لماذا نرفض التسوية السياسية أو الهبوط الناعم؟ من يسعون للتفاوض مع النظام علي طريقته يسهمون في إعطاء النظام مزيداً من الوقت لممارسة مزيد من الجرائم و نهب المال العام و الإثراء علي حساب الشعب السوداني و كانت مهزلة حوار الوثبة من أكبر المسرحيات السياسية الجوفاء وقفت نتائجها و مداولاتها كأكبر دليل علي بؤس النظام وكساد بضاعته السياسية و وقفت كذلك كأكبر دليل علي انتهازية المشاركين في حوار الوثبة. بإفتراض أن النظام قد أصابته صحوة مفاجئة و قرر الإلتزام بما نتج من اتفاقات و تكوّن واقع جديد نتيجة لذلك وديمقراطي مائة بالمائة فماذا سنفعل مع المجرمين الذين ارتكبوا جرائم الحرب و الإبادة؟ و مع المجرمين الذين مارسوا التعذيب ضد السياسيين و الناشطين؟ و مع المجرمين الذي واظبوا علي انتهاك حقوق المواطنين السودانيين خلال فترة حكم الإسلاميين للسودان منذ 30 ينونيو 1989م و إلي اليوم ؟ و ماذا سنفعل مع من أثروا بنهب المال العام و ببيع مؤسسات الدولة و ممتلكاتها و مع منْ أثروا و اغتنوا بمناصبهم و نتيجة للفساد؟ جرائم عضوية المؤتمر الوطني و حلفائهم في الحرب الأهلية بدارفور و جنوب كردفان و جبال النوبا و في جنوب النيل الأزرق تمّ أعتبارها جرائم حرب ترقي لدرجة الإبادة الجماعية عند محكمة الجنايات الدولية هذا بالإضافة لجرائم الإعتقال خارج مظلة القانون و التعذيب و الإغتيالات التي ارتكبها جهاز الأمن هذا النوع الجرائم لا يسقط بالتقادم لأن الضحايا و ذويهم بيننا و يستحقون إقامة العدالة بالقصاص من المجرمين و المجرمون بيننا في حال إنفاذ تسوية سياسية سيكونون بيننا و جميعنا يعلم أن مكانهم الطبيعي يجب أن يكون السجون أو القبور. أما الفساد المالي و الثراء المشبوه و غير القانوني فقد تكونت علي إثره فئة إجتماعية جديدة مشوهة التاريخ و السيرة و لن تستطيع هذه الفئة العودة لحايتها الطبيعية بيننا مالم تسترد منهم الأموال التي نهبوها و ترجع لخرانة الدولة أو اصحابها من صودرت ممتلكاتهم يعودوا لسيرتهم الأولي و حالتهم قبل إنقلاب الإسلاميين المشؤوم إن من ينادون بالتسوية السياسية سياسون و ناشطون ليس بينهم ضحايا و لم يتوفروا علي تفويض من ضحايا جرائم النظام حتي يتكلموا عن العفو و العافية. والفطرة الإنسانية السليمة تشترط أن يتقدم بالعفو عن المجرم الضحيةُ و لا أحدغيره. فالسياسون والناشطون الذين ينادون بالتسوية السياسية أو الهبوط الناعم يمارسون ما يمكن توصيفه بالعبارة "عطاء من لا يملك لمن لا يستحق" فلا هم يمتلكون الحق في العفو و لا عضوية المؤتمر الوطني المجرمة تستحقه. لذلك عندما نقول أن الدعوة للتسوية السياسية و السكات عن مبدأ المحاسبة من أجندة النظام و من يطالب بهما من أعوان النظام لا نكون مخطئين. يتكلم البعض عن تجربة جنوب افريقيا و عن لجان الحقيقة و المصالحة و لا يعطون الناس التفاصيل حول كيفية إنفاذ تلك المعالجة لجرائم نظام الفصل العنصري البائد. حيث إعترف المجرمون أمام تلك اللجان بجرائمهم و استمعوا لإفادات الشهود و عائلات الضحايا فيما يشه المحاكم و من ثمّ يطلب المجرمين العفو من الضحايا و من حق الضحية أن يرفض فتتم معاقبة المجرم بالمحاكمة العادلة. فهل سيقدر الإسلاميين الفاسدين و المجرمين الذين نعرفهم علي هذا النوع من الجسارة و كرم الأخلاق الذي تميّز به الضالعون في جرائم التمييز لعنصري و انتهاكات حقوق الإنسان في جنوب افريقيا، لا يستطيعون فهم ببساطة أحط و أكثر نذالة من مجرمي حقبة التمييز العنصري البائدة في جنوب افريقيا و أحط أكثر نذالة من مجرمي المانيا النازية و لتتضح لكم المسألة لن اطرح مثالاً لكنني أذكركم بنافع علي نافع و مصطفي عثمان اسماعيل فهل يتوفر هذان الشخصان علي أي خصلة تشبه خصال البشر في التفكير و السلوك ليعترفا بجرائهم، لا أظن. بذلك تكون الدعوة للتسوية السياسية أو الهبوط الناعم ليست أكثر من تسويق سياسي جديد للنظام المجرم و الفاسد و رموزه و من ينادي بها يعطي ما لا يملك لمن لا يستحقه.
طه جعفر الخليفة تورنتو- اونتاريو- كندا 27 ديسمبر 2016
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة