|
Re: أصـــــــابع بَــــــــــدُر (Re: حسين أحمد حسين)
|
(6)
فتح ود قميحة الباب ، حتى قبل أن يضغط خير الله على الكابح، بإنزعاجٍ شديدٍ تصحبه حوقلةٌ وحدجةُ عينٍ تستنكر إنتهار ولدِهِ له. لكنَّ بدراً لم يَعُدْ يحسُّ بأصابعه ولا بتجاوزه للخطوط الحمراء. جنحَ خير الله إلى يمين الشارع، أوقفَ عربتَه، وشرعا فى تَفَحُّصِ كفِّ بدرٍ. وكفُّ بدرٍ فى تمام الورم، واتخذتْ لوناً أقرب إلى البنفسجى منه إلى الأحمرِ القانى. جاءَ ود قميحة وجلسَ إلى جوارِ ابنه فى المقعد الخلفى، وكلاهما يبكى. فبدر يبكى من الألم، والخزين يبكى من النَّدم، ثُمَّ تحركَ خير الله سريعاً نحو المستشفى ليتمَّ إسعافُ بدر.
لم يُعانِ ود قميحة إهمالاً بالمستشفى هذه المرة وهو فى معية خير الله. ولقد طمأنهم إختصاصى الجراحة، بأنَّ جُرحَ الأنفِ سطحى، وأنَّ أرنبة الأنف سليمة. وحتى أصابع اليد اليمنى، السبابة والوسط والخنصر، لم تكن بالسوء الذى كان متوقعا،ً والذى يُعلنُ عنه بكاء بدر. ولربما بكى بدرٌ أشياءَ كثيرةٍ فى تلك اللحظة وبأثرٍ إرتدادىّ. ليس ثمةَ كسورٍ فى الأصابع، ولكن الدَّمَّ قد إحتقن فى أناملِهِ بطول المدة، حتى أنَّ نصف الأظافر الأمامية قد تشوَّهتْ بالدم المُحْتَقِن، وخُفِّفَ ورمُ الكفِّ والأصابع بطريقة معينة من التدليك. أُعطِىَ مرهم جروحٍ لأنفه، ومضاد حيوى ومُخفف ألم لأصابعه التى لُفَّتْ بشريطٍ أبيضٍ، ثُمَّ قفلَ ثلاثُتهم راجعين.
وحين وصلت العربة إلى منزل ود قميحة، شكر ود قميحة لخير الله ذلك الصنيع، بطريقةٍ بها غلوٌ فى العرفان بالجميل، كعادةِ كلِّ الفقراْء. وأصرَّ الخزين على خير الله ليدخل فيتعشَّى معهم، لكنَّه تمنَّع. وقال للخزين: يا سيدى تحت الخدمة فى أىِّ لحظة، وإنْ شاء الله يوم الأحد سوف أغشاك لأجل أن أُوصل بدراً للمدرسة، وبالمرة أوصلك إلى وزارة الأشغال. فشكره الخزين على ذلك، وقالا نلتقى الأحد إنْ شاء الله.
دخل الولد وأبوه البيتَ، سلَّما على الحرم، وقال ود قميحة: الحمد لله جات سليمة. سليمة كيفن، وأنا ولدى خرج بى جرحة واحدة وجاء راجع بى جرحتين!! الحصل شنو يا الخزين؟ الولد أيدو مالة؟ دا فِلِم تانى نحكيهو ليك بعدين. فِلِم!! يَكَفِّينا اللهْ شرَّ الأفلام.
ضمَّتِ الحرمُ إبنَها إلى صدرِها، وهى تُمطره بعبارات الحنان والإحتواء: سجمى! إيدك مالة؟ أبوى قفل فينى باب العربية. لا حول ولا قوة إلاَّ بالله العلى العظيم.، دى عين دى، العين بى حسين إن شا - اللهْ. وضمَّته من ثانٍ إلى صدرها. وحين دغدغت رائحةُ الطلحِ أنفَهُ، قال لوالدتِهِ: إنْ شا - اللهْ إنتِ كمان تروح مِنِّك الرطوبة يا أُمى. يسمع مِنَّك الله يا عشاى، اللهُمَّ آمين. فَسَرَى فى الحرمِ الإرتياحُ بأنَّ غسيل المخِّ الذى مارسته مع ابنها قد أتى أُكُلَهُ.
إتجه الخزين ود قميحة بعد دخوله مباشرةً إلى المصلَّى الذى أعدته الحرم له، وتوضأ بدر، وتوضأت والدته، وصلوا جميعاً صلاةَ العشاءِ فى جماعةٍ منزلية بعد أنْ فاتته صلاة الجماعة فى المسجد. وعقب التحصين والباقيات الصالحات دَعَوْا لأنفسِهِم جميعاً دعاءاً عريضاً، وبالشفاء العاجل لبدر، وغيباً، لخير الله بالبركة والنَّماءِ والخيرِ العميم، خاصةً وأنَّ معيَّته قد أنقذتهم من مستشفياتِ ذُلِّ المساكين التى أفرزها المشروع الحضارى، ثُمَّ دَعَوْا بأنْ: اللهْ يَولِّى من يُصلحْ، وكان أخرُ دعواهم أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين.
إضَّطجَعَ ود قميحة، بعد أن أوْتَرَ، على سريرِهِ، وبجانبِهِ على السريرِ الآخرِ بدرٌ وقد بدأ يغطُّ فى نومٍ عميق. أمَّا الحرم، فقد إتَّجهَتْ إلى المطبخ لإعداد العشاء. أرسلَ الخزينُ بصرَهُ إلى سماءٍ مُرصَّعَةٍ بالنجوم: العِصِى والتِّريا، بنات نَعَشْ والعنقريبْ، الجدى والحرم ... والحرمُ هى نجمةُ تلك الليلة بِلا مُنازع. إلتفتَ الخزين وراءه، فوجدَ أنَّ نجمةَ الضيفان قد غابتْ. وذلك لِعَمْر الخزين، أوانُ تحلُّلِ الحرمِ من توب الجارات. فجاءتْ تسعى نحوه بإزارِ نومٍ خفيفٍ وشفَّاف، وتحمِلُ فى يدها قَدَحاً مملوءاً بالفطير واللَّبن. حاولتْ إيقاظَ بدرٍ الذى هدَّه التمرين من قبل، وما أُنفقَ من وقتٍ بالمستشفى، ولكن بِلا طائل. فَتَعَشَّى الصَّاحبانِ بالبيضاءِ الفصيحة.
كان الخزينُ حين يرى الحرمَ فى تلك الحال، تجوعُ روحُهُ قبل جسدِهِ للعِناقِ الحميم، ويناديها بتؤم الروح، خاصةً حين ينام البدرُ، ويُعسعِسُ الليلُ. وماذا عليه إذا صدع وصدح بتلك العبارةِ وأَخَوَاتِها بالنَّهار وفى كلِّ الأوقات، لربما فعلتْ الأفاعيل، وانفكَّتْ عُقْدةُ ذلك البيتِ الأليف. ولكن قاتلَ اللهُ الفقر، جالبَ الضجرِ والصرامةِ والحدة، فمن يخلعُ عنَّا هذا الوجهَ الكالح.
أخذتِ الحرمُ فارغ الأقداح، وقامتْ يُقاومُ قيامَها كفلٌ رَدَاح. فتبعها الخزين ود قميحة وهو يدندن: "دا دلال ايه، دا دلال مَعَجَّنْ، ومحَّن الأُمَّاتْ يا رداح".
يتبع ...
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
أصـــــــابع بَــــــــــدُر | حسين أحمد حسين | 05-02-17, 10:23 AM |
Re: أصـــــــابع بَــــــــــدُر | حسين أحمد حسين | 05-02-17, 10:23 PM |
Re: أصـــــــابع بَــــــــــدُر | حسين أحمد حسين | 05-02-17, 11:02 PM |
Re: أصـــــــابع بَــــــــــدُر | حسين أحمد حسين | 05-03-17, 00:13 AM |
Re: أصـــــــابع بَــــــــــدُر | حسين أحمد حسين | 05-03-17, 10:27 PM |
Re: أصـــــــابع بَــــــــــدُر | حسين أحمد حسين | 05-03-17, 10:44 PM |
Re: أصـــــــابع بَــــــــــدُر | حسين أحمد حسين | 05-03-17, 11:03 PM |
Re: أصـــــــابع بَــــــــــدُر | صباح حسين طه | 05-04-17, 00:36 AM |
Re: أصـــــــابع بَــــــــــدُر | حسين أحمد حسين | 05-04-17, 11:09 AM |
Re: أصـــــــابع بَــــــــــدُر | حسين أحمد حسين | 05-04-17, 11:21 AM |
Re: أصـــــــابع بَــــــــــدُر | حسين أحمد حسين | 05-04-17, 12:48 PM |
Re: أصـــــــابع بَــــــــــدُر | حسين أحمد حسين | 05-04-17, 09:06 PM |
Re: أصـــــــابع بَــــــــــدُر | حسين أحمد حسين | 05-07-17, 11:44 AM |
Re: أصـــــــابع بَــــــــــدُر | حسين أحمد حسين | 05-09-17, 09:15 PM |
Re: أصـــــــابع بَــــــــــدُر | حسين أحمد حسين | 05-11-17, 09:51 PM |
Re: أصـــــــابع بَــــــــــدُر | حسين أحمد حسين | 05-13-17, 06:30 AM |
Re: أصـــــــابع بَــــــــــدُر | حسين أحمد حسين | 05-13-17, 09:35 PM |
|
|
|