المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدرويش.. دكتور عبد الرحمن الغالي

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 06-11-2024, 00:07 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف للعام 2016-2017م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
03-15-2016, 07:29 PM

عمر عبد الله فضل المولى
<aعمر عبد الله فضل المولى
تاريخ التسجيل: 04-13-2009
مجموع المشاركات: 12113

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� (Re: عمر عبد الله فضل المولى)

    الحلقة الثالثة عشرة

    الباب السادس

    دلائل الرضا الشعبي واستمرار الولاء للمهدية:

    1) الولاء للمهدية وشعبيتها

    صورت الرواية أن المهدية كانت مكروهة من أغلب الشعب السوداني بل وأكثر من ذلك أن أغلب من آمن بها ارتد على أعقابه وصار كافراً بها أو شاكاً فيها. وأن أمدرمان صارت مرتعاً للفجور والفساد وصار كل من فيها " سكير ليل مجاهد نهار" حسب تعبيره.

    أما مناصرة الأغلبية الساحقة من الشعب السوداني فلم ينكرها حتى نعوم شقير حيث قال: ( وقد صدّق أهل السودان خاصتهم وعامتهم دعوى المهدي ونصروه وهم لا يشكون أن من مات في سبيله فنصيبه الجنة والحور العين حتى صاروا يتمنون الموت وينادون عند رؤية القتال :" الجنة جات قريبة تحت المدفع وتحت الزريبة"... ولم يبق في السودان من شك في دعوى المهدي إلا نفر قليل من الأدباء العقلاء )وأضاف شقير ( هذا وقد اهتز لمهدي السودان العالم الإسلامي في جميع الأقطار وهاجر إليه جماعة من مصر والحجاز والهند وبلاد المغرب قصد زيارته والوقوف على حاله ولو أطال الله في أمده وزاد في توفيقه لقلب وجه الشرق إنقلاباً عظيماً ولكن الله لطف بعباده) وسمى خليفة المهدي من هؤلاء عمالاً على نجد والحجاز وغيرهما.

    وهناك شواهد لا تحصى على تمسك الغالبية العظمى من السودانيين بالمهدية، وقد أوردنا جزءاً منها نقلاً عمن لا يُشك في عدائه للمهدية مثل تقارير المخابرات المصرية وكتابات الأسرى.

    ولكن هناك شواهد عملية هي أبلغ من كل كلام، منها:

    1. الموت الأسطوري في كرري وقبلها وهو موت لا ينشأ فقط عن محبة لأنا لم نشهد هذه الظاهرة في كل من يحبون بلادهم ونظمهم السياسية، بل ينشأ عما هو أكبر من ذلك. المؤرخ الامريكي جي إيه روجرز J.A.ROGERS و من خلال كتابه " اعظم رجال العالم من ذوي البشرة الملونة" نقل بعض إفادات جي دبليو ستيفنس والذي قال واصفا ما شاهده بنفسه في ارض المعركة :(إن جاز لي ان أقول ان قواتنا قد بلغت الكمال .. فلابد لي ان اعترف بان المهدويون (المهدويين) بروعتهم.. قد فاقوا حد الكمال ! لقد كان جيشهم في كرري من اعظم وأشجع الجيوش التي حاربناها طوال مواجهاتنا الطويلة في حروب المستعمرات .. وكان دفاعهم مستميتاً عن امبراطورية شاسعة و مترامية الأطراف افلحوا في الحفاظ عليها لوقت طويل وبكفاءة عالية ) ثم يصف صاحب الكتاب المؤرخ الامريكي J.A.Rogers ما حدث بعد ذلك :

    ( لقد ابقي الخليفة عبدالله علي جذوة المقاومة مشتعلة الي حين سقوطه في ارض معركة ام دبيكرات ..بينما ظل العنيد عثمان دقنة مقاوماً حتي وقع في الأسر ولم يغفل روجرز ان يورد تعليقه الشخصي علي إفادات المراسلين الحربيين قائلا :

    (ولكن ستظل المهدية اعظم مثال للبطولة والتفاني.. يمكن ان يوفره لنا التاريخ الإنساني) والتفاني هو مربط الفرس ومكان الاستشهاد هنا

    2. وبعد الهزيمة العسكرية الساحقة للمهدية وزوال كل سلطة للخليفة وللدولة سار الخليفة وتبعه آلاف الرجال والنساء من كل أصقاع السودان وهذا دليل لا يدانيه دليل.

    وحينما عزم الخليفة على معاودة الكرة إلى أمدرمان سار معه الآلاف واستشهدوا معه في أم دبيكرات رغم أنهم خبروا التفوق العسكري الانجليزي ورغم تخيير الخليفة لهم وسماحه لهم بالتحلل من بيعته . وقد كتب ونجت في تقريره عن معركة أم دبيكرات أن الأسرى كان فيهم 29 أميراً من كبار أمراء المهدية غير الشهداء وأن عدد الأسرى بلغ 3 ألف رجل و6 ألف من النساء والأولاد

    3. لم تمت جذوة المقاومة المهدوية مع استشهاد الخليفة وأصحابه وسجن بقية الأمراء وإنما قام عدد من الانتفاضات المهدوية هي:

    انتفاضات :علي عبد الكريم 1900 الفكي محمد الأمين تقلي 1903 آدم محمود سنار 1904 موسى أحمد القضارف 1906 سليمان بشير ود مدني 1906 عبد القادر ود حبوبة الحلاويين 1908 محمد المزمل شركيلا 1908 محمد علي برشم من راجا 1908 الفكي جميل القطينة 1909 الفكي محمد جمعة أبو حراز كردفان 1909 مختار الهاشمي الجابراب 1910 ثورة الرماش 1910 الفكي محمد الرضي مروي 1910 (لم يحدث قتال) الفكي عكاشة أحمد 1912 الياس موسى حسين 1914 الفكي أبكر في عطبرة 1915 أحمدو دمبو في قدير 1915 محمد أوهاج موسى (الهدندوي) ومحمد الحاج سمبو (الفلاتي) كسلا 1918 السيد محمد السيد حامد سنجة 1919 الفكي عبد الله السحيني نيالا 1921 ولم ولم يقف الأمر عند الثورات المهدوية بل شملت مقاومة الغزو كل مناطق السودان حيث قامت الثورات التالية في جبال النوبة على سبيل المثال تمرد جبل كترا في 1904 وثورة تلودي في 1906 وانتفاضة الملك عجبنا 1908 وانتفاضة الدلنج 1909 وثورة الفكي علي الميراوي 1915 بل لقد ثارت معظم الجبال مثل تلودي وهيبان والداير كادقلي وغيرها وكذلك حدثت ثورات في الجنوب مثل ثورة الزاندي 1905 وثورة دينكا العالياب بقيادة بو يول أردينت 1921-1922 وثورة النوير 1928-1930 وسبقت هذه الثورات الكبرى ثورات عديدة منذ 1901 وما بعدها منها ثورة دينكا أجار 1901 ودينكا أتوات 1903 والنيام نيام 1903 والشلك 1915وثورات النوير 1913-14-17 والأنواك 1913 والتبوسا 1926 الخ وهذا على سبيل التمثيل

    4. قامت حكومة الغزو بعدد من الإجراءات القمعية سنذكرها تفصيلاً في فصل لاحق لاستئصال المهدية ولو كانت المهدية حركة مكروهة لانتهى أمرها بزوال سلطتها.

    5. انبنت سياسات الحكومة الدينية والعسكرية والسياسية والادارية على الاعتقاد الجازم بخطر تجدد المهدية:

    عسكرياً: على سبيل المثال ظل السودان يحكم بحاكم عسكري هو نفسه سردار الجيش المصري إلى 1924 وظل الاحتفاظ بقوة عسكرية كبيرة والمطالبة بزيادة العدد والميزانيات الى وقت متأخر. وقد أشرنا في فصل من هذا الكتاب إلى مكاتبات السلطات الاستعمارية في الخرطوم للندن والقاهرة لاطلاق يدهم في القمع وذكرنا طلباتهم بزيادة الميزانية العسكرية حتى وقت متأخر لمواجهة الحركات المهدوية وكذلك طلبهم الاحتفاظ بقوات كافية تأهباً لقمع تلك الحركات.

    سياسياً: ظلت سياسة قمع الأنصار هي السائدة حتى الاستقلال لم تتخللها إلا فترات تغير قصيرة ولخدمة أغراض محددودة. وظل زعيم الأنصار بعد المهدية – السيد عبد الرحمن محظوراً من السفر لمناطق عديدة من السودان مثل دارفور وكردفان والفونج ودنقلا وانتهى بهم الأمر بعد تاريخ طويل وتطورات ليس هذا مجالها إلى تأسيس حزب ضرار لمعاقبته على مطالبته بالحكم الذاتي. وسنرى في فصل تالٍ مصير الذين تبنوا سياسة مرنة مع السيد عبد الرحمن.

    7. ومما يدلل على تمسك السوادنيين بالمهدية تطلعهم – بعد مقتل قادتهم وسجنهم – لأية قيادة. ظهر ذلك جلياً في هجرتهم لإبن المهدي رغم القيود المفروضة ورغم عدم إمتلاكه للسلطة ولا المال. وعلى العكس من ذلك هاجر هؤلاء وتركوا أهلهم وممتلكاتهم متحدين المخاطر في ظاهرة غريبة لا يمكن تفسيرها إلا بالولاء لعقيدتهم.

    8. وقد قضت سنة التاريخ على أية حركة أو ثورة تستمر عدة سنوات أن تخمد جذوتها ويقل الحماس لها ويضعف بفعل الانهاك ويتساقط قادتها بعوامل عدة لا سيما في ظروف التحديات الداخلية والخارجية والحروب الاستعمارية. ولكن المهدية كانت إستثناء غريباً. ففي دراسة أجراها باحثان أمريكيان عن القيادة الكاريزمية في الإسلام: متخذين من المهدي نموذجاً ذكرا فيما يختص بالنخبة أو الصفوة المهدوية الآتي:

    ( اختيرت مجموعة من 140 من قادة المهدية تتضمن الشخصيات الأساسية في دولة المهدية: شخصيات دينية بارزة، أمراء قبليين، قادة عسكريين، إداريين وآخرين لهم قرابة بالمهدي والخليفة عبد الله.

    تم الحصول على المعلومات الشخصية عن هؤلاء القادة من معجم الشخصيات السودانية لريتشارد هل ومصادر أخرى في المهدية.

    التحليل المنهجي لهذه المعلومات أثمر عدداً من الرؤى المهمة:

    جدول (1) ترتيب النخبة المهدوية

    العدد النسبة المئوية

    الذين قتلوا في معارك قبل 1898 31 22,1%

    الذين قتلوا في أمدرمان وأم دبيكرات 21 15%

    مجموع القتلى في معارك المهدية 52 37,1%

    الذين قاتلوا للنهاية وبقوا أحياء 49 35%

    الذين قتلوا أو سجنوا في عهد الخليفة 16 11,4%

    الموت الطبيعي 9 6,4%

    المنشقون 14 10%

    الجملة 140 100%

    البيانات في جدول(1) هي بمثابة مقياس لمدى الالتزام والولاء. فخلال أعوام المهدية الثمانية عشر إنشق فقط 14 قائداً أغلبهم إنشقوا في النهاية حينما بدا السقوط قريباً. وحقيقة أن المنشقين يشكلون فقط 10% من جملة القيادة هو دليل عل تماسك الحركة المهدية، وعلى الرغم من التكتلات والشقاقات الداخلية المستمرة إلا أنه تم تحقيق درجة عالية من الوحدة حينما تتم مواجهة العدو.

    النسبة العالية للقادة الذين قتلوا في المعارك ( 52 شخصاً أو 37,1%) يمكن إعتبارها مقياساً عاماً على الإلتزام والولاء القوي. والدرجة العالية من الالتزام والولاء توضحها بصورة أفضل أعداد القادة الذين بقوا مخلصين للحركة حتى زوالها. فقد حارب ما لا يقل عن 70 رجلاً أي 50% من العدد الكلي حتى النهاية في معركة أم درمان وأم دبيكرات، هذا بالرغم من الانقسامات الداخلية ووفاة المهدي المبكرة وتفوّق قوة السلاح البريطاني الذي لا يقهر.

    وأكثر من ذلك فلم يتخلّ عن الفكرة أو يفر أحد من النواة الداخلية للقادة والمكونة من 18 قائداً، وبالنسبة للذين بقوا أحياء بعد الانهيار الأخير في 1899 استمر كثير منهم يقاومون في المناطق البعيدة عن المركز لعدة سنوات.

    جانب آخر مهم من جوانب القيادة هو مصادر التجنيد. وأسفر تحليل البيانات عن خلفية القادة المائة وأربعين الكبار في المهدية عن التقسيم الاتي:

    جدول (2)

    مصادر التجنيد

    التصنيف العدد النسبة

    قادة دينيون 24 17,1%

    قادة قبليون 41 29,3%

    مجموعة مختلفة من عامة الناس 43 30,7%

    أقرباء المهدي 7 5%

    أقرباء الخليفة 14 10%

    تجار رقيق 5 3,6%

    تجار 6 4,3%

    الجملة 140 100%

    تعزز النتائج تحليلنا – وما زال الكلام للباحثين - السابق للمجموعات القيادية بالمهدية وكذلك تأكيدات هولت والكتاب العرب فيما يتعلق بتركيبة النخبة. كما توضح الجاذبية العامة لرسالة المهدي.

    تتكون الفئة الأكبر من القادة من العامة (غمار الناس) بنسبة 30,7% الأمر الذي يمكن أن يشير لمدى السند الشعبي.

    المجموعة الثانية من حيث الحجم تتكون من زعماء القبائل ( 29,3%) وهذا يشير لإنتشار السخط القبلي على التركية.

    يشكل القادة الدينيون والزّهاد ثالث أكبر فئة (17,1%) الأمر الذي يعكس الاستياء العميق من التدين الرسمي المفروض من قبل السلطات. يشكل أقرباء المهدي والخليفة المجموعة الرابعة ( 15%) . هناك أيضاً مجموعة صغيرة من التجار (4,3%) وتجار الرقيق ( 3,6%). وينبغي ملاحظة أن النسبة الأخيرة لتجار الرقيق أقل من تقديرات المؤرخين العرب والأوربيين. ومن المحتمل أن يكون عدد تجار الرقيق أعلى إلى حد ما.)

    هذا ما ورد في تحليل قادة المهدية وقد احترز صاحبا الدراسة عند ذكرهما للصعوبات التي تواجه الدراسة فتحدثا عن ( إحتمال المعلومات الخاطئة حول خلفية القادة ) وتحفظا على استخدام المصادر الغربية حيث قالا:( ولاستخدام نظرية ويبر لدراسة الشخصيات في التاريخ الإسلامي يجب أن يبذل جهد خاص لتقليل الاعتماد على المصادر الغربية " المسيحية" لصالح الأعمال المحلية)

    وتعضيداً لما ذكرته الدراسة من إقبال مشائخ القرآن على المهدية اعتبر هولت أنها ثورة "الفكية" أي أهل الخلاوى. وكذلك اعتبرها دالي، قال صاحب دراسة ( نقض المهدية: الاستعمار البريطاني كإصلاح ديني في السودان الإنجليزي المصري 1898-1914):

    ( كتب –هولت – عن الثورة المهدية كانت ثورة "الفكية" وكان قائدها مناسباً جداً لذلك حيث كان رجلاً مقدساً نال التعليم التقليدي في السودان....عارض "الفكية" بشدة فرض النظام التركي المصري قادة إسلاميين عليهم فناصرت الأغلبية منهم المهدية أو على الأقل في بدايتها)

    ثم استدرك الكاتب استدراكاً صحيحاً حينما قال:

    ( ومع ذلك فمن المهم ألا نصف المهدية كرجوع للطرق الاسلامية التقليدية في السودان. فقد قدم صعود المهدي نظاماً جديداً بالكلية للحكم الإسلامي في السودان.)

    9) الوجدان السوداني

    لم يقتصر أمر الولاء للمهدية على القادة والأمراء ، فقد شكل زوال الدولة صدمة للسودانيين عبر عنها شعراؤهم الشعبيون في قصائدهم. بل وأكثر من ذلك يري الشاعر والناقد محمد المهدي المجذوب أن تلك النهاية شكلت إتجاهاً جديداً في الشعر السوداني إذ إتجه شعراء المهدية لملجأ المديح النبوي هرباً من الواقع الأليم حيث تم صبغه هو الآخر برنة أسى وحزن.

    وفي نفس السياق قال محمد عبد الرحيم حينما تحدث عن فساد الأخلاق واختلال المعايير بعد زوال دولة المهدية :

    ( وعلى اثر الانقلاب الهائل الذي طرأ على الحياة السودانية ولم يلبث أن تغلغل في أحشائها وتركز في قرارتها كان الشعراء أشد إحساساً به وأكثر عبوساً وتجهماً له وكانوا أقدر على تهويله وتجسيم أمره ولا سيما في الأخلاق وقد اعتورها ما مسخها من خبث ورياء وأثرة ونفاق ومكر هيأ للسافل أن يعلو وللرفيع أن يسفل فتحكمت الشرور والآثام وانفسح المجال للخبثاء والدساسين وامتلأ الجو بأنفاس دنسة وظواهر شاذة في الحياة السودانية)

    قال شاعرهم:

    انقلب الدهر كسر المرق بتُمامة

    والصقر الكبير يزعق وخاطفا حمامة

    التمساح غرق واحتاج لو لي عوامة

    أنا شفت الأسد يجري وتسكو نعامة.

    وأبرز تجلي لذلك الأسى وتلك الروح المتمسكة بالمهدية هو قصيدة الشاعر أحمد ود سعد أو على الأصح مناحته (السادة الخيرة).

    وكاتب القصيدة لم يكن صاحب منصب فيُتهم بالأسف لفقده ولم يكن من عشيرة الخليفة بالدم ورغم المجزرة الجماعية وما أعقبها من قمع ومنع لكل ما يمت للمهدية بصلة أو نسب: من أوراد وزي وشعر الخ ، قال ود سعد قصيدته أو مناحته على الأصح والتي يحن فيها إلى المهدية ودولتها الفاضلة وقادتها وأيام عبادتها ويتحسر على زوالها وإبدالها بالمفاسد التي نُصبت لها الرايات. فيفتتح القصيدة بوصف حيرته بعد ذهاب تلك الرفقة الطيبة ويبدأ بحنين يفوق حنين النوق وتتكرر متلازمة دوب وهي كلمة ترمز للحنين ومنها اشتق الدوباي اسمه:

    يا دوب للجيرة

    العمانا خيرة

    جات المانديرا

    ومسخت الديرة

    والمانديرا هي أعلام الرايات التي تنصب في الخمارات التي عادت في العهد "الجديد"

    ﻳﺎ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺠﺒّﺔ

    ﺟﻼ ﺷﻮﻓﻮ ﺍﻟﻜِﺒّﺔ

    ﺇﺳﻼﻣﻨﺎ ﺇﺭّﺑﺎ

    ﺣَت ﺩﻳﻨﺎ ﺍﻧﺴﺐّ

    ومع هول الكارثة وشدة الحيرة يشرع في الاستغاثة

    ﻳﺎ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺠﻤﻌﺔ

    ﺍﻟﺨﺎﺗﻴﻦ ﺍﻟﻠﻤﻌﺔ

    ﻟﻲ ﻓﻴﻜﻢ ﻃﻤﻌﺔ

    ﻗﺸّﻮﻟﻲ ﺍﻟﺪﻣﻌﺔ

    ثم يشرع في الحنين:

    ﺩﻭﺏ ﻟﻲ ﺍﻟﺒﻨﺪﻭﺭﻫﻢ

    ﺩﻭﺏ ﻟﻲ ﺍﻟﺒﻨﺸﻮﺭﻫﻢ

    ﺩﻭﺏ ﻟﻲ ﺍﻟﺒﻨﺰﻭﺭﻫﻢ

    ﻭﺳﻤﺎﻉ ﻣﻨﺸﻮﺭﻫﻢ

    ﺩﻭﺏ ﻟﻲ ﺭﺍﺗﺒﻬﻢ

    ﻭﺗﺮﺗﻴﻞ ﺣﺰﺑﻬﻢ

    ﺩﻭﺏ ﻟﻲ ﺻﺎﺣﺒﻬﻢ

    ﺍﻟﻤﺎ ﺑﻜﺬﺑﻜﻬﻢ

    دوب لي جمعتهم

    وصلاة جمعتهم الخ

    ثم يذكر قائد الدولة ويبكي عليه ويذكر صفاته الحميدة من اليقظة والجد والتدين الحقيقي وروح الفروسية ويذكر ما يذكِّره به: " سيد أمباية" التي ارتبط سماع صوتها بالنفرة للجهاد وتتداعي المعاني ثم يتذكر ركوبه الخيل للجهاد فيشتاق السرايا المبعوثة لحماية ثغور الوطن - من أعدائه المتكالبين - بهمة لا تعرف الوهن وعزيمة لا تلين ومع السرايا يذكر أكبر رايات المهدية الراية الزرقاء:

    دوب للمو لاهي

    دوب للمو ساهي

    سيدي عبدالله

    تاج أهل الله

    وين سيد امباية

    الراكب أب فراية

    دوب للسرايا

    والزرقة الرايا

    ولم يقتصر الأمر على التحسر والنواح والنوستالجيا الحزينة وإنما بقيت المشاعر متقدة ومتوثبة، فرثاء رقية إمام لأخيها عبد القادر ليس رثاء أخت لأخيها ولا رثاء قبلي ولا نواح حزين وإنما قصيدة مليئة بالفخر والتحريض والايمان برسالة يلتف حولها الناس وأن هدفهم نصرة الدين. فهو يجمع الانصار ليس لقضية خاصة كما حاول أن يشيع بعضهم بل لدافع أكبر معلوم للجميع. فأنت لا ترى في القصيدة نسق المناحة والتحسر ولا شعور التيتم والضياع بعد فقد الراحل وإنما ترى فيها قصيدة قيلت بلسان الجماعة لا ضمير الأخت الثكلى فهي تذكر فروسيته وملكاته القيادية ومحافظته على عقيدته ومناقبه الجهادية وتعدد رقية الأماكن التي أقام فيها أخوها لجمع الأنصار وتصف حالتهم من الحزم والعزم والتمسك بالمهدية وهذا ما ذكره ود حبوبة صراحة أمام المحكمة الإيجازية التي حاكمته إذ قال: ( إن رغبته أن يُحكم السودان بالشريعة وفقاً لتعاليم المهدي وأن الشعب السوداني يفضل المهدية على الحكم الحالي ) . قالت رقية رحمها الله:

    بتريد اللطام أسد الكداد الزام

    هزيت البلد من اليمن للشام

    ســــــــــــــيفك للفقــــر قــــلّام

    ديّم فى التقر انصارو منزربين

    بالصفا واليقين حقيقة انصار دين

    بالحربه ام طبائق قابلوا المرتين

    فى وش المكن رقدوا التقول نايمين

    ديّم فى التقر انصاروا زاربنوا

    من عهدوا القبيل بعيسى تاهمنوا

    اتلمـوا العمـد ليهـــم نقــــر سنو

    الهوج و الشرق طار المنام منو

    ديّم فى التقر قال العمير للسوم

    القوى والضعيف من عينو طار النوم

    الكفرة النجوس ما بختوا من اللوم

    حجـرت الدرب خـليت جمـالو تحــوم

    الأسد النتر وقال الدين منصور

    لمولوا الاورط جابوها بالبابور

    العمد الكبار كلامهم بقى مدحور

    فقشت المدير وكرمّت بالمامور

    الأسد النتر بى جيهة الابقار

    لمولو الاورط شايلين سلاح النار

    ود حبوبة قام و رتب الانصار

    فى كتفية ديك كم شَبّعِن صقار

    الإعلان صدر و اتلمت المخلوق

    بى عينى بشوف اب رسوة طامح فوق

    كان جات بالمراد و اليمين مطلوق

    ما كان بنشنق ود اب كريق فى السوق

    بتكلم بقول بوريك مين حسبو

    نايبو السنين منّو الرجال حسبوا

    كل الخاصموك فى الاخرة ما كسبوا

    التبعــــوك جــنود لله إنتســبوا

    الاعلان صدر و اتلمت الحلال

    نصبولو السلاح واتكرنف الخيال

    قدر الله إنْ حصل و الزمن ميال

    منسول من ابوك ماك ود حرام دجال

    رضوان الإله يملأ الضريح كافور

    مسك الرحمة فاح منو بيلوح النور

    أغفر سيئات كل من يجيكا يزور

    فى الفردوس هناك يتمنى مهما يدور

    وتتكرر نفس المعاني في رثاء بت مسيمس لود حبوبة فهو حارس مشارع الحق كما قالت:

    تور بقر الجواميس العليك الرك

    يا عقد الحديد للحلبي ما بتنفك

    تورك يا أم رشوم في الحلق عشرق

    دقيت الجسر وحاجر مشارع الحق

    الهوامش:

    شقير ص 618-619

    وقد عدد الخليفة في خطاب لحياتو بن سعيد أورده شقير الوفود التي جاءته من الهند وبخارى ومكة وتونس والحبشة وغيرها

    د. محمد المصطفى موسى، في ذكري معركة كرري .. مؤرخ أمريكي يعيد رسم اللوحة الحقيقية للمعركة

    http://www.alrakoba.net/news-action-show-id-162066.htmhttp://www.alrakoba.net/news-action-show-id-162066.htm

    نفسه

    وهذا يشبه موقف المهدي في سماحه لأتباعه في أبا بالتحلل من بيعته لأنه علم أن الحكومة سترسل لا محالة حملة عسكرية وهم في وضع ضعيف ولم يخيب الأنصار ظنه إذ ثبتوا معه كما ثبتوا مع خليفته من بعده.

    شقير ص 959

    تعكس ثورة كسلا مدى التصميم والتمسك للأنصار وأن هذه الانتفاضات ليست قبلية وانما مهدوية فقائدا الثورة أحدهما هدندوي والآخر من الفلاتة. وسيرة القائد الهدندوي مثلا تقول أنه حارب مع عثمان دقنة في الشرق وأُسر في 1885 وسجن بالقاهرة ولما أُطلق سراحه عاد لأمدرمان وساند الخليفة حتى زوال دولة المهدية فالتحق بالخليفة شريف بالشكابة وعندما أعدم الخليفة شريف حكم عليه بالسجن 5 سنوات ولما أتم المدة ضمنه أحمد عبد الكريم سمح له بالمغادرة لكسلا ليعيش مع أهله فصار يحرض أهله ضد الحكومة فكان المحرك لثورة كسلا مع محمد سمبو حيث هاجموا حامية كسلا وقتلوا بعض العساكر قبل أن يقضى عليهم مع بقية الثوار.

    وكانت ثورة ضخمة حيث هاجم السحيني حامية نيالا بخمسة ألف مقاتل احتلوا الحامية لفترة .

    انظر على سبيل المثال:

    Mahdist Risings against the Condominium Government in the Sudan, 1900-1927

    Hassan Ahmed Ibrahim

    The International Journal of African Historical Studies

    Vol. 12, No. 3 (1979), pp. 440-471

    Hassan ibid 115

    Charismatic Leadership in Islam: The Mahdi of the Sudan

    تجار رقيق سابقون

    كذلك يشير لأهمية معايير الكفاءة والولاء وغيرهما من المعايير الموضوعية وليس المعايير الوراثية أو التقليدية

    ليس هناك قرابة رحمية بين المهدي وخليفته فالصحيح من الناحية الإحصائية فصلهما

    ماكس ويبر

    Noah Salomon op.cit p 10

    محمد عبد الرحيم نفثات اليراع ص 32

    التمام نوع من القش الضعيف

    Mahdist Risings,op. cit p 445

                  

العنوان الكاتب Date
المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدرويش.. دكتور عبد الرحمن الغالي عمر عبد الله فضل المولى03-01-16, 09:05 AM
  Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� عمر عبد الله فضل المولى03-01-16, 09:09 AM
  Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� عمر عبد الله فضل المولى03-01-16, 10:16 PM
    Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� محمد أبوجودة03-02-16, 05:20 AM
    Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� عمر عبد الله فضل المولى03-02-16, 07:48 AM
      Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� عمر عبد الله فضل المولى03-03-16, 08:25 AM
        Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� عمر عبد الله فضل المولى03-03-16, 10:00 PM
  Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� محمد حيدر المشرف03-04-16, 05:08 AM
    Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� عمر عبد الله فضل المولى03-05-16, 04:49 PM
      Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� عمر عبد الله فضل المولى03-06-16, 04:37 PM
        Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� عمر عبد الله فضل المولى03-07-16, 03:32 PM
          Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� عمر عبد الله فضل المولى03-08-16, 06:11 PM
            Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� عمر عبد الله فضل المولى03-09-16, 08:27 AM
              Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� عمر عبد الله فضل المولى03-10-16, 10:21 PM
                Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� عمر عبد الله فضل المولى03-12-16, 11:25 AM
                  Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� مني عمسيب03-12-16, 11:29 AM
                    Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� عمر عبد الله فضل المولى03-14-16, 11:17 AM
                      Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� عمر عبد الله فضل المولى03-14-16, 11:27 AM
                        Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� عمر عبد الله فضل المولى03-14-16, 11:32 AM
                          Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� عمر عبد الله فضل المولى03-15-16, 07:29 PM
                            Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� عمر عبد الله فضل المولى03-16-16, 08:00 PM
            Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� عمر عبد الله فضل المولى03-30-16, 04:00 PM
    Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� عمر عبد الله فضل المولى03-17-16, 09:25 AM
      Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� عمر عبد الله فضل المولى03-17-16, 07:26 PM
        Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� عمر عبد الله فضل المولى03-19-16, 07:49 PM
          Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� عمر عبد الله فضل المولى03-20-16, 04:04 PM
            Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� حماد الطاهر عبدالله03-21-16, 04:14 PM
              Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� عمر عبد الله فضل المولى03-22-16, 08:42 AM
                Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� عمر عبد الله فضل المولى03-22-16, 07:45 PM
                  Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� عمر عبد الله فضل المولى03-23-16, 11:09 AM
  Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� عمر عبد الله فضل المولى03-31-16, 09:21 AM
    Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� Ammar Makki03-31-16, 10:18 AM
      Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� Ammar Makki04-03-16, 07:38 AM
      Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� عمر عبد الله فضل المولى04-20-16, 04:56 PM
  Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� عمر عبد الله فضل المولى04-05-16, 04:03 PM
    Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� عمر عبد الله فضل المولى04-10-16, 09:44 AM
  Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� عمر عبد الله فضل المولى06-02-16, 05:07 PM
  Re: المهدية: قراءة في أطروحة رواية شوق الدروي� sadig mirghani06-04-16, 03:03 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de