قرية بورتبيل ...الماضي...الحاضر...المستقبل ( قصة قرية من السودان)

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 06-01-2024, 05:58 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف للعام 2016-2017م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
05-26-2016, 12:10 PM

Omer Mustafa
<aOmer Mustafa
تاريخ التسجيل: 03-14-2008
مجموع المشاركات: 1582

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قرية بورتبيل ...الماضي...الحاضر...المستقبل ( (Re: Omer Mustafa)

    Quote: التمرد على سلطان الباطل هو عمل الأنبياء و المصلحين:
    بقلم الفقير إلى ربه / صبحي محمد بابكر بورتبيل
    فرنسا - باريس ‏28 أبريل‏ 2016، الساعة ‏03:02 صباحاً
    إذا ما طلعنا من ثنية لفلف فبشر رجالاً يكرهون إيابي
    وأخبرهم أن قد رجعت بغبطة أحدد أظافري وأصرف نابي
    وأنا ابن حرب لا تزال تهرني كلاب عدوي أو تهر كلابي
    لقد حباني الله نعمة يقصر عن إدراكها المتناول و تتراجع عنها سوابق الهمم. لا أبرر للعامة أو الخاصة من الناس دافع البوح عنها، كما لا يمنعني أحد عن كتمانها، لأن الجهر بها أو كتمانها هو محط فنائها و سر عدميتها و تلاشي معنى وجودها.
    لقد وهبني الله نعمة التمرد؛ تمرد على الواقع، تمرد على سلطان العادة و الرتابة، تمرد على الأغيار بل و تمرد حتى على ذاتي المفكرة و ذاتي الواعية و ذاتي اللاواعية و ليت شعري هل أذكر تمردي حتى على بركان شهوتي و دحر جيوش غريزتي و رغبتي و سري و جهري و فكري و وجدي.
    و لعل بذرة التمرد مغروسة في حامضي الوراثي (DNA) و متجذرة في نواة مغنطيس إرادتي، فهو بوصلتي التي أستدل بها في صحراء لات حين مناص.
    لا جرم أنني ورثتُ هذا التمرد عن جدي العظيم جداً المغفور له بإذن الله ( الحاج قسم الله أحمد قسم الله) المعروف نسباً و حسباً و المعروف لا يعرف لكننا نعرفه هنا من باب ارفع رأسك عالياً لأنك من سلالة رجل رفض تزويج أولاده لأهله بسبب تعاطيهم الخمر و قد اشتهر بورعه لدرجة أن قيل عن أسرته:
    (عرسهم مسيخ)، بسبب منع جدي تقديم الخمور في أعراسه و مناسباته و هي عادة الناس سابقاً. و قد سمعتُ رواية من عمي الشيخ (أحمد محمد مضوي)، مفادها أن جدي (الحاج قسم الله) و جدي (الحاج مضوي ود الجنيد) هما الرجلانِ الوحيدانِ في قريتنا اللذانِ يقيما الصلاة و يصليانِ في المسجد في زمن من محطات الجاهلية الكبرى من تاريخ قريتنا، كانت صلاة الجمعة لا تكتمل لقلة المصلين و كثرة الملتهين.
    لا جرم أنني قد ورثتُ أيضاً جذوة هذا التمرد عن جدي العظيم جداً الذي أفتخر بالإنتماء إليه و أعتز بالانشطار من سنا نوره الباسق، المرحوم بابكر ود الحاج قسم الله ود أحمد ود قسم الله ود حسب الله ود مضوي ود محمد ود حسب الله ود المؤذن.
    لا أبتغي بذكره إثبات عز أو تثبيت ملك و جاه، فليس كل جميل محجوب و ليس كل محجوب جميل، فبغرة الفرس غنى المغني و طرب السامع، بيد أن الحديث عنه يجرح حسن سيرته كما تجرح أنامل الأطفال رقة الفراشة و رونق لطافة شتلة الباباي.
    كان الشيخ بابكر ود قسم الله متمرداً من طراز فريد، يستر تمرده بسخريته و شخصيته الفكاهية الكوميدية اللطيفة و عدم إلتزامه بمنهج الجدية. لقد ذكر لي والدي المرحوم / محمد بابكر قسم الله أن جدي كان محبوباً لدى الإنجليز لكن تمرده عصمه من أن يستوطأ مهاد الخمول أو أن يألف مضاجع الامتهان و لم يدفعه طبعه المتمرد إلى العمالة أو الارتزاق.
    التمرد حرية في الرأي و تفرد في الشخصية و إبداع و إمتاع دفع جدي بابكر ود قسم الله لأن يبتكر زراعة البساتين و يتفرد تميزاً عن غيره في فلاحة الجنائن، فكان أول مزارعي المنطقة يزرع البصل و الطماطم و الخضروات بدلاً عن النمط الذي كان سائداً وقتذاك في زراعة المألوف من محاصيل الذرة و الفول السوداني.
    ورث أبي التمرد عن جدي، فعمل بالتجارة في القرية ثم فتح متجراً في المدينة عرب، ثم تاجر (بالمسمس) إذ كان يأتي به من مدينة الهلالية. و قد حكى لي رحمه الله أنه كان من أوائل أهل الجزيرة الذين باشروا الزراعة المطرية في منطقة القضارف. لكن الحظ لم يحالفه في هذه المهنة بسبب شُح الأمطار و الجفاف الذي ضرب هذه الناحية من شرق السودان في ذاك العام.
    في سنة 1953، هاجر والدي، رحمه الله إلى مدينة عروس الرمال (الأبيض) في تلك الناحية الوسطى من غرب السودان الحبيب حيث هجر العمل غير المجدي في الحواشات و استبدله بحرفة التجارة، تغرَّب ليناطح ذروة الشرف و ليبلغ الدرجات الرفيعة و المقامات المحمودة في هذه المهنة التي لم يكن العمل بها مسموحاً إلا لفئة الأذكياء الأزكياء.
    هاجر و هجر القرى إلى المدينة، و في الهجران تمرد، و لم يركن إلى أبي لهب أو أبي جهل و سافر إلى غرب السودان و صادق و ماثل و سابق أهل الهمم الرفيعة و أصحاب النفوس العزيزة، أضراب آل قوي و آل بدري و أهل العلم و آل الشرف و أصحاب الخلق و ذوي الحسب و النسب. أكل أحسن الأكل و لبس أجمل اللباس و سكن أرقى المدائن و صادق أشرف الناس و أحسن الناس و أجمل الناس و أفضل الناس و أكثر الناس تمرداً ...
    و لعل من أبرز ما أمرنا به الشرع الحنيف أن نبر والدينا في حياتهما و من بعد موتهما، فهأنذا أبر والدي بذكر محاسن أصدقائه و أطوف حول سيرتهم و أتبرك بسيرهم و بنهجهم. و يطيب لي المقام و يتعطر لي المقال هنا أن أذكر صديق والدي:
    جدنا الحاج علي محمود (والد الخير و الجاك و كلتوم)، رحمهم الله جميعاً:
    كان (الحاج علي محمود) علماً متمرداً اتسم بالصدق مع نفسه و بالصدق مع الخلق و الخالق، كان شريفاً في طبعه، راقياً في عيشه، مدنياً في سلوكه الظاهر و الباطن. غادر القرية و عمل بالتجارة في مدينة سنار (مكوار)، حيث سما إلى مرتبة الشهرة بذكائه و زكائه و حنكته و فطنته و خبرته و شجاعته و روحه الطيبة و أخلاقه السامية لا سيما حكمته.
    جمع مجلس (الحاج علي محمود) جدي بابكر و والدي محمد بابكر و أخي الأكبر عبد الله محمد بابكر، و عمنا (ود الغالي) في قرية ود الضو العركيين. كانوا جميعاً أصدقاء، و قد شكل التمرد نسيج صداقتهم و وحدة مودتهم و تراحمهم و تفننهم في الوفاء و الإخلاص لبعضهم البعض.
    أذكر من أصدقاء والدي، المتمرد الكبير عمه الشيخ عبد الرحيم ود حاج الصديق، رحمه الله، كان شخصاً مهيباً تكسوه هالة الجاه و هيبة الزعامة، و أكاد أجزم أن شخصيته قد فصِّلت للقيادة و الريادة و الشياخة و السلطة؛ كان يهابه الغريب و القريب، كنت أمثاله دوماً بأبي سفيان بن حرب و بعبد الملك بن مروان و بالوليد بن عبد الملك و أيضاً بصقر قريش، عبد الرحمن الداخل.
    أعتقد أن مشيخة القرية لم تأتِ للشيخ عبد الرحيم ود حاج الصديق فضلاً و زيادة بل طوعاً و كرهاً معاً؛ فقد اتسم هذا الرجل بكل مقدرات السلطة و الحكم و القيادة إذ كان رجلاً فطناً، وقوراً، ذكياً، شجاعاً، كريماً، ذَا هيبة و جاه أكان أجزم بأنه لم يمرض قط بالملاريا في حياته لأن البعوض يخاف أن يقترب من جسمه.
    كان العم المتمرد المرحوم (أحمد ود حسب الله) من أصدقاء والدي، رحمهم الله جميعاً:
    كان رجلاً شجاعاً ذَا هيبة و شدة تلوح على محياه سمات التمرد و العصيان ضد الرتابة و سلطان العادة، بل ضد القانون و السلطة. و يخيل لي أنه لم يخلق إلا للزعامة و القيادة و تطبيق القانون و تكسيره و تجاوزه لأنه شخص متمرد بفطرته و طبعه و سمته؛ كان يتقدم الصفوف عندما يتأخر الناس، همته همة الملوك و نفسه ترى المذلة كفراً، بموته فقدت القرية أسداً هصوراً أن طالما ساهر مدافعاً عنها في شتى ضروب الحياة السياسية و الإقتصادية و التعليمية و الصحية و المدنية و الزراعية.
    التمرد هو فعل الأحرار و ديدن المصلحين، فكل مصلح هو متمرد فلت من دائرة فلك الرتابة و العادة و تفرد بالدوران حول فلك الإبداع و الخلق و الابتكار.
    ألفت عيني التمرد منذ أن سطعت عليها أشعة الظهور و خلصت إلى نور البيان؛ وجدت أعلام التمرد حولي، فاهتديت بهديهم و رشادهم و تعرف عقلي على شفرات إرسالهم و (بلوتوث) إستقبالي، فاختلطت ملفات التمرد في طبعي و قولي و فعلي، و امتزجت كالماء بخمور الأندرينا مشعشعة في كأس سري و جهري و باطني و ظاهري و روحي و وجداني و عقلي و قلبي.
    هل أتاك حديث الناس عن أخي الأكبر الأستاذ الكبير عقلاً و منزلة (عبد الله محمد بابكر)، إذ ناداه صوت التمرد من جانب الوادي الأيسر من صدره، فكشف القناع بلا نفاق و أذَّن في الناس ركباناً و رجالاً و خرج من سترة الريب إلى صحن اليقين بفكره الثوري و نضاله العلمي و العالمي.
    و ما انفكت الأفواه تتمضمض بأقواله و مواقفه و أحاديثه و سيرته ضد الظلم و الطغيان إذ كان سليط اللسان، واضح البيان، لطيف الذوق، سريع البديهة، ذكي العقل و فوق ذلك كله، زكي القلب و الروح.
    التمرد هو الحرية، و الحرية هي الأخلاق و صاحب الأخلاق يجافي الناس أكثر من أن يخالطهم، فهو يغترب و لا يقترب، المتمرد يفر من الأماكن التي يرتادها عامة العوام من الناس لأنها أكثر الأماكن زحمة بالوساخة و تفاهة.
    التمرد هو التفرد و هو الخلوة و الجلوة، فالمتمرد يكون بين الناس و ليس مع الناس، لغته الصمت لأنه إذا تكلم أوجع و أفظع؛ جنته في السجن لأنه يستغرق و يغرق داخل نفسه و يسافر على الدوام في نفسه و إلى نفسه؛ ما أجمل السفر في النفس ! يقول في ذلك سيدي جلال الدين الرومي، قدس الله سره:
    ***
    سافر إن لم تكن لك جناحانِ تسافر بهما
    سافر في نفسك سافر إلى نفسك.
    ***
    المتمرد نقيض المنافق، فالأخير يلجأ إلى الناس لكي يظهر و يُبين، بينما المتمرد يفر من عامة الناس و يكر عليهم مكافحاً شرهم، لأن مقامه قهر الهون و الهوان و الظلم و الاستبداد.
    المتمرد لا أهل له و لا صاحب له، يفر عن الناس قبل أن يفر منه الناس؛ يعيش وحده و يموت وحده كأبي ذَر الغفاري، رضي الله عنه، بل لا قبر له كالشهيد المفكر محمود محمد طه. المتمرد #################### خرج عن قانون فرعون لكنه موسى عليه السلام الذي قدم من طور سينين، و هو عيسى عليه السلام الذي حكم عليه أحبار الظلم و الجبروت بالصلب و القتل، و هو محمد سيد الخلق عليه أفضل الصلاة و أتم التسليم الذي أقسم بألا يتخلى عن دينه حتى لو وضع طغاة قريش الشمس عن يمينه و القمر عن يساره. المتمرد هو ابن تيمية الذي جنته في صدره، فلا سبيل لسلبها منه لأن نفيه سياحة و سجنه خلوته و قتله شهادة. المتمرد هو أبو عبد الله الحسين بن منصور الحلاج الذي أنشد قائلاً:
    ***
    أقتلوني يا ثقاتي
    إنّ في قتـْلي حياتــــي
    و مماتـي في حياتـي
    و حياتي في مماتـي
    أنّ عنـدي محْو ذاتـي
    من أجّل المكرمـات
    و بقائـي في صفاتـي
    من قبيح السّيّئــات
    سَئِمَتْ نفسـي حياتـي
    في الرسوم الباليـات
    فاقتلونـي واحرقونـي
    بعظامـي الفانيــات
    ثم مـرّوا برفاتـــي
    في القبور الدارسـات
    تجدوا سـرّ حبيبــي
    في طوايا الباقيــات
    ***
    أحببتُ أهل التصوف لتمردهم على شروحات العامة و لتفردهم في استنطاق النص و استبطان المضمون و استخراج المعنى من باطن السر كما يستخرج الماء من البئر. هم أهل الخاصة و أهل التفرد بإمتياز؛ متفردون في عيشتهم و عباداتهم و معاملاتهم و تفسيراتهم و تأويلاتهم و حبهم و شوقهم و زهدهم و قناعتهم و اقتناعهم، صدق شاعرنا السوداني محمد مفتاح الفيتوري حين قال فيهم:
    ****
    لن تبصرنا بمآقٍ غير مآقينا
    لن تعرفنا ما لم نجذبك فتعرفنا
    وتكاشفنا
    أدنى ما فينا قد يعلونا يا قوت
    فكن الأدنى تكن الأعلى فينا
    * * *
    السادة الصوفية هم أهل الغرام و الحب و العشق بل هم أهل السر و أصحاب الإشارة، و لعمري صدق شيخنا الأكبر محي الدين بن عربي حينما قال:
    (الإشارات هي عبارات خفية و هي مذهب الصوفية).
    أشد الناس غفلة من ربَّع يديه و اكتفى بالقشور و لم يسبر أغوار النصوص بعقله و لم يدرك البعد الباطني للمعاني و استسلم للظاهر و ظن الأشياء هي الأشياء، يقول الشيخ الولي الصالح سليل أهل البيت (أحمد بن عجيبة الحسني التطواني المغربي)، قدس الله سره:
    (الإشارة أرق وأدق من العبارة ، و الرمز أدق من الإشارة ... فالعبارة توضح ، والإشارة تلوّح ، والرمز يفرّح ).
    عشقتُ مدرسة المعتزلة و توقفتُ كثيراً على كبار أساتذتها: واصل بن عطاء، و القاضي عبد الجبار، و إبراهيم النظام، و الجاحظ، و حبستُ أنفاسي تعجباً في تفردهم في المنطق و قوة حججهم و تميزهم في المناظرات و دقة استعمالهم للعقل و سعة باعهم في التفكير و وضوح بيانهم و بلاغتهم في اختيار العبارة، يقول الصوفي الجهبذ (محمد بن عبد الجبار النفري):
    (كلما اتسعت الرؤيا ضاقت العبارة).
    عاش المعتزلة عيشة المتمردين، إذ كانوا زاهدين عن موافقة سواد الناس و منفردين في شروحاتهم و مواقفهم لذا حرِّقت مؤلفاتهم و ماتوا في غياهب السجون و كفرهم أهل الدجل و النفاق و الرياء.
    أكاد أجزم أن أعظم تركة عرفتها البشرية، جاءتنا من عقول المتمردين، فهم أولوا العزم من الناس، لأن غايتهم ليس إرضاء الناس بل البحث عن الحق و السير في طريق الحقيقة.
    ما برحتُ أقف كثيراً في عظمة الفيلسوف الطبيب الفقيه الفلكي قاضي قرطبة ( أبو الوليد ابن رشد الحفيد الأندلسي)، الذي كفره أهل التطبيل و التصفيق للحكام لأنه لم يسائر سواد الناس و لم يركن لعوامهم في النظر و التفكير، حرِّقت كتب مؤلف كتاب:
    (فصل المقال فيما بين الحكمة و الشريعة من اتصال).
    أحمد الله أنني سجلت زيارة لقبره في مدينة مراكش في المغرب عام 2010، و ما زلت أتوقف على مقولته الشهيرة في الجمع بين المعقول و المنقول:
    (الحقيقة لا تتناقض مع الحقيقة و لا تخالفها).
    يمين الله هذه مقولة أعظم من كل خطبة قالها كل إمام مسجد كفَّر ابن رشد أو ساهم في حرق مؤلفاته.
    و هذا متمرد آخر جاءنا من الأندلس هو علي بن حزم الظاهري مؤلف كتاب طوق الحمامة و أكثر علماء الإسلام تأليفاً بعد محمد بن جرير الطبري، حرِّقت كتبه بسبب ضيق أفق معارضيه و تمرده على أهل اللا منطق المتعسف، و قد دوَّن هذه الحادثة شعراً فقال فيها:
    فَإِنْ تَحْرِقُوا القِرْطَاسَ لاَ تَحْرِقُوا الَّذِي تَضَمَّنَهُ القِرْطَاسُ بَلْ هُوَ فِي صَدْرِي
    يَسِيْرُ مَعِي حَيْثُ اسْتَقَلَّتْ رَكَائِبِي
    وَيَنْزِلُ إِنْ أَنْزِلْ وَيُدْفَنُ فِي قَبْرِي
    شكلت إقامتي في بلاد السند و متحف اللوڤر، شكلت برزخاً زمنياً و فاصلة حسية و معنوية قائمة غير ساهية تبين لي البون الشاسع بين حال السودان قبل الإنقاذ و واقع السودان بعد الإنقاذ، فكلما أسافر إلى السودان، أسافر في الماضي المقدس المنحوت على حجارة الذكرى الكريمة القابعة داخل متحف عقلي و محراب قلبي، بيد أني سرعان ما أصاب بالغثيان مجرد أن يصطدم خيالي بسبورة الواقع الهش، إذ أبصر شخبطات ملطخة بلوث البؤس و جيف التعاسة حيث تداعت الأشياء و تهاوت الأخلاق و انفرط عقد القيم، لم يعد المكان هو المكان و لم يعد الزمان هو ذاك الزمن النبيل؛ تغير كل شيء و تبخر و تبعر حيث أمسى التعبير تفكير و التأخير تدبير.
    وجدت الناس تسرق كل شيء حتى القسم على كتاب الله العظيم؛ اللصوص أئمة و التيوس شيوخاً و الفسقة رجال أمن، و أرباب الجهالة أساتذة في الجامعات و مراكز البحوث. علماء لا يقدرون على ربط تاء التأنيث و لا التمييز بين القاف و الغين و لا (إذ) من (واظ)، أباحوا سرقة الشهادة بدون نقطتين و علقوا دليل جهلهم على اسم الله العظيم و كتبوه بنقطتين.
    استجلبوا و استوردوا من صحراء الربع الخالي من التفكير منهجاً للتدبير، يبيحون سفك دم المؤمن في الجمعة الأخيرة من رمضان و يكفرون زيارة القبور و حلق اللحى و لا يسمحون بالدعاء و الصلاة على الرسول.
    ترك الشباب المدارس و هجروا دور التعليم و حلقات الذكر و التلاوة و المكتبات و تحلقوا خلف المساجد، يحفظون آية من هنا و حديثاً من هناك ابتغاء الفتنة و ابتغاء تأويله، يكفرون حيناً الشيخ الورع (عبد الرحيم البرعي)، و حيناً يشتمون المؤمنين و يطعنونهم و يعلنونهم و يقتلونهم، إلتفوا و اختلفوا و احتشدوا و قالوا للناس إنهم علماء.
    سيقول السفهاء إنهم علماء أو خطباء و هم لا يميزون بين ذكر العام و المطلق قبل الخاص، و المقيد و حمله عليه، و لا يعرفون الفرق بين الناسخ و المنسوخ في القرآن و في الحديث، و لا يدركون الفرق بيت الحقيقة و المجاز، و لا ينتبهون لظروف المعنى و توثيق النص، و يتخبطون بين استعمال التقية و التدرج و الدلالة التصويرية و الدلالة الاستعمالية و الدلالة الجدية.
    سرقوا كل شيء حتى نور المساجد و ورق المصاحف و ميكرفون المآذن و خطبة الجمعة و فطور رمضان و الدعاء بعد الصلوات و حج البيت لمن استطاع إليه سبيلاً.
    كانت المساجد بيوتاً لله، لا يقصدها أهل الطرب و الهرج و الرقص حياءً و خوفاً من الله، لكن الإنقاذ دنستها و أباحتها دوراً للسياسة و أندية للقاء و الجدال و الدجل و الفتن و الوسوسة في صدور الناس حيث غابت آيات الله و الصلاة على رسول الله من خطب الجمعة و الأعياد و بات الأئمة عيوناً و ببغاواتٍ للسلطة و بُوَقاً للسلاطين إذ تُغدق عليهم رؤوس الأموال السياسية و الإقتصادية و الإجتماعية. فكل باحث عن الجاه أصبح إماماً و كل باحث عن المال أضحى إماماً و كل فاقد لمكانة اجتماعية أو علمية أو حسية أو معنوية أمسى إماماً.
    اغتصبوا المسجد و سرقوا الإمامة و نهبوا الأذان و يسعون لسرقة سمعنا و بصرنا و عقلنا و بصيرتنا ! كلا ثم كلا، لن تقبل ذاكرتنا محو صوت (عبد الله ود عامر)، و (الصديق ود عمر) و (الصديق ود علي ود الني)، هذه الأصوات الملائكية التي سمعناها في الطفولة، و القرآن الذي تعهدنا حفصه في الطفولة و الأئمة الذين صلينا خلفهم في الطفولة و سمعنا خطبهم في الجمعة و الأعياد.
    رحم الله مولانا الشيخ الورع (محمد فضل الله)، ما برحت أسمع بحة صوته المدوزن في آذاني؛ ما زلت أسمعه يقح بصوته الذي شاب في الخشوع و الركوع و الخوف من الجليل و العمل بالتنزيل و الاستعداد ليوم الرحيل.
    رحم الله و الدي محمد بابكر قسم الله و رحم الله أجدادي و أصدقاء والدي .
    رحم الله يا سادتي السودان و رحم الله الإسلام و المسلمين !
    sudansudansudansudansudansudansudansudansudansudansudansudansudan3.jpg Hosting at Sudaneseonline.com

                  

العنوان الكاتب Date
قرية بورتبيل ...الماضي...الحاضر...المستقبل ( قصة قرية من السودان) Omer Mustafa05-16-16, 01:20 PM
  Re: قرية بورتبيل ...الماضي...الحاضر...المستقبل ( Omer Mustafa05-16-16, 03:14 PM
    Re: قرية بورتبيل ...الماضي...الحاضر...المستقبل ( أحمد الشايقي05-16-16, 04:08 PM
      Re: قرية بورتبيل ...الماضي...الحاضر...المستقبل ( Omer Mustafa05-16-16, 08:53 PM
        Re: قرية بورتبيل ...الماضي...الحاضر...المستقبل ( Omer Mustafa05-16-16, 09:39 PM
  Re: قرية بورتبيل ...الماضي...الحاضر...المستقبل ( معتصم سليمان05-16-16, 09:44 PM
    Re: قرية بورتبيل ...الماضي...الحاضر...المستقبل ( Omer Mustafa05-16-16, 10:59 PM
      Re: قرية بورتبيل ...الماضي...الحاضر...المستقبل ( Omer Mustafa05-16-16, 11:19 PM
    Re: قرية بورتبيل ...الماضي...الحاضر...المستقبل ( Omer Mustafa05-16-16, 11:51 PM
      Re: قرية بورتبيل ...الماضي...الحاضر...المستقبل ( ابو جهينة05-17-16, 07:20 AM
        Re: قرية بورتبيل ...الماضي...الحاضر...المستقبل ( أحمد الشايقي05-17-16, 09:47 AM
          Re: قرية بورتبيل ...الماضي...الحاضر...المستقبل ( Omer Mustafa05-26-16, 01:47 PM
        Re: قرية بورتبيل ...الماضي...الحاضر...المستقبل ( Abutalib Elgorashi05-17-16, 10:17 AM
          Re: قرية بورتبيل ...الماضي...الحاضر...المستقبل ( طه داوود05-17-16, 01:34 PM
            Re: قرية بورتبيل ...الماضي...الحاضر...المستقبل ( Osman Dongos05-17-16, 01:57 PM
              Re: قرية بورتبيل ...الماضي...الحاضر...المستقبل ( خالد حاكم05-17-16, 03:50 PM
              Re: قرية بورتبيل ...الماضي...الحاضر...المستقبل ( Omer Mustafa05-26-16, 02:25 PM
            Re: قرية بورتبيل ...الماضي...الحاضر...المستقبل ( Omer Mustafa05-26-16, 02:17 PM
          Re: قرية بورتبيل ...الماضي...الحاضر...المستقبل ( Omer Mustafa05-26-16, 01:54 PM
        Re: قرية بورتبيل ...الماضي...الحاضر...المستقبل ( Omer Mustafa05-26-16, 11:50 AM
          Re: قرية بورتبيل ...الماضي...الحاضر...المستقبل ( Omer Mustafa05-26-16, 12:10 PM
          Re: قرية بورتبيل ...الماضي...الحاضر...المستقبل ( Omer Mustafa05-26-16, 12:10 PM
          Re: قرية بورتبيل ...الماضي...الحاضر...المستقبل ( Omer Mustafa05-26-16, 12:11 PM
        Re: قرية بورتبيل ...الماضي...الحاضر...المستقبل ( Omer Mustafa05-26-16, 12:30 PM
          Re: قرية بورتبيل ...الماضي...الحاضر...المستقبل ( ابو جهينة05-26-16, 01:57 PM
            Re: قرية بورتبيل ...الماضي...الحاضر...المستقبل ( شمس الدين ساتى05-26-16, 03:11 PM
              Re: قرية بورتبيل ...الماضي...الحاضر...المستقبل ( عبدالرحمن أحمد السعادة05-26-16, 03:34 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de