كنا نتجملُ لهنَّ، وقوفاً على قارعةِ شلاَّلِ الحسنِ المتدفقِ جنوباً أو شمالاً. ومن استحمَّ "بصابونةِ لُوكس" فى ذلك اليوم - يوم الصُبْحِية ، ووضع على موضع النبضِ طيباً، وعلى الوجه نيفيا، حتَّى كاد أن يكون من "وِلاد الخرطوم"، حازَ على نظراتِ الجميلات وإلتفاتاتهنَّ المُفعمةَ بالأملِ والتطلُّع، تماماً كما أشارت الفنانة صباح عبد الله سليمان بعاليه.
فإذا خرجَ وفدُ الصّباحةِ من حى البساتين، والتقى بوفدِ الملاحةِ من كَكُر عدلان، وانسجم مع قبيل الجمال من الشخبراب والشُلُّفَاب (بلد المادح ود حليب شيخ حاج الماحى) والمحاميد،
وإذا بلغ السيلُ السّحابة، أمطرتهم بفرائد الحسن الشفيفة، وأنظر ماذا يقول الشاعر المرحوم عبد الله محمد خير فى جميلات السحابة:
زيدى اللَّوعة زيدها الصبابة وأنتِ كُلِّكْ روعة يا زينة السحابة قصيبة التقنت الدَّفق تسابة جمال الخِلقة والخُلُق اكتسابة من الحور أكيد صلة انتسابة ومع الأملاك يمين وجب احتسابة؛
وإذا إلتحمت الوفود القادمة من القرى المُحازية للنيل، بوفود الحور العين من قرى الجابرية (من الحُسُّناب إلى ما بعد فريق الحاج على تُخومِ بروس)، كانت نفرة الجمال الكُبرى فى تمامِ كمالها بالجابرية الكبرى. كأنَّ الصحراءَ قد اشتعلتْ ورداً فى وادى عقيقها (كم نحن شغُوفون بهذا الرأسمال الإجتماعى الفريد أيها الأحباب).
أما إذا زُلزِلتْ الأرضُ بالزغاريد والدفوف، وسمِعتَ صوتاً مُجلجِلاً وهو يردد: "أم العروس جينا جينا أمُرقى برّا إنْكان بتقدرينا"، فذلك يعنى أنَّ سَيرةَ العريسِ وأهلِه ورهطه قد وصلتْ إلى بيتِ المُصاهرةِ الوليدة. فتنتحى الفتياتُ جانبَ الدسوسة وهنَّ يردِّدنَ أهُزوجةَ التحدى تلك. ويُداوِمنَ فى ترديدها حتّى تُرضيهنَّ أُمُّ العروسِ بحزمةٍ من النقود. وتلك الأهازيج تُقابلها أهازيج من حيث توجد الدسوسة من نحوِ: "عروسنا زينة وكية للمابينا". وهكذا يستمر ذلك التحدى الغنائى المتبادل ردحاً من الوقت حتى يرضى ذلك الوفد عن أُمِّ العروس.
وأكثر ما كان يزعجنا هو أُطُرُ (فريمات) الأهمية التى يدخل فيها طرفا هذه المصاهرة وذلك الإحتكاك الذى يُخلِّفُ أثراً واضحاً على لُغةِ جسد العريس، تقرأُ ذلك فى صفحةِ وجهه. وكذلك، ذلك الإحساس الصراعى الدفين (فرحةً وحِنقاً) عند أُمِّ العريس، بل عند كلِّ أُسرةِ العريس، بأنَّ أُسرةَ العروس قد أخذتْ مصدراً من مصادرِ العضد والسند لديها. ولا أجد مُبَرِرَاً لذلك، غير ذلك التقسيم المُجحف لأدوار الأولاد والبنات، الذى يجعل من الولد استثماراً وذخرَ حوبةٍ، والبنتُ ضيفةُ البيت، إذ سرعان ما يأتى مستثمر خارجى ويأخذها. وعلى هذا النحو أُزْهِقَتْ حقوقٌ كثيرةٌ للنساء. يتبع ...
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة