مزاعم النفاقالواقع أن من الشائع بالنسبة إلى تنظيم الدولة الإسلامية وأنصاره التأكيد على أن أفعالهم ضد الشيعة تتفق مع العقيدة الوهابية. لابل إنهم يؤكدون أن أفعالهم تجد مايجيزها في التعاليم الرسمية للمؤسّسة الدينية السعودية. وبالتالي يقول البيان الثاني الصادر عن قادة ولاية نجد إن "المجاهدين في جزيرة العرب... إنما قتلوا من نظّر علماء آل سلول لتكفيرهم وقتلهم". وقد يكون أبو مصعب الزرقاوي أول من جادل في هذا الاتجاه عندما استشهد، في محاضرة حول التشيّع في العام 2006، بفتوى صادرة عن اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في المملكة العربية السعودية تكفّر الشيعة بوضوح.43
كثيراً مايستشهد مناصرو الدولة الإسلامية على الإنترنت بالعلماء السعوديين الرسميين لتبرير الهجمات ضد الشيعة. على سبيل المثال، بعد إطلاق النار على أحد مساجد الشيعة في المنطقة الشرقية في السعودية في منتصف تشرين الأول/أكتوبر 2015، نشر أحد مناصري الدولة الإسلامية على تويتر الاقتباس التالي من ابن جبرين، العالم الذي درس تركي البنعلي على يديه: "فإن الرافضة غالباً مشركون... وهذا شرك أكبر، وردّة عن الإسلام يستحقون القتل عليها".44
كثيراً مايستشهد مناصرو الدولة الإسلامية على الإنترنت بالعلماء السعوديين الرسميين لتبرير الهجمات ضد الشيعة.
عداء الوهابية الجوهري للتشيّع يطرح مشكلة أمام علماء الدين السعوديين عندما يتعلق الأمر بإدانة هجمات الدولة الإسلامية في المملكة. إذ تتهم الجماعة وأنصارها على الإنترنت هؤلاء العلماء السعوديين، بصورة مبرّرة أحياناً، بالردّة والنفاق.
هذه الاتهامات يمكن أن تكون قوية من الناحية الخطابية. على سبيل المثال، يظهر شريط فيديو مطوّل صادر عن الدولة الإسلامية من تموز/يوليو 2015 مقاتلين سعوديين في حلب يشيرون إلى تناقضات في أقوال العلماء. إذ يقول أحد السعوديين في شريط الفيديو: "علماء آل سلول كانوا قبل فترة قصيرة يكفّرون الرافضة، بل ويكفّرونهم بالعموم... كفّروهم، ولما قاتلتهم دولة الخلافة... استنكروا".45 ثم يظهر الفيديو بيانات (معظمها تغريدات) لعلماء سعوديين قبل وبعد هجمات الدولة الإسلامية في المنطقة الشرقية. في سلسلة من اللقطات، يظهر محمد العريفي، الداعية السعودي الأكثر شعبية في البلاد، والذي لديه أكثر من 14 مليون من المتابعين، في مشهد قبل هجمات الدولة الإسلامية وهو يوبّخ "الرافضة" على تجاوزهم حدود الإسلام ومحاربة "المسلمين". وفي مشهد آخر في أعقاب الهجمات، يظهر العريفي وهو يعبّر عن تعاطفه الشديد مع سكان المنطقة الشرقية، ومعظمهم من الشيعة.
يتّهم شريط الفيديو نفسه هؤلاء العلماء بمطالبة الدولة الإسلامية بالكيل بمكيالين، لأن هؤلاء الرجال لايزالون يدينون الشيعة في اليمن ويحضّون الحكومة السعودية على الجهاد ضدّهم باعتبارهم "مشركين"، في حين ينتقدون استهداف الدولة الإسلامية للشيعة في المملكة العربية السعودية. ويتم عرض تغريدات عدّة لهذا الغرض. بعدها يشير أحد السعوديين إلى الكاميرا قائلاً: "بل وإلى الآن يكفّرون الرافضة في اليمن ويؤسلمونهم في المنطقة الشرقية!"
التوعية العلمية
في أواخر العام 2014، بدأت تتردّد شائعات مفادها أن تنظيم الدولة الإسلامية يحاول تجنيد المزيد من العلماء الجهاديين في العالم لصالح قضيته، لأن معظمهم انحازوا إلى زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري مفضّلينه على البغدادي.46 محاولات التجنيد، التي قادها البنعلي، جاءت بنتائج ضعيفة نوعاً ما، حيث ضاعف أبرز العلماء على معارضتهم للبغدادي وأكّدوا دعمهم لتنظيم القاعدة. ومع ذلك، بدا أن المحاولات تحرز قدراً من النجاح في المملكة العربية السعودية.
في أوائل العقد الماضي، كان السعوديون أبرز منظّري حركة السلفية الجهادية، وساهموا في عدد كبير من الفتاوى والمقالات والكتب في مجموعة متزايدة من المؤلّفات على الإنترنت. وخلافاً لمعظم المفكرين الجهاديين، كان هؤلاء الرجال علماء مسلمين مدرّبين ويحملون درجات علمية متقدمة، ويشغلون مناصب جامعية في بعض الحالات. وقد منحوا الحركة قدراً أكبر من الشرعية والعمق العقدي. كانت مجموعة من هؤلاء الرجال تعرف بالمدرسة الشعيبية، التي سميت كذلك تيمناً بالسعودي الراحل حمود العقلاء الشعيبي، وهو أستاذ جامعي سابق في الرياض والقصيم. وكان من بين قادتها الآخرين ناصر الفهد، أستاذ العقيدة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في الرياض، وعلي الخضير، وهو شيخ مسجد كان يدرس العقيدة والفقه في القصيم.47 في العام 2003، تم إلقاء القبض عليهما بسبب دعمهما تنظيم القاعدة في جزيرة العرب. كانت تلك ضربة كبيرة حرمت التنظيم، وفقًا لتوماس هيجهامر الأكاديمي المتخصّص في الفكر الجهادي ومؤلف كتاب عن القاعدة في جزيرة العرب، من "مصدر أساسي لإضفاء الشرعية عليه".48 ومنذ العام 2003، لم يسمع سوى القليل عن هؤلاء العلماء الجهاديين، الذين أبقاهم السعوديون في السجن.
الفهد والخضير اثنان من بين أكثر من 4 آلاف سعودي معتقلين في المملكة العربية السعودية باعتبارهم "سجناء أمنيين"، وهو المصطلح السعودي لوصف أنصار الفكر الجهادي الذي ينادي به تنظيم القاعدة والدولة الإسلامية.49 ووفقاً لمسؤول كبير في السجن تم اقتباس أقواله في الصحافة السعودية، فقد كان هناك انقسام فكري بين السجناء الذين هرّبوا رسائل لدعم الدولة الإسلامية أو تنظيم القاعدة.50 إحدى هذه الرسائل التي تعود إلى أوائل العام 2014، والتي سجّلها العالم الجهادي سليمان العلوان، انتقدت البغدادي ودعوته إلى إقامة دولة.51 ومع ذلك، فإن معظم ما تم تسريبه يدعم الدولة الإسلامية، مايشير إلى أن السجناء الجهاديين في المملكة العربية السعودية قد انجذبوا إليها.52 ألّف حمد الحميدي، أحد منظّري القاعدة السابقين في جزيرة العرب، أعمال عدّة مؤيّدة للدولة الإسلامية من زنزانته ونُشرت على الإنترنت بين عامَي 2014 و2015، وقيل إن منظّراً آخر هو فارس الزهراني (المعروف أيضاً باسم أبي جندل الأزدي)، بايع البغدادي من السجن.53 أعدمت السلطات السعودية الاثنين في 2 كانون الثاني/يناير 2016، ضمن مجموعة من أكثر من 40 شخصاً أُدينوا في ما اعتبرته الدولة إرهاباً.54
في خطاب صوتي له نشر في منتصف أيار/مايو 2015، ناشد أبو بكر البغدادي مباشرةً طلبة العلم الجهاديين السجناء في المملكة العربية السعودية طلباً لدعمهم، قائلاً: "نحن لم ننسكم يوماً ولن ننساكم أبداً"، ووعد بالقتال لتحريرهم.55 بعد ثلاثة أشهر، في آب/أغسطس 2015، حقق تنظيم الدولة الإسلامية أكبر انتصار له في السجون عندما تسرّبت رسالة بيعة مكتوبة بخط اليد من ناصر الفهد من سجن الحائر، ودعت جميع المجاهدين للانضمام إلى الدولة الإسلامية. وقد أعلنت وكالات الإعلام شبه الرسمية التابعة للدولة الإسلامية على الإنترنت عن بيان الفهد وعمّمته، والذي لم يخاطب السعوديين بصورة خاصة لكنه أعرب عن الأمل في أن تزيل الدولة الإسلامية كل الأنظمة غير الشرعية التي تحكم المنطقة. وعلى نحو ذي دلالة، حاول الفهد استباق الانتقادات بالإشارة إلى أنه في الوقت الذي تسبّب تنظيم الدولة الإسلامية في سفك الكثير من الدماء، فإن هذا خطأ يغتفر في ظل الظروف العصيبة في المنطقة.56
على المدى الطويل، ينبغي على المملكة العربية السعودية أن تشعر بالقلق بشأن الأثر المعدي لوجود الآلاف من المواطنين خلف القضبان من الموالين للخليفة في الرقة.
بالتحاق الفهد بها، يبدو واضحاً أن تنظيم الدولة الإسلامية يأمل بتأييد الخضير كذلك. فشريط الفيديو الذي يظهر السعوديين في مدينة حلب، الذي تم الحديث عنه أعلاه، يظهر بعض السعوديين يجلسون أمام نسخة من أحد كتب الخضير.57
من الصعب معرفة كيف سيكون تأثير بيعة الفهد، وبيعة الخضير المحتملة، على المشهد السعودي. في تشرين الأول/أكتوبر، تباهى كاتب جهادي بارز على الإنترنت يستخدم الاسم المستعار أبو المعالي عقيل الأحمد بـ"نحيم الفهد" باعتباره انتصاراً كبيراً.58 غير أن البيعة لم تنشّط، حتى الآن، حملة الدولة الإسلامية في المملكة العربية السعودية، ربما لأن الفهد لم يشجّع على وجه التحديد هجمات الدولة الإسلامية في المملكة العربية السعودية. وربما لم يكن على علم بها. وربما كان أكبر أثر للبيعة هو إقناع من يضمرون تعاطفاً مع الفكر الجهادي بالانحياز إلى تنظيم الدولة الإسلامية وتفضيله على تنظيم القاعدة. في الوقت الحالي، هذا انتصار مبهم. ولكن على المدى الطويل، ينبغي على المملكة العربية السعودية أن تشعر بالقلق بشأن الأثر المعدي لوجود الآلاف من المواطنين خلف القضبان من الموالين للخليفة في الرقة.
Read more at: http://carnegieendowment.org/2016/02/18/ar-62893/iuonhttp://carnegieendowment.org/2016/02/18/ar-62893/iuon