الأستاذ محمود: بين "إنصاف" عبدالله الفكي و "تحامل" محمد محمود. بقلم إبراهيم عبد النبي

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-18-2024, 01:21 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف للعام 2015م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
03-12-2015, 06:28 PM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 48912

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود: بين andquot;إنصافandquot; عبدالله (Re: Yasir Elsharif)


    الأستاذ محمود: بين "إنصاف" عبدالله الفكي و "تحامل" محمد محمود (3)

    إبراهيم عبدالنبي

    أستعرض في هذه الحلقة المزيد من (تقولات) محمد محمود على الأستاذ محمود.. هذه المرة حول "القرآن" و "النبي" عليه السلام! وما فعله الدكتور في هذا الصدد نموذج صارخ لانعدام الأمانة العلمية، ومجافاة المنهج العلمي!

    إلا أن السؤال الذي يتبادر تلقائيا (عندي على الأقل) هو: لماذا!؟ لماذا يعمد محمد محمود (بدعوى التحليل) إلى تشويه (فكر) الأستاذ محمود، بأن ينسب إليه (أشياء) من عنده، يعلم هو، قبل القاريء، عدم صحتها؟! الإجابة على هذا السؤال (مهمة)، نظرا لأن (فكر) الأستاذ محمود، فيما نعلم، هو المخرج (الوحيد) من (نفق) الأزمة الحاضرة التي أدخل المتطرفون العالم فيها! ولا شك أن الدكتور يعلم دوافعه في هذا الخصوص! أما نحن، فليس لدينا إلا الحدس، باعتبار (واقع الحال)! و (واقع الحال)، بحسب ما تعطيه الشواهد المنظورة، أن محمد محمود يرى أن الإسلام (مستوى واحد)، هو الذي يعرضه المتطرفون! ولا أمل يرتجى منه! لذلك الدكتور يناصر الدعوة للنظام العلماني! ومن أجل هذا يتكرر وصفه، في كتابه، لفكر الأستاذ محمود بأنه فكر (ذرائعي)، ويتحدث كثيرا عن أسلوب الأستاذ محمود (الذرائعي)، المعتاد، وحججه (الذرائعية) المعتادة! بل حتى القول بمبدأ (النسخ) يصفه الدكتور بأنه مجرد حجة (ذرائعية) أخرى! دون أن يناقشها! لكنه، للعجب، لا يتورع عن استخدام حجة النسخ (الذرائعية) هذه، ليقشر بها، وينسبها كحل مقدم منه (هو شخصيا) لأزمة المسلمين اليوم! دون أن يشير (مجرد إشارة واحدة) للأستاذ محمود!

    لنا عودة، بإذن الله، لهذا! ولكن، لنواصل، الآن، استعراض مزيد مما يفتريه الدكتور في حق الأستاذ محمود:

    على صفحة (89) من كتابه، اقتبس الدكتور نصا للأستاذ محمود، من (توطئة) كتاب (تطوير شريعة الأحوال الشخصية)، والنص يتحدث عن خلق الإنسان، وتسخير الله الكون جميعا، بما فيه القرآن، للإنسان، من أجل إعانته في طريق رجعاه من البعد، إلى القرب، من الله.. وقبل إيراده النص، قرر الدكتور ما يلي: (طه يخضع كافة عناصر الخيال الديني الإسلامي إلى مشروع يبعد، بموجبه، النبي من أن يكون مركزا لوحي القرآن، حيث يقول...)، ثم أورد النص! ولكنه من أجل أن يجد مكانا لتقريره هذا، في متن النص، عمد إلى بتر النص، وإنهائه حيث لا ينتهي، حيث أنهى النص هكذا:
    (وتسخير الأكوان له إنما معناه إعانته في سيره هذا الطويل من منفاه في البعد إلى مقامه في القرب عند الله.. كل شئ سُخّر لهذه الغاية: إبليس، وذريته، والملائكة الأطهار، والرسل، والكتب، والشرائع، والقرآن بصورة خاصة.. ذلك بأن طريق الرجعى به قد بيّن أحسن تبيين.. وهو بصورته التي بين دفتي المصحف قد نزل مؤخرا على خاتم النبيين، ولكنه، في حقيقته، ما بدأ نزوله، ولا انقطع نزوله، وإنما هو مستمر النزول، ولن ينفك..!!)..

    فهذا التقرير الذي أطلقه محمد محمود كتمهيد: (طه يخضع كافة عناصر الخيال الديني الإسلامي إلى مشروع يبعد، بموجبه، النبي من أن يكون مركزا لوحي القرآن)، ليس له أي سند في النص الذي أورده، وهو يعلم ذلك! لذلك، عمد إلى بتر النص وإنهائه عند العبارة: (ولكنه، في حقيقته، ما بدأ نزوله، ولا انقطع نزوله، وإنما هو مستمر النزول، ولن ينفك)، لأنه وجد في العبارة كلمة (نزول)، وهي كافية جدا ليسند عليها (تقريره التمهيدي)! فهو معني، في الأساس، بهذه الكلمة من النص كله! ذلك أنه، وبالرغم من أن ذكر (القرآن) ورد عرضا في النص، بوصفه وسيلة، ضمن وسائل أخرى عديدة، مسخّرة لخدمة الإنسان، إلا أن الدكتور اصطاد هذه العبارة تحديدا، وخصوصا كلمة واحدة (نزول) فيها، ليبني عليها خلاصته (الجاهزة) التي مهد لها في (تقريره) المدرج قبل النص! فقد قال مباشرة، بعد أن أنهى النص حيث يريد، ما يلي:
    (بتبنيه لهذا الموقف، من الواضح أن طه مفارق للموقف التقليدي من القرآن، حيث قصارى ما يمكن أن يفعله المؤمنون، في فترة ما بعد البعثة النبوية، إنما هو تفسير النص، مع أمل أن يفتح الله عليهم بإجابات جديدة. ولكن طه، لا يتحدث عن التفسير، بل يتحدث، متعمدا، عن الوحي (النزول). وقوله هذا يجعل القرآن، بالنتيجة، مجرد بيان جزئي للوحي الإلهي. وكلّما تطور المرء من تقليد النبي إلى تحقيق أصالته، يتطور أيضا من مرحلة وحي النبوة (حيث النبي هو وسيط الوحي) إلى مرحلة الوحي الشخصي (حيث العابد هو وسيط الوحي). وبالتالي، فإن مبدأ تجاوز وساطة النبي لا ينطبق فقط على مستوى عبادة الحركات، بل التجاوز يمتد أيضا إلى مستوى الوحي)!

    In maintaining such a position, Taha is evidently at variance with the traditional position in the Quran, according to which the utmost that the believers in a post-prophecy time can do is to interpret the text and hope, with the help of God, to find fresh answers. Taha, however, does not speak about interpretation but rather, pointedly, about revelation (nuzul). This makes the Quran in effect only a partial manifestation of divine revelation. Inasmuch as one progresses from the imitation of the Prophet to the realization of one’s authenticity, one also progresses from a stage of prophetic revelation (where the Prophet is the subject of the revelatory act) to a stage of personal revelation (where the worshipping subject is the subject of the revelatory act). Hence, not only does the act of transcending prophetic mediation apply on the level of ritual worship, but it also extends to the level of revelation.


    وهكذا، يتضح أن غرض الدكتور من كل هذا النص الطويل هو كلمة (النزول) فقط! فهي تفي بالغرض، وتكفي (تماما) ليعلق على النص (خلاصته الجاهزة)، متجاهلا سياق النص، ومعناه، تجاهلا تاما! علما بأن النص، كما أسلفتُ، لا يتحدث عن القرآن، ابتداء، بل يتحدث عن الإنسان، وقد جاء ذكر القرآن فيه، عرضا، بوصفه وسيلة، ضمن وسائل أخرى، سخرها الله لترقية الإنسان وإعانته في طريق رجعاه إليه!

    لكن الواقع أن النص، حتى وهو (مبتور)، كما أراده الدكتور، يقول صراحة، وبصورة مباشرة، إن القرآن (بين دفتي المصحف) تم إنزاله على خاتم النبيين! ولكنه في حقيقته (ما بدأ نزوله، ولا انقطع نزوله، وإنما هو مستمر النزول، ولن ينفك)! فالقرآن بين دفتي المصحف هو كلام الله، بمعنى أنه صورة (لفظية) لإيجاد الله الخلق! و (كلام) الله خلق! وما تنزل القرآن في مواعين اللغة العربية (كما هو بين دفتي المصحف) إلا ليعقل البشر عن الله، ما يكلمهم! أما القرآن (في حقيقته) فهو (الذات الإلهية)! لأن الله لا يتكلم بجارحة، وإنما هو متكلم بذاته! والذات الإلهية في نزول (تنزل) مستمر، عبر تجلياتها المتنوعة، إلى الخلق ليعرفوها! وعلى هذا، نزول (تنزل) الذات _القرآن في حقيقته_ هو نزول (تنزل) سرمدي! وبهذا المعنى يرد فيه القول: (ما بدأ نزوله، ولا انقطع نزوله، وإنما هو مستمر النزول، ولن ينفك)! والنزول (التنزل) هو الفهم المستمر عن الله سبحانه تعالى من القرآن، وبعبارة واحدة (بيان القرآن)، حسبما تعطيه الآية: (ثم إن علينا بيانه)! علما بأن هذا تعبير متواتر وشائع الورود، في كتب ومحاضرات الأستاذ محمود! بل إن محمد محمود نفسه، أورده نصا، في خاتمة كتابه على صفحة (218)، وتولى شرحه، كما سنرى في السطور القادمة!

    أكثر من هذا: القول بأن القرآن في حقيقته، هو ذات الله، موجود ومثبت في (الجملة التي تلي مباشرة) الجملة التي بتر عندها محمد محمود النص، ليتسنى له لصق خلاصته (المغرضة)! فالنص يواصل ليتحدث عن (القرآن في حقيقته) هكذا:
    ("وإنه، في أم الكتاب لدينا، لعلي حكيم".. عبارة "لدينا" تعني عند الذات، حيث لا عند.. وهذه تمثل خط السير في المطلق)!!!

    لذلك، أورد النص هنا مكتملا، ومتصلا، ليستبين سبيل الدكتور في (تحليل) فكر طه:
    (..... والقرآن بصورة خاصة.. ذلك بأن طريق الرجعى به قد بيّن أحسن تبيين.. وهو بصورته التي بين دفتي المصحف قد نزل مؤخرا على خاتم النبيين، ولكنه، في حقيقته، ما بدأ نزوله، ولا انقطع نزوله، وإنما هو مستمر النزول، ولن ينفك.. هو في صورته التي بين دفتي المصحف قد نزل ليوجّه تطور البشرية نحو الإنسانية _ليستخلص الإنسان من البشر.. وليرسم طريق رجعته إلى وطنه الذي قد طال اغترابه عنه.. انظر كيف تحكي هذه الآيات الكريمات بداية هذا الطريق، ونهايته: "حم* والكتاب المبين* إنا جعلناه قرآناً عربياً، لعلكم تعقلون* وإنه، في أم الكتاب لدينا، لعلي حكيم".. عبارة "لدينا" تعني عند الذات، حيث لا عند.. وهذه تمثل خط السير في المطلق.. والآية: "إنا جعلناه قرآناً عربياً، لعلكم تعقلون"، تحكي طرف هذا الطريق الذي لامس أرض الناس، حيث قامت الشريعة لتنظيم حياة الأفراد، من رجال، ونساء، تنظيماً يوفق توفيقاً دقيقا، ومتساوقا بين حاجة الفرد من رجل، وامرأة، إلى الحرية الفردية المطلقة، وحاجة الجماعة إلى العدالة الاجتماعية الشاملة..)..!!

    علما بأن محمد محمود، وقد تصدى لتحليل (فكر) طه، لا بد أن يكون على علم بأقوال الأستاذ محمود الكثيرة في هذا الصدد، ومنها هذا القول:
    (على المسلمين أن يفهموا دينهم، وأن يشوفوا المستوى البتحْتاجُو البشرية في الوقت الحاضر، وهو موجود في المصحف، وما بيحتاج إلى نبوة جديدة! ما في وحي جديد! كل ما ربنا أراد أن يوحيه، من لدن آدم وإلى محمد، إلى البشر بواسطة جبريل، استقر في المصحف! ودي الحكمة في أنّو النبوة ختمت، لكن المطلوب الفهم! الناس بتعرضوا ليه بحسن العبادة، في تقليد المعصوم "طريق النبي"..)!!

    من المؤسف أن محمد محمود (يعلم) كل هذه الأقوال! ولكنه، مع ذلك، يبدو مصرا ومصمما، على أن ينسب للأستاذ محمود خلاف ما يعلمه!!

    لذلك، سأثبت هنا كلام الدكتور نفسه، على صفحتي (217 - 218)، من خاتمة كتابه، الذي يؤكد أنه يعلم ما يقصده (طه) بحديثه عن (حقيقة القرآن)! وأنه القرآن في حقيقته: (ما بدأ نزوله) و (لا انقطع نزوله) وإنما هو (مستمر النزول) و (لن ينفك)! وسوف يلاحظ القاريء الكريم أن محمد محمود يشرح، على هاتين الصفحتين، نفس الكلام الذي (عمد إلى "تحريفه" و "تشويهه" و "أساء تخريجه" على صفحة (89)! ولكنه، للأسف، لا يشرح الكلام، إلا بغرض إلصاق (تخريج آخر) أسوأ، وأبشع! فمحمد محمود، بعد أن شرح، يقول للقاريء إن نظرية (طه) حول الصلاة تمثل (التتويج النهائي) و (التعبير التام) عن (تهميشه للنبي)! بل يخبر القاريء إن (طه) يدعو إلى (قرآن شخصي)!

    فلنسمع الدكتور (صاحب المنهج العلمي الصارم):
    (يمكن أن نقول، على كل حال، أننا نجد في نظرية طه عن الصلاة، التتويج النهائي والتعبير التام عن تهميشه للنبي. فهو عندما يصف صلاة المسلم العادي بأنها صلاة "التقليد" أو صلاة "الحركات" أو صلاة "المعراج" فإنه، في الواقع، ينظر إليها بصورة رئيسية على أنها علاقة بين العابد ومحمد. وعلى هذا فإن العابد الذي يؤدي صلاته وفقا لنظرية طه يكون مشبّعا منذ البداية بإحساس تراتبية طقسية-روحية: صلاته العادية تنتمي إلى مستوى أدنى، وراءه وعد بمستوى أعلى (أصيل)، هو علاقة العابد بالله. وهذا يعني أن علاقة العابد بمحمد هي في جوهرها ذات طبيعة مؤقتة. ولتأكيد هذا، فإن طه يستخدم، اتساقا مع تقليد صوفي راسخ، التشبيه المجازي برحلة المعراج، وسدرة المنتهى، ليفترض وجود أهمية مركزية للحاجز الذي يواجهه ليس النبي فقط، بل كل عابد في اللحظة التي تؤرخ مفارقته لتقليد محمد. ومن الطبيعي أن هذا التهميش للنبي، قاد طه إلى أن يتخذ مدخلا مختلفا في تعامله مع القرآن. فهو يقبل العقيدة السلفية أن القرآن هو كلام الله، بالرغم من أنه يعمد إلى إخضاع النص القرآني إلى إعادة التركيب من منطلق صوفي متطرف. وهو يفعل ذلك متبعا استراتيجية مزدوجة: فمن جانب هو يضفي على النص القرآني ما يمكن وصفه بطبيعة متجاوزة للغة عبر ادعائه أن معاني القرآن ليست هي ما يعطيها ظاهر النص فقط، بل هناك معاني كثيرة لا تتناهى للقرآن، تكمن وراء النص. وفي هذا الخصوص فهو يتحدث عن أن الله متكلم بذاته، وأن كلامه لدى التناهي إن هو إلا ذاته. وعلى هذا فإن معاني القرآن (في حقيقته) لا تتناهي لأن السير في مضمار القرآن هو سير سرمدي إلى الله. ومن جانب آخر فإن طه يعيد التأكيد على مفهوم "كلام الله" ليحمّله معاني وراء النص: كلام الله هو مجمل الكون الظاهري. وعلى هذا، يكون اكتشاف المرء للكون وفهمه بمثابة رحلة سرمدية إلى الله. وما يقوله طه عن كلام الله لا ينفصل عن مفهومه هو عن الأصالة، التي ينتج عنها التلقي الكفاحي عن الله. وهذا يعني، أنه بنفس القدر الذي يكون للمرء الذي يحقق أصالته شهادته الفردية الخاصة، وصلاته، وزكاته، وصومه، وحجه، فإنه يكون له أيضا "قرآنه الشخصي". وما "يقوله" طه في هذا الخصوص يؤدي إلى "ديمقراطية" القرآن، حيث كل شخص يتلقى "قرآنه الشخصي" مباشرة من الله، وهذه خاصية كانت مقتصرة ومحصورة على مؤسسة النبوة. والنبوة بالطبع هي اختيار وانتخاب حصري حيث يصطفي الله من يختصهم بإبلاغ مشيئته وغرضه. لذلك فإن ما يحدده طه ويعد به هو إشراك الجميع في الحضرة الإلهية بحيث يكون لكل عابد صوت إلهي "قرآن شخصي" حسبما "يسمعه" شخصيا من الله، نتيجة تلقيه المباشر من الله)!!

    فلنقرأ الدكتور يورد المعنى الحقيقي لعبارة (القرآن في حقيقته)، التي شوهها سابقا، ليخرّج منها ما يريد من (تخريجات):
    (وفي هذا الخصوص فهو (يعني: طه) يتحدث عن أن الله متكلم بذاته، وأن كلامه لدى التناهي إن هو إلا ذاته. وعلى هذا فإن معاني القرآن (في حقيقته) لا تتناهي لأن السير في مضمار القرآن هو سير سرمدي إلى الله)!!

    ما دام أن الدكتور يفهم معنى القول، لدرجة أن يشرحه للآخرين، لماذا خرّجه كل ذلك (التخريج) السيء، على صفحة 89؟؟ ولكن، هل شرح الدكتور حديث طه عن (حقيقة القرآن) بحسن نية، من أجل تفهيم القاريء؟ لا!! بل هو أورد الحديث ليلصق عليه خلاصة أخرى (جاهزة) عنده! ربما إمعانا منه في (التعريف) بفكر طه! حيث قرر، بعد الشرح:
    (ما يقوله طه عن كلام الله لا ينفصل عن مفهومه هو عن الأصالة، التي ينتج عنها التلقي الكفاحي عن الله. وهذا يعني، أنه بنفس القدر الذي يكون للمرء الذي يحقق أصالته شهادته الفردية الخاصة، وصلاته، وزكاته، وصومه، وحجه، فإنه يكون له أيضا "قرآنه الشخصي". وما "يقوله" طه في هذا الخصوص يؤدي إلى "ديمقراطية" القرآن، حيث كل شخص يتلقى قرآنه الشخصي مباشرة من الله)!!

    ولكن: هذه المرة، ولأنه يعلم أن ما قاله هذا (محض افتراء)، لم يلبث أن تراجع عنه مباشرة، برغم أنه نسب ما افتراه إلى الأستاذ حيث قال: (وما يقوله طه عن كلام الله....الخ)، فلنسمع ونتعلم كيف يكون (المنهج العلمي الصارم):
    (جدير بالذكر، على كل حال، أن طه لم يستخدم المصطلح "قرآن شخصي" كما لم يشر إلى قرآن يحل محل القرآن الذي أنزل على محمد. ولكن مفهوم "القرآن الشخصي" موجود ضمنا في ما يكتبه ويمكن استخلاصه من نظريته حول الأصالة، التي يستتبعها قانون خاص أو دين خاص)!!!!

    إذا كان طه (لم يستخدم)، و (لم يشر)! فلماذا إذن (قوّلته) أنت ما لم يقله؟؟ وما معنى قولك إن مفهوم (القرآن الشخصي) موجود (ضمنا) في ما يكتبه (طه)، ويمكن (استخلاصه) من نظريته حول الأصالة التي يستتبعها (قانون خاص) أو (دين خاص)!! أين الدليل؟ الدكتور لم يورد أي دليل! ولماذا يورد؟؟ فهو صاحب (منهج علمي صارم)! وبالطبع، من أصول (المنهج العلمي الصارم) أن يطلق الدكتور التقارير القاطعة، والأحكام القيمية الجاهزة، دون إيراد أي سند لها، ليصدقها القاريء!

    على كل حال، الأستاذ محمود، يقول بلغة واضحة، ومباشرة، خلاف ما ينسبه إليه محمد محمود! ففي رد على سؤال مباشر من أحد حضور إحدى الندوات، للأستاذ محمود، مستفسرا عن ما يعنيه الأستاذ بكلمة (القرآن) عندما يتحدث عن (القرآن)، وهل يعني القرآن (المنزل) على سيدنا محمد، أم قرآن آخر، يقول الأستاذ محمود:
    (سؤال الأخ اللي بِقول أنه: هل بيعني القرآن (النزل) على سيدنا محمد، كما نعرفه نحن؟ في الحقيقة، نعني القرآن "النزل" على سيدنا محمد، و "ما في قرآن غيره"! لكن موش كما تعرفه إنت! والحقيقة المحاولة دي كلها أن تعرض عليك "معنى" لتعرفه جديد! وما تعرفه إنت من القرآن، وما نعرفه نحن، وما يعرفه السلف حتى، من القرآن، ما هو إلا جزء بسيط جدا، وكل ما تعلمنا نحن، بوسائل المعارف المختلفة، وبوسائل التوحيد، نزيد معرفة في الله! وربنا يقول: "واتقوا الله، ويعلمكم الله"! وربنا يقول لنبينا: "لا تحرك به لسانك لتعجل به* إن علينا جمعه وقرآنه* فإذا قرأناه فاتبع قرآنه* ثم إن علينا بيانه*)! وربنا يقول: "ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء"! وكل ما نتعرض نحن لرحمة الله بالتوحيد، والسلوك الحسن، و "التقليد الجيد"، والسير في "مراقي التوحيد"، ربنا يعلّمنا، وما يعلّمنا ياهو "لا يخرج عن أسرار القرآن" دي، لأنه "القرآن ذات الله"! فإن قلت: ما تقول في التوراة، والإنجيل، والكتب المنزلة؟! كلها، في الحقيقة، مراحل من القرآن تنزلت إلى الأمم في وقتها الماضي، لغاية ما تأذن الله بمجيء خاتم النبيين، و"ربنا ختم الرسالات كلها، الوحي كله، الكتب كلها، نزلت في المصحف العندنا بين أيدينا في الوقت الحاضر")!!

    أرجو ملاحظة كيف تدحض عبارات الأستاذ محمود هذه عبارات محمد محمود، فيما نسبه للأستاذ، كلمة بكلمة وعبارة بعبارة!

    فإذا كان الدكتور يعلم مثل هذه الأقوال، وأمثالها، عن الأستاذ محمود، ثم نسب إليه ما نسبه، هذه (خيانة لمسئولية العلم والقلم) و (افتراء)، وهي أبعد شيء عن (المنهج العلمي)! وإن كان لا يعلم هذه الأقوال، فلا يحق له أن يتصدى لتحليل (فكر) يجهل أساسياته، على هذا النحو!

    الواقع أني، كلما قرأت مزيدا من (خلاصات) محمد محمود هذه، أزداد يقينا أن عبدالله الفكي لم يكلف نفسه (مشقة) الاطلاع على كتاب محمد محمود، باللغة الإنجليزية، بل اكتفى (باطلاع آخرين) على الكتاب، ورأيهم فيه! وسنرى مثالا ساطعا، على هذا، خصوصا حين نستعرض كلام محمد محمود الذي أورده الفكي (بدون ترجمه) في كتابه الموجه إلى جمهوره من قراء العربية.

    وبمعزل عن القول المباشر أعلاه، فإن محمد محمود لا بد قد اطلع على أقوال (طه) الأخرى المتواترة عن القرآن الذي بين (دفتي المصحف)، من كونه آخر الكتب السماوية المنزلة! وإنه مهيمن على كل الكتب، ليست الكتب السماوية فقط، بل الكتب الأرضية أيضا بما فيها كتاب (راس المال) لكارل ماركس، وهذا قد أوردته في الحلقة الأولى من هذه السلسلة! وسبب ختم الرسالة، عند الأستاذ محمود، هو: (كل ما أرادت السماء أن توحيه إلى الأرض قد استقر بين دفتي المصحف)! وعلى هذا، لم يبق إلا بيان القرآن! وبيان القرآن تكفل به رب العزة، كما وردت الآية أعلاه! وبيان القرآن (سرمدي)، لأن بقاء الله سرمدي! فلماذا (يتقول) محمد محمود بعد كل هذا على الأستاذ محمود إنه يقول يدعو إلى (قرآن شخصي) وبهذا يجعل القرآن (ديمقراطيا)! ما هو الدافع لهذا (التقول)؟؟

    جدير بالذكر أني لاحظت أن أسلوب (بتر النصوص) و (التقول)، بغرض التشويه، أسلوب متكرر في كتاب محمد محمود! وهذا، نفسه، أسلوب معارضي الجمهوريين من غلاة السلفيين، لدرجة أني أحيانا أشك أن محمد محمود ينقل من كتابات معارضي الفكرة الجمهورية، وليس من مصادرها! وإلا، لماذا يرجع محمد محمود، مثلا، نسب الأستاذ محمود إلى الشيخ محمد الهميم، في الخلفية التي قدمها للقاريء، ويخرّج على ذلك (تخريجات)، في حين أن (نسب) الأستاذ متاح على بعد (نقرة زر) منه، على الصفحة الأولى من (موقع الفكرة) الإلكتروني؟؟ أم أن من أسس المنهج العلمي الصارم أن لا يتحقق الدكتور من مسألة يريد أن يبني عليها الكثير الذي بناه؟؟

    بل، لماذا يعمد الدكتور، مثلا، في نهاية الباب الرابع من كتابه، إلى إيراد هذا القول، كخلاصة أنهي بها الباب الرابع:
    (ها هنا، طه يستدعي قمة الصورة الصوفية: الإنسان في حالة سير مستمر ليكون حيا حياة الله، وكاملا كمال الله، وقادرا قدرة الله، ويكون الله.)!!

    فمحمد محمود يبتر النص عند: (ويكون الله.)، واضعا نقطة على السطر، وخاتما (الباب الرابع) من كتابه– (صفحة 131)! علما بأن بتر النص على هذا النحو، هو بالضبط ما فعله حسين محمد زكي أمام محكمة الردة 1968! وقد قال عنه الأستاذ محمود أنه: (ينغمس في مستويات من التشويه، والتضليل، تجلب العار لأقل الرجال احتفالا بأمر الأخلاق)!!

    على كل حال، إن كان محمد محمود قد نقل النص من كتاب (الرسالة الثانية)، فالنص لا ينتهي حيث أنهاه! أما إن كان قد نقل النص من مكان آخر، فكان الأولى أن يضع المرجع الذي نقل منه! فالنص لدى (التحليل) الصحيح، لا يصح إلا بإيراده مكتملا، هكذا:
    (وحين تطلع النفس على سر القدر، وتستيقن أن الله خير محض، تسكن إليه، وترضى به، وتستسلم وتنقاد، فتتحرر عندئذ من الخوف، وتحقق السلام مع نفسها، ومع الأحياء والأشياء، وتنقي خاطرها من الشر، وتعصم لسانها من الهجر، وتقبض يدها عن الفتك، ثم هي لا تلبث أن تحرز وحدة ذاتها، فتصير خيرا محضا، تنشر حلاوة الشمائل في غير تكلف، كما يتضوع الشذا من الزهرة المعطار. ههنا يسجد القلب، وإلى الأبد، بوصيد أول منازل العبودية. فيومئذ لا يكون العبد مسيرا، وإنما هو مخير. ذلك بأن التسيير قد بلغ به منازل التشريف، فأسلمه إلى حرية الاختيار، فهو قد أطاع الله حتى أطاعه الله، معاوضة لفعله.. فيكون حيا حياة الله، وعالما علم الله، ومريدا إرادة الله، وقادرا قدرة الله، ويكون الله.. وليس لله تعالى صورة فيكونها، ولا نهاية فيبلغها، وإنما يصبح حظه من ذلك أن يكون مستمر التكوين، وذلك بتجديد حياة شعوره وحياة فكره، في كل لحظة، تخلقا بقوله تعالى عن نفسه: "كل يوم هو في شأن"، والى ذلك تهدف العبادة)!

    لكن: المؤسف أن تخريجات محمد محمود، لا تقف عند حد! فهو قد قرر، مثلا، في خلاصة أخرى إن (طه) صوفي راديكالي (يطفف من شأن الدين الموروث الذي مركزيته محمد) و (يحول مركزيته إلى تجربته هو الدينية في الوصل مع الله)! هكذا!!

    فلنسمع ما يقوله الدكتور، في سياق حديثه عن أساس (فكر) طه، على صفحة (34) من كتابه:
    (بوصفه مفكرا صوفيا، فإن طه ينتمي إلى المدرسة الصوفية التي يمكن وصفها بأنها "مدرسة راديكالية". والراديكالية هنا يمكن تعريفها في إطار علاقة الصوفي بالدين، فالصوفي الراديكالي يطفف من شأن الدين الموروث (الذي مركزيته محمد)، ويحول مركزيته إلى تجربته هو الدينية الطازجة، والمباشرة، في الاتحاد (الوصل) مع الله)!

    As a mystic and thinker, Taha belonged to the school of Islamic mysticism that may be described as “Radical Sufism”. Radicalism is defined here in terms in the mystic’s relationship to tradition; a radical mystic deemphasizes tradition (at the center of which stands Muhammad) and shifts his emphasis to his own raw and direct experience of having a union (wasl) with the divine.


    إذن، محمد محمود يخبر قراءه _فقط بقصد التعريف بفكر طه طبعا_ أن (طه) يطفف من شأن الدين الموروث الذي مركزيته محمد، ويحول مركزيته إلى تجربته هو الدينية الطازجة والمباشرة في الوصل مع الله!! وللقاريء أن يقارن: هل يجد فيما يقول الدكتور مثيلا فيما يقوله غلاة المعارضين، والمشوهين؟؟ خصوصا أن الدكتور (المحلل) لا يورد أي دليل على ما يقول!!

    حقا، إن المرء ليصيبه الرهق والضجر، جراء متابعة تشويهات وتخريجات الدكتور! فهو، لا يورد قولا للأستاذ في كتابه، أو يعرض جانبا من فكره، أو مواقفه، إلا كانت له خلاصة (ذم) جاهزة، يريد أن يلصقها، دون أي دليل، أو (تحليل)، خلافا لما يعطي (عنوان كتابه)! فهو، مثلا، ينقل على صفحة (69) من كتابه، للقاريء، صورة مغلوطة تماما، عن التقليد والأصالة، مع العديد من التخريجات التي ينسبها إلى (طه)، حيث يقول الدكتور ما يلي:
    (في هذا المستوى من الحرية المطلقة فإن تقليد محمد، وهو بشر، يفسح الطريق إلى تقليد الله، "المطلق". وفي هذا المستوى لا يكون المسلم خاضعا للنظم والقوانين، ولا لطقوس العبادة التي تنص عليها المؤسسة الدينية، ولكنه يكون في حالة تسليم وجودي لله، حيث يغمر الله كل وجوده، ويشع الله من كل فكرة وتصرف للشخص. وكما لم يكن لجبريل مكان في "حضرة محمد العليا" مع الله، لا يكون لمحمد مكان في حضرة السالك العليا مع الله. فهذه حضرة وحدة حيث يلقى السالك الله _ وهي حالة عبر عنها الحلاج شعرا كما يلي:
    أنا من أهوى، ومن أهوى أنا
    نحن روحان حللنا بدنا،
    فإذا أبصرتني أبصرته،
    وإذا أبصرته أبصرتنا!
    وعلى هذا، فإن نظرية طه عن الصلاة، تقدم حلا متطرفا للمشكلة الصوفية المتعلقة بوساطة النبي. وبالرغم من أن الصوفيين لا يشيرون أبدا إلى محمد على اعتباره "مشكلة" إلا أنه من المؤكد أن واقع أن محمد هو "الواسطة" بين البشر والله يمثل مشكلة كبرى تتحدى المنطق الداخلي للتجربة الصوفية. ذلك أن المنطق الداخلي لهذه التجربة يفترض مسبقا إمكانية، بل ضرورة، لقاء الله مباشرة، وبالتالي لا يكون في نهاية المطاف أي مكان لأي واسطة بشرية. والنقطة الفاصلة عند طه تتمثل في ادعائه أن هذه اللحظة من الوحدة الغيبية تمثل أيضا نهاية مرحلة المحدودية لدى السالك. ذلك أن السالك عبر "لقائه" الله يكون قد ارتقى إلى النضج الروحي الذي يحرره من قالب تقليد النموذج النبوي. وينتج عن عروجه إلى ربه أن يكون في حالة صلة مباشرة ومستديمة مع الله).

    It is on this level of absolute freedom that the imitation of Muhammad, a human being, gives way to the imitation of God, the absolute. It is on this level that one is Muslim not in the sense of a “submission” to a body of laws, and rituals dictated by an organized religion but in the deeper sense of an existential submission to God where He permeates one’s existence and radiates from one’s every thought and act. Just as Gabriel had no place in Muhammad’s “higher presence” with God, Muhammad has no place in the seeker’s higher presence with God. This is a presence of unity where the seeker identifies himself with God – a state that has been articulated by al-Hallaj lines,
    I have become the One I love, and the one I love
    Has become me!
    We are two spirits infused in a (single) body.
    And to see me is to see Him,
    And to see Him is to see us.
    Taha’s theory of prayer thus offers a radical solution to the mystic’s problem as regards prophetic mediation. Although Sufis never refer to Muhammad as a “problem”, surely that fact that Muhammad acts as a mediator between humans and God constitutes a major problem as far as the inner logic of Sufi experience is concerned. Since this inner logic presupposes the possibility and indeed the necessity of experiencing God directly, then ultimately there is no place for the mediation of any human agency. Taha’s crucial break lies in his claim that this moment of mystical union also marks the final of the seeker’s state of limitation. Having “met” God, the seeker has realized an elevated degree of spiritual maturity that frees him from the imitative mould of prophetic mediation. His ascension to God results in a state of a state of direct and constant communion with Him.


    المؤسف أن تقولات محمد محمود تبدو مستفزة، ومتعمدة، بشكل سافر، للتنفير عن (طه)، و (فكره)! وهو يعمد إلى إسقاط (رؤاه) و (مشكلاته) الخاصة على (طه)! مثلا، في النص أعلاه، يلبس الأستاذ لبوس الحلاج، متجاهلا تماما كلام الأستاذ عن أن الحلاج (فاني) أي: (مجذوب)، يُسلّم له بحاله، ولا يؤخذ عنه! كما أن الدكتور يسقط أيضا تفريق الأستاذ بين طبيعة تخلف جبريل عن النبي عند سدرة المنتهى، وتخلف النبي عن السالك، عندها! فالأستاذ يقول إن جبريل تخلف لنقص استعداده، حيث لا طاقة له بأنوار الذات، والنبي يتخلف لكمال علمه، وتمام تبليغه! ولكن كل هذا الكلام لا يجدي مع الدكتور، فهو يعلمه، و (فايت قعر أضانو) كما يقولوا، ولكنه، لغرض ما، يريد أن يلصق خلاصاته (الجاهزة) ويسقط (رؤاه) الخاصة على (طه) و (فكره)، وكفى! ومن ضمن (رؤاه) الخاصة التي أسقطها على (طه)، في (نصه) أعلاه، رأيه هو الشخصي في النبي الكريم، عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، حيث يقول:
    (وعلى هذا، فإن نظرية طه عن الصلاة، تقدم حلا متطرفا للمشكلة الصوفية المتعلقة بوساطة النبي. وبالرغم من أن الصوفيين لا يشيرون أبدا إلى محمد على اعتباره "مشكلة"، إلا أنه من المؤكد أن واقع أن محمد هو "الواسطة" بين البشر والله يمثل "مشكلة كبرى" تتحدى المنطق الداخلي للتجربة الصوفية)!!

    واضحٌ أن النبي، عليه السلام، يمثل (مشكلة) بالنسبة للدكتور!! وهذا أمر معروف، ومفهوم، خصوصا لمن يعرف طبائع النفوس، وجبلاّتها! فبعض النفوس تنظر لنفسها على أساس أنها (الكل في الكل)، ولذلك: لا تستسيغ ولا تطيق إدراك حقيقة أن هناك من هو (خير منها)! ومن ثمّ، تلجأ، إلى بخس الآخرين أشياءهم، والانتقاص من قدرهم، تحت مختلف المبررات، على قاعدة: أرأيتَك هذا الذي كرّمتَ عليّ؟!

    ولكن: يقينا، أن الدكتور لو أنفق بقية عمره ينقّب في كتابات (طه)، فلن يجد فيها غير التقديس والتوقير للنبي الكريم، وللقرآن!! فالأستاذ محمود يقول تحديدا إننا نبدأ من حيث انتهى سلفنا: من (توقير) و (تقديس) و (احترام) للنبي الكريم، عليه السلام! ومن (تقديس) و (توقير) للقرآن العظيم! بل الأستاذ محمود يقول: (إن من لا يفهم القرآن، ولا يجد في نفسه تقديسه إلى أعلى درجات التقديس، إنما هو محروم، ومطرود من الحضرة الإلهية)!

    وعن النبي الكريم، يقول الأستاذ محمود إنه هو (القدوة الحسنة)، في (التقليد)، وفي (الأصالة)، غير أنه ليس في الأصالة تقليد، بل (تأسٍّ)! فلنسمع عن النبي الكريم، عن الأستاذ محمود مباشرة، دون وسطاء أو محلّلين (مغرضين):
    (إن المعصوم، حين قال: "صلوا كما رأيتموني أصلي"، كأنما قال بلسان العبارة: "قلدوني في صلاتي بإتقان، وبتجويد، حتى يفضي بكم تقليدي إلى أن تكونوا أصلاء مثلي"، أو كأنه قال: "قلدوني بإتقان، وبتجويد وبوعي تام، حتى تبلغوا أن تقلدوني في أصالتي"! غير أنه ليس في الأصالة تقليد.. ولكن فيها تأسٍّ: "لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة"! "أسوة" قدوة في كمال حاله)!!

    ولهذا، الأستاذ محمود يرفع النبي، عليه السلام، نموذجا للعالم أجمع، حيث يقول عنه:
    (ولقد جسد الرسول القرآن فعاشه في جميع حركاته، وسكناته‏.‏‏. فتحرر من المخاوف التي يسوقها عقل المعاش، فكان لا يخاف الرزق، من أين يجيء، وكان ينفق ما يزيد عن حاجته الحاضرة، وكان يأخذ من الدنيا زاد الراكب، وزهد في كل شيء عدا الله، فتحرر من حب الادّخار، وحب السلطة، وحب التعالي على الناس، ومن استرقاق العناصر إياه، فأخلص عبوديته لله: "قل إن صلاتي، ونسكي، ومحياي، ومماتي، لله رب العالمين* لا شريك له‏.‏‏. وبذلك أمرتُ، وأنا أولُ المسلمين".. هكذا كان.. ونحن نرفع نموذجه للناس ليهذبوا عقول معاشهم، ويفضوا إلى عقول معادهم على نحوٍ مما فعل)!!

    إن محمد محمود لا شك يعلم قول الأستاذ محمود المثبت أعلاه، وكثير غيره، لكنه يسعى (عن غرض)لإلصاق خلاصاته وإسقاطاته "الجاهزة"، على أقوال الأستاذ، أو بدعوى تلخيصها، بدعوى تقديم (فكر طه) لمن لا يملكون معرفة (مسبقة) به! خصوصا أن الدكتور يخاطب قراء لا يعرفون العربية، وهناك عشم كبير أن يصدقوا من يحدثهم بإنجليزية (رصينة)، وبنبرة العالم الخبير، عن (فكر طه)، معددا المراجع بعد كل مقتطف في (منهج علمي صارم)! ثم إن معظم هؤلاء القراء قد لا يشكون أن هناك شخص يحمل لقبا علميا رفيعا، ويتبوأ منصبا أكاديميا مرموقا في شعبة (الدين المقارن) بجامعة عالمية مشهورة_ يمكن أن يتجشم عناء تأليف كتاب من أكثر من 400 صفحة، لمجرد أن ينسب إلى شخص آخر غير ما يقول!

    أعتقد أنه قد بات واضحا الآن أن محمد محمود يتعمد تشويه أحاديث وأقوال الأستاذ محمود، لغرض ما! فهو يقول، كما ورد أعلاه، إن (طه) يقول إن السالك، عندما يحقق أصالته يكون في مستوى واحد مع النبي، من الله!! ولم يورد أي نص على هذا! ثم إن تقوله هذا لا يسنده المنطق (السليم) حتى!! فبأي منطق يكون شخص يحقق أصالته الآن في مستوى واحد مع من حقق أصالته قبل أكثر من 1400 عام؟؟

    على كل حال، ولقطع حبل (التقولات)، الأستاذ محمود يقول إن (النبي، عليه السلام، هو راس سهم تطور البشرية جميعا في ترقيها نحو الله)! ويقول إنه (إذا تصورنا الوجود كله كسهم دال على الله، فإن راس هذا السهم هذا هو النبي الكريم، عليه السلام)! ويقول أيضا إن الوجود كله منظوم في شكل هرمي (وليس في مستوى واحد) قمته الذات المحمدية، على قاعدة (وفوق كل ذي علم عليم)! كل هذا متوفر (خطا وسمعا) في (فكر طه) الذي يدعي محمد محمود أن كتابه (تحليل) له!!

    أنا هنا، واحتراما لعقل القاريء، لا أجد، مقابل (تقولات) محمد محمود هذه عن الأستاذ محمود فيما يخص (القرآن) و (النبي الكريم)، خيارا أفضل، من إثبات بعض أقوال الأستاذ محمود هنا، عن النبي الكريم، عليه السلام، وعن القرآن، وعن طبيعة الفكرة الجمهورية (باعتبارها دعوة لإحياء "السنة النبوية" التي هي "السنة الإلهية")، من أجل أن يحكم القاريء لنفسه، بنفسه، على كتاب محمد محمود! فإلى الأقوال:
    1- (أمران مقترنان، ليس وراءهما مبتغى لمبتغٍ، وليس دونهما بلاغ لطالب: القرآن، وحياة محمد.. أما القرآن فهو مفتاح الخلود.. وأما حياة محمد فهي مفتاح القرآن.. فمن قلد محمداً، تقليداً واعياً، فهم مغاليق القرآن.. ومن فهم مغاليق القرآن حرر عقله، وقلبه، من أسر الأوهام.. ومن كان حر العقل، والقلب، دخل الخلود من أبوابه السبعة)!

    2- (النبي هو الوسيلة الوحيدة الما في غيرها وسيلة.. لا قبلها ولا بعدها.. هو وحده المرشّح في لا إله إلا الله محمد رسول الله.. ما رُشِّح قبْلُه.. ولا يُرشّح بعدُه مخلُوق، لمقام الوسيلة الموسّلة، والمنقرن بالشهادة الجايي بيها الدخول في الملة).

    3- (النبي وسيلةُ خيرَ الدُّنْيا، والآخرة.. ما في خير دخل، أو يدخل الوجود، منذُ بدء الخليقة، إلا ومحمّد وسيلته)!!

    4- (يؤخذ من دقائق حقائق الدين أن نبينا رسول الأمتين: الأمة المؤمنة _الأصحاب.. والأمة المسلمة _الأخوان.. وأنه بذلك صاحب رسالتين: الرسالة الأولى محمدية، والرسالة الثانية أحمدية.. أو قل الرسالة الأولى الشريعة التي فصلها للأمة، والرسالة الثانية السنة التي أجملها، ولم يفصلها إلا في معنى ما مارسها، وعاشها دما ولحما)..

    5- (الإنسان الكامل يوجد في الروح.. وهو سيدنا محمد.. بعدين لمن نزل في الجسد هو آدم.. أول تنزل ليهو في الجسد، الكمال، في آدم.. والكمال الحقيقي ليهو في الروح هو سيدنا محمد.. الإنسان الكامل تنزل عن الله.. وهو أول قابل لتجليات الذات الإلهية.. ولذلك هو مظهرها الأعظم)!

    6- (نبينا كان يعيش الديمقراطية في قمتها، أعلى من قمة ما يُعرف عن قمة الديمقراطية.. لأنه تربيته هو في العبادة ليكون عبد تخليهو لا يستعلي علي الناس، ولا يستطيل، ولا يزهو بالسلطان.. حتى هو كان يقول: إنما أنا عبد، آكل كما يأكل العبد، وأجلس كما يجلس العبد.. ويقولوا أنه كان يجلس حيث ينتهي بيهو المجلس.. يعني لو جاء هسّع لمجلسنا دا، ما بيجي للصدارة هنا.. بيجلس حيث ينتهي بيهو المجلس.. ويقولوا مثلا، في سفرة معيّنة، ذبحوا شاة.. فالأصحاب قسموا الأمر بيناتن: واحد قال أنا أذبح، والتاني قال أنا بسلخ، والتاني قال بكسر اللحم، والتالت قال بطبخ، والرابع قال بجيب الموية، والخامس قال بجيب الحطب.. هو قال ليهن: أنا أجيب الحطب، معاهو.. قالوا ليهو: إنا نكفيكه يا رسول الله!! قال: علمت أنكم تكفونيه، ولكني كرهتُ أن أتميز عليكم.. ويقال أنه جاهو مرة رجل في مجلسه، بعدين أخدته الهيبة!! لجْلج، ما قدر يبيّن، خاف!! قال ليه: هون عليك!! فإني لست ملكا! وإنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد!! أنا أمي كانت بتأكل ملاح الشرموط، إنت خايف ليه؟؟ ما أفتكر في واحد بالصورة دي، يمكن أن لا يؤتمن على حريات الآخرين، في مستوى الوصاية القبيل!! قمة كبيرة جدا!! في عبادته: الديمقراطية أصلها في العبادة! إنت عايز تكون عبد، ما يكون ليك على خلق الله سلطان!! كأنه كدا الاتجاه! ومن هنا تجي الحاجة المأثورة عنه: إنه ما سئل شيء قط، قال: لا، لا!! يُسأل ثوبه، ينزعُه!! لأنه كأنما بيرى أنه: هل هو بملك عين الثوب، ولاّ بملك الارتفاق بالتوب!! إذا كان بملك الارتفاق بالثوب، كأنما الأرسل ليهو دا، عايز يمتحنه!! قد يكون هو محتاج ليرتفق بالتوب دا أكتر منه!! فكان لا يُسأل شيء، يقول لا!! دا من التربية في العبودية!! لئلا يكون ليك ملكية على عين الأشياء!! لأنه عين الأشياء مملوكة لي الله!! فإن إنت نازعته فيها الملكية نقصت العبودية!! التربية دي تسوق إلى قمة في الديمقراطية، لا تكاد يتصورها الإنسان بي خياله!!.. وحياة نبينا زي ما كانت نموذج في الديمقراطية لا يرى، يغيب عن الخيال، كذلك في الاشتراكية، نموذج يغيب عن الخيال)!!

    7- (الفكرة الجمهورية هي منهاج السنة النبوية.. وحديثنا كله عن إبراز السنة النبوية في العادات والعبادات والمعاملات! ومما قيل في السنة، أنها هي (سنة الله).. السنة النبوية هي سنة الله!! السنة النبوية هي سنة الله!! ودا بالضبط المعنى اللي يقول فيهو النبي: (أدبني ربي فأحسن تأديبي)! يعني (طبعني على صفاته)! دا معنى (أدبني)! (أدبني) يعني هذبني، وعلمني، ورقاني! (أدبني ربي فأحسن تأديبي)! ودا المعنى اللي قالته السيدة عائشة أنه (كانت أخلاقه القرآن)! والقرآن هو أخلاق الله! ثم هو المعنى اللي يقول عنه: (وما ينطق عن الهوى* إن هو إلا وحي يوحى)! فأصبحت القولة بأنه السنة هي سنة الله، دا الكلام الجيد جدا! ثم تمثلت في الدم واللحم، في منهاج سير النبي للمقام المحمود، أو مقام الوسيلة، اللي كان فيهو في مضمار الروح عندما كانت الحقيقة المحمدية أول قابل لتجليات الذات الإلهية عليها! محمد في مكة ساير بمنهاج الصعود إلى مقامه في الوسيلة اللي هي أول قابل لتجليات الذات. أها، دي السنة الإلهية! ترجمها النبي في معيشة: في عبادته، وفي عادته، وفي معاملته للآخرين! الفكرة الجمهورية هي دي!)!!

    المدهش أن تقولات محمد محمود، في سبيل تحليل (اقرأ: "تشويه") فكر طه، لا تقف عند حد محاولة إلباس (طه) لبوس الحلاج، بل هو يذهب أبعد من هذا، ليتقول على السيدة العارفة رابعة العدوية، ليضمها (كسلف) لطه! ولمَ لا يفعل؟ فهو لا بدّ أن يجد سوابق عند الصوفية لما أسماه مذهب (طه) في (تهميش النبي) و (إبعاده عن مركزية الدين)!! فعلى صفحة (35) من كتابه (وفي سياق حديثه عن مذهب طه في (تهميش النبي)، يقول محمد محمود عن السيدة رابعة العدوية ما يلي:
    (رابعة تمثل أذكى تعبير عن المذهب الصوفي في "المحبة الإلهية الصرفة" (علم المحبة)، ومما ينقل عن رابعة قولها أنها لا تعبد الله خوفا من ناره ولا طمعا في جنته، ولكن لجمال وجهه الكريم. علما بأن موقف رابعة من النبي يلخصه قولها الذي تقول فيه إنها مستغرقة في محبة الله على نحو لا يجعل لديها مكانا لحب أي أحد غيره)!

    Rabi’a provided the sharpest expression of the mystical doctrine of “pure divine love” “ilm al mahabba” Rabia reportedly said that she did not worship God from fear of hell or in hope of paradise but only for His own sake and for His eternal beauty. Her attitude toward the Prophet was summed up in a statement according to which she said that she was so possessed with the love of God that she had no room for loving Except Him.


    ولكن: هل للسيدة رابعة موقف كهذا من النبي الكريم عليه السلام، وهل حقا قالت إنها مستغرقة في حب الله، لدرجة إنه لا يوجد مكان في قلبها لحب النبي!؟ قطعا، لا!! هي لم تقل ذلك!! ولكن: لا يهم، عند الدكتور، أن تكون رابعة قد قالت ذلك، أم لم تقله!! بل الأهم، عنده، هو الإساءة إلى (طه)، وما رابعة، إلا مجرد وسيلة عنده، لهذه الإساءة!! لذلك: بعد أن قضى الدكتور غرضه، لجأ مباشرة إلى (تكذيب نفسه)، وتحديد (المهم) و (الأهم) عنده، حيث قال:
    (وليس مهما أن تكون هذه الأقوال صدرت فعلا عن رابعة، أم لا. بل الأهم هو أن هذه الأقوال تعبر عن منظور صوفي، لا بد أن يكون موقفه من النبي، قد وجد صدى وهوى لدى بعض المسلمين في مجتمع القرن الثاني الهجري وما بعده)!

    Whether such statements were actually made by her is not important; what is significant is that they expressed a mystical perspective whose attitudes must have struck a responsive chord among some Muslims of the Second Muslim century and afterward.

    بأي منطق يعطي محمد محمود لنفسه الحق في أن ينسب لرابعة العدوية أقوالا لم تقلها، ويبني عليها حكما جائرا كهذا؟؟ ثم بعد أن يفعل ذلك، يقول: (ليس مهمّا أن تكون هذه الأقوال صدرت فعلا عن رابعة، أم لا)؟؟ وبأي معيار (بحثي) حكم عبدالله الفكي أن محمد محمود التزم (منهجا علميا صارما)، في إعداد كتابه؟؟

    ختاما: لا يسعني إلا أن أقول إنني أجد فيما يقوم به د. محمد محمود مصداقا لقول الأستاذ محمود: (الأعلام والأقلام، الآن، عند غير أهلها)!

    أواصل في الحلقة القادمة، بعون الله..

    إبراهيم عبدالنبي


                  

العنوان الكاتب Date
الأستاذ محمود: بين "إنصاف" عبدالله الفكي و "تحامل" محمد محمود. بقلم إبراهيم عبد النبي Yasir Elsharif02-21-15, 12:35 PM
  Re: الأستاذ محمود: بين andquot;إنصافandquot; عبدالله الفكي و andquot;تحاملandquot; محمد Yasir Elsharif03-01-15, 07:39 AM
    Re: الأستاذ محمود: بين andquot;إنصافandquot; عبدالله Yasir Elsharif03-12-15, 06:28 PM
      Re: الأستاذ محمود: بين andquot;إنصافandquot; عبدالله النذير حجازي03-13-15, 09:43 PM
        Re: الأستاذ محمود: بين andquot;إنصافandquot; عبدالله Yasir Elsharif03-27-15, 08:33 PM
          Re: الأستاذ محمود: بين andquot;إنصافandquot; عبدالله Yasir Elsharif04-11-15, 03:03 PM
            Re: الأستاذ محمود: بين andquot;إنصافandquot; عبدالله Yasir Elsharif04-26-15, 01:06 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de