كميونة الدراويش

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-01-2024, 04:25 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف للعام 2016-2017م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
01-03-2016, 07:03 PM

ودقاسم
<aودقاسم
تاريخ التسجيل: 07-07-2003
مجموع المشاركات: 11146

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: كميونة الدراويش (Re: ودقاسم)

    وكان زوجها الأخير يسمع ويرى ذلك كله ، لكنه لم يكن يجرؤ على منعها أو إثنائها عن طلبها ، فلم ينطق ببنت شفة ، فقد كان مجرد لعبة في يديها تحركه كيف تشاء. كان انتهازيا متميزا ، يتزلف أمي، ويتملقها، ويمارس الكذب علنا دون حياء. وكان وجود هذا الزوج في بيت أمي وقبولها به زوجا ، يقنع الكثيرين ويكفي لإثبات أن الأسرة كلها ليست محترمة. ومما لا شك فيه أنه تزوجها ليتمكن من الانتقال من مذلة الفقر إلى ساحات الغنى، فيرتاح من التعب والضنك اللذان كانا يظللان حياته السابقة. وأنا ألقي عليه نظرات احتقاري ، بدا لي سعيدا بخروجي من بيت أمي كهمٍ انزاح عن صدره، أو كأنه كان ينتظر مثل هذا اليوم في أحلامه ، ليغرق في الشماتة ، لكن ذلك تأخر ، ولم يتحقق إلا في ذلك التوقيت . وهذا وحده كان يفسر لي سعادتي الغامرة يوم سمعت نبأ وفاته، فأقمت احتفالا بدلا عن سرادق العزاء ، فشربت ، وغنيت ، وطربت حتى بُعيد منتصف الليل في زمرة من أصدقائي. حين نهرتني أمي، وطردتني من بيتها كان المساء قد أرخى سدوله ، فخرجت أبحث عن ملجأ أقضي فيه ليلتي تلك ، ثم أتدبر أمري حين يطل الصباح. لم يكن ذاك المساء حزينا ولم يكن داكنا أو حالك السواد، رغم أن الصدمة كانت قاسية، لكني ما كنت أعلم أن تلك اللحظة ستكون مفصلية في حياتي ، وأنني يمكن أن أمضي بقية عمري بعيدا عن بيتٍ ولدت ونشأت فيه .
    أمور كثيرة كانت تمر بذاكرتي التي أنهكها الفقر والكحول، وأهملتها أمي، بعد أن شحنتها بالآلام والمآسي، فكانت تحتقرني دون سبب ظاهر، وتزيد في استفزازي حتى أفقد أعصابي وأنفعل في وجهها، فتكيل لي السباب، وتنهرني وتهددني بالضرب، والطرد من المنزل. لم تختزن ذاكرتي أبدا حدثا طيبا مما كان يجري بيني وبين أمي. كنا نمضي الحياة كلها مشاحنات وشد وجذب، وتهديد ووعيد، وكنت دائما أخرج من معركتي مع أمي مهزوما مهموما، لكني لم أتنازل لها يوما لتحقق ما تريد من إذلالي وإهانتي. ثم جاء أولادي، من بعد أمي، فتمردوا علي وتناسوا أبوتي، وكأنهم يقولون لي : كما تدين تدان. وكادوا يصدرون فتوى بتحريم العيش معي في بيت واحد. كنت أقلّب كل ذلك ، وتستعيد ذاكرتي مقاطع منه ، وكأنني أعيش كابوسا مستمرا ، فلم يكن نومي هادئا تلك الليلة ، ولم يكن باستطاعتي تقدير ما يمكن أن يحدث لي وأنا أقف أمام أمي في صباح اليوم التالي. ولا أعلم ما الذي منعني وألجمني من ترديد دعاء أمي في تلك االليلة، لم أتذكره أبدا بالرغم من حاجتي الملحة له. سنوات طويلة مرت دون أن أرى وجه أمي، أو أسمع صوتها، ولم ينقل لي أحد طيلة هذه السنين أنها كانت تشتاق لرؤيتي، أو تتوق إليها، ولم ينتابني مطلقا إحساس بفقدها، فقد عشت بدونها كأنني أصلا لم أخرج من رحم أم. لذا عندما أدخلوني إليها، ذلك الصباح، وقفت أمامها كمن يقف أمام جمادٍ لا قلب له، ولا دم يجري في عروقه. وكعادتي معها لم أخف منها، ولم يحتويني شعور بعطف أو حنان، وكأنني كنت أنام معها في غرفة واحدة، فلم أبادرها بالسلام، ولم أرتمي في أحضانها، بل كنت أنظر إليها ببلاهة وبرود غريب، وما زلت أتساءل أي طارئ طرأ عليها فطلبت حضوري بعد هذه الجفوة العميقة المزمنة.
    ابتسمت أمي ابتسامة أعرفها تماما، فمن تحت تلك الابتسامة خرجت كتل الاستفزاز، والاحتقار ، وكتائب الطغيان. أشارت أمي علي بالجلوس إلى جانبها، فلم أتردد، بل جلست تلقائيا قبل أن تكمل إشارتها. وبدا لي أن أمي رددت دعاءها ذاك مئات المرات قبل أن ترى وجهي، وهاهي ذي يتحقق لها ما تريد، فأنا الآن واقف أمامها مستجيبا لأمرها تماما كما استجبت من قبل حين خرجت من البيت. ولست واثقا أن الله يتقبل دعاءها، لكني أميل إلى أن شياطينها هم الذين يسدون لها الخدمات ويطيعونها، وينفذون توجيهاتها. جلست إلى جوارها كأنني أجلس أمام دمية كبيرة وضعت أمام طفل صغير لا يعلم ماذا يمكن أن يفعل بها، بل ربما يفكر أن يركلها بقدمه ليبحث عن دمية أخرى تناسبه. كنا كندّين ولدا في يوم واحد ، بالرغم من أنها تكبرني بعشرين عاما، لكنني أمضيت عمري أتقلب في مضاجع الفقر، بينما كانت هي تتقلب في مضاجع الثراء، وربما بدا لبعض مجالسيها أنني أكبر منها. مدت ذراعها فوق كتفي من خلفي محاولة أن تضفي على المشهد شكلا من الحنان فتُكسب الموقف بعض المرونة وتطييب الخواطر، ثم خاطبتني :
    أأنت ما زلت غاضبا مني ؟
    تجاهلت سؤالها كأنها لم توجهه إلي، فلم أجبها بكلمة ، لكنها أحست بنظراتي ودواخلي تقول : نعم.
    يبدو أن أمي كانت تعلم جيدا أنني لن أتجاوب معها بسهولة، فلم أكن يوما طائعا أو مرنا في التعامل معها، لكنها كعادتها لا تهتم لمشاعر مجالسيها، فهي تنفذ مباشرة لما تريد، فلم تهتم بصمتي، ولم يزعجها سكوني. قالت أنها تثق تماما أنني لا أكرهها، وتؤكد لي أنها تحبني، وأن قلب الأم لا يمكن أن يتخلى عن الحب يوما. ثم انطلقت تحكي لي حكاية طويلة عن والدي الذي بلغها خبر (بيانه) في قبره ، حيث بانت لحيته خارج القبر لساعات في منتصف نهار، بشهادة عدد من الناس، ثم عاد القبر سيرته الأولى بعد أن رفع المادحون والذاكرون أصواتهم بالذكر على ضربات ( النوبة ) والطار ، وأرسلت النساء الزغاريد ، وبكى بعض العارفين بأفضال والدي ، وردد الناس الصلاة على النبي. كل هذا جعل أمي تعتقد في صلاح أبي ، وترى استحقاقه لمشيخة باسمه يكون مركزها هنا في بيتها. وقالت أنها ستتولى إقامة ( حولية ) لوالدي مثله مثل كل الشيوخ الصالحين ، وتريد أن تخصص لي جزءا من البيت وتجلسني خليفة لوالدي . وقالت أنها لثقتها في ابنها - الذي هو أنا – فهي تضمن عودته إلى البيت، وقبوله بالدور الذي قررت إسناده إليه، وأنه لن يرفض لها طلبا . وأضافت أنها وجهت الدعوة لعدد من المشايخ والذاكرين والدراويش، وعامة الناس لتشريفها ، وتشريف ابنها الخليفة على الغداء اليوم ، وإقامة ليلة ذكرٍ مشهودة في المساء .
    حين افترق والدي ووالدتي لم أكن أعلم عن والدي شيئا من الصلاح ، بل لم يكن متدينا بأي مستوى يميزه عن الآخرين. كان حليق الذقن، كثيف شعر الرأس، يهتم كثيرا بنظافة جسده وثيابه، ويظهر مفتونا بشبابه. لم يقتن مسبحة قط ، وليست له مصلاة خاصة به، ولا إبريق للوضوء، ولا شيء مما اتصف به أهل الصلاح . لكنه كان رجلا شديد الزهد ، مترفعا عما في أيدي الناس ، ولا يعجبه الكثير من تصرفات الغنى التي تصدر عن أمي. كان صامتا أغلب وقته ، يحدّث أمي بصوت منخفض ، ويختلف معها كثيرا حول تربيتنا، ويطلب منها أن تولينا اهتماما ورعاية ، وينصحها أن لا تتركنا نخرج إلى الدنيا من باب الصدفة، إلا أنها لم تكن تتقبل منه نصحا، ولا تنفذ له طلبا. ويوم تركها وودعنا ، كانت أول مرة في حياتي رأيت فيها أمي تبكي بكاء حقيقيا ، انسحب بهدوء وتركها تذرف دمعها، ثم لم يعد بعدها أبدا . وبقينا نحن نعيش في كنف أمي التي لم تتردد في إبداله بزوج جديد ، تماما كما تبدل زوجا من الأحذية. ولم نسمعها أبدا تذكره بخير منذ أن فارقها. ولا أعلم لم اختارت أبي ليلعب هذا الدور من دون ثلاثة رجال تزوجتهم فطلقتهم وماتوا جميعا .
    نواصل
                  

العنوان الكاتب Date
كميونة الدراويش ودقاسم12-30-15, 12:48 PM
  Re: كميونة الدراويش ودقاسم12-31-15, 12:20 PM
  Re: كميونة الدراويش جورج بنيوتي12-31-15, 02:13 PM
    Re: كميونة الدراويش ودقاسم01-01-16, 05:57 PM
      Re: كميونة الدراويش ودقاسم01-03-16, 07:03 PM
        Re: كميونة الدراويش ودقاسم01-05-16, 08:42 AM
          Re: كميونة الدراويش ابو جهينة01-05-16, 11:08 AM
            Re: كميونة الدراويش ودقاسم01-06-16, 01:07 PM
              Re: كميونة الدراويش ودقاسم01-10-16, 01:57 PM
            Re: كميونة الدراويش ودقاسم01-07-16, 10:33 AM
    Re: كميونة الدراويش ودقاسم01-06-16, 01:26 PM
      Re: كميونة الدراويش doma01-10-16, 03:20 PM
        Re: كميونة الدراويش ودقاسم01-11-16, 06:31 AM
          Re: كميونة الدراويش ودقاسم01-12-16, 01:18 PM
            Re: كميونة الدراويش ودقاسم01-13-16, 08:46 AM
              Re: كميونة الدراويش ودقاسم01-18-16, 08:22 AM
                Re: كميونة الدراويش ودقاسم01-20-16, 01:46 PM
                  Re: كميونة الدراويش ودقاسم01-22-16, 07:59 AM
                    Re: كميونة الدراويش ودقاسم04-04-16, 07:40 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de