علينا الإقرار بأن لاوجود لثقافة عربية بمعزل عن الدين الإسلامي، وهو إقرارٌ أن وفقنا في وضعه على لائحة بنياننا الإجتماعي سيجتاز بنا هوة الإنجرار نحو عرقية لاوجود فعلي لها. إن مثل هذا الإقرار لا يعني إنتفاءاً كاملاً..! ولكنه بحق غياب لها، حين الحديث عن مؤثرات طبعت بصماتها على مسار البشرية، في ظل إحتجابٍ يكاد يكون مطلقاً لإرثٍ حضاريٍ عربيٍ بعيد عن الإلتزام الروحي الإسلامي. لذا كان من البديهي إلا نجد مؤثرات ثقافية عربية إفترقت عن مدلولها الديني.إن الإطار الحضاري الذي نشأ تحت مظلة الدولة الإسلامية بفواصلها الفارسية والتركية والكردية "الأعجمية" هو ما أوجد للعربية، اللغة وليس العرق، مدلولاً ثقافياً يتمدد تأثيره بإختيار وحاكمية وإنتقال الدين الوليد حينها.
ليتسربل هذا الدين الإسلامي الوافد! المجتمع السوداني لم يكن أمامه إلا أن يتسامح مع أهل البلاد الأصليين. تبدى ذلك بعد أن فشلت تجريداته التي إعتادها لنشر دعوته، وهو ما تجلى في بيئةٍ إحتضنت حضارات عريقة أوجدت لها علائق إجتماعية سبقت الإسلام بقرون. أوجد الإسلام لنفسه وسيلةٍ أو أخرى ليتغلغل بها وسط المجتمع السوداني "الصوفية.." و ما نجاحه في السودان إلا نتاج ملامسة وسيلة إنتقاله تلك وإلتزامات سكان البلاد حينها.!.
إن الأخذ السوداني لمفاصل الوافد الروحي الجديد لم يحدث إنتقاءاً، حيث لم يكن في المقدور حينها الفصل بين الإسلام واللغة العربية، كما ولم تكن اللغات السائدة حينها في أرض السودان بقادرة على الإحاطة بهذا الإطار الحضاري الوافد.
إندمج المجتمع السوداني حينها في هذا الإطار الحضاري آخذاً توجهه الثقافي ولكن بعد أن نفث فيه الكثير من عادات وتقاليد بنيه، فكان إن تشكل إطاراً ثقافياً عربياً إسلامياً سوداني التوجه والتقبل، وهو ما حتم لاحقاً تطوره في إتجاه سودانيته. وبقدر ما خلق التزاوج بين سكان البلاد والوافدين مع الدين الجديد سحنةً سودانيةً مميزةً، بقدر ما أصبح هذا التمازج الثقافي الوليد محدداً لجل موجهات حركة المجتمع السوداني الحديث، وهذا هو الداعي لتعايش ساد بين إلتزامات روحية متعددة في المجتمع السوداني، بل وممارسة متقاطعة لشعائر دينية ينظر لها في مجتمعات أخرى على أنها من مميزات هذا الدين او ذاك وبخاصة حين الإحتفاء بالمثل الدينية.!