Quote: لقد سلكت المؤسسات الصليبية كل السبل التي تحقق أطماعها بلا حدود أو حقوق أو تسامح، وتصرفت وكأنها تأخذ ثأراً قديماً لها مع الإسلام، وهذه الأساليب نوجز منها ما يلي:[1] سياسة الجنوب:
بدأ التنفيذ الصارم لما يعرف بسياسة الجنوب في يناير 1930م (15)، إلا أن البدايات العملية لها استؤنفت قبل ذلك التاريخ بكثير؛ ففي عام 1917م استُبدل كل الجنود الشماليين بجنوبيين، وفي 1918م اعتُمدت الإنجليزية لغة رسمية وجعل الأحد عطلة أسبوعية، وفي 1922م وما بعدها أصدر قانون المناطق المقفولة الذي مُنِع بموجبه الشماليون المسلمون من دخول المناطق الجنوبية، وبموجب تلك السياسة فإن الإدارة الاستعمارية عملت على:
1- محاربة اللغة العربية والأسماء الإسلامية وقصر التعامل على الإنجليزية.
2- محاربة الشعائر والعادات الإسلامية وكل ما يتعلق بها من زي أو هندام.
3- طرد الشماليين تجاراً وإداريين.
4- إعادة العمل بالأحكام القبلية وإحياء اللهجات المحلية.
لقد كانت الحكومة تعاقب بشدة كل من يضبط وهو ينطق العربية أو يؤدي شعائر إسلامية؛ كما كانت تفضل أن يظل الجنوبيون عرايا على أن يلبسوا أزياءً إسلامية أو شمالية، وكانت تستعمل أرقاماً معينة لمناداة كل من يرفض تغيير اسمه إلى اسم غربي أو قبلي (16)،
لقد أخليت تلك المناطق تماماً إلا من النفوذ الكنسي الذي أسندت إليه شؤون الإدارة والتشريع والتعليم والتوجيه، والانفراد الكامل لربع قرن بتشكيل ثقافة ذلك المجتمع وتوجهاته. "إن الحكمة وراء سياسات المناطق المقفولة تكمن في نشر الجهد التمديني التنصيري على كل ميادين جنوب السودان الممتد" كما يقول (روبت هاو) حاكم السودان العام في تلك الفترة (17).
إذن فهو غزو صليبي تقوده الحكومة الإنجليزية، وليست القضية تراتيب إدارية أو أطماعاً اقتصادية أو أي شيء آخر، ولا يمكن لعاقل أن يدّعي بأن هذا الاضطهاد والتطهير العرقي، هو نوع من الديمقراطية والتسامح الذي يجب على الإسلام ـ وحده ـ أن يتحلى بهما.
[2] إثارة الحقد والبغضاء ضد الإسلام:
لقد دُجّن الطلاب الجنوبيون باعتبارهم مسيحيين في المدارس الإرسالية التي كان وحدها في الساحة، وكانت المسيحية تُمَثَّل بأنها ديانة متفوقة،
ولم يكن من الصعب بناء أحقاد جنوبية ضد الشمال في مدارس الجنوب التي كانت يدرس في تاريخها دوْر العرب في شراء وبيع الأفارقة كرقيق (18)؛
وهذه شهادة الوزير السابق وأحد قادة التمرد السياسيين (بونا ملوال)، وهو نفس ما أكدته لجان التحقيق في اضطرابات أغسطس 1955م (19) التي كانت بداية التمرد المسلح.
لقد عملت الكنيسة ـ بخبث ـ على ربط الإسلام بتجارة الرق؛ في حين أن التجار الغربيين هم أصحاب هذه التجارة (20)،
وعملت على إذكاء نار التفريق العنصري وإلصاقه بالإسلام؛ بينما لا تتحدث مطلقاً عما في كتابهم ـ المحرف ـ (الكتاب المقدس ـ الإصحاح التاسع): عن حام جد الأفارقة: "فلما استيقظ نوح من خمرة علم به ابنه الصغير فقال: عبد العبيد يكون لإخوته، وقال: مبارك إله سام وليكن كنعان عبداً لهم".
لقد صورت الكنيسة الدعوة إلى الإسلام على أنها حرب عنصرية ضد الجنوبيين، وأنه لا مناص من الانضمام إلى صف الكنيسة من أجل بقائهم، وأن كل جنوبي هو بالضرورة مضطهد من المستعمرين الشماليين الذين تعمل الكنيسة على محاربتهم من أجله (21).
وهكذا استطاعت الكنيسة أن تضمن تشبث تلك المجموعات بها بنفس القدر الذي تضمن به شحنها ضد أي نشاط دعوي يمكن أن يبذله المسلمون.