المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدرويش.. دكتور عبد الرحمن الغالي

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 06-11-2024, 01:55 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف للعام 2016-2017م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
03-02-2016, 07:48 AM

عمر عبد الله فضل المولى
<aعمر عبد الله فضل المولى
تاريخ التسجيل: 04-13-2009
مجموع المشاركات: 12113

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� (Re: عمر عبد الله فضل المولى)

    الحلقة الثانية:

    الباب الأول:

    المدخل

    (1)

    قالت إيزابيل الليندي، الكاتبة الشيلية ذائعة الصيت: ( اتصلت بي معلمة حفيدتي ذات الأعوام السبعة وقالت لي كتبت حفيدتك موضوعاً عن العائلة قالت فيه: عائلتي ليست مهمة، الشخص الوحيد المهم في عائلتي هو جدتي لأنها تملك خيالاً كبيراً. سألتُ حفيدتي عن معنى: خيال كبير. قالت أنت تستطيعين تذكر أشياء لم تحدث!)

    ايزابيل الليندي لها مذكرات بعنوان ( بلدي المُخْتَرع :مذكرات)

    My Invented Country: A Memoir

    (2)

    ( وشرعت الصفوة الأوربية تصنع صفوة من السكان الأصليين، أخذت تصطفي فتياناً مراهقين وترسم على جباههم بالحديد الأحمر مبادئ الثقافة الأوربية وتحشو أفواههم بأشياء رنانة، بكلمات كبيرة لزجة تلتصق بالأسنان ثم تردهم إلى العاصمة وقد تزيفوا، إن هؤلاء الأفراد هم أكاذيب حية تسعى قد أصبحوا لا يملكون ما يقولونه لإخوتهم لأنهم لا يزيدون على أن يرجعوا ما يسمعون)

    جان بول سارتر

    (3)

    ( ولكن يكفي أن ندع هذه الجزرة ماثلة أمام أعينهم حتى يركضوا. أما أن يثوروا فذلك ما كنا مطمئنين إلى أنه لن يكون: أي واع من هؤلاء السكان الأصليين يمكن أن يمضي إلى قتل أبناء أوربا الحسان؟ لأن غايته أن يصير أوربياً مثلهم. لقد كنا نشجع تلك الألوان من الأسى وفي ذات مرة لم نجد ضيراً في أن نمنح أحد الزنوج جائزة غونكور)

    (انتهى عهد جوائز غونكور السوداء وجوائز نوبل الصفراء)

    جان بول سارتر

    (4)

    قرأت رواية شوق الدرويش بعد أن صح عزمي على التوقف إلى حين حين عن قراءة الروايات واستنفدت جهدي في مقال أفرغت فيه ما يجيش بصدري تلقاء الرواية (فن الرواية) والنقد الأدبي أسميته ( العالم الافتراضي: أطياف الرواية وأشباحها) ولكن ....صح مني العزم والدهر أبى كما قال حافظ إبراهيم، ومن عجائب تداعي المعاني أن حافظاً قال في قصيدته:

    أمة قد فتَّ في ساعدها

    بغضُها الأهل وحب الغُربا !

    قال الإمام علي( عرفت ربي بنقض العزائم) فقرأت رواية شوق الدرويش فاستلتْ من جوفي هذا الكتاب.

    الفصل الأول: الرواية والجائزة

    الجائزة:

    (1)

    الرواية للكاتب حمور زيادة، فازت بجائزة نجيب محفوظ وهي جائزة يقدمها قسم النشر بالجامعة الأمريكية بالقاهرة سنوياً لإحدى الروايات الحديثة مع ترجمة الرواية الفائزة للغة الانجليزية وتقديمها لأكبر عدد من المتلقين باللغة الانجليزية. الجائزة تُعنى بصورة أساسية بأمرين: تشجيع الكتاب الشباب وتقديمهم لقارئ اللغة الانجليزية.

    والجائزة مثل غيرها من جوائز الأدب العالمية قد نالت حظها من النقد مثل نقد (نوبل) و(غونكور) الذي افتتحنا به هذا الكتاب أخذاً من سارتر.وقد أقر الدكتور (كيال اسمبارك) عضو لجنة جائزة نوبل للأدب بالعامل السياسي رغم محاولة التواري خلف الكلمات حيث روي عنه أنه (قال إن التأثير السياسي لا مناص منه ولكنه أكد أن وصف الجائزة بأنها ذات طابع سياسي مجرد فكرة خاطئة..... يجب التفريق بين التأثر بالسياسة وبين النية السياسية التي تحظرها أكاديمية نوبل)

    من النقد الموجه لجائزة نجيب محفوظ أنها تخلق جيلاً من الكتاب الذين يكتبون وتتوجه إحدى عيني الكاتب منهم تلقاء الغرب والأخرى للترجمة كما قالت (سامية محرز)، كما أن هناك تساؤلاً كبيراً حول أولوية الجماليات والجدارة الأدبية.

    بينما مضى الناقد المصري الدكتور سيد البحراوي لمدى أبعد حينما وصفها (أنها تمثل واقعاً تصنعه بنفسها ولذلك اعتُبرت خطراً عظيماً على الرواية العربية وعلى مجال الأدب في العالم العربي بل وعلى المستقبل العربي)

    وقال زياد إبراهيم القاص والمحرر الثقافي للبوابة عن فوز روايتين أصدرتهما دار نشر واحدة : (المفارقة هنا أن كلا الروايتين من إصدار دار "العين"، ولم تتقدم الدار للجائزة في كلا المرتين، بل تم اختيارهما بناء على رغبة لجنة التحكيم، وهذا حق أصيل للجنة، في حال أن تكون الأعمال المتقدمة ضعيفة، ولكن ما حدث يطرح علامات استفهام حول مدى نزاهة اللجنة. الروائي الكبير رءوف مسعد علّق قائلًا: أن من حق لجنة التحكيم اختيار أعمال غير مقدمه للجائزة، وهو ما حدث مع الروائي حمور زيادة، والسوري خالد خليفة في العام الماضي، مضيفًا أن الجائزة أصبحت مُسيسة، وأن اختيار عملين متتالين لدار "العين" أمر مثير للشكوك والريبة، الكاتب الصحفي سيد محمود، رئيس تحرير جريدة القاهرة أوضح أنه علم منذ شهرين عن طريق مصادره الصحفية، أن الجامعة الأمريكية تقوم بترجمة أولى لرواية "شوق الدراويش" لـ حمور زياد، لذا توقع حصول الرواية على الجائزة.)

    ومثل هذا النقد طال حتى صاحب اسم الجائزة الكاتب الكبير نجيب محفوظ حينما نوهت لجنة جائزة نوبل وركزت على روايته (أولاد حارتنا) . الرواية التي أثارت جدلاً في وقتها ورأى كثير من الناس أنها ليست أفضل أعمال محفوظ مما أثار شبهة كبيرة حول أولوية الأجندة الأخرى على جماليات الرواية. وطال النقد أيضاً جوائز البوكر العربية والفوضى الضاربة بأطنابها في معايير أختيارالروايات الفائزة وأتُهمت من قبل أكثر من ناقد رصين. قال الكاتب الروائي الراحل (خيري شلبي) عندما استُبعدت روايته: ( أنا لاتنطبق عليّ معايير الجائزة) ووصف د. حسام عقل دخول بعض الروايات بأنه (ثمن سياسي لا أدبي) وقال ( إن مصر بظرفها الثقافي المتكلس لن تتمكن من تقديم جوائز عربية كبرى)

    وقال الروائي والناقد والأكاديمي شكري المبخوت: ( إن نتائج تحكيم الجوائز الأدبية العربية تمثل في الغالب مصدر تساؤلات وارتياب إلى حد الحديث عن مؤامرات تحاك بعيداً عن الضوء كما أن مجالس أمنائها موجهة في الغالب) .

    (2)

    تكونت لجنة التحكيم من الدكاترة: تحية عبد الناصر ورشيد العناني ومنى طلبة وشيرين أبو النجا وهمفري ديفيس. قدم القرار على شكل إفادات من أعضاء لجنة التحكيم.

    جاء في أقوال د. تحية عبد الناصر:

    ( شوق الدرويش رواية تتألق في سردها لعالم الحب والاستبداد والعبودية والثورة المهدية) ....( والرواية تمثل اتجاهاً جديداً في الأدب السوداني في تضفيرها لتاريخ الثورة المهدية وتناول أبعاد العنصرية والعبودية وأشكال الحب).....( إنها ليست فقط قصة حب تتداخل في قصة الثورة والتطرف الديني والعبودية ولكنها تستوحي القهر بأشكاله في كل زمان وكل مكان).

    وجاء في أقوال د. رشيد العناني:

    ( في تصويرها للدمار الذي سببته الانتفاضة المهدية وهي حركة دينية متطرفة عنيفة رواية شوق الدرويش بمثابة تجسيد قوي للمشهد الحالي في المنطقة حيث تعم الفوضى نتيجة للتطرف الديني).

    وجاء في حيثيات د. منى طلبة:

    ( ثورة اتخذت طابعاً متطرفاً دموياً) ...( فالدرويش المهدي الذي يمتطي جواد المذابح الدامية شوقاً لله وثأراً من الكفرة..الخ)

    وقال الدكتور همفري ديفيز ( "شوق الدرويش رواية تاريخية ملحمية تتناول لوحة متعددة الألوان وواسعة النطاق من الشخصيات والأحداث لترسم صورة لزمان ومكان آخر لمعظم القراء. قد يجد الجمهور الإنجليزي تشابها مثيرا للاهتمام بين استحضارها لثقافة متعددة الأوجه، بما فيها من ثقافة تم تدميرها وإعادة تشكيلها، والأحداث الراهنة).

    وجاء في أقوال د. شيرين أبو النجا

    (تنبع أهمية رواية شوق الدرويش من كونها تكشف تشابك علاقات القوى على المستويين الإقليمي والمحلي منذ اندلاع الثورة المهدية 1881 وحتى سقوط الخرطوم 1885. وبالرغم من أن السردية ترتكز على التاريخي إلا أنها تنجح في تخييل عالم روائي كامل، يموج بشخصيات تكاد تقترب من كونها نماذج في العشق والفساد والتواطؤ والجشع. شوق الدرويش ليست مجرد رواية عن الثورة المهدية كما قد يتصور البعض، بل هي الرواية المهمشة والمعتمة عن مسار ومصير الثورة المهدية. تقوض شوق الدرويش الرواية الرئيسية عن الثورة المهدية عبر تصوير الحدث من خلال العبد بخيت منديل، الذي يقع في حب ثيودورا ذات الأصل اليوناني.)

    ولئن أعطت جائزة نجيب محفوظ الرواية زخماً فقد جاءت شهادة المحكمين خصماً عليها وفتحت عليها باباً ذا عذاب شديد، فصارت عبئاً ثقيلاً على الراوي والرواية.

    فقد جاءت الحيثيات سياسية فجة مباشرة كما ترى كأن الرواية أشفت غليل اللجنة تجاه المهدية في السودان. هذا ما لحظه عدد كبير من النقاد الذين كتبوا عن الرواية منهم الكاتب مصطفى البطل ومامون التلب والدكتور عز الدين ميرغني والاستاذ محمد عبد السيد واندهش الاستاذ عيسى الحلو كما ذكر "البطل" من حماسة كثير من الروائيين المصريين واستحسانهم للرواية. وتلخص عبارات الكاتبة أريتا كيرينيا الآتية كل ذلك أصدق تلخيص : ( والمثير للانتباه هو ما ورد في كلمة لجنة التحكيم لجائزة نجيب محفوظ حول الأسباب والحيثيات التي ساهمت في فوز الرواية) وقالت بعد أن اقتبست فقرات من تلك الحيثيات: (مما دفعنى للتساؤل عن نزاهة لجنة التحكيم فى هذا الشأن ، كما احيت بداخلي التساؤلات القديمة الجديدة التى تثار حول الجوائز والتوظيف السياسى والايديولوجى لها ، و محاولات استغلال بعض الاعمال والاسماء الروائية المخضرمة او الشابة ضمن هذا الاطار ، أيضا قد يتم استغلال هذه السطور من نص حكم لجنة التحكيم من قبل اشخاص كثر لن يكلفوا أنفسهم عناء البحث عن الرواية وقراءتها لاستيعاب ماأراد الروائى "زيادة" أن يعبر عنه من تأويلات وقراءة جديدة لفترة تاريخية مهمة من فترات التاريخ السودانى الحديث .) .

    الرواية:

    (1)

    ملخص الرواية والملاحظات الأدبية عليها:

    لعل أقصر وأصدق تلخيص للرواية هو ما جاد به قلم الأديب والمدون الكاتب الروائي والناقد والصحفي الموريتاني محمد ولد محمد سالم في مقاله الموسوم ("شوق الدرويش" علاقة حب باهتة وأسئلة مستعصية) :

    ( تقدم رواية "شوق الدرويش" للكاتب السوداني حمور زيادة التي دخلت القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية 2015 حكاية الشاب السوداني بخيت منديل مع الفتاة المصرية من أصول يونانية ثيودورا أثناء حكم المهدية في السودان.

    بخيت زنجي اختطفه النخاسون صغيرا وباعوه عبدا لأوروبي مقيم في الخرطوم، وبعد سنوات يجد حريته وتضطره المجاعة إلى اللحاق بجيش المهدي الذي غزا مصر، وهناك يقع في الأسر والعبودية مرة أخرى، لكنه لا يلبث أن يتحرر ويعود إلى السودان، ليتعرف على ثيودورا أو حواء كما صار اسمها بعد الأسر، وهي راهبة شابة جاءت إلى السودان لتعمل مدرّسة في إحدى مدارس التنصير في الخرطوم أيام الحكم العثماني المصري أواخر القرن التاسع عشر، ولما استولى جيش المهدي على الخرطوم سنة 1885 أسرت ثيودورا، وأخذت إلى أم درمان، ووقعت في نصيب أحد الأعيان من أنصار المهدي، سلبه جمالها الفاتن وأرادها لمتعته، لكنّها تمنّعت عليه، فتركها لخدمة زوجته، حتى توفيت زوجته فأصبحت هي مدبرة المنزل، وأثناء ذلك تعرفت على بخيت، وكان أفطس الأنف أجعد الشعر خشن الملامح، يعمل بالأجر في مختلف الأعمال اليدوية، فكانت تلقاه في السوق وتجالسه عند بسطة أحد أصدقائه، وقد أعجبتْ به، وأُغْرِم بها.

    لكنّ ثيودورا تاقت إلى مصر وتدبرت حيلة للهرب، إلا أن مهربيها خانوها، وسلموها إلى رجال سيدها، وحملت إلى منزله وضربت حتى ماتت، وفقد بخيت صوابه حين علم بموتها، وأصبح مخبولا يمشي في الشوارع سكران، وقد أمسك به جنود المهدي على تلك الحالة، فأخذوه إلى السجن، ليؤدي عقوبة تعزيرية، لكنّ الإهمال واللامبالات السائدة في السجن جعلته يقضّي فيه سبع سنوات شهد فيها أنواع العذاب والإهانة ما وضعه على شفا الموت مرات عديدة، ثم خرج أثناء الفوضى التي أصابت الخرطوم بعد استيلاء الجيوش المصرية البريطانية عليها، وبعد خروجه يبدأ بخيت في قتل الرجال الذين قتلوا ثيودورا واحدا واحدا، ويقع في الأسر وقد قتل منهم ستة وبقي واحد، لم يتمكن من الوصول إليه.)

    وبعد أن لخص الرواية قدم النقد المختصر الآتي:

    ( لكنّ الرواية لا تخلو من عدة مشاكل، فعلى مستوى البناء الفني، نجد أن الكاتب قد أكثر من عملية الاسترجاع (الفلاش باك) مما يسبب تشويشا يجعل القارئ في بعض الأحيان لا يتبين هل هو أمام لحظة حاضرة أم لحظة ماضية، فتصعب عليه إعادة بناء الأحداث، ففي الفصل 5 يبدأ الفصل باسترجاع لحياة السجن، ثم فجأة يقفز إلى أحداث حياة بخيت الحاضرة أثناء عمله في السُّخْرَة، ودون أن نجد ما يوضح ذلك الانتقال، وكأن حوادث السخرة تلك وقعت أثناء السجن، وربما تكون هيمنة الراوي العليم على كل مفاصل السرد، وغياب صوت الشخصية هو ما سبب ذلك، لأن الاسترجاع في الغالب يكون عن طريق ضمير المتكلم، والصوت الداخلي للشخصية، وهي تستعرض في ذهنها ماضي حياتها، ويحتاج تعدد الأزمنة إلى تعدد الأصوات، وتعدد تقنيات السرد، لكي تكون لدى الكاتب مرونة في التنقل، فعن طريق الذاكرة مثلا تستطيع الشخصية أن تقفز من الحدث الحاضر إلى أحداث ماضية، لكنّ الرواي العليم الذي يروى عن الشخصيات لا يستطيع ذلك،.

    من المشكلات الفنية أيضا اشتمال الرواية على حكاية طويلة امتدت على عشرات الصفحات هي حكاية للدرويش الحسن الجريفاوي، وهو شخصية ثانوية لا يرد له دور في الأحداث الفعلية إلا في اللحظات الأخيرة عندما أمسك هو ورجاله ببخيت واقتادوه مكبلا بالأغلال إلى المسلمية ليشنق فيها، وذلك بعد أن قتل بخيت سيده التاجر إبراهيم ود الشواك، فتلك الحكاية الطويلة عن حياة الجريفاوي وعبادته ودروشته، ثم نهضته في الجهاد لا علاقة لها بمتن رواية بخيت وثيودورا، ويمكن حذفها دون أن تترك أي خلل في الرواية، والعجيب أن تسمية العنوان "شوق الدرويش" مستوحى من حكاية الجريفاوي لأن بخيت لم يتدروش، ودخوله الجندية لفترة قصيرة كان فرارا من المجاعة.

    على مستوى المنظور الفكري إذا تجاوزنا حيلة التشويق التي وضعنا فيها الكاتب في البداية، والتي لم يلبث أن حلها حين عرفنا أن بخيت قتل غرماءه، إذا تجاوزنا ذلك فإن الرواية تبدو عادية خالية من أية دهشة، أو منظور فكري واضح، وهي في الأصل قائمة على علاقة حب غير منطقية بين عبد - قبيح كما تصفه الرواية – وفتاة بيضاء بارعة الجمال، تمنّعت على سيدها الثري وابنه، ولم يكن بخيت منديل نصرانيا فيكون ميلها إليه وسط أمة من المسلمين مبررا، ولم تكن تريده أن يهرّبها ويخلصها من عبوديتها فيكون ذلك معقولا، ولم يكن واقعا في العبودية حين التقته فيكون ميلها إليه من باب الاشتراك في الهم، وكان بيت سيدها مليئا بالعبيد الذين قد يكونون أحسن منه طلعة، وحتى إن سلمنا بامكانية علاقة الحب تلك فإننا نجد أنها ظلت باهتة متوقفة في نقطة واحدة، ولم تتحرك إلا عندما أراد بخيت الانتقام لثيودورا، فحبهما لم تعانده قوة تقف في وجهه، وتصارعه وتعطيهما فرصة الكفاح من أجله، وبالتالي بعده الإنساني العميق، وليس أدل على ذلك من كون ثيودورا لم تمت من أجل الحب، بل ماتت وهي تحاول الهرب إلى مصر، وبخيت لم يقتل الرجال الستة لأنهم ظلموه ووقفوا في وجه حبه، بل لأن حظهم السيء جعلهم يشاركون في قتل ثيودورا، وهذا يسلب فعل بخيت بعده الإنساني ويحوله إلى مجرد عملية انتقام دامية.

    إذا عدنا إلى الفترة السياسية التي اختارها حمور زيادة لروايته، وهي فترة روائية خصبة على عدة مستويات، فهناك صراع سياسي عسكري بين أطراف متعددة للصراع، هي الأتراك والإنجليز والمصريون وحركة المهدي، وهناك صراع إيماني بين الدروشة وحياة الإنسان العادي، وصراع ديني بين المسيحية والإسلام ، وهناك صراع من أجل لقمة العيش في زمن اجتاحت فيه السودان مجاعة مرعبة، وقد حاول زيادة رصد كل ذلك، ونجح في جوانب كثيرة منه، لكن اتخاذه لتلك الصراعات كلها كخلفية لحدث الحب بين بخيت وثيودورا قلل من التركيز على تلك الصراعات، ومن دورها في الأحداث، وجعل رؤية الكاتب لها مشوشة، فهو يقدم صورة ناصعة للدرويش حسن الجريفاوي، في نفس الوقت الذي ينظر فيه إلى ضابط الاستعمار الإنجليزي غوردون باشا الذي كان حاكما للخرطوم وقتله جيش المهدي على أنه "حاول نشر الأمل في مدينة (الخرطوم) يخنقها اليأس"، هذا التذبذب حاصل أيضا في حياة ثيودورا نفسها، فهي جاءت لتُنَصّر أبناء السودان، فأمسك بها رجال المهدي وأرغموها على الإسلام، فسعيها لم يكن برئيا في البداية لكي تثير تعاطف القارئ في ما آلت إليه في النهاية، والأمثلة على هذا الاضطراب والتذبذب كثيرة في الرواية، وربما كان تركيز الكاتب على علاقة الحب الباهتة وسيلة للخروج من تلك الأسئلة المستعصية التي رمى بنفسه فيها من غير أن يكون قد عرف كيف سيخرج منها.)

    وفي نفس الاتجاه النقدي علقت أريتا كيرينيا :

    (لم استسغ العاطفة الجياشة ، المغرقة فى الرومانسية عند "بخيت منديل" تجاه "ثيودورا/حواء " رغم وجود "مريسيلة " الحسناء السودانية التى بذلت أقصى جهدها مضحية بالكثير لاسترضائه، كما لم افهم الدوافع أو المبررات النفسية "لبخيت منديل" بأصراره على الانتقام لحبيبته التى لم ترق أو تلين أمام كل تلك العاطفة القوية النبيلة .

    إيضا لم أجده تصرف مفهوم من سعيد أفندى المالك المصرى للعبد" بخيت منديل " بإعطائه حريته و ومنحه كمية كبيرة من المال ، رغم فقره وعوزه وسعيه لجمع المال .)

    وأنأ أضيف هنا بعض الملاحظات دون التورط في النقد الأدبي :

    (1) في إسم الرواية: شوق الدرويش

    بطل الرواية ليس درويشاً – حتى في عرف أعداء المهدية- فهو ينتمي لمجموعة الرقيق السابق للمهدية والذين نالوا حريتهم بقيام المهدية وانضمامهم للجهادية. أما الدرويش في عرفهم فهو من آمن بالمهدية وقاتل عن إيمان بها.

    في معنى الشوق:

    إفتتح الكاتب روايته بمقولة إبن عربي ( كل شوق يسكن باللقاء لا يعول عليه) وقد وردت هذه المقولة في رسالة الذي لا يعول عليه أو ما لا يعول عليه (لإبن عربي) وهي مجموعة من الحِكم والأحكام تفوق الثلاثمائة.

    واختتم روايته بأبيات ذكرها ابن عربي في مفتتح الباب الثمانين ومائة والذي عنوانه ( في معرفة مقام الشوق والاشتياق وهو من نعوت المحبين العشاق) من كتاب الفتوحات المكية. قال:

    شوق بتحصيل الوصال يزول

    والاشتياق مع الوصال يكون

    وأول ما يلاحظه المرء هو أن تعريف ابن عربي للشوق والاشتياق والفرق بينهما ينسف مقولة الافتتاح، يقول ابن عربي:

    (الشوق يسكن باللقاء فإنه هبوب القلب إلى غائب فإذا ورد سكن والاشتياق حركة يجدها المحب عند اجتماعه بمحبوبه فرحا به لا يقدر يبلغ غاية وجده فيه فلو بلغ سكن لأنه لا يشبع منه فإن الحس لا يفي بما يقوم في النفس من تعلقها بالمحبوب)

    (فالشوق ما سكن والاشتياق ما بقي)

    فكلامه هنا قد جبّ المفتتح لأن الشوق هو ما يسكن باللقاء عكس الاشتياق . إلا أن يكون المفتتح إشارة – وبتأويل بعيد- لشوق ميتافيزيقي وبطل الرواية بعيد عنه. ويرتبط الشوق بالحب عند ابن عربي بلا انفكاك ، قال في الفتوحات : (ولما كان الحب لا يتعلق إلا بمعدوم كما قدمناه في باب المحبة كذلك الشوق لا يصح أن يتعلق بحاضر وإنما متعلقه غائب غير مشهود له في الحال ولذا كان الشوق من أوصاف المحبة ولهذا يطرد وينعكس فيقال كل محب مشتاق وكل مشتاق محب ومن ليس بمشتاق فليس بمحب ومن ليس بمحب فليس بمشتاق)

    وارتباط الشوق بالحب المرتبط بالغفران الصوفي أيضاً لاينطبق على بطل الرواية الذي طاح في الناس تقتيلاً دون مبرر. وابن عربي كما لايخفى هو صاحب أبيات المحبة المعروفة الواردة في ترجمان الأشواق وهي أبيات أُتخذت عنواناً للتسامح وراجت في عصرنا الحاضر أيما رواج:

    لقد كنت قبل اليوم أنكر صاحبي

    إذا لم يكن ديني إلى دينه داني

    لقد صارَ قلـبي قابلاً كلَ صُـورةٍ .

    . فـمرعىً لغـــــزلانٍ ودَيرٌ لرُهبـَــــانِ

    وبيتٌ لأوثــانٍ وكعـــبةُ طـائـــفٍ

    .. وألـواحُ تـوراةٍ ومصـحفُ قــــــرآن

    أديـنُ بدينِ الحــــبِ أنّى توجّـهـتْ .

    . ركـائـبهُ ، فالحبُّ ديـني وإيـمَاني

    هذا، والأبيات مطبوعة طباعة رديئة وعلى شكل نثري متصل لا على هيئة القافية التي تختم البيت فتستقل به. وبها أخطاء طباعية فالهاء في آخر الكلمات تكتب تاءاً (فربه =فربة، صعبه = صعبة) والحرف (من) ساقط من البيت:

    هو من صفات العشق لا من غيره *** والعشق داء في القلوب دفين

    وهناك شك عظيم في فهم الطابع لكلام إبن عربي ولكن ما بال الكاتب والمصححين.

    (2) تغيير إسم أحد أبطال الرواية:

    وهناك خطأ فني فادح في الرواية لا أدري كيف فات على الكاتب ومن استشارهم في العمل وعلى المصححين، وإن عذرناهم فكيف نعذر لجنة التحكيم الخماسية ؟ وقد وقع الخطأ في اسم شخصية مهمة في الرواية وهي شخصية عبد القيوم، إبن إبراهيم الشواك الذي صارت البطلة جاريته، وله ولوالده معها حكايات وحيث كان هو من طلب من البطل دفن البطلة بعد موتها الخ. نجد أن الكاتب قد نسي إسمه فصار في نهاية الرواية عبد الغفار بدلاً عن عبد القيوم ، وتكرر الإسم مرات عديدة فيصعب عزو ذلك لخطأ طباعي.

    (3) أخطاء وتصويبات:

    هناك بعض الأخطاء التاريخية في الرواية أخطاء حقائق ووقائع وليس قضايا رأي أو فن فعلى سبيل المثال:

    • قال الكاتب عن ثورة اليونان 1862: ( الثورة التي أجبرت الملك على التنحي لإبنه . ما فهم قط عواصف السياسة التي منحت البرلمان سلطات أكثر على حساب الملك) ص 65-66

    والصحيح أن أوتو ملك اليونان لم يتنح لإبنه. بل لم يكن له إبن أصلاً حسب بعض المصادر التاريخية ولكنه أجبر على التخلى عن الحكم وجيء بأمير دنماركي. ولم يجبره البرلمان وانما أجبره الجيش. فقد خضعت اليونان للدول الثلاث بريطانيا وفرنسا وروسيا بعد أن تدخلت هذه الدول عسكرياً ودمرت الأساطيل التركية والمصرية أثناء حرب إستقلال اليونان عن الامبراطورية العثمانية في عشرينات وثلاثينات القرن التاسع عشر. ونصبت هذه الدول الأمير أوتو ابن لودفيغ الأول ملك بافاريا ليكون أول ملك على اليونان، وكان لايزال حينها في السابعة عشر من عمره. . أجبر الملك أوتو من قبل العسكر على قبول دستور للمملكة عام 1843. وفي عام 1862 خلعه الجيش عن العرش ونفي مع زوجته أميليا ليستبدل في العام التالي بأمير دانمركي هو كريستيان ويليام فرديناند أدولفوس جورج، الذي أصبح جورج الأول ملك اليونانيين.

    • وقال في صفحة 131 عن الخرطوم: (أنشأها خورشيد باشا):

    والصحيح أن الخرطوم باتفاق المصادر كانت معسكراً لجيش الاحتلال التركي المصري ثم تحولت إلى عاصمة في عهد عثمان جركس باشا في عام 1824 وليس صحيحاً أن مؤسسها خورشيد. كان عثمان فظاً غليظ القلب فنكل بالناس واتسم عهده بالظلم والقسوة ... وقبل أن تتم له إقامة ثمانية أشهر في إقليمه الجديد أصيب بالسل وقضى نحبه وكان أول دفين من العظام في العاصمة التي أسسها حسب تعبير شبيكة

    • وقال أن عقوبة تدخين التنباك – في عهد المهدية- 3 أشهر سجناً والصحيح أن عقوبتها الجلد تعزيراً.

    • وذكر أن القهوة كانت ممنوعة في المهدية ولم أسمعه إلا منه، والغريب أن أوهروالدر ذكر القهوة عشر مرات في كتابه فمرة حينما أكرمه بها المك عمر وتارة عندما تحدث عن التجارة بين المهدية والحبشة الخ بل ذكر أن سوق أمدرمان في عهد الخليفة كان به قسم للقهاوي.

    • وقال الكاتب في صفحة 447: ( فحق عليه قول المهدي أن أقل أصحابه أفضل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم)

    والصحيح أن الامام المهدي قال أن أدنى أصحابه رتبة ينال رتبة الشيخ عبد القادر الجيلاني، وقد ذكر المهدي ذلك في عدد من المكاتبات فلا موجب لوهم إلا أن يكون كسلاً أو غرضاً وكلاهما مذموم.

    قال المهدي في خطاب إلى فرج الله قائد الحامية التركية بأمدرمان وقد استشهد كاتب الرواية بجزء منه: (فإن سلمتم لنا حزتم الكرم وصرتم من أحبابنا وأصحابنا الذين بشرنا سيد الوجود صلى الله عليه وسلم بأنهم كأصحابه رضوان الله عليهم وأدنى أصحابي رتبة ينال مقام الشيخ عبد القادر الجيلاني عند الله)

    وقال في منشور آخر لأهل الشرق يطلب منهم ملازمة عثمان دقنة: ( وأبشروا بما بشرني به النبي صلى الله عليه وسلم وهو أن أصحابي كأصحابه وأن عوامهم لهم رتبة عند الله تعالى كرتبة الشيخ عبد القادر الجيلاني) ثم قال ( واعلموا أن من بايع الشيخ المذكور- يعني دقنة – فقد بايعني ومن استشهد معه فكأنما استشهد معي ومن صحبه فقد صحبني)

    • ذكر الكاتب أن جيش الغزو كان قوامه من المصريين وتتردد أطروحة أن الحكم الذي أعقب الغزو كان حكماً مصرياً وكلاهما خطأ بيّن.

    ( فالجيش الغازي كان يتكون حسب كتاب تاريخ قوة دفاع السودان من 25600 مقاتلا ثلثهم من الانجليز والثلث الثاني من المصريين والثلث الأخير من السودانيين الذين تركوا السودان قبل المهدية وسكنوا مصر) . وقال هولت إن ثلث جنود الحملة كانوا من البريطانيين (ص 271). وفي مصدر آخر جاء التقدير الآتي: (ولما هبت الثورة المهدية في السودان خرجت أعداد كبيرة من المجندين السودانيين إلى مصر. وشكلوا قسما مهما في الجيش المصري، فقد قدرت أعدادهم بـ 3700 سوداني من تعداد الجيش البالغ 12 ألف جندي. عاد معظم هؤلاء في حملة كتشنر وفي عام 1924م كان عدد السودانيين في الجيش المصري 11 ألفا من أصل 13 ألف جندي .)

    كانت القيادة العليا بلا ريب وباتفاق المصادر من البريطانيين.

    ولا شك أن مصر نفسها كانت تحت الاحتلال البريطاني المباشر بعد القضاء على ثورة عرابي رحمه الله والتي حلّ البريطانيون بعدها الجيش المصري وأعادوا تكوينه.

    أما طبيعة الحكم فقد كان حكماً ثنائياً إسماً بريطانياً في حقيقته، فالحاكم العام تسميه بريطانيا وتوافق عليه مصر ولم يحدث أن سمت بريطانيا حاكماً غير بريطاني. وكل المناصب العليا العسكرية والسياسية والإدارية يشغلها بريطانيون واحتُفظ للمصريين بالوظائف الدنيا.

    وكما قال أحدهم: (وكما سيكتشف الوطنيون المصريون سريعاً فإن "المنفعة" الوحيدة التي جناها المصريون من إتفاقية الحكم الثنائي كانت هي دعم الاقتصاد السوداني من الخزينة المصرية. لقد صنع المسؤولون البريطانيون كل القرارات الإدارية في السودان وحصدوا كل المكاسب السياسية)

    وقد ذكر كرومر رأياً إستغلالياً مسيئاً حول استعانة بريطانيا بالمصريين في حكم السودان أورده نوح سالومون إضافة للأسباب السياسية التي سنذكرها لاحقاً :

    (ربما كانت هناك أسباب أخرى تبين لماذا استجلب البريطانيون المصريين ليعملوا تحتهم. فبعد أن عدّد كرومر كل عيوب الشخصية المصرية -ومن بينها عدم حب الإستطلاع وإنعدام المبادرة، وغياب ملكة العقلانية، والقدرية والخضوع - علق على مزايا هذه العيوب بالنسبة للبريطانيين. يعلل كرومر قائلاً: بينما يقود الاختلاف الجذري في الشخصية بين الشرقي والأوروبي لعدم القدرة على الفهم المتبادل بين الجنسين، إلا أن هناك شرطاً إحترازياً واحداً هو بمثابة الرباط بين الجنسين. فبمجرد أن تشرح للمصري ما يجب عليه فعله فإنه يهضم الفكرة سريعاً . إنه مقلد جيد وسيعمل نسخة مخلصة جداً بل وأحياناً ذليلة جداً من عمل أستاذه الأوربي. ربما يكون تحضُّره مظهراً خادعاً قشرياً، إلا أنه سيتبنى الرسالة والمصطلحات والشعارات إن لم يكن روح النظم الإدارية الأوربية. وستكون تحركاته – حقيقةً – في أحيان كثيرة تحركات إنسان آلي، ولكن الإنسان الآلي المصنوع بمهارة بمقدوره إنجاز قدر عظيم من الأعمال المفيدة. ولن تنشأ ضرورة لتوظيف أعداد كبيرة من المرؤسين الإنجليز. ولكن في المقابل طالما كان للمصريين قليل من سلطة المبادرة ولايدركون في كثير من الأحيان بصورة جيدة أسباب معلميهم في توجيههم لإتجاه معين، فإن الانتكاسة ستحدث إذا تم سحب الإشراف الإنجليزي منهم.)

    قال اللورد كرومر : ( انجلترا وليست مصر هي التي قامت بفتح هذه البلاد) ( فخلال فترة الإعداد وتنفيذ السياسات كانت القيادة الأعلى واليد الطولى لبريطانيا ولذلك فإنه من السخف الإدعاء بأنه كان يمكن للحكومة المصرية إعادة فتح السودان دون مساعدة بريطانيا بالرجال والمال والقيادة العامة)

    (وقد وصف كرومر مهندس اتفاقية الحكم الثنائي وصفها أنها "مولود الانتهازية الانتقالي" والتي وضعت القيادة العليا العسكرية والمدنية في أيدي الحاكم العام الذي تعينه بريطانيا والذي يسير أمور الحكومة فعلياً في استقلال تام عن مصر )

    • وردد كاتب الرواية فرية الخطاب المدسوس المنسوب لخليفة المهدي والذي زعموا فيه أنه أرسله للملكة فكتوريا عارضاً عليها زواج الأمير يونس الدكيم . ولنا تعليق بعد إيراد الخطاب ونصه هو:

    خطاب خليفة المهدي إلى الملكة فكتوريا

    بسم الله الرحمن الرحيم

    وبعد فمن العبد المعتصم بمولاه القاهر خليفة المهدي عليه السلام عبد الله بن محمد خليفة الصديق إلى "عزيزة قومها فكتوريا ملكة بريطانيا"

    سلام على من اتبع الهدى . أما بعد فاعلمي أن الله عز وجل هو ملك الملوك القادر المقتدر الذي ليس كمثله شيء وجميع ما في الكون فهو في حيز قبضته لا يعجزه في الأرض ولا في السماء ولو أراد أن يهلك أعداءه في أقل من خطوة (خطرة) بال لكان جديراً بحصول مراده ولكنه لكرمه يمهل ولا يهمل ولا يرد بأسه عن القوم المجرمين. وقد أرسل الرسل الكرام لإيضاح السبل للأنام وجعل نبينا محمداً خاتمهم رسولاً عاماً إلى كافة الخلق بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً فكان ناسخ الملل وفاسخ الدول وكل من آمن به وصدق ببعثته فاز برضاء الله وأدرك من الحظ الأوفر ما تمناه ومن كفر به وأنكر بعثته باء بخزي من الله وصار إلى النار وبئس القرار.

    ولما كان المهدي المنتظر عليه السلام هو خليفة نبينا محمد الذي أظهره الله لدعوة الناس كافة إلى إحياء دين الإسلام وجهاد أعدائه الكفرة اللئام ، وأنا خليفته القافي أثره في ذلك فإني أدعوكِ إلى الإسلام فإن أسلمت ِ وشهدتِ أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله واتبعتِ المهدي وأذعنت لحكمي فإني سأقبلك وأبشرك بالخير والنجاة من عذاب السعير وتكونين آمنة مطمئنة ، لكِ ما لنا وعليك ما علينا وتتصل بيننا المحبة في الله ويغفر الله لك جميع ما فرط منك في زمن الكفر كما وعد بذلك في قوله تعالى ( قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف) وإن أبيت إلا الجحود إعتماداً على ما عندك من الاستعدادات والجنود فاعلمي أنك في غرور كبير وبعد عن السداد والتدبير إذ أن ما نحن بصدده فهو الدين الحق الذي تكفل الله الملك القادر بنصرته وتأييده ورفع مناره وتشييده فلا طاقة لأحد بمقاومته ولا سبيل إلى مغالبته ضرورة أن قدرة الله غالبة فلا تقاوم وبطشه شديد فلا يُصادم. وإن كنت تظنين توهماً أن جيوش المهدية القائمة بتأييد السنة المحمدية مثل عساكر أحمد باشا عرابي الذين أدخلتِ الغش عليهم بالدنيا حتى افتتنوا بها عن دينهم وتخذلوا عن نصرته ومكّنوكِ من الاستحصال على البر المصري وصاروا أذلة أسرى لا يستطيعون المدافعة عن أنفسهم فهذا توهم فاسد وغرور كاسد فإن رجال المهدية رجال إلاهيّون طبعهم الله على حب الموت وجعله أشهى لهم من الماء البارد للظمآن فلذا صاروا أشداء على الكفار كأصحاب رسول الله الأبرار لا تأخذهم في الله لومة لائم ولا يثنيهم عما هم بصدده صدمة صادم بل لا يرون لجميع ما سوى الله التأثير لصدق يقينهم بربهم القدير ولا يريدون حياة الدنيا الذاهبة الساحرة وإنما يرون أن نعيمهم الدائم وعيشهم الناعم معد لهم في الدار الآخرة. بخلاف ذلك فإنهم لو صدقوا مع ربهم وكانوا على حسن إسلامهم وطرحوا حب الدنيا وراء ظهورهم وحفظوا الله فيما أمرهم به لأنجدهم بنصره ولما توصلت عساكركِ إلى هزيمتهم والاستيلاء على بلدهم ولو نظرت بعين البصيرة والإنصاف لعلمت الفرق. ثم مما يقضي عليك بتمني الغرور الفاسد منك أنك بعد أن بلغك ظهور المهدي المنتظر عليه السلام ومحاربة دول الأتراك له وظفره بهم في عدة وقائع سوّلت لك نفسك أن منك الكفاية لحربه والاستيلاء عليه فبادرت إلى إرسال أحد رجالك المشاهير المدعو هكس باشا ومعه جيش عرمرم مؤلف من أجناس شتى وعدد منوعة وذلك من بادي رأيك بدون إمعان نظر في العواقب بلا مشورة باقي الدول في ذلك توهماً منكِ أنك ستظفرين بالنصر على جند الله الغالب فعندما حضر ذلك الجيش في ألوف مؤلفة وعُدد معددة ما ثبت أمام حزب الله إلا نصف ساعة بل قضى الله عليه بالدمار والبوار عن آخره. وكان هلاك ذلك الرجل المدبر الشجاع بجيشه بأسباب سوء تدبيرك وكثرة غرورك ولم تغنِ عنه كثرة العدد ولا قوة العُدد بل صار إلى النار وغضب الجبار. ثم ما اعتبرت بذلك ولا دبرت حالك بل صرت تجهزين عساكركِ من بادي رأيك جردة بعد جردة بكل فج لمحاربة الله ورسوله ومهديه تارة بسواكن وتارة بدنقلة وتارة بوادي قمر حتى أهتكتِ (أهلكت) بسوء صنيعك من رجالك ما ينوف عن عدة ألوف. ومن ذلك هلك كثيراً ( كثير) من رؤساء رجالك المعروفين لديكِ بالشجاعة وحسن التدبير والثبات وقوة العزم كالجنرال غوردون باشا هلك بالخرطوم والجنرال استيوارت هلك بأبي طليح واستيوارت الثاني ومن معه من القناصل بوادي قمر وفلان وفلان وما يكثر عددهم من مشاهير رجالك كما هو بعلمك. ومع كثرة دعواكِ التقدم في مجالات الحروب وتفوهك بقوة البأس والشهامة فما بال عساكركِ رجعت من السودان القهقرى بالخيبة والهزيمة قانعة منها بالكلية ولا شك أن موجب ذلك الهرب محض الخوف من سطوة حزب الله الغالب كما هو بديهي وأنهم صاروا الآن إلى أسوأ حال وأضيق مجال تائهين في أودية الحيرة لا يهتدون إلى المخلص سبيلاً. وكل هذا من سوء تدبيرك واستبدادك برأيك عن باقي الدول ولو رفعت المشورة إليهم كما هو الواجب عليك لأرشدوك إلى ما يسكن روعك في الجملة وكانوا إما أن يشيروا عليك بالكف عن مصادمة حزب الله الذي لا طاقة لك بمقاومته وتكوني مقتصرة على محافظة بلدك لا غير وإما أن يمدوك بالرجال والأسلحة ويحزّبوك على حرب حزب المهدية وحينئذ لا يتوجه عليك العار وحدك عند حصول الهزيمة بل يكون ذلك بالاشتراك. والحاصل أنك أخطأت الرأي وصرت إلى نقص كبير ولا مخلص لك من ذلك إلا بالإنابة إلى الله المالك والدخول في ملة الإسلام واتباع المهدي عليه السلام فإنكِ إن فعلت ذلك وسلمت الأمر لنا تظفرين بمقصودك من السعادة التامة والراحة الحقيقية التي هي الفوز عند الله بدار النعيم المقيم الذي فيه ما لاعين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.

    وإن كنت لا تزالين على غرورك واستبدادك برأيك فأقدمي على حرب حزب الله بنفسك بجميع جيوشك واستعداداتك الحربية لنرى كيف عاقبة أمرك فتهلكي بحول الله وقوته أو تعذري من مات أو فرّ من رجالك الذين تطفّلوا على محاربة حزب الله بمقتضى غرورك.... واعلمي يقيناً أني مؤيد من عند الله وبه قوتي ونصرتي لا بنفسي فإني عبد ضعيف لا قوة لي من نفسي وإنما عصمتي بالله واعتمادي على الله وهو كفيل بنصرة من اعتمد عليه واعتصم به ومن ثم فكل من بادرنا بعداوة يقتل على يدنا بعون الله وقوته ولو كان الثقلين. فأعي ذلك جيداً ولا تغتري بما يلوح على نظرك من العدد والجنود فإن ناصية كل شيء بيد الله ولن يغلب الله أحد بل هو القاهر فوق عباده. وإنك إن لم تسلمي لأمر الله وتدخلي في ملة الإسلام واتباع المهدي عليه السلام فاحضري بنفسك وجنودك لحرب حزب الله وإن لم تحضري فاستعدي في محلك فإن حزب الله سيطأ دارك بإذن الله في الوقت الذي يريده الله ويذيقك السوء بما صددت عن سبيل الله وفي هذا كفاية لكِ والسلام)

    فالخطاب كما ترى ليس فيه ما أُلصق به – على سبيل السخرية والتنقُّص والزراية – من حديث عن تزويج الملكة بأحد أمراء المهدية . واستنكار الخطاب على كل حال ينم عن إحتقار للذات بلا ريب، فما الغريب في مخاطبة كائنٍ من كان إذا تعدى حدودك وجاء طامعاً في ممتلكاتك بأية لغة شئت؟ وما الغريب في تحدي الخليفة لها وقد سبق له الإنتصار على قواتها في عدة معارك كما ذكر هو نفسه، وما الغريب أن تنتصر الفئة القليلة على الفئة الكثيرة وتاريخ البشرية محتشد بأمثلة لا تحصى ولا تعد من طالوت وموسى ومحمد الذي سخر بعضهم منه صلى الله عليه وسلم بقوله: (كان محمد يعدنا أن نأكل كنوز كسرى وقيصر، وأحدنا لا يأمن على نفسه أن يذهب إلى الغائط.). وحتى إذا نحينا جانبا الجوانح المليئة بالأيمان والنفوس العالية العزيزة وأتينا إلى السياسة وخياراتها، فهل من الحكمة إبداء الاستعداد للمواجهة أم إظهار الاستكانة لتلك الدول التي اقتسمت القارة قبل أن تجيء إليها ؟ أليس من البديهيات أن كلفة قهر المقاوم أكثر من كلفة قهر القانع وأن التلويح بالقوة افضل لروح الجند والمواطنين ؟

    لم يكن في ذلك الخطاب غرابة فأوربا كانت تحمل المهدية محمل الجد وقد استعانت ايطاليا ببريطانيا لتخفيف ضغط الأنصار عليها واستجابت بريطانيا باحتلال دنقلا لجذب إنتباه الخليفة بعيداً عن كسلا. والانجليز أنفسهم أخذوا قوة المهدية مأخذ الجد فنالت أكبر قدر من الاستعداد العسكري والجهد الدبلوماسي المصاحب كما سنرى كما نالت حملتها أكبر قدر من التغطية الإعلامية. وكان من تكالب الاستعمار عليها أن حاربت البلجيك وفلول الاتراك والمصريين ومرتزقة الأوربيين في الجنوب وحاربت الطليان والإنجليز والاتراك والمصريين وأذنابهم في الشرق وحاربت الغزو البريطاني المصري المطعم بمرتزقة من الشمال وكان الفرنسيون على أعتاب فشودة.

                  

العنوان الكاتب Date
المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدرويش.. دكتور عبد الرحمن الغالي عمر عبد الله فضل المولى03-01-16, 09:05 AM
  Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� عمر عبد الله فضل المولى03-01-16, 09:09 AM
  Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� عمر عبد الله فضل المولى03-01-16, 10:16 PM
    Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� محمد أبوجودة03-02-16, 05:20 AM
    Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� عمر عبد الله فضل المولى03-02-16, 07:48 AM
      Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� عمر عبد الله فضل المولى03-03-16, 08:25 AM
        Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� عمر عبد الله فضل المولى03-03-16, 10:00 PM
  Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� محمد حيدر المشرف03-04-16, 05:08 AM
    Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� عمر عبد الله فضل المولى03-05-16, 04:49 PM
      Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� عمر عبد الله فضل المولى03-06-16, 04:37 PM
        Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� عمر عبد الله فضل المولى03-07-16, 03:32 PM
          Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� عمر عبد الله فضل المولى03-08-16, 06:11 PM
            Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� عمر عبد الله فضل المولى03-09-16, 08:27 AM
              Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� عمر عبد الله فضل المولى03-10-16, 10:21 PM
                Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� عمر عبد الله فضل المولى03-12-16, 11:25 AM
                  Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� مني عمسيب03-12-16, 11:29 AM
                    Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� عمر عبد الله فضل المولى03-14-16, 11:17 AM
                      Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� عمر عبد الله فضل المولى03-14-16, 11:27 AM
                        Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� عمر عبد الله فضل المولى03-14-16, 11:32 AM
                          Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� عمر عبد الله فضل المولى03-15-16, 07:29 PM
                            Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� عمر عبد الله فضل المولى03-16-16, 08:00 PM
            Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� عمر عبد الله فضل المولى03-30-16, 04:00 PM
    Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� عمر عبد الله فضل المولى03-17-16, 09:25 AM
      Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� عمر عبد الله فضل المولى03-17-16, 07:26 PM
        Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� عمر عبد الله فضل المولى03-19-16, 07:49 PM
          Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� عمر عبد الله فضل المولى03-20-16, 04:04 PM
            Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� حماد الطاهر عبدالله03-21-16, 04:14 PM
              Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� عمر عبد الله فضل المولى03-22-16, 08:42 AM
                Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� عمر عبد الله فضل المولى03-22-16, 07:45 PM
                  Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� عمر عبد الله فضل المولى03-23-16, 11:09 AM
  Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� عمر عبد الله فضل المولى03-31-16, 09:21 AM
    Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� Ammar Makki03-31-16, 10:18 AM
      Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� Ammar Makki04-03-16, 07:38 AM
      Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� عمر عبد الله فضل المولى04-20-16, 04:56 PM
  Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� عمر عبد الله فضل المولى04-05-16, 04:03 PM
    Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� عمر عبد الله فضل المولى04-10-16, 09:44 AM
  Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� عمر عبد الله فضل المولى06-02-16, 05:07 PM
  Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� sadig mirghani06-04-16, 03:03 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de