|
Re: الدين و الحضارة في السودان القديم (Re: سعد مدني)
|
شغلت فكر الانسان السوداني القديم قضيه تفسير وجوده ووجود العالم المادي الذي يحيط به من سماء و ارض و ماء وكذلك وجود المخلوقات الحية التي تعيش معه في بيئته من نبات و حيوان. و كما هو معروف كان هذا هو الفكر الذي شغل الانسان الاول بشكل عام في هذا العالم. و تولدت وتراكمت عبر مئات السنين كذلك الاسئلة عن كنه الظواهر الطبيعية التي احاطت به من رياح و امطار و فيضان للنيل وظهور وغروب الشمس والقمر. و كذلك الاسئلة الوجودية مثل لماذا يمرض الناس و لماذا يولدوا و يموتوا. و لنتخيل الانسان السوداني القديم، قبل الآف السنوات قبل الميلاد، و هو في حياته اليومية قرب مجرى نهر النيل، محاطاً بكل هذه الاسئلة اليومية عن العالم المحيط به من ظواهر طبيعية و تجلياتها و تاثيره على حياته و مماته و مصيره بعد الموت. أذن من مجموع هذه الاسئلة وغموضها و صعوبة الاجابة عليها في تلك الازمان، طفا الى عقله ان هناك قوى أخرى لديها الاجابات، و انها المسؤولة عن ما اتلبس عليه فهمه من ظواهر الحياة و الطبيعة فتولدت الالهة لدى عقل الانسان السوداني..عجزه و ضعفه اوحى اليه بأن قدرة اخري تتحكم في حياته و مصيره و في تسيير الطبيعة من حوله فخلق الالهة.
عندما صنع الانسان السوداني القديم الالهة، اعطى لكل منها وظيفة تقوم بها. فمن الاسئلة القديمة تولدت الالهة، الذي يحرك الرياح اله و الذي ينزل الامطار إله و الذي يعطى المراة خصوبتها إله و الذي يجعل الارض تنبت الزرع اله، و هكذا تم وضع اله لكل استفهام عن الحياة و الطبيعة، وتم ربط الكثير من الالهة بالظواهر الطبيعية التي تحيط به مثل فيضان النيل و الموت و المرض و الرياح و شروق الشمس و الولادة و ظهور و اختفاء القمر. هذه القوى الماورائية و التى تؤثر بشكل او آخر على حياته و على معاشه و مصير وجوده و التي تفسر ايضاً لماذا تشرق الشمس و من اين ياتي القمر و لماذا يتغير شكله يوميا خلال اربعة عشر يوما ثم يختفي تماما ليعود و يظهر بعد اربعة عش يوماً مرة اخرى، و ما هو كنه هذا الصوت العالي (الرعد) الذي ياتي مع الامطار و ما هو البرق و من يحرك الرياح العاتية والتي في بعض الاحيان تقلتلع الاشجار من جذورها. فآمون هوالاله الخفي رب جميع الالهة حيث تستمد منه بقية الالهة قوتها الالهية وهو إله الشمس والريح والخصوبة؛ وأوزيريس إله البعث والحساب وهو رئيس محكمة الموتى في اليوم الاخر و ابادماك اله الحرب و الشفاء وهو من اقوى المقاتلين على وجه الارض و ايزيس هي إلالهة الخصوبة، خصوبة الارض و النساء، و إلالهة القمر و حورس اله العدل و الانصاف و الخير و من هذه الالهة و غيرها تولدت ايضاُ الكثير من الالهة الأخري و اصبحت تشترك مع الاباء في الكثير من المهمام الالهية مثل الخصوبة والعدل و الاشراق و الموت و فيضان النيل و الرياح وغيرها من المهام. تخيل الانسان السوداني القديم ان وراء كل هذه الظواهر كائنات غير مرئية تتحكم فيها، و لها القدرة كذلك في التأثير على على حياته و مماته و ومن ثم برزت الى الوجود اسئلة أخري، غير تلك المتعلقة بالعالم حوله و كيفية نشوءه و انهياره و مظاهره الطبيعية و تقلبات احوال حياته اليومية، تلك الاسئلة المتعلقة بكيفية ارضاء هذه القوى الماورائية وتجنب شرورها ؟ ارضاءها يجلب السعادة للفرد و الخصوبة للنساء و للارض و تجنب شرورها مثل المرض و الموت و الرياح العاتية التي تقتلع البيوت وتدمر المزارع. و من هنا نشأت طبقات رجال الدين او الكهنة في الديانات السودانية القديمة، وهم الذين كان لهم قدرة التواصل الروحي مع هذه القوى الخفية ومن ثم باستطاعهم الاجابة على الكثير من الاسئلة الوجودية التي تدور باذهان الناس. و من الكهنة تولدت التشريعات الدينية التي توصي بكيفية ارضاء هذه الالهة، عن طريق الطقوس الدينية و الكلمات المقدسة، و الافعال و الاقوال التي تبعد عن الناس غضبهم و ترضي عظمتهم. الطقوس كانت عبارة عن كلمات و حركات جسمانية وممارسات يدوية او استخدام أشياء رمزية تصطبغ بالفعل المقدس مثل اطلاق البخور استخدام عصا بها رمز ديني ما. تمارس الطقوس بشكل معين تم التعارف عليه، وتطور مع مرور الوقت، وذلك حتى تقرب صاحبها الى هذه القوى الماورائية التي اعتنقها سكان السودان القديم. و من أجل عبادة هذه الالهة ظهرت فكرة المعابد الدينية في التاريخ، حيث نصبت في مروى القديمة و كرمة و البركل و طيبة، و أصبح هذه المعابد تحت ادارة وحراسة الكهنة، وعن طريقهم تتم معرفة الطقوس الصحيحة للتقرب لهذه الالهة، و ايضاً للتوسط لديها للرحمة و الغفران. و أكتسب الكهنة مهاماً أخرى غير الدينية، حيث استطاعوا في بعض الاوقات الاضطلاع بمهام سياسية، و تم اضفاء القدسية على معظم ملوك وملكات السودان القديم، باعتبارهم ابناء و بنات الالهة، كما صارت الحروب يحرسها و يقود النصر فيها بعض الالهة مثل الاله ابادماك المجسد بتمثال بشري به راس اسد، حيث كان يخوض الحروب مع الجنود السودانيين و يتراءى لهم بجانبهم يقود المعركة ضد الاعداء وينكل بهم و يسحقهم و يحفزهم على الانتصار.
قسمت الاديان السودانية القديمة العالم الى عالم علوى و عالم سفلي، و ارتبط النور بالكائنات العلوية كما ارتبط الظلام بالعوالم السفلية. العالم العلوي هو الذي لا يستطيع الوصول اليه و لكن يمكن النظر الى بعض مظاهره مثل السماء و بعض الكواكب البعيدة التي تظهر و تختفى مثل الزهرة و الشمس و القمر والسحب و كذلك بعض تجلياته مثل ضوء الشمس و القمر و الامطار و البرق و الرعد والرياح. كل مكان عالي هو مكان الاله، السماء و قمم الجبال، و في بعض الاحيان عبد الانسان السوداني القديم الشمس و القمر لذاتهم و غموضهم او كتجليات لالهة اخرى. العالم السفلي، هو عالم الموت و الظلام، فمن خلال دفن جثث الموتي و تعفنها و تحللها، و غياب الروح فيها...نشأت الافكار حول هذا العالم السفلي و ارتبط فيما بعد باثارة مشكلة الموت ولماذا يموت الفرد، ومن يميتهم، من الذي يحلل اجسادهم في التراب، و اين تذهب ارواحهم و ما هو مصيرها، و هل هنالك حياة أخرى للانسان. تمت الاجابة على هذه الاسئلة ايضاً، عندما تم خلق الالهة، و تكوين طبقة الكهنة، حيث تكونت الاديان و تطورت. و نشأ الاعتقاد بحياة اخرى في تلك الفترة، فلقد كان السودانيون القدماء هم اقدم الشعوب على وجه الارض الذين آمنوا بالحياة الأخرى بعد الموت، و اقاموا المدافن العملاقة ( الاهرامات) في المناطق التي تقع شمال الخرطوم و حتى جنوب مصر الحديثة، حيث كان يعتقد بأن رفات الموتي تبعث من جديد لتعيش حياة أخرى.
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
الدين و الحضارة في السودان القديم | سعد مدني | 01-30-15, 10:43 AM |
Re: الدين و الحضارة في السودان القديم | سعد مدني | 01-30-15, 10:46 AM |
Re: الدين و الحضارة في السودان القديم | سعد مدني | 01-31-15, 12:38 PM |
Re: الدين و الحضارة في السودان القديم | سعد مدني | 02-01-15, 03:20 PM |
Re: الدين و الحضارة في السودان القديم | سعد مدني | 02-01-15, 05:22 PM |
Re: الدين و الحضارة في السودان القديم | Nasr | 02-01-15, 06:55 PM |
Re: الدين و الحضارة في السودان القديم | سعد مدني | 02-01-15, 07:21 PM |
Re: الدين و الحضارة في السودان القديم | سعد مدني | 02-05-15, 00:27 AM |
Re: الدين و الحضارة في السودان القديم | علي عبدالوهاب عثمان | 02-05-15, 08:55 AM |
Re: الدين و الحضارة في السودان القديم | سعد مدني | 02-05-15, 11:37 AM |
Re: الدين و الحضارة في السودان القديم | سعد مدني | 02-05-15, 12:13 PM |
Re: الدين و الحضارة في السودان القديم | سعد مدني | 02-05-15, 08:10 PM |
Re: الدين و الحضارة في السودان القديم | سعد مدني | 02-07-15, 02:48 PM |
Re: الدين و الحضارة في السودان القديم | علي عبدالوهاب عثمان | 02-08-15, 08:41 AM |
Re: الدين و الحضارة في السودان القديم | سعد مدني | 02-08-15, 06:26 PM |
Re: الدين و الحضارة في السودان القديم | سعد مدني | 02-12-15, 09:39 PM |
|
|
|