الحلقة السادسة..سواكن الجزيرة المنسية كانت جدتي لأمي واسمها ام سماح ام عسكرية ، لها حنين خاص تجاه مدينة سواكن ، ولم تراها بالرغم من انها بلغت المأئة وثلاث سنين من عمرها رحمها الله. وهذا الحنين لأن مدينة سواكن ضمت رفات والدها الشيخ نصر السكران ولد ماهل ولد شنه ، وكان من ضمن شيوخ المسيرية التسعة الذين نفاهم الناظر ولد الجبوري من منطقة المسيرية الى مدينة سواكن ، وكان النزاع اداريا بحتا يتعلق بشيوخ تمردوا على سلطة ناظرهم ، وكان ذلك في زمن اواخر عهد المهدية. وتقول جدتي ام سماح انه حينما توفى والدها عليه السلام ، كانت هناك موسيقى جنائزية تعزف نغم يقول(يا غريب بلدك وين) او كما حكي لها العائدون من السجن في سواكن. ومنذ ذلك العهد ارتبطت سواكن في ذاكرتي بهذا الحدث وكنت اسأل نفسي دوما يا ترى كيف تبدو هذه المدينة الأسطورية العجيبة ، ومطلقا لم احمل حنقا تجاه المدينة ، فالساسة يتغيرون ويذهبون الى حالهم ولكن المدينة ظلت باقية. سمعت عن الأساطير حول وجود النبي سليمان عليه السلام في هذه المدينة ، وكنت ايضا ابحث عن اشارات تعضد هذا المنحي ، ولكني اكتشف ما هو اجدى من ذلك بان سواكن كانت مدينة عالمية ، يعرفها العالم القديم حق المعرفة.. وكنت احيانا ابحث عن معلومات عن سواكن ، فاجد حلقات عديدة في اليوتوب بلغات عالمية (انجليزية ، فرنسية ، المانية..الخ) وهي تتحدث عن ارخبيل سواكن وعوالمه المدهشة ، كل من يحب البحر بالتأكيد يتوقف كثيرا في سواكن.. سلسلة (السودان ارض السمر) زارت المدينة وطافت فيها من باب التعريف بالمكان دون الخوض في تفاصيل تاريخية عديدة (لأن تفاصيل سواكن في التأريخ تحتاج حلقات عديدة) ، واعجبني حكي اهلها ممن استضافهم البرنامج (شنقراي ، حسين ، هداب) ، وادهشني صبر عمنا الأستاذ محمد نور هداب مؤسس القرية السياحية في سواكن ، وهو يعمل بجهد فردي وشخصي (اشترى الأرض ودفع تكاليف اعادة الترميم ، وجمع مقتنيات المتحف..الخ)..فهل لازال ترميم مباني سواكن وصيانتها يعتمد فقط على الجهد الفردي؟..هل هناك جهود حكومية وعالمية لحماية عمران سواكن ؟.. في سنة 1997 ، قدم الأردني عبد الرحيم سالم (يعمل مع الأمم المتحدة/ ومشارك في فريق يهتم باعادة ترميم وصيانة عمران سواكن) قدم دراسة حقلية للأمم المتحدة (اليونسكو) عن عمران سواكن ، وقد قدم معلومات مهمة عن بداية المدينة في التأريخ الموغل في القدم ، وماهي العقبات التي تواجه عملية الترميم. وسوف ننقل بعض المعلومات (بتصرف) من تلك الدراسة. تاريخيا ، تذهب الدراسة بان سواكن مأهولة بالسكان من ازمان سحيقة تعود الى سنة 3000 قبل الميلاد. وفي القرن العاشر قبل الميلاد ، قد مر (او اقام) فيها الملك سليمان ملك القدس. ويعتقد المؤرخون بان سواكن نالت اسمها الحالي في الفترة ما بين سنة 750 وسنة 950 ميلادية. وبدأ حكام المسلمين بارسال الحملات الى سواكن في سنة 960 للتبشير بالإسلام . في سنة 1215 ارسل سلطان مصر حملة عسكرية للسيطرة على مدينة سواكن. في بدايات القرن السادس عشر كانت سواكن تحت سيطرة حكم الفونج بقيادة عمارة دنقس.في سنة 1540 هاجم الأسطول البرتغالي بقيادة استيفانو دا جاما مدينة سواكن ، بغرض السيطرة على سواكن ، وقام بضرب المدينة ، ثم ابحر الأسطول دون التوغل ، وكان غرضه صرف ممرات التجارة وتوجيهها الى اوربا. وصفها البرتغالي دون خوان دا كاسترو بانها من أغنى مدن الشرق ، وشببها بمدينة لشبونة البرتغالية ، وان السفن التي تنتظر في ميناءها (سواكن) يفوق المأتين سفينة تنتظر في الميناء لتفريغ حمولتها من البضائع. تقول الدراسة ، بان سواكن ، كانت مساجدها تشكل اماكن للعبادة والتعليم والتنوير ، وان اول مدرسة نظامية انشئت في سواكن في سنة 1892 وتعتبر الأولى من نوعها في السودان. هناك مشاريع عديدة لترميم عمران سواكن ، وبدأت مثل تلك المشاريع منذ العام 1933 ولكنها واجهت مشاكل منها قلة التمويل ومنها مشاكل قانونية . مشكلة التمويل تمثلت في شح الموارد المقدمة من حكومة السودان. الشاهد ان مصلحة الأثار السودانية لم تحاول الإستعانة بالأخرين ، بمن فيهم مواطني المنطقة ، ناهيك عن جهات دولية. اضافة لذلك سواكن لم تسجل كواحدة من المواقع الأثرية العالمية ، وهذا الإجراء لو تم سوف يفتح الفرص امام اعانات كثيرة ذات اهتمام بالأثار وترميمها وصيانتها. اما بالنسبة للعوائق القانونية ، فهناك قيود على صرف المال العام في حكومة السودان ، ومنذ عهد الإستعمار الإنجليزي كانت المسألة تتعلق بانه لا مال عام يمكن ان يصرف على عقارات مملوكة ملكية خاصة ، ومن الناحية الثانية ، عدم قدرة الحكومات السودانية للتوصل الي تسوية مع الأهالي فيما يخص ملكية هذه المباني ، أي محاولة جعلها مملوكة ملكية عامة لحكومة السودان. الدراسة قدمت تفاصيل عديدة ، وقامت بتقسيم مباني عمران سواكن بغرض الترميم ، وقسمتها الى اربعة مجموعات: مجموعة اولى وتضم مباني بحالة جيدة وتحتاج فقط الصيانة والمحافظة عليها ، مجموعة ثانية مباني آيلة للسقوط ولكنها لازالت بصورة يمكن الحفاظ عليها بمنع سقوطها ، مجموعة ثالثة مباني هلكت تماما ولكن لابد من الحفاظ على انقاضها لحفظ النمط العام لشخصية مدينة سواكن التاريخية ، مجموعة رابعة وهي الجدران التي لازالت لها بقايا منتصبة ، وهذه يجب الإحتفاظ بها لتحديد هوية الشارع السواكني كبنية عمرانية تاريخية. في السنوات الأخيرة ، هناك مبادرة تركية للمساهمة في ترميم وصيانة عمران سواكن ، وهي مستمرة حتى الآن.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
Kabar
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست