!

    [align=center:396c1dbad5](10)[/align:396c1dbad5]
    لقد أنىّ للمسلمين ان يعلموا أن في الاسلام نظامان للحكم . نظام لم يطبق في الماضي ، رغم وجود نصوصه في القرآن، وهذا سنفصل فيه لاحقاً، ونظام طبق في الماضي ، وكان نموذجه دولة النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة ، ثم من بعده ، دولة الخلفاء الراشدين أبوبكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم .. ففي أخريات نظام عثمان ، نشبت الفتن والصراعات ، التي هزت نظام الحكم ، وقسمت المسلمين ، حتى اذا جاء علي بن ابي طالب رضي الله عنه ، لم يستطع رد الامر الى ما كان عليه سلفه ، فانقسمت الدولة بينه وبين معاوية ، وبانتصار معاوية انتهت الخلافة ، وبدأ الملك .. ولقد قام نظام الخلافة ، على نصوص واضحة من الشريعة ، فصلها علماء السلف ، في مئات المصنفات ، التي اشار السيد الصادق الى بعض المشهور منها .
    في الدولة الاسلامية الاولى ، التي قامت على الشريعة ، يمثل الخليفة السلطة الروحية والسلطة الزمنية، ويجمع في يده كل السلطات . والخليفة لم ينتخب ، بواسطة اغلبية الشعب، وانما اختارته سلطة روحية ، او اختارته صفوة ، ثم وافق عليه بعد ذلك ، معظم أهل المدينة .. اذ لا تشارك الامصار عادة في اختيار الخليفة ، ولا ياتي كل اهلها للبيعة. فهو في نهاية الأمر، قد املاه فرد ، أو افراد ووافقت عليه اقلية ، اذا اعتبرنا كافة افراد الدولة الاسلامية ، ممن لا يسكنون المدينة . وهو لم يختار في الاساس الا بسبب مكانته الدينية .. فحين اختلف المهاجرون والانصار، بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ، في سقيفة بني ساعدة حول الخلافة ، روي ان عمر بن الخطاب رضي الله عنه أراد ان يبايع أبو عبيدة بن الجراح وقال "ابسط يدك ابايعك فاني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول انك أمين هذه الأمة". قال ابوعبيدة "كيف تبايعني وفينا ثاني أثنين؟!" ، يشير الى ابي بكر الصديق رضي الله عنه ، فرجع عمر لنفسه وبايع ابابكر .. وحين مرض ابوبكر، وشعر بدنو اجله ، قال "وليت عليكم عمر بن الخطاب . فاسمعوا واطيعوا"!! وكان ذلك لان النبي صلى الله عليه وسلم ، يذكره دائماً بعده . وحين طعن عمر قال "لو كان ابوعبيدة حياً لوليته ولو كان سالم مولى حذيفة حياً لوليته فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم عن ابي عبيدة انه أمين هذه الأمة وعن سالم انه رجل يحبه الله" . واذ لم يجد عمر هؤلاء ، جعل الخلافة في الستة ، بقية العشرة المبشرين بالجنة ، وهم: علي بن ابي طالب ، عثمان بن عفان ، الزبير بن العوام ، طلحة بن عبيد الله ، سعد بن ابي وقاص وعبد الرحمن بن عوف . ومنع عبد الله ابنه ، من ان يرشح ، وسمح له بحضور مجلس المختارين . وحين اعترض الناس على عثمان رضي الله عنه ، وطلبوا منه ان يترك الخلافة ، قال "والله لا اخلع ثوباً البسني اياه الله" وأصر على ذلك حتى قتل دونه .[1]
    فاذا كان ما سردنا ، هنا ، صحيحاً وهو ثابت في كل كتب التاريخ الاسلامي ، فان عبارة السيد الصادق (إن مبادئ الاسلام السياسية تجعل المسلمين مسئولين عن اختيار الحاكم وهم المسئولون عن محاسبته أي انه حاكم مدني مفوض أمره للجمهور) ، لا تعدو ان تكون تضليلاً موبقاً، وتزويرا لحقائق التاريخ!!
    هذا النظام ، الذي يقوم على حكم فرد ، مدعوم بقداسة دينية ، يسمى في التعريف الحديث نظام ثيوقراطي .. والنظام الثيوقراطي ، في حقيقته نظام ديكتاتوري ، وهو يزيد على الدكتاتورية العادية ، بالقداسة الدينية ، التي تجعل معارضة الحاكم معارضة لله ورسوله!! ولما كان النبي صلى الله عليه وسلم ، صاحب تحقيق رفيع في مراقبة الله ، وعلى قدر كبير من التحقيق الاخلاقي ، والسلوك الانساني الرفيع ، ولما كان الخلفاء من بعده قد تأسوا به ما استطاعوا ، فإن دكتاتورية نظام الخلافة ، قد كانت الى حد كبير ، ملطفة بالاخلاق ، التي ساوت بين الراعي والرعية ، فلم تحجب العدالة .. وحين جاء المتأخرون ، قصرت بهم قامتهم الاخلاقية ، فتحولت نظم الحكم الاسلامي ، الى نماذج للبطش والظلم والقهر والفساد .. غير ان ضعف الكفاءة الفردية ، لم يكن العامل الوحيد ، لفشل الحكومات الاسلامية ، التي تلت الخلافة الراشدة الى يومنا هذا ، وانما تعقد الحياة ، وتطورها ، وتشعب مشاكلها ، واتساع طاقاتها ، اصبح اكبر من ان تستوعبه نفس التشاريع ، التي نهضت بحل مشاكل المجتمع في القرن السابع الميلادي ، ومكنت اؤلئك الرجال الافذاذ ، من بسط العدل ، على قدر ما سمحت به طاقة نظام حكمهم ..
    وفي نظام الخلافة الاسلامية ، لم يكن هناك استقلال للقضاء ، لأن الخليفة هو الذي كان يختار القضاة وحده ، كما يختار حكام الامصار والاقاليم ، وهو يملك ان يعزلهم ، كما يعزل الولاة ، ثم ان احكامهم يمكن ان ترفع اليه فيعطل منها ما شاء ويمضي منها ما يريد .. لهذا فان قول السيد الصادق (ومبادئ الاسلام السياسية تقبل الفصل بين سلطات الدولة . قال القاضي ابو يعلى في كتابه الاحكام السلطانية "القاضي اذا ولاه الامام صار ناظراً للمسلمين لا عن من ولاه فيكون القاضي في حكم الامام في كل بلد" هذا مبدأ استقلال القضاء) مبالغة لا تجوز على أحد!! لأن القاضي لا يحل محل الحاكم ، فهو لا يحكم الا فيما يرفع اليه من قضايا ، واذا سلمنا جدلاً بانه يحل محل الحاكم في الاقاليم ، فماذا عن القضاة في نفس المدينة التي بها الحاكم؟! هل هم سلطة موازية له ، أم هم بالنسبة له من ضمن الرعية؟ فاذا كانوا من ضمن الرعية ، فكيف يحوز رصفاؤهم في الاقاليم وضعاً افضل؟!
    ورغم ان السيد الصادق ، قد حدثنا هنا، فيما نقل عن احد علماء السلف ، عن وجود استقلال القضاء ، فانه قد عاد وناقض نفسه ، كاهو دأبه في هذه الورقة العجيبة فقال (ضرورات العدالة اليوم لا تسمح لشخص واحد ان يجمع في يده كل السلطات مثلما فعل الخلفاء في الماضي) ويقول أيضاً (التطلع لامام واحد بالتعيين الالهي أو لخليفة واحد بصلاحيات الخلافة التي عددها الماوردي يجمعا في ايديهما كل سلطات الدولة ويمارسانها على كافة الشعوب الاسلامية تطلع يناسب الظروف التاريخية الابوية ولا يناسب النظم المؤسسية الحديثة في ادارة الشأن العام)!!
    ومع ان هذا الكلام يعتبر محمدة، اذا قاله مثقف معاصر، الا انه عندما يصدر من السيد الصادق فهو مذمة .. وذلك لانه يناقض تراثه ، وتاريخة ، وما ظل يردده طوال حياته . فلقد اشاد الصادق بالمهدي وقال (إنها دعوة لإمام القرن الذي كلفه الله ورسوله بسد فراغ القيادة التي شغرت بخلو كرسي الخلافة عن المصطفى). [2] أليس هذا هو التعين الالهي الذي رفضه واعتبره لايناسب واقع العصر؟! فاذا كانت المهدية لا تناسب النظم الحديثة فعلى ماذا يقوم كيان الانصار الذي نظم هذه الورشة؟ ولماذا قبل الصادق بيعتهم كأمام للانصار، والامر الذي هم انصار له قد أصبح في ذمة التاريخ؟
    ان نظام الخلافة ، بما فيه من صلاحيات للخليفة ، كما فصلها الماوردي ، قد ورد بنصوص قطيعة الورود والدلالة ، وحتى كون الخليفة من قريش ، ورد بحديث صحيح . والصادق عندما يرفض هذه النصوص ، يناقض ما ظل يردده من ان الاجتهاد يجب الا يكون فيما ورد فيه نص قطعي الورود والدلالة. ولو ان السيد الصادق اكتفى برفض النصوص ، لصنف بواسطة الاسلاميين على انه علماني ، وهو اتهام لا يحتمله الصادق ، بعد ان بنى زعامته على جماهير لا تصوت له ، الا لانه حفيد الامام المهدي!! كما انه في نفس الوقت ، لا يحتمل ان يتبنى كل الفهم السلفي التقليدي ، فيفقد وضعه بين المثقفين ، ويصنف من القوى الدولية كمتطرف ، مما يباعد بينه وبين السلطة ..
    هذا الوضع المزري ، لم يترك للرجل خياراً، غيران يبحث عن نصوص دينية تدعم الحرية والديمقراطية ، وتتسق مع حقوق الانسان!! لنرى ماهي النصوص التي وجدها ، يقول الصادق (لا معنى للشورى اذا لم تتوفر معها ثلاثة اسس مساندة لها وهي الحرية: اذ لا فائدة من شورى مكرهين مرعوبين "لا اكراه في الدين" الحرية تكفلها نصوص اسلامية ناصعة "فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر" "انما انت مذكر لست عليهم بمسيطر")!! ولكن هذه الآيات منسوخة ، ولو لم تنسخ لما قام الجهاد. والصادق لا يختلف عن بعض قادة الجماعات الاسلامية ، الذين كلما تحدثوا عن سماحة الاسلام أوردوا آية "لا اكراه في الدين"!! جاء في تفسير الآية (وقد ذهب طائفة كثيرة من العلماء ان هذه محمولة على أهل الكتاب ومن دخل في دينهم قبل النسخ والتبديل اذ بدلوا الجزية. وقال آخرون: بل هي منسوخة بآية القتال وانه يجب ان يدعى جميع الامم الى الدخول في الدين الحنيف دين الاسلام فان أبى احد منهم الدخول ولم ينقد له أو يبذل الجزية قوتل حتى يقتل وهذا معنى الاكراه).[3]
    ان الصادق المهدي ، حين يدعو للآيات التي ذكرها ، إنما يدعو لبعث القرآن المنسوخ ، شعر بذلك او لم يشعر .. وبعث القرأن المنسوخ ، يعني بالضرورة نسخ القرآن الناسخ ، لان الحكمين المتعارضين لا يقومان معاً.. فلو ملك الصادق قليلاً من الامانة الفكرية ، وقليلاً من الشجاعة ، ودعا صراحة لنسخ النصوص ، التي يقوم عليها نظام الخلافة ، واستبدالها بالنصوص التي تقوم عليها الديمقراطية والحرية ، لاخرج نفسه من هذا التناقض.. ذلك لان جوهر الدين ، يجب ان يحقق كرامة الانسان ، وان (ضرورات العدالة اليوم لا تسمح لشخص واحد ان يجمع في يده كل السلطات....) كما قال . لو فعل ذلك يكون قد وفق للاجتهاد الحقيقي ، الذي يصادم النصوص القطعية ، ويرتفع منها الى نصوص احسن منها استجابة للامر الالهي "واتبعوا احسن ما انزل اليكم من ربكم من قبل ان يأتيكم العذاب بغتة وانتم لا تشعرون"!!
    ان المشكلة التي تواجه السيد الصادق ، هي ان الايات التي أوردها ، والفهم الذي يشرح انها تحوي الديمقراطية والحرية ، والدعوة لتحكيمها لانها اصل الدين ، ولانها التي تحقق كرامة الانسان ، قد فصله الاستاذ محمود محمد طه في اكثرمن ثلاثين كتابا ، واقام عليه دعوته المؤسسة لتطوير التشريع الاسلامي ، قبل ان يبلغ الصادق الحلم . ولم يمهل الصادق نفسه ليطلع على هذه الفكرة ، وسارع برفضها ، ولما يفهمها بعد ، وسماها "الطاهوية" استهزاء ، وسخرية ، والحقها بالبهائية والقاديانية تشويها واستعداء للبسطاء عليها!!
    والآن!! عندما اراد الصادق ان يقدم نفسه كشخصية اسلامية عالمية مجتهدة تريد ان تدعو العالم الاسلامي الى مخرج يفرق بين الاسلام والارهاب ، ويقدم فهماً يقبل حقوق الانسان ، لم يستح ان (يسرق) هذه الفكرة التي وصفها بذميم الصفات ، وظن- في ذلك الوقت - جهلاً وغروراً ، انه يمكن ان يتجاوزها ثم يأتي بشئ ذي بال!!

    [align=center:396c1dbad5](11)[/align:396c1dbad5]
    بدأ السيد الصادق حديثه عن الشورى بقوله (الشورى هي المبدأ الديني المنصوص عليه في القرآن لتحقيق مشاركة المسلمين فيما يليهم من أمور. وقيل انه استشارة أهل الرأي ثم اتباع ما يشيرون به . "وامرهم شورى بينهم" ولكن اختلف حول هذا الأمر هل الشورى معلمة أم ملزمة؟ ومن هم أهل الرأي؟) ثم قال (أقول الشورى هي اشراك الآخرين في الامر الخاص والعام ، انها مبدأ المشاركة ، وهي مبدأ خلقي سياسي كالعدالة ، وهما ضمن مبادئ اخرى يمثلان منظومة مبادئ الاسلام السياسية كالوفاء بالعهد والقيادة الرشيدة والرعاية الاجتماعية ، وهلم جرا)!!
    أليس هناك فرق بين ان يقال ان الشورى هي اشراك الآخرين في الامر الخاص والعام ، والقول بان الشورى هي استشارة أهل الرأي؟! فان كان هناك اختلاف فلماذا يريدنا الصادق ان نقبل كلا التعريفين؟!
    أما المفسرون الأوائل ، وسائر الفقهاء ، فقد فهموا من النصوص ، ومن واقع التطبيق ان الشورى لا تلزم المُشاِور ولكنها تطيب من خاطر المستشار .. قال تعالى (فبما رحمة من الله لنت لهم ، ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك ، فاعف عنهم ، واستغفر لهم وشاورهم في الأمر ، فاذا عزمت فتوكل على الله) .. فبعد ان وصفت الآية النبي الكريم عليه الصلاة والسلام ، باللين وعدم الغلظة ، واوضحت ان هذا من اسباب التفافهم حوله ، دعته لتجاوز اخطاءهم ، والاستغفار لهم ، ومشاورتهم في الامور ، وكل ذلك بغرض اشعارهم بانسانيتهم ، وتطيب خواطرهم .. ولكن امر اتخاذ القرار متروك له وحده ، وليس لهم ، ولذلك قال (فاذا عزمت فتوكل على الله) أي نفذ ما عزمت عليه ، ولم يقل (فاذا عزمتم فتوكلوا على الله)!!
    جاء في تفسير الآية التي اوردها السيد الصادق ، وهي قوله تعالى (وامرهم شورى بينهم) (أي لا يبرمون أمراً حتى يتشاوروا فيه ليتساعدوا بآرائهم في مثل الحروب وما جرى مجراها كما قال تبارك وتعالى "وشاورهم في الأمر" ولهذا كان صلى الله عليه وسلم يشاورهم في الحروب ونحوها ليطيب بذلك قلوبهم)!![4]
    ولأن الشورى غير ملزمة ، فان النبي صلى الله عليه وسلم كان يشاور اصحابه ويوافقهم ، ويشاورهم ويخالفهم .. ومن أمثلة مخالفته لهم ، في أمر كان شديد الوضوح ، ما حدث في صلح الحديبية . فقد كان الصلح في نظر الاصحاب مجحفاً، فنفرت منه نفوسهم أيما نفور، ولقد عبر عمر بن الخطاب عن اعتراضهم ، وراجع النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم ينته حتى صاح به ابو بكر رضي الله عنه (ألزم غرزك)!!
    ولقد شاور ابوبكر رضي الله عنه ، الاصحاب حين ولي الخلافة ، في امر مانعي الزكاة ، فاستنكروا ذلك وقالوا "كيف تقاتل اناس يشهدون ان لا اله الا الله وان محمداً رسول الله"؟! فقال "والله لو منعوني عقال بعير كانوا يؤدونه لرسول الله لقاتلتهم عليه"!! واصر على موقفه ، ونزل الاصحاب عند رأية ، لعلمهم بانهم لا يستطيعون ان يثنوه مهما كثر عددهم لأن الشورى ليست ملزمة .
    وحتى يجوز السيد الصادق ، على المثقفين من اتباعه ، موضوع الشورى ، صورها وكأنها الديمقراطية ، فقال (لا معنى للشورى اذا لم تتوافر فيها ثلاثة اسس مساندة لها: الحرية ...... منع الانفراد بالسلطة ........ الاعتراف بمشروعية تعدد ...) ولقد ذكر الصادق نفسه ، ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يمارس الشورى ، في دولة المدينة ، فهل كانت هناك حرية لغير المسلمين في تلك الدولة؟! أم ان الحكم قد كان قتال المشركين ، حتى يسلموا وقتال اهل الكتاب حتى يعطوا الجزية ، عن يد وهم صاغرون؟! ألم يكن في دولة المدينة رقيق؟! ألم يكن بعض هؤلاء العبيد مؤمنين ، ولم يمنعهم ذلك ان يظلوا عبيداً؟! فلماذا هذا التضليل ،ولماذا القول بانه لامعنى للشورى اذا لم تكن هناك حرية؟
    وهل تمنع الشورى الانفراد بالسلطة؟! ان الشورى بطبيعة الحال آلية تعين الحاكم الفرد ، بل نحن لا نحتاج لها أصلاً لو لم يكن الحاكم منفرد بالسلطة ، لان نظام حكم الجماعة بنفسها ، أو بواسطة ممثلين منتخبين ، هو الديمقراطية وليس الشورى . وليس في الشورى تعدد ، وليس في الدولة الاسلامية ، احزاب بالمعنى الحديث ، ولا تقبل الاحزاب بمعنى التجمعات ، لأن الشريعة لا تعترف الا بحزب واحد هو حزب الله!! قال تعالى (رضي الله عنهم ورضوا عنه أؤلئك حزب الله الا ان حزب الله هم المفلحون) . ولما كانت محاولة الربط بين التعددية والشورى ، محاولة توفيقية ، متعسفة فقد كان تبرير السيد الصادق ، غاية في الضعف والالتواء ، فقد قال (الاعتراف بمشروعية تعدد "استفت نفسك وان افتاك الناس وافتوك") فهل هذا الحديث ، رغم عدم علاقته بموضوع الشورى ، يدل على الفردية ام التعددية؟! ويواصل الصادق فيقول (وقال "اذا حكم الحاكم فاجتهد فاصاب فله اجران واذا حكم فاجتهد فأخطأ فله أجر")!! أين التعددية هنا؟ من يتحدث عنه الصادق ، حاكم فرد ، يمارس الخطأ والصواب ، وحده ، ويحصل على الاجر في كلا الحالين وحده!!

    [align=center:396c1dbad5](12)[/align:396c1dbad5]
    يحدثنا السيد الصادق ، عن محاولات تطبيق الشريعة الاسلامية ، في العصر الراهن ، فيقول عن تجربة نظام نميري (لقد استهل نميري تطبيق الشريعة بالقانون الجنائي واسرف في تقطيع الايادي حتى بلغت مأتي حالة في ستة أشهر 83- 84 حينما كان السودان يمر بمجاعة)!!
    وعن التجربة الباكستانية (لقد حكم ضياء الحق بشرعية ضعيفة للغاية لذلك وعد باجراء انتخابات حرة خلال ثلاثة اشهر ولكنه لم يف بذلك ، وكذلك اخلف هذا الوعد مرتين لاحقتين . فأخذ يبحث عن الشرعية من خلال تطبيق الشريعة واعد برنامجاً لتطبيق الشريعة واجرى عليه استفتاء شعبياً واشترط بان اذا صوت المواطنون لتطبيق الشريعة فسيكونون تلقائياً قد صوتوا له ليحكم خمس سنوات اخرى.. هذا هو الضرر الاساسي الذي سببه للاسلام وهو ان يربط بين الاسلام بالدكتاتورية)!! ويقول عن التجربة الافغانية (أغلقت الحركة مؤسسات التعليم المدني وحظرت التصوير الفوتغرافي واغلقت محطات التلفزيون واعتبرت الفنون الجميلة رجساً منكراً، والزمت النساء المنازل ومنعت خروجهن واخيراً عوضت نضوب ايرادات الدولة بانتاج 400 طن من الافيون في السنة مشوهة اسم الاسلام اكثر)!! وحتى التجربة الايرانية التي اشاد بها كثيراً قال عنها (ولكن الفشل في استيعاب الاخر قاد لتواصل جولات العنف)!!
    وبعد ان ذكر لنا فشل كل هذا التجارب ، حدثنا عن الدروس المستفادة ، من هذا الفشل المتنوع فقال: (1- تطبيق الشريعة ملزم شرعياً للمسلم 2- تطبيق الشريعة في النطاق الخاص والشخصي أمر يتعلق بالمجتمع المتدين)!! ان الصادق المهدي متجاذب ، بين فهمه السلفي للدين ، وبين دعاوى الحداثة ، التي ما ادعاها الا ليجاري الواقع ، ويمد من عمر رئاسته لحزبه . فلو كان مثقف عادي ، لخلص من دراسة فشل محاولات تطبيق الشريعة ، الى فصل الدين عن الدولة .. ولو كان مفكر ديني واعي ، لخلص الى ضرورة تطوير التشريع . واكبر الادلة على هذا التناقض اشادة الصادق بنظام الشورى تارة ، ونقده باعتبار عدم صلاحية ان يجمع الفرد في يده كل السلطات تارة أخرى ، ثم الاشادة بالديمقراطية ، ومحاولة الرجوع مرة أخرى للشورى ، والقول بانه لا فرق كبير بينها وبين الديمقراطية!!
    ولما كان السيد الصادق يستعيض بالكلمات عن الفكر ، تحدث عن تطبيق الشريعة في النطاق الخاص ، مع ان هذا ليس موضوع الخلاف ، بين دعاة تطبيق الشريعة ومعارضيهم ، ولا هو السبب في فشل التطبيق، الذي كان يتحدث عنه .. ومهما يكن من امر، فلا يمكن لشخص ان يقول ان التطبيق الشخصي للشريعة ، يتعلق بالمجتمع المتدين ، لان الفرد المتدين ، هو مدار التطبيق الشخصي ، وليس المجتمع ، ذلك ان الفرد يمكن ان يكون متديناً ، في مجتمع لا علاقة له بالتدين..
    أما في النطاق العام ، فان السيد الصادق ، يرى ان تغير الزمان والمكان ، يجب ان يؤثر على تطبيق الشريعة ، ويقول: (3- ولكن في النطاق العام هناك جوانب يجب مراعاتها مثل: تغير الزمان والمكان – حقوق غير المسلمين – احوال المجتمع الدولي وغيرها . وعلى المسلم ان يعي بانه في مثل هذه الامور فان هامش التطبيق واسع يجعل بعض الالتزامات ضرورية في حالات معينة وبعضها اقل ضرورة واخرى غير ضرورية لانها تضر بمقاصد الشريعة النهائية . ان نص الاسلام الموحى – القرآن يسمح للمسلم في بعض الاحيان بالتصريح بالكفر وقلبه مطمئن بالايمان . وفي احيان أخرى يتوقع منه اتباع كل المبادئ والتعاليم . والقرآن يشير الى تقوى الله ما استطعنا وكذلك الى تقواه حق تقاته . ويتحدث عن: كفوا ايديكم واقيموا الصلاة في مكة ، وعن مواجهة الظلم في المدينة ، وهكذا .)!! ماذا يعني الصادق بمراعاة تغير الزمان والمكان؟ وماذا يعني بمراعاة احوال المجتمع الدولي؟! هل تجعلنا هذه المراعاة ،لا نطبق نص قطعي لان الزمن قد تغير؟ فان كان يعني ذلك فلماذا لا يقوله صراحة ، ويحدد لنا النصوص التي لن نطبقها ، فيما يخص حقوق غير المسلمين؟ ثم هل حقاً يسمح الاسلام للمسلم ، في بعض الاحيان ، بالتصريح بالكفر أم انه يسمح بذلك فقط ، لمن اكره وخشى على نفسه الهلاك؟
    أما خطأ السيد الصادق ، في فهم آيتي "اتقوا الله حق تقاته" و "اتقوا الله ما استطعتم" فقد سبق ان اوضحناه ، كما اوضحنا خطأه في آية "كفوا ايديكم واقيموا الصلاة" ، فهي مدنية وليست مكية ، كما قرر، فهي الآية 77 من سورة النساء .. ثم انها لا تختلف عن أيات المدينة ، التي دعت الى مواجهة الظلم ، ثم دعت اخيراً الى قتال المشركين ، فالآية في تمامها هي "ألم تر الى الذين قيل لهم كفوا ايديكم واقيموا الصلاة وآتوا الزكاة فلما كتب عليهم القتال اذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله أو اشد خشية!! وقالوا ربنا لم كتبت علينا القتال؟! لولا أخرتنا الى أجل قريب ، قل متاع الحياة الدنيا قليل!! والآخرة خير لمن اتقى ولا تظلمون فتيلاً" فهي تنعى على المسلمين ، انهم كانوا يتطلعون للقتال ، وهم في مكة ، حيث أمروا بان يكفوا ايديهم ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة .. ولما جاءوا الى المدينة وكتب عليهم القتال ، خاف بعضهم من الكفار، وطلبوا ان يؤخر عنهم الامر بالجهاد ، وقد نعى الله عليهم التقاعس ، وفي ذلك حث لهم على الجهاد ..
    أما حديث السيد الصادق ، عن الديمقراطية ، فسنناقشه في مقال منفرد ، ونربطه بممارسته ، في الفترات التي حكم فيها ، ذلك لان خلل الممارسة ، انما هو انعكاس للتخبط الفكري ، وضعف الفهم الديني الذي يرزح تحته الرجل ، منذ ان ظهر لأول مرة ، في اول وظيفة له في الحياة العامة ، كرئيس وزراء حكومة السودان!!

    د. عمر القراي
    - نواصل –

    [1] - راجع تاريخ الطبري –المجلد الثاني ص 244 وما بعدها .
    [2] - الصادق المهدي: يسالونك عن المهدية ص 70
    [3] - تفسير ابن كثير-الجزء الاول ص 294
    [4] - تفسير ابن كثير –الجزء الرابع ص 120
                  

العنوان الكاتب Date
مأزق الشورى في مأزق الجماعة!! رؤية الأستاذ / عيسى إبراهيم سيف الدين حسن العوض07-31-07, 09:19 AM
  Re: مأزق الشورى في مأزق الجماعة!! رؤية الأستاذ / عيسى إبراهيم سيف الدين حسن العوض08-02-07, 04:51 AM
  Re: مأزق الشورى في مأزق الجماعة!! رؤية الأستاذ / عيسى إبراهيم Elbagir Osman08-02-07, 05:58 AM
    Re: مأزق الشورى في مأزق الجماعة!! رؤية الأستاذ / عيسى إبراهيم سيف الدين حسن العوض08-02-07, 08:53 AM
    Re: مأزق الشورى في مأزق الجماعة!! رؤية الأستاذ / عيسى إبراهيم عبدالله عثمان08-02-07, 11:06 AM
      Re: مأزق الشورى في مأزق الجماعة!! رؤية الأستاذ / عيسى إبراهيم عبدالله عثمان08-02-07, 11:17 AM
        Re: مأزق الشورى في مأزق الجماعة!! رؤية الأستاذ / عيسى إبراهيم سيف الدين حسن العوض08-02-07, 03:52 PM
          Re: مأزق الشورى في مأزق الجماعة!! رؤية الأستاذ / عيسى إبراهيم سيف الدين حسن العوض08-06-07, 09:00 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de