يبقى لنا تساؤل كبير.. كيف نوفق بين تمثل نهج ثقافي عربي إسلامي ولجم لقوى إصولية إسلامية من أن تصدع مسار مجتمع ينوء بحمل من الإشكالات تفتح الباب واسعاً أمام تشرذمه إن إستمر البعض يضرب على أوتار الإنتقائية أو الدولة الدينية..!.فلنبدأ من مستمسكات الإطار الثقافي العربي الإسلامي السوداني ...
إضافةً للإرث التأريخي الذي لا نود أن نخوض في جداله، يتوجب علينا أن نتفق على تسامح التعاطي السوداني للإسلام ، في كل العهود قبيل سيطرة الزمرة المتأسلمة، وتعايشه مع كل الأطر الروحية، بل وتزاوجه وتلك الإلتزامات دون أن ينتقص منها أو تخدش أساسياته.
إن وجود مسيحيين وأصحاب معتقدات "أرضية" في قلب الجموع الإسلامية مع الحفاظ لها بكل حقوقها الدينية وعدم إرتباط التوجه السياسي ونعرات دينية كان صمام أمان لمسيرة المجتمع السوداني ردحاً من الزمان، وذلك رغماً عن التأثير الواضح لقيام الدولة المهدية نهاية القرن التاسع عشر وتهيئتها لقيام كيانات سياسية ترتكز على الطائفية الدينية، التي وضح عدم قدرتها على تلبية تطور ذاتي يفي بمتطلبات المجتمع من حولها، إذ ظلت تدور في فلك بيوتات أحكمت قبضتها على مفاصل حركتها، وما ظاهرة الإنقلابات العسكرية التي تعقب كل إنتخابات برلمانية إلا تعبير عن صورة مشوشة لحالة القلق ونفاذ الصبر التي تجتاح المجتمع السوداني حالما تهيمن القوى الطائفية بمفاهيمها التي تجاوزها الوعي..! حين الإصطدام ومتطلبات الحياة اليومية للإنسان السوداني.
إن التوافق على رفع الإلتزامات الروحية فوق العملية السياسية لايحقق فقط إستقراراً سياسياً بل حتى يعيد الثقة الضائعة بين أهل الملل والنحل الدينية ويفتح الباب واسعاً لوحدة حركة المجتمع السوداني دون المساس بإلتزامات أفراده الروحية.
والآن.. هل يجب أن نتحدث عن لغة إلتزام لأهل السودان بعيداً عن لغة الإطار الثقافي السائد اليوم..!!
لا أعتقد بإن هناك من يطالب بتجريد الإطار العربي الإسلامي الماثل اليوم من لغة تخاطبه، وفي ذات الوقت يكون عبثياً الركون لإطروحات تمس الإلتزامات الدينية وموجهاتها الأخلاقية.
إن لغة أهل السودان الموحدةِ لمختلف إنتماءاته تظل هذه العربيةِ بمختلف لهجاتها، وهو ما لا يعني بأي حال قهر للغات ولهجات يعج بها السودان، لكن وحدة حركة المجتمع تحتاج لغة تواصل هي هذه العربية لوجودها ليس بحكم إنتماءٍ عرقي ولكن لدى الغالبية من أهل السودان بحكم الإلتزام الروحي وللبقية نتاج لتوحد ثقافي سوداني.