وحدة المجتمع السوداني الراهنة رغم هشاشتها، قد بنيت على إرث تأريخي وتعايش بين كل مكوناته، هدمها سيكون كارثياً وأي محاولة ترقيع لها ستفضح عورتها التي جهدنا ونجهد لإخفائها..!يهمني أن ننطلق، وبقناعة كاملة، من إلا بد لمجتمعنا أن يتحرك بوحدة وجوده الراهنه، وإن أردنا أن نكون أكثر مصداقية ، فمن تلك النقطة التي سبقت فرض هيمنة من قبل الشمال المحسوب إسلامياً على كل أطراف البلاد شمالها وجنوبها.
إن ما هيأ لتلك القرارات الكارثية في سبتمبر1983 وما آتى بعده من فرض هيمنة أصولية بإنقلاب يونيو1989، ما هو إلا نتاج لتلك الأطروحات التي سعت لفرض دستور إسلامي إبان الديمقراطية الثانية. وهو ما طرح أسساً غير عادلة للتمثل الثقافي السوداني ليس بين الشمال والجنوب فحسب بل وحتى بين المسلمين في مختلف إنتماءاتهم إن طرحنا ذلك من وجهة طائفية - دينية أو قبلية – عرقية.
ما نسطره لايؤسس بأي حال نحو إستصدار صكوك غفران لتلك العقود من الزمان بدءاً من الدولة المهدية، وما تلاها، والتي رغماً عن بروزها كنتاج لحركة تحرر وطني إلا أنها ،وللأسف، كانت يداً مؤسسةً للهوس الديني الجاسم فوق صدورنا اليوم..!.
إن الدولة الإسلامية مهما حاولنا أن نفصل لها من ثياب عدل وشورى فهي دولة إنتقائية. يحدثنا التأريخ الإسلامي عبر العصور عن الخضوع والخنوع دوماً لإنتماءات قبلية وعشائرية في تحديد من يحق له التصدي لريادة المجتمع ولم يشذ عن ذلك مجتمع إسلامي واحد منذ ظهور الإسلام وحتى عالمنا المعاصر.
إن الإرث الإسلامي في تعريفه لماهية الدولة أو الجماعة..! وسبل التطلع لقيادتها يقع في تناقض ومرتكزات المجتمع السوداني، ولن يستقيم وجودهما سوياً.
فعلينا إما أن نضحي بالسودان المجتمع الماثل اليوم أو نلجم الأطروحات الدينية الإسلامية في دعوتها للأسلمة الدولة على أنقاض وحدة مجتمعنا.
ولعلنا في مندوحةٍ من الإشارةٍ لما آل إليه الحال بين طرفي القوى الإصولية الإسلامية "الوطني.. والشعبي.." وذاك حين لجأ الشيخ لدعم من خارج الإطار المتعارف عليه سلطوياً - إسلامياً وبروز مجموعة العشرة التي فرضت عليها مصالحها التمسك بالإرث العرقي وليس الشرع الإسلامي في تسيير دفة الحكم..!.