الحلقة الثامنة: السبر سر الحياة.. في البدء التحية للأستاذ الباحث على الضو (احد الرواة في هذه الحلقة) ، وهو رجل كنا نقرأ دراساته المحكمة ايام الشباب ، وقد كتب كثيرا عن فلكور مناطق جنوب النيل الأزرق ، ومن دراساته المرجعية الدراسات عن الوازا (كيف تصنع ، كيف تعزف..مقاماتها الموسيقية..الخ)..وكان من ضمن الباحثين في معهد الدراسات الأفريقية والأسيوية بجامعة الخرطوم..! هذه حلقة مميزة للغاية (بالرغم من انه حكم مسبق لعدم اكمال مشاهدة الحلقات كلها) والتميز فيها هو الشجاعة في القدرة على كسر التابو الحديث في الثقافات السودانية..واتمنى ان تكون قد بثت الحلقة في القنوات الثلاثة التي تبث السلسلة..واتمنى الا تثير هذه الحلقة جدل سلبي.. فهذا هو ملمح من ملامح السودان ..واتمنى ان تكون لنا روح رياضية لتقبل التنوع بكل حقيقته الكبيرة ، والتي تشكل هذه الحلقة جزء صغير منه..! تتميز هذه الحقلة ، وسابقتها ، بحضور مميز وواضح للمرأة في دور المجتمع..حضور يعرف دوره وحدوده الوجودية ، ولا يعاني قمع او تصغير او استحقار حتى..! ايضا من ميزات هذه الحلقة غياب رواي السلسة الدكتور اسامة الأشقر..واحترمت غيابه ، وارجو الأ يكون لسبب ايدولوجي او اعتقادي..! في هذه الحلقة نلاحظ وجود الرواة من اهل المنطقة ، وهي حيلة جيدة ان يركن لها فريق ارض السمر ، بان يمنح الفرصة للأنسان المحلي ليفصح عن ذاته ويحكي عن مكنونها...!..وتعدد الرواة هي رسالة تفيد بان هذا ارث ثقافي لا يعرف عنه فرد واحد وانما المجموعة كلها تعرف عنه وتحفظه وتعمل علي سيرورته وصيرورته.. معظمنا ، في منهج التأريخ المدرسي (التاريخ الرسمي كما ترويه الدولة)، كنا ندرس عن الهمج ودورهم في السلطنة الزرقاء..ولكن لم نراهم ..ولم نكن نعرف كيف تبدو ملامحهم وعاداتهم وثقافتهم..! جيد ان اختار فريق ارض السمر ، هذا العنوان العميق..فالأسبار ظاهرة ثقافية وروحية لها حضورها المتميز في الثقافات السودانية الأصيلة..! السبر هو مهرجان الطقوس ، وغالبية الناس قد تظن ان الأسبار خاصة بمنطقة جبال النوبة ، او على الأقل لازال تتنتشر فقط في جبال النوبة..وهذه الحلقة تقدم اكتشاف جديد..على الأقل في مستوى الثقافة العامة..! شيخ/ة العادة الذي تتحدث عنه الحلقة هو ما يعرف في ثقافات جبال النوبة باسم الكجور..والترانيم موجودة في غالب الأسبار وتؤدى بنفس الطريقة الجماعية الجميلة..! تقسيمات الصفارة (الزمبارة) ، اصوات مثل (آلتو/تينور/سبرانو..الخ)..وهؤلاء الناس يفعلون مثل هذه التقسيمات على الطبيعة دون دراسة أو نظرية..!! هذه التقسيمات مهمة للغاية ، فمجموعة الهمج تعتد بالثلاثية..وهذه قصة طويلة فطن لها بعض الباحثين...اعني ظاهرة الثلاثية التي اسميها المثالثة في دراسة لم ترى النور بعد..التقسيم الذي يعتمد المثالثة.. نراه في نظام الدولة الحديثة..حيث تقسم السلطات الى ثلاث : تنفيذية وتشريعية وقضائية..ونظام الهمج تفوق على هذا التقسيم..حيث نجد عندهم: سلطة ادارية (تحتوي التقسيمات الثلاث المعروفة) وسلطة روحية ، وسلطة موسيقية (اصحاب الصفارة وتقسمياتها الثلاثية)..!..وهذه السلطة نلاحظ حضورها في المزاج السوداني العام في امسودان ، وحب الناس للغناء..والبرامج الغنائية العديدة ، وبقاء الغناء السوداني كمؤشر للتطورات والتحولات الإجتماعية ، كل ذلك يأتي من مخزون سري بعيد.. تكشف عنه ثقافة اهلنا الهمج.. بالرغم من أن الزمبارة عندهم ذات روحية وقدسية..ولكن هذا تجلي في شكل ازاحة ثقافية ووجودية عمت كل الوجداني السوداني ، دون ان ندرك جذرها الأصل الذي يعود لسلطة الموسيقى وفق تقسيمات السلطة في نظام الهمج الثقافي والإعتقادي والروحي..!!! طريقة الدخول لبيت الكجور (معليش يا علي الضو ، نحن نكتب بمخزوننا الثقافي الخاص) ، النساء تدخل ووجها لداخل القطية ، وحينما تخرج ايضا يكون وجهها لداخل القطية (يعني حركة ورا/خلف) وقد قدم تفسير لذلك..ولكن..!! هناك لقطة اخرى ، تدخل الناس الى القطية بحركة ورا (يعني وجوهها للخارج وهي تدخل القطية)...ولم تقدم تفسيرات لهذه اللحظة..!! تمثيل المرأة حاضر في تقسيمات الصفارة..حيث هناك قسم يمثل صوت المرأة..وقسم يمثل صوت الرجل ، وقسم اخر يمثل صوت العجوز (امرأة و رجل)..فهل هناك فسلفة للعدالة تفوق هذا الأمر؟.. ظهور الدائرة بكثافة في الرقص (خصوصا عند الخزان)..ونفس الشكل يظهر في رقص الفلاتة ويلا..وغيرها من رقصات سودانية ، وحتى طريقة توزيع بيوت الفرقان ، بتكون في شكل دائرة..وهذه عندها معني روحي وفلسفي مرتبط بالمعارف القديمة.. (حتى اليوم الدائة عندها خصوصية في معتقدات كثيرة..!!).. طريقة البناء ، تختلف عن طريقة بناء الفلاتة ويلا في الحلقة السابقة ، فهنا البناء قطاطي ، والقاعدة طينية..وهذا يوضح الفرق بين نمط بناء الرحل والزراع (المستقرين)..!..ولكن الأشارة المهمة التي تحدثنا عنها من قبل ونريد ان تضعها الناس في الإعتبار..الشبه بين شكل القطية وشكل الهرم..!! الحلقة في منطقة خزان الرصيروص ..ويلاحظ ارتباط الناس بالبحر (وهو النيل الأزرق في هذه الحالة) في تلك المنطقة..!! الأسبار عندها مواقيت وشروط وقيود..ولاحظ ارتباطها بموسم قبل الزراعة واثناء الزراعة ثم زمن الحصاد..ومؤكد هناك اسبار تتعلق بالزواج ، الميلاد ، الموت ، السفر..الخ..! في اخر الحلقة يلاحظ حضور القمر المكتمل ، وفي الحلقة يتحدث البعض عن نجمة الضيف..!! بالأمس نشرت فصل من رواية في هذا المنبر (وللأمانة قبل مشاهدة هذه الحلقة) وهي رواية تحاول ان تربط الزمن الحضاري البشري الحالي بزمن مملكة سودانية اسمها مملكة علوة..تحديدا نظام الإعتقاد الروحي والعلاقة بالكواكب والنجوم..!! وهذه الحلقة رسخت لي بعض المفاهيم التي ازعمها ، وبصورة اجمل واعمق..!! من الملاحظات الأخيرة..نجح فريق التصوير في تسجيل لحظات انسانية نادرة..صورة الدمعة..وللغرابة..بالتقاسم العادل ..صورة دمعة لزولة بتحاول تخفيها بطرف التوب ، صورة دمعة لرجل بيحاول يخفيها بطرف العمة..! عني ، عرفت كيف انو انسان الهمج حنين للغاية، تلك الترانيم تجل الصخر يدمع فما بالك بالإنسان..!!..اما ليه يدمع انسان الهمج..فهنا اخير نخليها مستورة..! التحية لفريق ارض السمر ، وهذه شجاعة في التعرض لهذه الثقافات..والشجاعة الأكبر ان تعرض القنوات السودانية هذه الحلقة..ويظل هذا هو جزء من امسودان ، وجزء اصيل يحظى بالإحترام والإعتراف به من باب التنوع..! امنيات بمتابعة طيبة.. كبر
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة