أنا فقط أوضح:أنّ تعالي القرآن وهيمنته على الواقع سببها أنّه: (كتاب سماوي)!
ولكن أُنبّه إلى حقيقةٍ بدهيّةٍ، وهي:
بما أنّ هذا الكتابَ، هو (نصٌّ لغويّ) مقروءٌ بلغةٍ إنسانيّة،
فإنّ هذه الحقيقة الواقعية، تجعله مفتوحاً على الواقع، وعلى التاريخ كلّه.
هذا هو موقفي باختصار، وأشرحه فيما يلي:
أما انفتاح القرآن على الواقع في الجزيرة العربية،
وهو (بيئة التنزيل)، فمِمَّا لا ينبغي أن يكون بيننا اختلافٌ حوله،
فأيُّ نصٍّ لغويٍّ، يكون ضرورةً مشدوداً إلى البيئة التي وُجد فيها،
أمّا انفتاح القرآن على التاريخ كلّه، فذلك لأنّه
إلهيُّ المصدر، ولأنّ الله تعالى لم يُقيده ببيئة التنزيل،
بل قد أرسله للعالمين كافّةً، بشيراً ونذيراً!
وهذه الناحية محلُّ خلافٍ بيننا،
والفيصل فيها: هو التجربة الموضوعيّة: يعني أن نقرأ القرآن فعلاً
قراءةً علميّة تاريخية،
ونقرؤه استناداً إلى وعينا المعاصر،
وننظر، هل يستجيبُ ويتفاعل مع حاجاتنا، أم لا!
ومن ثمّ فأنا على يقين: بأن تفسير القرآن باعتباره نصاً لغويّاً،
تفسيره باتباع (منهج البحث العلمي) المعاصر، وباستخدام منهجية القراءة العلمية،
لن يكون فيه أدنى مخالفةٍ للقرآن، بل هذا هو الواجب!
ومن البدهيات التي ينبغي أن يعرفها المسلم المعاصر:
أن القرآن نزل عليه باعتباره مسلماً معاصراً يرتكز وعيه على
آخر ما توصّلت إليه تقنياتُ البحث العلمي والتكنولوجي!
وبالتالي فلن يجد المسلم أدنى تعارضٍ بين حقائق القرآن وحقائق العلم!
علماً بأن القرآن ليس كتاباً في العلم التجريبي،
لكنه لا يعارضه!
القرآن يزود المسلم بالرؤية الإيمانية الكونية أساساً،
***
وأقول: سبحان الله! لو أنّ باحثاً علميّاً (أمريكيّاً!)،
أراد أن يدرس القرآن دراسةً علميّة، باعتباره نصّاً لغويّاً،
وليوجه إليه النقد من داخله، ومن خارجه،
فسوف يعتمد أولاً على معاجم اللغة العربيّة، من أجل فهم القرآن ذاته،
وسوف يعتمد ثانياً على تاريخ بيئة التنزيل،
وعلى سيرة حياة الرسول الذي أتى بهذا القرآن،
ليدرس العلاقة بين البيئة والنص.
يعني، سبحان الله، لو عالم أمريكي، عاوز يفهم القرآن
فهم علميّ، استناداً إلى بيئة التنزيل،
حيجد نفسه تلقائياً، قد وضع أمامه معاجم اللغة،
وكتب الحديث، وكتب أسباب النزول!
***
إذن يا عزيزي،
لا تعارض بين تعالي القرآن وواقعيّته!
وبعبارةٍ أخرى: الله تعالى ذاتٌ مقدّسةٌ متعالية،
لا أحد يُدرك كنه ذاته وعظمة صفاته،
إلا بما (تنزّل) به علينا من عليائه،
فخاطبنا به: نصّاً لغويّاً عربيّاً!
فليس عندي من سبيل كإنسان، إلا بفهم
القرآن باعتباره نصاً لغويّاً إنسانيّاً!
وقلت: إنّ ذلك من شأنه أن يؤدّي إلى أن:
نقع جميعنا في مصيدة التَّأويل الشَّخصي، فاتحين الباب نحو فوضى التَّأويل!
هنا أتّفق معك تماماً!
ينبغي أن نوصد البابَ في وجه التأويلات التي لا تتناسب مع النص، والتي تخالف سياقه، ودلالاته،
وخيرُ مثالٍ لذلك رؤية محمود محمد طه، وهو رجلٌ ذو عقلٍ كبير،
ومدرك لوعي الإنسان المعاصر، لكن اخترقت وعيَه فكرة وحدة الوجود الصوفيّة،
فأصابت منهجه العلميُّ بالخلل،
وبالتّالي لم يتسنَّ له أن يُدرك الحكمة من وجود تلك القوانين والتشريعاتِ
في صُلب القرآن، فاضطرّ إلى التمييز بين القرآن المكي، والقرآن المدني،
حيث نسخ الثاني بالأول!
رؤية لا تشهد لها النصوص الشرعية، بل تخالفها!
إذن نحن متفقان على أن تتمّ قراءة القرآن قراءةً علميّة، تحترم دلالات نصوصه وسياقاتها،
ولكنّك ذكرت أنّ: