ساحر الاوتار: الحوار الذي اجريته مع الموسيقار العالمي نصير شمة في بيت العود/ ابوظبي

الفاتح ميرغني: تحدثت من قبل عن استشراء الاُمّية الموسيقية في اوساط المثقفين العرب، واذكر أن الراحل رجاء النقاش قال ذات مرة: "إنه حاول ان يستمع الى سمفونية "الريفية" لبتهوفن اكثر من مرة، ولكنه لم يفهم حركاتها ولم يستطع التكيف معها، فعاد ادراجه ليستمع الى "أغدا القاك" و"أنت عمري". في رأيك كيف يمكن معالجة هذه السلبية؟

الموسيقار نصير شمة: هي ليست سلبية، هي حالة تربية. الموسيقى يتربى عليها الانسان. في تجربة لطبيب مصري وزوجته الألمانية، بدأ الزوجان يستصلحان أراضي لإنتاج منتجات طبيعية "اورغانك". هذا الرجل أخذ اولاد الفلاحين من عمر 3 سنين وبدأت زوجته الالمانية تسمعهم باخ وتسمعهم بيتهوفن وهم اولاد فلاحين. وبعد اربع أو خمس سنين كبر الأطفال وأصبح أول ما يسمع أحدهم جملة يقول لك: "هذه الحركة الرابعة من عمل كونشرتو كذا للبيانو لاوركسترا .. لهايدن"، وهو عمره 7 سنين وابن فلاح، عندما يتحصن ذوقه ويصبح لديه ذوق عال ينبني على صوت صحيح سليم. فالناس لا يفرقون الآن بين النشاز والصحيح لأنهم لا يستمعون. وهناك فنانون وأدباء كبار وشخصيات كبيرة لا يستطيعون فرز الصوت النشاز عن الصوت الصحيح وهذه كارثة. فإن كنت جالساً تستمع لأحدهم وهو يلقي قصيدة كلها أخطاء نحوية وانت تطرب لها، فمن يراك وهو يفهم يعلم انه لا علاقة لك بالموضوع ولا بالشعراء. لم يعد مسموحا للمثقف ان يكون سطحياً. فكلمة مثقف كبيرة، ولم يعد مسموحا له ان يطلب مني، كموسيقي، ان افهم في قصيدة النثر وأفهم في اللوحة وأفهم في السينما وأفهم في المسرح التجريدي والتجريبي ولا افهم في شيء أخر، لا. فالفنان الذي يجب ان يكون فناناً مثقفاً بجد أو الكاتب أو الاديب، يجب أن يكون له وعي ويعرف أن هذه المسرحية تافهة حقيقة حتى لو كان المسرح جادا أو تجريبيا، ويعرف أنه لا قيمة لها. وعليه ان يدرك ما ان كان لها ابعاد ويعرف ماذا تعني الصورة في السينما، وتأويل المشهد والعمق في ابعاد الصور، وكذلك يعرف في رمزية الموسيقى ويعرف مرجعيات القصيدة. بمعنى عندما يقرأ الشخص لأدونيس مثلاً يشعر بأن أدونيس صعب على الفهم لماذا؟ لأن أدونيس حتى تقراه يجب ان يكون لديك ثقافه عاليه، حتى تعرف كل شيء وكل كلمة يقولها، احيانا الناس لا تتوقف عند الكلمات ولا تعرف ماهيتها، فإن كانت لأدونيس ثقافة موسوعية، فهذه ليست مشكلته، هو ربى عقله وفكره حتى يصل الى مرحلة يكتب فيها ماهو مؤمن به. وعلى الناس ان تبذل جهدا. ونفس الشيء في الموسيقى، من غير المسموح للمثقف ان يسمع شيئاً نشازاً ويقول: "والله كانت حلوة، كانت روعة"، انت تُدهَش لما تسمع هذا الكلام، تحس انو ما عنده علاقة بالموضوع. واحد في الموسيقى وهو مثقف وكبير مثل الروائي خيري شلبي، الله يرحمه، فاجأني بقدرته على الفهم في الموسيقى، والناقد صلاح فضل فاجئني بمستوى التحليل الكبير يعني ما ينفصل كونه ناقدا ادبيا عن معرفته الموسيقية ونفس الشيء خيري شلبي، وبعض الشخصيات مثل فاروق شوشه، الشاعر، لديه ذوق في الموسيقى عالي. لماذا؟ لانه تربى مع السنباطي، لانه كان مقربا منه وهو عنده رغبة ان يكون قريبا من السنباطي ومن عبد الوهاب، فكان صديق شخصي للسنباطي، وكان هو الوحيد الذي يتردد عليه ويزوره، فبالتالي اصبح عندما يسمع قصيدة يقول لك: "هذا العمل من اخر قصيدة انعملت من فلان لتاريخ اليوم ما انعمل مثلها". يصبح لديه حكم. فمن المهم جدا المثقف يكون عنده شمولية في رؤيته للفن.