|
|
 الكهرباء ، الطوارئ ، وبدعة 4848
|
08:58 PM Oct, 14 2015
سودانيز اون لاين
ودقاسم-
مكتبتى فى سودانيزاونلاين
الكهرباء في السودان لا تكفي الطلب عليها . هناك فرق كبير بين الكهرباء المولّدة والأحمال التي تقابلها والتي تمثل الطلب الحقيقي للمستهلكين . وليس في الإمكان أن يتساوى العرض والطلب في المدى القصير ،
إلا إذا تحققت للبلاد طفرة شاملة بين ليلة وضحاها .
تذهب لمكتب الكهرباء فتشتري بنظام الدفع المقدم في ثوان قليلة أي كمية من الكهرباء يستطيعها جيبك ، وبما يقابل أحلامك في الاستهلاك بالاستمتاع بالتكييف ، والإضاء الكافية ، وامتلاء خزاناتك العلوية بالمياه ،
والاستمتاع بتناول العصائر الطازجة المصنوعة منزليا بالخلاط . لكنك وأنت تدفع لتستلم إيصالا إليكترونيا للكهرباء التي تمنيتها تجد أنك قد دفعت مالك على ( أمّا أمّا ) كما تقول الحكمة السودانية ،
أي أنك لن تكون متأكدا من الاستفادة التامة مما اشتريت من سلعة الكهرباء استفادة تحقق لك ما أردت وما دفعت من أجله . صحيح أن الكيلواط التي اشتريتها ستظل موجودة في عدادك ،
لكنك لم تشتريها لتخزنها في هذا العداد إنما لتستهلكها من أجل حاجتك حتى لو نقلتك تلك الحاجة إلى مصاف الرفاهية .
لكن واقع الحال أن الكهرباء الداخلة إلى منازلنا لا تغطي حاجتنا أي ضرورياتنا ناهيك عن رفاهيتنا . وتصريحات المسئولين في الكهرباء ، وتمنياتهم ،
والكشف من وقت لآخر عن أفكار ومصادر جديدة لتوليد الكهرباء تؤكد أن التوليد الحالي لا يكفي الاستهلاك .
لكن شركة الكهرباء ( التوزيع ) قدمت لمشتركيها بدعة ( حسنة ) استحق العاملون فيها أن يكونوا ضمن دبلوماسي السودان .
يتعاملون مع المتصلين الحانقين الغاضبين بحصافة وطول بال وسعة صدر . ويبدو أنه قد تم تدريبهم جيدا على امتصاص غضبة المواطن المتصل .
فأنت في النهاية تجد نفسك تختتم معهم المكالمة بالشكر والدعوة بالعافية كما اعتاد السودانييون ، لكنك واثق تماما أنك تعود منهم وأنت خالي الوفاض .
وكلما عاودتهم وجدت منهم لسانا رطبا ، ووجدت فعلا في حدود العين بصيرة واليد قصيرة . أما ما يسمى بمكاتب الطوارئ وقد كانوا من قبل يطلق عليهم ( البلاغات) فهؤلاء عليك أن تسأل ربك في كل صلاة أن لا يحوجك إليهم ،
لأنك إن تلجأ إليهم فأنت كمن يضرب رأسه بصخر ليوهنها. فهم كلهم ( مهندسون ) ، وكلهم عارفون بدقائق المهنة ، ولا يأتيهم الباطل من بين يديهم ..
وهم بإسم شركتهم لديهم من الكهرباء ما يكفيك ويزيد . يتكلمون جميعا وعليك ان تسمعهم جميعا ، وإلا فأنت لا تفهم في الكهرباء شيئا أو أنت شخص ( متفلسف ) أو( ما عارف حاجة خالص ).
وأبسط ما يقال لك أنّ مشكلتك داخلية ولا علاقة لها بشركة الكهرباء ، وأن عليك أن تستدعي أي كهربائي ليصلح لك الخلل ، أما هم فبريئون من عكننة مزاجك ومزاج أسرتك .
ولم أقابل في حياتي من لديه مقدرة على المغالطة مثل هؤلاء . فهم يمكن أن يقنعونك أن زيارتك لهم كانت خطأ كبيرا ، وكأنك مصاب بكسر في اليد وأنت تزور طبيب النساء والولادة .
وفي ختام الأمر بعد ان تكون قد وقفت أمامهم ساعة أو أكثر، تستمع منهم أكثر مما استمعوا إليك ، وهم جلوس على الأرائك الوثيرة تحت نسمات التكييف ،
يقول لك أحدهم أن عليك الاتصال ب 4848 ( عشان ينزلوا لينا بلاغ هنا – ويشير للجهاز الذي أمامه- وبعدين ممكن يجيك زول من عندنا يشوف الوضع الإنت بتتكلم عنّو ) .
ثم تبدأ بما أسماها السودانيون ( حجوة أم ضبيبينة )، تتصل على 4848 ويسألك عن مشكلتك الحالية ، فترد عليه أنك حاليا لديك كهرباء ضعيفة متذبذبة غير مستقرة وأنك تعاني من القطوعات المتكررة
لأكثر من عشر مرات في الليل خاصة .تحاول أن تفهمه أن الكهرباء تنقطع منك لمدد مختلفة تبدأ من دقيقة واحدة وتمتد إلى الساعات ، وأن هذا يظل يتكرر طول الليل .
ثم يسألك إن كنت تريد بلاغا أم شكوى ، فترد عليه أنك تريد ان تحل مشكلتك دون استخدام هذه التسميات . فيرد عليك أنه سيرفع طلبك هذا كشكوى للإدارة . وتتبادل معه كلمات الشكر .
وتجلس وأنت تظن أنك ستجد أمامك وفي ظرف دقائق قليلة نفس الذين واجهوك بالطوارئ وقوفا أمام بابك ليحلوا مشكلتك ، فتجد فرصتك لتقابل جحودهم بكرمك وتقدم لهم الماء البارد والشاي وتكون كمن يسفّهم المل . فلا يأتيك أحد ..
ثم تتوالى اتصالاتك على 4848 ، وتستمع لكلام طيب ووعود بالحل ، وربما اعتذارات عما مضى ، وتنتظر ان يتغير الحال ، لكن الطواري لا تأتي إليك أبدا .
قال لي أحد جيراني ، ولماذا تريدهم أن يأتوا إليك ، هل تظن أنهم سيعالجوا المشكلة ؟ فقط سيقولون لك المشكلة من عندك وهي مشكلة داخلية لا علاقة لنا بها ، ثم تبدا من جديد تعيد الكرّة كل مرّة..
وسالت الشاب الذي رد علي آخر مرة عند اتصالي ب 4848، أنا أريد أن أرفع شكوى في 4848 فلمن أرفعها ، فردّ علي نحن الرئاسة يا أستاذ ..
هذا الوضع لا يتكرر بالنهار ، فيبدو أن الذروة في تشغيل المكيفات تمتد بين الساعة العاشرة ليلا حتى الرابعة صباحا .
ونظل في الليل أنا وجيراني نعاني ضعف الكهربا ، تقطع كليا عند البعض ، وتضعف ضعفا شديدا عن البعض الآخر ، ونفقد الكثير من أجهزتنا ، ونضطر لصيانة بعضها بتكرار مخيف . ولا حياة لمن تنادي .
أتتني فكرة طرحتها على أسرتي : هل في الإمكان أن نعرض بيتنا للبيع ، ونتخلص من كل ما نملك ، ثم نذهب لنعيش في دبي ( مثلا ) كمستثمرين؟
|
|
  
|
|
|
|
|
| |
ودقاسم
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست