Quote: [3] رسل الحرب والسلام:
تمارس الكنيسة والمنظمات التنصيرية لعبة الحرب والسلام، كلاعب محترف لا يفرط أو يتهاون في مكاسبه أو مبادئه، ولكنه أيضاً لا يضيّع فرص تكريسها وتأمينها؛
فمنذ عام 1910م، أسس الجنرال (ونجت) الحاكم العام (الفرقة الاستوائية) على أساس ديني وعنصري (22)؛
بحيث تكونت فقط من الجنوبيين المتنصرين من أبناء الإرساليات لتكون أساساً لجيش يمكن استعماله ضد أي انبعاث يحمل توجيهات الإسلام الجهادية في الشمال،
كما يقول الكاتب الإنجليزي (روبرت كولنس)، وهي نفس الفرقة التي تمردت في أغسطس 1955م بعد أن اجتمع بهم القس (بلم تري) وبارك مساعيهم لذبح الشماليين (23).
ثم استمرت الكنيسة ـ من بعد ـ في احتضان كل حركات التمرد الجنوبية من رابطة السودان المسيحية (SCA) إلى الاتحاد الوطني للمناطق المقفولة بالسودان الإفريقي (SACDNU) إلى الاتحاد الإفريقي (سانو SANU) ومنظمة الأنانيا ثم أخيراً الحركة الشعبية لتحرير السودان (SPLM) والفصائل المنشقة عنها.
توفر الكنائس لهذه الحركات الدعم المباشر والدعم الحكومي عبر جماعات الضغط التي تمثلها، كما توفر لها الخبراء العسكريين والتغطية الإعلامية، وهناك أكثر من 160 منظمة وهيئة إغاثية تعمل بهذا الاتجاه الذي يشمل أيضاً التسليح والإمداد التقني المساعد.
نشرت مجلة (نيوزويك) في 10/4/2001م تقريراً عن جنوب السودان بعنوان (جنود المسيح) قالت فيه إن الحرب في جنوب السودان أصبحت حرباً صليبية،
وذكرت أن منظمة واحدة فقط هي (الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية) قد وفرت ـ بلا علم الحكومة السودانية طبعاً ـ مبلغ 17 مليون دولار للجهات التي تعمل في السودان،
ثم ذكرت أن أكثر تلك المنظمات حظوة هي (برنامج المساعد الشعبي النرويجي) الذي وصفه تقرير طلبته الحكومة النرويجية بأنه (يتجاوز حدود ما يعتبر أعمالاً إنسانية)!!
إذن ما تقوم به هذه الإغاثات الموجهة ليس إلا خط إمداد حربي وإدارة تجسس استخباراتية تلعب دورها في الحرب، كما تلعب دورها في السلام.
أما السلام فلم يكن يعني أكثر من محاولة الحصول على المزيد من الفرص لتمكين المشروع الصليبي في السودان.
إن المجالس الكنسية تكاد لا تغيب عن أي من المفاوضات مع حركات التمرد كراعٍ لها أو مراقب فيها.
وحينما أبرمت اتفاقية (أديس أبابا) في فبراير 1972م برعاية الإمبراطور النصراني هيلاسي لاسي كانت قد خرجت تلك المجموعات التي مهدت لهذه الاتفاقية بضمانات كافية بعدم نشر الثقافة العربية والإسلامية في الجنوب (24)،
وعلى إثر هذه الاتفاقية أقام السودان ـ لأول مرة ـ علاقات دبلوماسية مع الفاتيكان في أغسطس عام 1972م، وقد بدا حينها أن الاتفاقية لا تعدو أن تكون (صفقة) تتنازل الحكومة بموجبها عن الجنوب للكنائس؛ ومن ثم تتم إعادة إنتاج نسخة أخرى من (سياسة الجنوب) التي نفذت إبان الحكم الثنائي.