Quote: [5] تشكيل الهوية السودانية:
لقد كانت الحركة التنصيرية تستهدف تنصير كل السودان ابتداءً من الوثنيين والذين لا عقيدة لهم من أهل الجنوب والنوبة وحتى تنصير المسلمين في شتى أنحاء السودان.
جاء في خطط أعمال مؤتمر (كولورادو) عام 1978م: "لقد أوقفنا انتشار الإسلام في جنوب ووسط إفريقيا، وما نحتاج إليه هو العمل لإيجاد منافذ إلى داخل الإسلام"(11)،
لقد عملت الكنائس بجد على إيجاد مراكز لها في الشمال رغم أن القوانين الحكومية كانت تمنع أي إرساليات تنصيرية شمال خط عرض 10، وحتى الحكومة الإنجليزية نفسها لا تسمح لتلك الإرساليات بالعمل في الشمال(12) إلا من خلال المدارس والمعاهد التعليمية؛
إلا أن الكنيسة أفلحت في تكسير تلك الحواجز ومد سلطانها إلى أبعد ما تبلغه ركابها.
إن من المدهش أن نعلم أن نتاج هذا الجهد هو فقط 5% من مجموع ثلاثين مليون نسمة؛ بينما المسلمون 70%، وأصحاب المعتقدات المحلية 25% كما قدرته منشورة (CIA The world Fact back)
وسوى مثل هذه التخمينات؛ فليس ثمة أي إحصائيات موثوقة لظروف الحرب والنزوح.
أما الذي حققته الكنيسة في هذا المضمار فهو إيجاد صفوة جنوبية ذات ثقافة غربية حانقة على الإسلام بدرجة أكبر من حنق الكنيسة ذاتها.
يقول الكاتب الإنجليزي (ساندرسون): "تحاول الكنيسة السودانية أن تستند إلى مقاومة الإسلام مقاومة إيجابية؛ أما المقاومة السلبية فهي عند الصفوة الجنوبية من خريجي مدارس الإرساليات تمثل واجباً دينياً مسيحياً"(13).
هذه الصفوة هي التي يراد لها أن تقود جموع الجنوبيين وتسيِّر حركتهم الاجتماعية والسياسية إلى حيث تريدهم القوى الصليبية؛
ففي بوادر حركة الإرساليات النصرانية صرح القس (دانيال كمبوني) بهذه الاستراتيجية قائلاً: "سيتم توفير التعليم العالي للعناصر الأكثر كفاءة، والمأمول أن يتسلموا مقاليد القيادة في بلادهم" (14)، وهذا عين ما يحدث الآن.
لقد استطاعت الكنيسة أيضاً أن تحدث شرخاً غائراً في وجدان الإنسان الجنوبي تجاه الإسلام والعروبة، وكل من يتبناها بشكل يمكن استغلاله دائماً في إثارة القلاقل وصناعة حركات تمرد جديدة.
إن الكنيسة تعمل بجهد لكسب ولاء الجنوبيين لصالحها، وتنصِّب نفسها حارساً لمصالحهم، ومدافعاً مخلصاً عن حقوقهم ضد ما تسميه باضطهاد الدولة والهوس الإسلامي والاستعمار الشمالي.