حيثيات التشكّل الإقتصادى – الإجتماعى فى السودان، وآفاق التغيير السياسى

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-02-2024, 05:57 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف للعام 2016-2017م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
12-11-2016, 05:33 AM

حسين أحمد حسين
<aحسين أحمد حسين
تاريخ التسجيل: 09-04-2014
مجموع المشاركات: 1281

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حيثيات التشكّل الإقتصادى – الإجتماعى فى � (Re: حسين أحمد حسين)


    4- المحصلة: تعيين محدداتِ التشكُّل الإقتصادى/الإجتماعى:

    1 – إنَّ دعم المستعمر لمراكز القوى السابقة لمجيئه، تحت مِظلَّة قبضته المركزية القوية، وتحويلها إلى كوادر كومبرادورية مستأمنة على تمدد النظام الرأسمالى، كان له الأثر الأعظم فى التشكُّل الإقتصادى - الإجتماعى فى السودان. بل إنَّ إستمرار القبضة المركزية القوية بواسطة الدولة الوطنية، فيما بعد الإستقلال، والرعاية الليبرالية لهذه الكوادر- المجموعات الإقتصادية، وحمايتها من خطر الشيوعية حتى نهاية الحرب الباردة؛ يعتبر من المحددات الأكثر تأثيراً فى معادلة العملية الإنتاجية فى السودان؛ لصالح رأس المال على حساب العمل، وبالتالى أثَّر ذلك فى التشكل الإقتصادى - الإجتماعى بشكل جدُّ محسوس.

    2 - لعلَّ الصراع الأزلى بين الشرائح الرأسمالية والشرائح الضعيفة هو ثانى أهم محددات التشكل الإقتصادى - الإجتماعى فى السودان. بل هو الذى صبغ حياتنا السياسية بالتقلُّب بين الحياة المدنية والعسكرية لمدة 60 عاماً: هى عمر الحرية (الإنعتاق من الإستعمار المباشر) عندنا فى السودان. وإدارة هذا الصراع (والفشل فى إدارته) لصالح كل وكلاء العملية الإنتاجية (عمال + رأسمال = الإنتاج "فى الصيغة المبسطة") بشكلٍ عادلٍ مُزيلٍ للغبن الإجتماعى، يُشكِّل المحك والمحدد الرئيس لتحقيق التنمية، والسلام الإجتماعى، وبالتالى الإستقرار السياسى.

    3 – ويترافق مع المُحدِّد أعلاه تأثيراً فى التشكل الإقتصادى - الإجتماعى، محدد الصراع على السلطة، وبالتالى التحالف مع شريحة الدولة لتجيير معادلة العملية الإنتاجية لصالح الرأسمال على حساب العمال والقوى الحديثة، أو العكس. فهذا من المحددات الرئيسة للتشكل الإقتصادى - الإجتماعى، ويمثل خصوصية الفارق فى القوة بين الشرائح الإجتماعية المتنافسة. وبإبتعاد الصراع على السلطة عن الأيديولوجيا والتنميط والأحكام المسبقة، فبإمكانه أن يتحول إلى صراع برامج لخدمة الشعب (لخدمة وكلاء العملية الإنتاجية). بمعنى آخر؛ فبدلاً من عاش فلان ويسقط علان؛ ماذا فى جُعبة فلان وعلان من برامج لخدمة الشعب (لخدمة كافة وكلاء العملية الإنتاجية)؛ وقابلة للحياة والتطبيق العملى العلمى. فالتنظيمات الحية تتنافس لخدمة شعوبها لا لنهبها.

    4 – الشريحة الأطول تحالفاً مع شريحة الدولة، وبالتالى لها القدرة على التأثير فى قراراتها، هى الشريحة ذات الهيمنة، وصاحبة القَدْح المعلَّى فى التأثير على التشكل الإقتصادى - الإجتماعى فى السودان. وبذلك تشكل واحداً من أخطر المحددات تأثيراً فى الواقع الإقتصادى - الإجتماعى والسياسى.

    5 – القدرة على تراكم رأس المال وإعادة إستثماره على المستوى العام أو الخاص، يشكل واحداً من أهم المحددات فى تشكيل واقعنا الإقتصادى والإجتماعى والسياسى فى السودان (قدرة الدولة على الإدخار "إستغناء الشعب عن جزءٍ من مال الخدمات الإجتماعية، كالإستقطاع القسرى لـ 50% من التعليم والصحة لتمويل البترول"، تراكم رأس المال الخاص (الإسلاطفيليات المالية)، وعائدات السودانيين العاملين بالخارج، مثالاً).

    6 – غياب (ووجود) الخطط الإستراتيجية الوطنية الموجهة للإقتصاد نحو قطاعاته المنتجة (وغير المنتجة) يعد من الموضوعات المهمة فى مسألة التشكل الإقتصادى/الإجتماعى فى السودان.

    7 – يترافق مع عاليه تأثيراً فى تشكلنا الإقتصادى - الإجتماعى فى السودان (مع غياب الديموقراطية - الرقابة المجتمعية والشفافية واستقلال السلطات)، دآءان عضالان هما الفساد واستشراء الطفيلية، بما يتركان من أثر سلبى على القيم الكلية للمجتمع.

    8 – حدة النبر الأيديولوجى القائم على حدة التناقض الطبقى والغبن الإجتماعى، وبالتالى ربما الإنقلابات العسكرية الحارسة لمصالح الشريحة ذات الهيمنة المتحالفة مع الدولة بطبيعة الحال، تشكل واحداً من أخطر محددات واقعنا الإقتصادى والإجتماعى فى السودان.

    9 – غياب التوازن فى العملية الإنتاجية (رأس مال + عمال = الإنتاج، فى صيغته المبسطة) بهيمنة الشرائح الرأسمالية عليها وعلى محصلتها (خاصة الشريحة ذات الهيمنة)؛ وبالتالى غياب الأحزاب العمالية، ضعف وعدم فاعلية الأحزاب التى تتحدث بإسمِ العمال فى إحداث التوازن فى العملية الإنتاجية، ومن ثمَّ فى العملية السياسية للظروف المذكورة فى الفقرة (1) بعاليه، ولظروف التحالفات السقيمة المزمنة للِأحزاب التى تتحدث بإسمِ العمال والإنتلجنسيا السودانية مع الشرائح الرأسمالية (خاصة الزراعية والتجارية) لِإنجاز مصالحهم المتناقضة مع هذه الشرائح الرأسمالية التى تحالفوا معها؛ كلُّ ذلك يُعقِّد المشهد السياسى السودانى ويشكِّلُ محدِّدَاً مهماً فى واقعنا الإقتصادى - الإجتماعى والسياسى.

    إذْ، كيف يمكن للشرائح المستنيرة أن تتحالف/ (وتستمر فى التحالف) مع الشرائح الرأسمالية ولمدة ستين سنة ويزيد، لِإنجاز مصالح العمال والمستضعفين، دون أن نتوقع الفشل، بل والفشل المزمن فى إحداث ذلك التوازن المنشود فى العملية الإنتاجية؟ فأىُّ نتيجة غير الفشل، تصبحُ أُكذوبة الدهر. ولذلك يظل خطل التحالف السقيم للشرائح المستضعفة مع الشرائح الرأسمالية الذى يجرهم إليه المتعلمون السودانيون لِإحداث توازن لصالح هذه الفئات الضعيفة محدداً مهماً فى حياتنا السودانية.

    وبعبارة أُخرى، فإنَّ فشل النخبة المستنيرة المتحدثة بإسم العمال وعجزها فى إحداث التوازن فى العملية الإنتاجية لستٍ من العقود ويزيد، يضيف بعداً مهماً فى عملية التشكل الإقتصادى - الإجتماعى فى السودان.

    10 – لعلَّ تعاطى وكلاء العملية الإنتاجية وأحزابهم فى السودان مع الخطاب الليبرالى العالمى (قبل وبعد الحرب الباردة) يساهم فى تشكيل الواقع السودانى بدرجة كبيرة. ففهم كيفة إدارة العالم، والتعاطى الحكيم وفن التفاوض واللباقة السياسية فى التعامل مع القوى ذات التأثير على التشكل الإقتصادى - الإجتماعى العالمى، وبالتالى فى السودان، يساهم فى رسم واقع مفيد لكل شرائحنا الإجتماعية فى السودان، الغنية والفقيرة.

    11- كما أنَّ عبء سداد الديون (المتوارث أصولها بطبيعة الحال من الفترات العسكرية بالأساس) والتجاذب والمفاضلة الصعبة بين الإنفاق على الخدمات الإجتماعية وخدمات الدين الخارجى، خاصةً فى الفترات الديموقراطية التى تكون فيها الفئات الراديكالية فاعلة، يشكِّلُ واحداً من أهم وأخطر محددات الواقع الإقتصادى - الإجتماعى فى السودان خاصةً على أيام الحرب الباردة، وحالياً بدرجاتٍ متناقصة. فمثلاً، حينما يتشدد الدائنون على سدادِ ديونهم بالضغط على قوت الشعب وخدماته الإجتماعية (وضعاً يلجأ إليه النظام الليبرالى العالمى حينما يقوى عود الراديكاليين)، فذلك يعنى أنَّ ثمة خطر وشيك على رأس المال وشرائحه، وبالتالى عليها أنْ تجعل العسكريين يتحسسون إنقلاباتهم على الديموقراطية، وهكذا دواليك.

    12 – الدخول المفاجئ للصين فى أفريقيا؛ الدولة المحورية، ناعمة الإمبريالية حتى الآن؛ المؤمنة بالمنافع المتكافئة فى العملية الإستثمارية، والقادرة على حماية إستثماراتها ضد التغوُّل الإمبريالى الإنجلو - ساكسونى؛ بدأ يُشكل محدداً مهماً فى التشكل الإقتصادى - الإجتماعى فى السياق السودانى.

    فبدلاً من أنْ ينمو السودان (أفريقيا) من وراء ظهر النظام الرأسمالى الليبرالى المكرس ضد رأسمالية الدولة (كما فعلت آسيا فى بادئ أمرها)؛ فتحت حماية الصين يمكن للسودان أنْ ينمو على عين تاجر الإمبريالية الغربية.

    13- مع غياب حزب عمال وقوى حديثة سودانى، ومع وقوع كل رؤساء الأحزاب التى تتحدث بإسم العمال والقوى الحديثة وحلفائها من الشرائح الرأسمالية فى الفئة العمرية (70-85)؛ فإنَّ الديموغرافيا الحزبية السودانية، تكون فى حالة إختلال هيكلى حينما يكون الحديث عن التغيير، وتؤثر كمحدد فى التشكل الإقتصادى - الإجتماعى فى إطار الواقع السودانى.

    فأهلُ هذه الفئةِ العمريةِ، مدبرون عن الحياة؛ يميلون إلى التوفيقيةِ، يخافون عواقبَ الأُمور، خاصةً تلك المتعلقة بولادةِ الفتن (يخافون التغيير). فيمكن أنْ نلحظَ بكلِّ بساطة، أنَّ كلَّ مفكرينا وسياسيينا وأُدبائنا الذين يقعون فى هذه الفئة العمرية، يميلون إلى الخيارات الأضعف بين البدائل المطروحة.

    وإذا نظرنا لكلِّ أحزابِ التجمعِ الوطنى الديموقراطى قبل الإنفصال (باستثناء الحركة الشعبية لتحرير السودان، وفئة المؤتمر الوطنى بعد الإنشقاق) سنجد أنَّ هذه الأحزاب مسقوفة بهذه الفئة العمرية، ولهذا السبب بالذات، فشلتْ فى أنْ تُديرَ صراعاً ضد الحكومة يُفضى إلى تغيير.

    والحركة الشعبية مستثناة ومعها فصيل المؤتمر الوطنى، لأَنَّ رئيسَيهما والقائمين على أمرِيهما، تجدهم كلَّهم خارج هذه الفئة، وأفكارُهم حبلى بالنزوع إلى التغيير. ولكن هبْ أنَّ أبِل ألير، مازال رئيساً لهذه الفئة، وكذلك الترابى، إذاً لاختلفَ الأَمر جِدا.

    ويُدلِّلُ على هذا القول، حالات الأنقسامات التى طالتْ كلَّ الأحزاب السياسية السودانية. وهى على فكرة ليستْ بإنقساماتٍ نابعةٍ من تبدُّلِ المواقف الفكرية أو الأيديولوجية، ولكنَّها نابعةٌ بالضرورةِ من صراعاتِ الأجيال (الفئات العمرية المختلفة). فالذين يحملون جُرثومة التغيير فى تضاد مع الفئة العمرية المحافظة (حالة حق/ الحزب الشيوعى، حزب مبارك الفاضل/حزب الأُمة القومى، مؤخراً شباب الختمية بأمريكا/الاتحاد الديمقراطى، المؤتمر الوطنى/المؤتمر الشعبى).

    وإذا أردنا ذلك على مستوى دورة حياة الفرد، نجده أيضاً منطبقاً وبكلِّ الوضوح. فمثلاً، الطيب صالح عندى لم يُغيرْ موقفَه من النظام البتَّة فى آخر مقابلة تلفزيونية، http://www.youtube.com/watch؟v=wqf2IZrv6U4andfeature=player_embeddedhttp://www.youtube.com/watch؟v=wqf2IZrv6U4andfeature=player_embeddedhttp://www.youtube.com/watch؟v=wqf2IZrv6U4andfeature=player_embeddedhttp://www.youtube.com/watch؟v=wqf2IZrv6U4andfeature=player_embedded

    ولكنْ غيَّرَ بدائلَه لوقوعِهِ فى ذات الفئة العمرية، أضف إليها حالة الضعف والوهن المصاحبة للمرض. فالرجل أُجرىَ معه اللقاء وهو للتوِّ خارج من غيبوبة مرضِهِ. ومن الطبيعى فى وضعٍ كهذا أنْ تميلَ النفسُ البشرية إلى اللين، هذا إذا وعتْ فى الأصل ما قالتْ وما سوف تقول..

    وما يحزن، هو إنصباب اللَّوم والتقريح على الطيب صالح وهو فى تلك الحال، ولم تُقال كلمة واحدة فى حقِّ هذا النظام القبيح الخبيث الإنتهازى الذى يحاول أن يستغلَّ حالةَ الضعفِ التى يمرُّ بها سياسيونا ومفكرونا وأُدباؤنا ليخلقَ منها حالة مؤازرة لواقعِهِ المتهافت. بل أصبحَ يُدخلُ شبابَنا فى حالة من اليأسِ والتيئيس من إحداث التغيير، بترويجِهِ إنعدام البديل المكافئ له، إذا كان سيجئ بأُناسٍ من الفئة العمرية المدبرة عن الحياة، لا سيما وأنَّ النظام يحمكنا بالفئة المُحْدِثة للتغيير (الجيل الثالث والرابع والخامس، بعد عزل الترابى وزمرتِهِ).

    مثال آخر على دورة حياة فرد، هو حالة الأُستاذ محمد إبراهيم نُقُد (نسأل اللهَ أن يرحمه بالرحمة الواسعة). فانظر إلى البديل الذى اختاره فى لقاء جامع من الزملاء والزميلات، إِذْ يقول: "نرجو من الذين يُصلُّون منكم، والذين يذهبون إلى الحج، أن يسألوا الله فى السجود والمَواطِنِ التى يُستجاب فيها الدعاء، أن يُخلصنا من هذه الإنقاذ"، حديثُهُ بهذا المعنى ().

    ربما يقرأُ قارئٌ مَغْروض، أنَّ هذا تغيير فى الموقف الأيديولوجى والسياسى والفكرى للسيد محمد إبراهيم نقد، بإعتبار أنَّ الحزبَ الثورى مناطٌ به التغيير الثورى. ولكنِّى أرى أنَّ الأُستاذ محمد إبراهيم نُقُد، لم يَحِدْ عن أفكارِهِ قيدَ أُنملةٍ، وحاشاه. فالرجل كما عرفناه صلِداً وجلِداً، ولكنَّ خياره من بين الخيارات المطروحة هو خيار هذه الفئة المدبرة عن الحياة، خيارٌ هينٌ ولين، وعلينا أن نعى ذلك.

    وذلك بالطبع ينطبق على أستاذ الأجيال المرحوم محمد عثمان وردى حين إلتقى الرئيس البشير، وينطبق حتى على الموقف الأخير للأُستاذ الدكتور بشرى الفاضل الذى فرِحْنا لنيلِهِ جائزة الطيب صالح للقصة القصيرة، وحَزِنَّا حتَّى طارتْ عصافيرُنا، لأَنَّها من عطايا الطفابيع. ولكن هى قدرية الوقوع فى هذه الفئة العمرية يا عزيزى القارئ، إلاَّ منْ رُحم، وقليلٌ ما هم (من أمثال الأستاذ التيجانى الطيب).

    وكما يعلم القارئ الكريم، فإنَّ جلَّ كتابات المفكر والأديب الطيب صالح، تدور حول دورة حياة الإنسان. فانظرْهُ وهو يشرح عنوان روايتِهِ بندرشاه (ضو البيت/مريود) إذْ يقول هى: "أُقصوصة عن كون الأب ضحية لِأَبيِهِ وإبنِهِ". فتلبية حاجيات الأبناء، تُؤثرُ تأثيراً بالغاً على طورنا المنتج - طور التغيير فى حياتنا (الفئة العمرية 15-45)، وذات الطور يتأثر تأثيراً حادَّاً بسلوكِ/إملاءاتِ الفئة التى تسبقه، خاصة فى ظل نظام أبوى ينعدم فيه الضمان الحكومى. ولعلَّ أستاذنا الطيب صالح يرمز إلى حقيقة وُجودية وإلى طابع صراعى جدلى للشخصية السودانية، بشكلٍ خاص.

    فهل نلوم أُدباءنا ومفكرينا وسياسيينا، على عجز فئتِنا العمرية وتقاعسها عن أداء واجبها فى التغيير؟ ربما كانت الإجابة فى الفكاك من هذا النظام الأبوى بشكل لا يخدش هؤلاء الأكابر، مستصحبين حكمة الشاعر محمد مدنى: "أَحتاجُ دوزنةً تَفُكُّ حِبالَكم عنى وتُربِطُنى بكم".

    كذلك، لا يكتمل الحديث عن هذه الجزئية إلاَّ بتشخيص حالة الجبهة الإسلامية القومية، إذْ كانت هى الأُخرى مسقوفة بأفراد من ذات الفئة العمرية التى تحدثنا عنها بعاليه. ولم تنزع إلى التغيير، حالها كحال بنات عمها، إلاَّ بعد حدوث شيئين إثنين: الأول، هو تهديد مصالحها الإقتصادية الوارد فى حيثيات برناج الإنقاذ الرباعى لعام 1986م القاضى بتصفية آثار مايو، وتفكيك الإقتصاد الطفيلى، وذلك أمرٌ يحتاج إلى مغامرين. والثانى، هو إيجاد من يُنيبون عنها فى إحداث التغيير من العسكريين (المغامرين) الواقعين ضمن الفئة العمرية المناط بهم التغيير، وقد كان ما كان فى عام 1989م. ومن يومها، فالسودان محكوم بالفئة العمرية المناط بها التغيير داخل منظومة الدولة، وتنازعها الفئة العمرية السابقة لها (أى الجيل الأول والثانى من الجبهة الاسلامية القومية) قيادة البلد حتى منتصف التسعينات من القرن المنصرم.

    وعلى أيام الفصل الدرامى الأول من هذه الحكومة المتنازع عليها من الداخل، حشد الترابيون التكنوقراط مناصريهم فى شكل مليشيات عسكرية موازية للعسكر، وضامنة لبقائهم فى الحد الأدنى ضمن معادلة شاخصة من توازن الرعب، وقادرة على إفعال تغيير حين يحين التغيير، وقد تم كل ذلك باستغفال التكنوقراط للعسكر.

    ولمَّا لم تجد الفئات العمرية المناط بها التغيير داخل تنظيم الجبهة الاسلامية القومية (الجيل الثالث والرابع والخامس) بُدَّاً من عزل الفئات المحافظة المشوشة لها فقد فعلت، وذلك بعزل وإبعاد الجيل الأول والثانى (الترابى وصحبه) من جهاز الدولة. وهى أول سابقة من نوعها فى تاريخ التربية السلوكية السودانية، حيث عُزِلَ الروَّادُ بواسطةِ أتباعهم. وأنظر إلى ما جرَّه ذلك من فتن (تلك التى تورَّع عنها أصحاب البصائر، وكان الطيب صالح كثيراً ما يجهر بخوفه من هذا النوع من التغيير) قسَّمتِ الوطن، ووقع باقى جحيمها على أبرياء دارفور والنوبة والأنقسنا وغيرهم (وجرمٌ جرَّهُ سُفهاءُ قومٍ، فحلَّ بغيرِ جارمِهِ العذابُ).

    لقد فعلتْ هذه الفئة فَعلتها التى فعلت، وبدأت تُثَبِّطُ همم التغيير المتوقع من خارجها بكلِّ الوسائل، الإعلامية منها، والأمنية، وما عُرِفَ مؤخراً بالجهاد الإلكترونى. وكانت تُكرِّس لِأيديولوجيا اليأس وإنعدام البديل لدى الأحزاب الأُخرى المسقوفة بأُؤلئك الشيوخ الميئوس مع وجودهم إحداث التغيير، بل وبدأت تُجنِّد وتستميل أنصار تلك الأحزاب من الشباب لصالح مشروعها المتهافت بكلَّ الوسائل. وما لم يحدث تغيير فى ديموغرافيا الأحزاب السياسية الممانعة، يسمح بصعود الفئات القادرة على جلب التغيير، فإنَّ التغيير سيكون محكوماً عليه بالفشل.

    فكلُّ رؤساءِ أحزاب التجمع الوطنى الديمقراطى التى خرجت فى عام 1989م لتعارض النظام عسكرياً ومدنياً، لا تستطيع أنْ تتبنى ذلك الخيار الآن وهى بتركيبتها الديموغرافية الحالية. وانظر لحالها: حزب الأمة من الجهاد العسكرى، إلى الجهاد المدنى، إلى المشاركة فى السلطة، وربما مصاهرتها. الإتحاد الديمقراطى من القبول لكل أنواع الجهاد السابقة بحكم ترؤس رئيس الحزب (رضى الله عنه وأرضاه) للتجمع الوطنى الديمقراطى إلى المشاركة فى السلطة. الحزب الشيوعى من سلاح التغيير الثورى إلى سلاح الدعاء، وعلى ذلك قس (موقف الأمام الصادق فى نداء السودان، هو بإيعاز من جيل د. مريم الصادق).

    وحتى الجبهة الإسلامية القومية التى تحكمنا بعناصرها الحية من ربع قرن، والتى شاخت الآن، قد فطنت إلى حقيقة أنَّها بتركيبتها الحالية ستصبح غير قادرة على صناعة التغيير أو مجابهة ذلك التغيير القادم من خارجها، فصعدت منذ أقل من عام، كوادرها الشابة تلك التى طالبت بالتغيير، لتقود مقاليد الأمور بالبلد. إذا،ً فالجبهة الإسلامية، شئنا أم أبينا، تتقدم علينا بمسألة الإنتباه للعمر حين استدار الزمان دورته. ففى ظل 25 سنة، هاهى تصعِّدُ القوى الحية مرتين، ونحن فى سُباتنا/يأسنا العقيم.

    العالم من حولنا، يحترم هذه الفئة التى نحن بصدد تغييرها، ولا يخرج عليها ولا يغمطها دورها، كما فعلت الجبهة الإسلامية القومية العآقَّةُ بعرَّابِها، ويُحولها إلى فئات إستشارية، فئات حكماء، وإنْ شئتَ فقل مجلس شيوخ (حالة أمريكا) أو مجلس لوردات (حالة بريطانيا). ونحن فى عالمنا الأبوى هذا وما عليه من أخلاق سودانية، علينا ألاَّ نُقصى أكابر قومنا على طريقة الجبهة الإسلامية القومية، ولكن عليهم أن يترجلوا طواعيةً لأَنَّهم غير مفيدين فى عملية إحداث التغيير. وإن لم يفعلوا (وذلك يصب فى مصلحة النظام)، فعلينا أن ننتظر، "فمنهم من قضى نحبه، ومنهم من ينتظر وما بدَّلوا تبديلا".

    وأنا من الموقنين بأن ليس بين هؤلاء الأكابر من بدَّل فكره، أو موقفه من هذا النظام اللعين اليَجتهد فى إنتزاع حالات مناصرِة له من الضعف الإنسانى لخصومِهِ، ولكنَّها الشيخوخة.

    يُتبع ...
                  

العنوان الكاتب Date
حيثيات التشكّل الإقتصادى – الإجتماعى فى السودان، وآفاق التغيير السياسى حسين أحمد حسين12-08-16, 06:03 AM
  Re: حيثيات التشكّل الإقتصادى – الإجتماعى فى � طه داوود12-08-16, 09:02 AM
  Re: حيثيات التشكّل الإقتصادى – الإجتماعى فى � حسين أحمد حسين12-09-16, 00:23 AM
    Re: حيثيات التشكّل الإقتصادى – الإجتماعى فى � حسين أحمد حسين12-09-16, 01:44 AM
      Re: حيثيات التشكّل الإقتصادى – الإجتماعى فى � حسين أحمد حسين12-09-16, 02:10 AM
        Re: حيثيات التشكّل الإقتصادى – الإجتماعى فى � حسين أحمد حسين12-10-16, 01:49 AM
          Re: حيثيات التشكّل الإقتصادى – الإجتماعى فى � حسين أحمد حسين12-10-16, 04:53 AM
            Re: حيثيات التشكّل الإقتصادى – الإجتماعى فى � حسين أحمد حسين12-10-16, 11:44 PM
              Re: حيثيات التشكّل الإقتصادى – الإجتماعى فى � حسين أحمد حسين12-11-16, 00:05 AM
                Re: حيثيات التشكّل الإقتصادى – الإجتماعى فى � حسين أحمد حسين12-11-16, 01:50 AM
                  Re: حيثيات التشكّل الإقتصادى – الإجتماعى فى � حسين أحمد حسين12-11-16, 02:26 AM
                    Re: حيثيات التشكّل الإقتصادى – الإجتماعى فى � حسين أحمد حسين12-11-16, 02:41 AM
                      Re: حيثيات التشكّل الإقتصادى – الإجتماعى فى � حسين أحمد حسين12-11-16, 02:54 AM
                        Re: حيثيات التشكّل الإقتصادى – الإجتماعى فى � حسين أحمد حسين12-11-16, 03:21 AM
                          Re: حيثيات التشكّل الإقتصادى – الإجتماعى فى � حسين أحمد حسين12-11-16, 03:53 AM
                            Re: حيثيات التشكّل الإقتصادى – الإجتماعى فى � حسين أحمد حسين12-11-16, 05:13 AM
                              Re: حيثيات التشكّل الإقتصادى – الإجتماعى فى � حسين أحمد حسين12-11-16, 05:33 AM
                                Re: حيثيات التشكّل الإقتصادى – الإجتماعى فى � حسين أحمد حسين12-11-16, 05:40 AM
                                  Re: حيثيات التشكّل الإقتصادى – الإجتماعى فى � حسين أحمد حسين12-11-16, 05:49 AM
                                    Re: حيثيات التشكّل الإقتصادى – الإجتماعى فى � حسين أحمد حسين12-11-16, 06:02 AM
                                      Re: حيثيات التشكّل الإقتصادى – الإجتماعى فى � حسين أحمد حسين12-12-16, 04:19 AM
                                        Re: حيثيات التشكّل الإقتصادى – الإجتماعى فى � حسين أحمد حسين12-12-16, 04:22 AM
                                          Re: حيثيات التشكّل الإقتصادى – الإجتماعى فى � حسين أحمد حسين12-12-16, 04:26 AM
                                            Re: حيثيات التشكّل الإقتصادى – الإجتماعى فى � حسين أحمد حسين12-12-16, 04:29 AM
                                              Re: حيثيات التشكّل الإقتصادى – الإجتماعى فى � حسين أحمد حسين12-24-16, 02:01 AM
                                                Re: حيثيات التشكّل الإقتصادى – الإجتماعى فى � aydaroos12-24-16, 08:55 AM
                                                  Re: حيثيات التشكّل الإقتصادى – الإجتماعى فى � aydaroos12-24-16, 08:57 AM
                                                  Re: حيثيات التشكّل الإقتصادى – الإجتماعى فى � حسين أحمد حسين12-27-16, 01:49 AM
                                                    Re: حيثيات التشكّل الإقتصادى – الإجتماعى فى � aydaroos12-27-16, 07:06 AM
                                                      Re: حيثيات التشكّل الإقتصادى – الإجتماعى فى � osama elkhawad12-27-16, 08:55 AM
                                                        Re: حيثيات التشكّل الإقتصادى – الإجتماعى فى � حسين أحمد حسين12-28-16, 04:33 AM
                                                          Re: حيثيات التشكّل الإقتصادى – الإجتماعى فى � osama elkhawad12-28-16, 08:10 PM
                                                            Re: حيثيات التشكّل الإقتصادى – الإجتماعى فى � حسين أحمد حسين12-29-16, 01:15 AM
                                                              Re: حيثيات التشكّل الإقتصادى – الإجتماعى فى � حسين أحمد حسين12-29-16, 01:26 AM
                                                                Re: حيثيات التشكّل الإقتصادى – الإجتماعى فى � حسين أحمد حسين12-29-16, 01:39 AM
                                                      Re: حيثيات التشكّل الإقتصادى – الإجتماعى فى � حسين أحمد حسين12-28-16, 01:31 AM
                                                        Re: حيثيات التشكّل الإقتصادى – الإجتماعى فى � osama elkhawad12-29-16, 02:01 AM
                                                          Re: حيثيات التشكّل الإقتصادى – الإجتماعى فى � حسين أحمد حسين12-29-16, 01:46 PM
                                                            Re: حيثيات التشكّل الإقتصادى – الإجتماعى فى � حسين أحمد حسين12-29-16, 10:25 PM
                                                              Re: حيثيات التشكّل الإقتصادى – الإجتماعى فى � حسين أحمد حسين12-29-16, 11:36 PM
                                                                Re: حيثيات التشكّل الإقتصادى – الإجتماعى فى � aydaroos12-30-16, 10:01 AM
                                                                  Re: حيثيات التشكّل الإقتصادى – الإجتماعى فى � حسين أحمد حسين12-31-16, 00:29 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de