|
Re: ركضٌ سَلِسْ (Re: Dahab Telbo)
|
على رمال النهود الصغيرة
الصباح الابلج الذي لم اشهد مخاض ميلاده يبدو بديناً من أشعة شمسه المتخمة بالدفؤ، ونسائمه التي تمشي الهوينا على شوارع الرياح القديمة؛ البيت الوسيع الذي فوض الرمل كحاكم ابيض لفضاءه ذا شجيرة الليمون البائسة يبدو هادئاً اكثر من اي بيت في المدنية الصغيرة، المسماه النهود؛ تأملت رفيقيّ المنكبيّن على نقش الرمال؛ ثم الساحة التي تعيش تفاصيل الطابور الصباحي لجيوش الرمل الابيض؛ كان طابوراً صباحياً بارداً تظلله سحب داكنة لا توحي بشيء؛ ثمة تنهيدات بعيدة للوري سفري من مكان ما داخل الخلاء القوز ، ثم زغرودة طازجة بسرعة البرق الذي احتل ظلام الليلة البارحة؛ تفقدت ساعة السيكو الصغيرة وانا استرجع حكمة صديقي البالية "الرفقة ملح الوجود" "الرفقة ملح الروح " هكذا قصرنا الحكمة ذات مشاهدةٍ لتوافق الضياع المترقرق في عيني الرائد ماركوس موران في فيلم "الحاقدون الثمانية" وهو يكاد يضيع في البياض الماسخ للعواصف الثلجية ؛ ولصديقي جراب لا ينضب من الحِكم؛ خاصة عندما نكون بين يدي مخرجي هوليود، ولكن لسوء حظه ليست كل الايام لرفقاء "توم هانكس". فعلى الرغم من ان علي جودات لم يكن من المثقفين الذواقين الا انه يمتلك مكتبة لم تفتقر لجحيم "د.الجيري" ولا مجلدات ابوالقاسم ح.حمد الضخمة ولكن كل ذلك لم يؤزه يوما لدروب التصوير حتى يقلق على التجاتس اللوني في اللوحات المائية؛ لتفعلها رسمات فحمية هزيلة على حائط جالوص!. ففِي ذات لحظة من مساء؛ كنا نجلس فيها على إطار مدفون لنصفه في ركن مهجور من شوارع مدينة ام بدة العتيقة؛ أُصيب إحساسه بنوبة فنية فجائية ليلتفت نحو حائط الجالوص المسكين الذي سمّره جموده خلفنا؛ وياله من حائط بائس؛ على وجهه المشقق -الذي يستجدي كل مدحلة مسحة طين- كانت تجلس رسوم صبيانية على طريقتها؛ شخوص فحمية وكلمات غزل تقليدية؛ تأملها ملياً قبل ان يبدأ الإعلان عن معانيها؛ "لابد من انها تحمل معنى " قال ذلك ومن ثم مط شفتيه ليقرأ تأثير استنتاجه على شاشة وجهي " معنى شنو يا لانغدون ام بدة" اجبته بكل سخرية املكها ومن ثم واصلت مراقبة الشارع؛ لم اعلم ان تلك السخرية العابرة ستجرني الى صالات المراكز الثقافية الأجنبية وسط العاصمة ؛ حيث مصائد التشكيلين الباردة ؛ فبعد ثلاثة ايام فقط كنت وقوفاً امام احد المآزق ؛ كان مستضيفنا مجتهداً في ان يبدو تشكيلياً حقيقياً عبر شعره الطويل المجعد المبعثر في جدائله، و كنزته ألافريقية؛ ولكن ليس بنطال الجنز المهترئ فهو يشبه بنطال مغني الريغي الأشهر؛ يقف امام حامل خشبي يحمل لوحة دائرية بالتمام؛ تتألف اللوحة المرسومة على قماش من الدمور من عدة طبقات لونية مستديرة وغامقة كلما صغر قطر دائرتها ؛ وفِي الوسط سيل من اللون الأرجواني يتدفق الى الأسفل ؛ ثم نقاط بيضاء تبدو كنتوء ؛ خلتها حُبيبات أرز اول الامر؛ سألته:"ممكن تشرح لينا اللوحة لو سمحت!". "جداً" قالها بإبتسامة طفل ومن ثم بدأ السباحة في بحور الألوان بدلالاتها الوجدانية والكونية المتقاطعة مع التوترات النفسية للفرد والمجتمع؛ لم يكن مضيفنا بارع في تداخل الألوان فحسب، حيث وجدناه داهية في دروب الكلام ايضاً؛ مما سهل عليه الخروج مبتسماً من أسئلة جودات الدائرية الدبِغة؛ لقد نجح في إخراجنا من جميع الدوائر خاليي الوفاض. الآن بدأ مرور الدجاجة وسواسيها الصباحي؛ فجاء احتجاج جودات واضحا من مجلسهما تحت شجرة النيم: - سيدنا؛ أترى! ها قد حل الضحى وخرجت الدجاجات لتجرب مناقيرها بينما نحن فقط نكتب على هذه الرمال دون انتظار لمحو الريح حتى ، فما الجدوى من كل هذا العناء . - أطن أنك أخبرتني بانك تحب أغاني عبدالدافع عثمان! - نعم؛ ولكن ما شأن ذلك؟ - لنكتب الان وسأخبرك لاحقا لقد ورطنا "دون كيشوت" في مغامرة تتبع اسرار الكون هذه بعد حلقة وعظ عابرة في السوق الشعبي وها قد بدأ يتضجر؛ لعله يظن نفسه أحصف من أن ينقش لأجل الريح- وحتى انا لن اقبل ذلك- ولكن الشيخ يرى في ذلك عمل مجدي؛ لذلك يعمل بجد.
تلبو
|
|
|
|
|
|
|
|
|