بذرةُ النّار.. (خطاب كراهية) ضد حمور زيادة - مأمون التلب

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 06-22-2024, 04:48 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف للعام 2015م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
12-31-2014, 11:55 AM

ود الخليفه
<aود الخليفه
تاريخ التسجيل: 07-21-2002
مجموع المشاركات: 3178

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بذرةُ النّار.. (خطاب كراهية) ضد حمور زيادة - مأمون التلب (Re: بله محمد الفاضل)

    مع الروائية ليلى أبو العلا: تفتيش أمني في حارة المغني .. بقلم: مصطفى عبد العزيز البطل
    الخميس, 25 كانون1/ديسمبر 2014 19:50
    غربا باتجاه الشرق
    mailto:[email protected]@msn.com

    (1)

    انتابني شئ من الأسى الممزوج ببعض القلق وأنا اتابع بحرص واهتمام بالغين أنباء وتداعيات الضجة التي ثارت مؤخراً حول وزيرة الثقافة الفرنسية مدام فلور بيليران. مشاعر الأسى انصرفت الى الوزيرة إذ أحسست تجاهها بكثير من التعاطف في مواجهة موجة الانتقادات القاسية التي غمرتها من حيث لم تحتسب.
    وكانت المحافل الثقافية الاوربية قد اضطربت واصطخبت بعد ان روّعتها تصريحات الوزيرة القائمة على أمر الثقافة في فرنسا، والتي أدلت بها من خلال حوار تلفازي مع قناة كانال بلوس الفرنسية، حيث قالت الوزيرة – ويا للهول - أنها لم تقرأ رواية واحدة على مدار العامين الماضيين. ثم اعترفت بعد ملاحقة من المذيعة – وذلك هو الأنكى - بأنها لم تقرأ اى كتاب للأديب الفرنسي باتريك موديانو الذي حاز على جائزة نوبل للآداب لعام 2014، وقبلها على جائزتي الاكاديمية الفرنسية وغونكور الرفيعتين.
    وقد احدثت اعترافات الوزيرة صدمة هائلة، استحالت الى هرج ومرج بين منسوبي قبيلة بني ثقيف في فرنسا، موطن موليير وسارتر. والفرنسيس يقدسون الثقافة ويزهون بتفوقهم في مضاميرها. وتُعد القراءة في عقيدتهم عنصراً راكزاً من عناصر تكوين الشخصية. وتعتبر فرنسا نفسها رائدة في انتاج واستهلاك الكلمة المقروءة.
    وكذلك كان الأمر في غير فرنسا من بلدان المجموعة الاوربية، التي رأت قطاعات مقدرة من الرأى العام فيها ان الوزيرة ربما لم يكن لديها محصول كاف وسعة ثقافية حقيقية تؤهلها لتولى المنصب.

    (2)
    هذا عن إحساس الأسى تجاه الوزيرة. اما مشاعر الانزعاج والقلق فقد كانا من نصيبي أنا شخصياً في مبتدأ الأمر. إذ اخذت، وعلى عجل، أقلب الأضابير في عقل بالي محاولاً تذكر أية أسماء لروايات قرأتها، ومواقيت قراءتها، خلال الاشهر الاثني عشر الذاهبة.
    ولكن القلق زال بأمر الله، بعد ان استوثقت من انني قرأت خلال هذا العام رواية بعنوان (احدى عشر دقيقة) لروائي وقاص برازيلي اعتقد ان اسمه باولو كويلو. كانت رواية كويلو هذه تتوهط ورق كتاب حقيقي ذي غلاف أمامي وغلاف خلفي. غير أنني تذكرت انني عبرت أيضاً من فوق نسخ اسفيرية مقرصنة لروايات اخرى، لا داعى لذكر عناوينها لأسباب قانونية.
    إذن انا موقفي سليم والحمد لله. صحيح أنني لست وزيراً للثقافة، مثل مدام فلور بيلوران. وصحيح أيضاً انني شديد الحرص على المرور الآمن من تحت جميع الرادارات، فلا ادلى بأية أحاديث او تصريحات (الا في مجتمعات الواتساب المغلقة)، وبالتالي فلن يلومني أحد اذا عرف أنني لا اقرأ الروايات. ولكن، ومع ذلك كله، فإن الاحتياط واجب!
    ومن قاعدة ذلك الحرص، وبغية تعزيز موقفي الثقافي تحسباً لأى تفتيش فجائي، فقد قررت ان اضيف رواية اخرى لقراءاتي هذا العام. وهكذا وجدت نفسي مستغرقاً في مطالعة نسخة مترجمة من رواية طار بذكرها الركبان للروائية السودانية الاستاذة ليلي أبو العلا، تحمل عنوان (حارة المغني).
    ليلى مؤلفة روائية وكاتبة مسرحية، اعتمدتها وباركتها الدوائر العالمية والاقليمية التي تعتمد وتبارك. تقول في مورد التعريف الشخصي بها الموسوعة الدولية، ويكيبيديا، أنها (ابنة لأول عالمة ديموغرافيا في السودان). حصلت على جائزة كين العالمية للأدب الافريقي عن قصة لها بالانجليزية حملت اسم (المتحف). ورُشحت روايتها (المئذنة) لجائزتي اورانج وايمباك للرواية الطويلة. كما شقً اسمها طريقاً له الى قائمة التصفيات النهائية لجائزة الكومونويلث. ولا غرو ان ادرجت بعض رواياتها في قائمة أبرز مائة كتاب في تصنيف نيويورك تايمز، وما ادراك ما تصنيف نيويورك تايمز. ليلى اذن مبدعة ذات شنين ورنين في مضمار صناعة الحرف.

    (3)
    صدرت هذه الرواية أول أمرها باللغة الانجليزية عام 2010 تحت مسمى ((Lyrics Alley. ولم يتركها حبيبنا العالم الفذ البروفيسور بدر الدين حامد الهاشمي لحال سبيلها، فنهض اليها، وأمسك بها من فوديها، ولم يفك أسرها الا ريثما أتاحها في حُلةٍ بهية زاهية لقراء العربية هذا العام 2014، عبر ترجمةٍ ناصعةٍ ماتعة حظيت بكثير من التقريظ.
    وقد أفاض في الثناء على الرواية، في أصلها الانجليزي وترجمتها العربية، نخبة من صناديد المثقفين السودانيين، كان آخرهم الأديب الغضنفر والشاعر الفحل السفير خالد محمد فرح، في مقالٍ سلطوي رفيع، جعل له عنوان (ملامح من السيرة الغيرية وومضات من التناص في رواية حارة المغني).
    وحارة المغني بحسب خالد عبارة عن (معالجة روائية، يختلط فيه الواقع بالخيال المحض لسيرة الشاعر الغنائي المرهف الراحل حسن عوض أبو العلا، الذي ارتبط اسمه بتأليف باقة من أروع الأغنيات التي تغنى بها عدد من المطربين السودانيين، وعلى رأسهم عميد الفن السوداني الراحل الأستاذ أحمد المصطفى، والمطرب سيد خليفة وغيرهما).

    (4)
    وأنا زعيمٌ بأن هذ العمل يندرج تحت ما يعرف ب(الرواية التاريخية). وهو جنسٌ معرّف من فن الرواية، مستكن ومستقر منذ زمن فولتير وتولستوى والكساندر دوماس الأب، ومن تبعهم بإحسان من اساطين الثقافة الغربية. من رواده في مشارقنا العربية جرجي زيدان (روايات تاريخ الاسلام)، وعلى الجارم (الشاعر الطموح). ومن المحدثين عبد الرحمن منيف (مدن الملح) وجمال الغيطاني (الزيني بركات) ومجيد طوبيا (تغريبة بني حتحوت)، وغيرهم من أماجد بني يعرب وحرافيشها.
    وفي عقيدتي ان الرواية التاريخية، تكون اكثر ثراءً وجودة وصدقية كلما تناءت عن الحاضر، وركنت الى البعيد والسحيق في فضاء الزمان. وتكون في المقابل شائكة ومريبة، ومثيرة للتوتر بين القارئ والنص، كلما اقترب التاريخ في الرواية من الوقائع المعاصرة. تلك التي قد يوازي او يُضاهي علم القارئ بكلياتها وتفصيلاتها، ودرجة اتصاله بعيون مصادرها، ما عند المؤلف من زاد المعرفة ووسيلة الاتصال.
    والرواية في نهاية المطاف جماع محصول انساني، يستل مضموناته ويستلهم معانيه من خبرة الكاتب نفسه ورؤيته للعالم، بل ومن هويته الذاتية في بعض الاحيان. وهكذا يأتى التأريخ - الذي يتحول في العملية الإبداعية الى خلق فني – ويتهادى، منقاداً ومصبوغاً بهذه الخبرة وتلك الرؤية.
    وقد اختبر القاريء السوداني تلك المعاني في ثنائية الدكتور فرانسيس دينق: (طائر الشؤم) و(بذرة الخلاص). الروايتان تاريخيتان، بمعني ان هنالك وقائع تاريخية معينة تنتظم حولها أحداث الرواية وتطوراتها. بل أن هنالك شخصيات تاريخية معروفة لم يجتهد فرانسيس دينق في إخفاء هويتها، مثل شخصية الرئيس الأسبق جعفر نميري، وشخصيات اخرى لعديد من السياسيين ورموز ذلك العهد. ولعله من نافلة القول ان مجمل أعمال فرانسيس دينق ترتبط أوثق رباط بقناعاته الفكرية وناشطيته السياسية في دائرة قضايا الهويات وصراعاتها. وقد انطبعت في الروايتين بغير شك خبراته الأنسانية ورؤاه وقناعاته السياسية.

    لا يطفف ذلك بطبيعة الحال أو يعيب القيمة الكلية للعمل. الواقع انه يمتنع عقلاً تأسيس رواية تاريخية بمفازة عن الخبرة المباشرة للمؤلف ورؤيته للعالم. ولكن الحاجة، مع ذلك، تظل ماثلة لتصويب النظر باتجاه أى توتر محتمل بين القاريء والنص. على سبيل المثال: ما الذي يحول دون انتصاب تجربة انسانية ورؤية للعالم في ذهن قارئ ما، تخالف وتتعارض تماماً وكلياً مع التناول الابداعي لفرانسيس دينق للاحداث والوقائع التاريخية في روايتيه؟ لا شئ!
    قد يكون هذا القاريء – الذي نتمثل معارضته الافتراضية - قد شهد وعاصر ذات الحادثات (الموصوفة بالتاريخية)، او استمد حصيلته عن وقائعها من ذات رؤوس المصادر التي ثاب اليها كاتب الرواية. يجوز أن يكون قارئنا منتمياً الى قبيلة صغيرة في جنوبي السودان. ويجوز ان يكون من غمار الناس، لا حسب له ولا نسب مثل ذلك الذي يحظى به فرانسيس دينق. وقد يصدر في رؤيته وتقويمه للوقائع والحادثات بالتالي من منظور يخالف رؤية المؤلف الكامنة في منتجه الابداعي وينازعها منازعة كاملة، كما أسلفنا!

    (5)
    لو قرأت رواية الكاتبة البريطانية/المصرية/السودانية ليلى ابو العلا – كما قرأتها أنا بمتعة لا تُضاهى – فسيعجبك بغير ريب الوصف الدقيق للحياة في مدينة ام درمان في اخريات الاربعينيات وبدايات الخمسينيات من القرن المنصرم. ستروقك الخرطوم وهي تصحو عبر الفصول تحث الخطى نحو الحداثة. ولا بد انك ستقف ملياً امام وصف الاسكندرية والقاهرة خلال ذات الحقبة.
    الأمانة تقتضي ان اقول انه، في حالتي الشخصية، أقلقني بعض الشئ ذلك التوتر، الذي حدثتك عنه، والذي ينشأ بين القارئ المعاصر وبين النص المتكئ على طنافس التاريخ. غير انني أكملت القراءة على عجل، ثم ألقيت بالرواية جانباً لبعض الوقت، ولكنني رجعت الى فصولها امسية يوم ماطر وبدأت أعيد قرأتها
    ووجدتني اطالع هذه المرة بعينٍ تختلف عن عين الشغف الاولى برواية قد تحمل حكمة ما. لاحظت عبر الفصول - من الاول الى السادس - مقارنةً بين السودان ومصر، تبدو خفية أحياناً، ولكنها تسفر في معظم الاحيان. مقارنة بين البلدين والمجتمعين، من حيث درجات التقدم والتخلف في الحياة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية. يظهر السودان في هذه المقارنة في شكل لا يسرّ. إذ هو بؤرة للبؤس والتخلف، بينما تبرز مصر المحروسة وهي ترفل بين وثبات التقدم والرفعة، والرفاهية وأمجاد حرية المرأة.
    هل يمكن ان تكون حالة المقارنة هذه، في حد ذاتها، مصدراً للتوتر؟ سألت نفسي. لكن الاجابة جاءت قاطعة: لا، دون شك. فانا من المحبين لمصر، واشهد لها بالريادة والقيادة. وليس ثمة ما يزعجني في المقارنة الموضوعية بين تواضع حصيلتنا في السودان مقابل التقدم النوعي عند الآخرين.
    ولكن الذي تنبهت له، عند القراءة الثانية، هو ان هذه الثنائية – أوالمقارنة - أنعكست بوجه مباشر في بناء الشخصيات، وملامحها ومواقفها، كما قدمتها الكاتبة. ومقدار علمي أن بناء الشخصية وتركيبها يُعد من أهم أدوات النقاد المحترفين، ولست منهم، في كشف (رؤية العالم المستقرة في النص)، كما يحلو للدكتور جابر عصفور ان يقول.
    والواقع، الذي لن يخطئه القارئ، هو ان العديد من شخصيات رواية ليلى ابو العلا تتحدد ملامحها ومواقفها في اطار علاقة جدلية متينة مع هذه المقارنة الثنائية الممتدة على طول النص بين المجتمعين السوداني والمصري. ثم في موقع كل منهما من التقدم والتخلف، الحداثة والتقليدية، العمران واليباب، المدنية والبداوة، بل الرقة والتوحش.

    (6)
    يلفت الانتباه بشكل خاص بناء وتركيب الكاتبة لشخصيتين من الشخصيات المحورية في الرواية. اولهما سيدة مصرية هي الزوجة الثانية لرجل الأعمال ابو زيد، وقد اجتهدت الكاتبة في تصويرها كرمز للتقدم والمدنية والرقي. لا يسع المجال هنا لايراد نماذج من الحالات التى صورت فيها الكاتبة هذه السيدة في أبهي حُلل الحداثة وأزهى صور التقدم الاجتماعي والثقافي. أما الشخصية الثانية فهي سيدة سودانية، وهي الزوجة الأولي لرجل الأعمال أبوزيد نفسه. وقد اجتهدت الكاتبة، ما وسعها الجهد، في رسم شخصيتها كتسجيد للتخلف وتدني الوعي من أبسط اشكاله الى أعقدها. وقد توّجت هذه الشخصية شرورها من خلال فعلة شنعاء جعلتها تبدو كوحش بدائي فظيع في نظر رصيفتها، حتى لا نقول ضرتها، المصرية، وبالمقارنة بها.
    انتهزت السيدة السودانية فرصة تغيب الزوجة المصرية مع زوجها وانشغالهما باستقبال ضيوف اجانب في الخرطوم، فنفذت جريمتها المروعة المتمثلة في ختان ابنة زوجها من تلك المصرية، مع حفيداتها. وقد كان ذلك سبباً كافيا لهجران الأخيرة لزوجها وعودتها الى مصر في صحبة بنتها هروباً من جحيم التخلف وحره ووحشيته.
    في هذا الموقع من الرواية تباغتك حالة التوتر المستكن مع النص (الرواية/التاريخ). وتتساءل عن الموقف من ختان الاناث في مصر مقارنة بالسودان في ذات الحقبة الزمانية، اى نهاية الاربعينيات وبداية الخمسينيات من القرن المنصرم. عدت مرة اخرى فنظرت في الموسوعة الحرة، ويكيبيديا، ثم في بعض المراجع الاخرى المتاحة، فوجدت ان كلا البلدين يقفان في أمر الختان موقفاً لا يسرّ الخاطر.
    قدرت منظمة اليونيسيف أن أكثر من 125 مليون إمرأة في العالم تأثرن بتلك الممارسة، أعني ختان الاناث. وعند تفحص الاحصائيات نجد – وياللعجب - ان عدد ضحايا هذه الممارسة من الاناث في مصر قد تصدر قائمة اليونيسيف على الاطلاق، إذ بلغ الرقم 27 مليون. تلتها اثيوبيا برقم 23 مليون، ثم نيجيريا 20 مليون. وفي قاع القائمة رأيت السودان يجرجر اذياله مسجلاً 12 مليون فقط لا غير. لابد بطبيعة الحال أن نضع في الأعتبار الكثافة السكانية لكل قطر. ومع ذلك فبعملية حسابية مبسطة فسيبدو لك بجلاء ان موقف السودان في حقيقة الأمر أفضل من موقف قرينه المصري. تلك احصائيات زماننا الماثل، فما بالك بنهاية الاربعينيات وبداية الخمسينيات من القرن المنصرم؟!

    (7)
    اشارت المؤلفة في مقدمة الترجمة العربية الى انها (حوّرت جوانب كثيرة تتصل بتاريخ العائلة، وادخلت ايضاً الكثير من الشخصيات الخيالية حتي يغدو العمل بحق عملاً روائياً متخيلاً.) ولا بأس بذلك، فالفن في نهاية المطاف هو اعادة انتاج الواقع بصورة ابداعية. وهكذا روضت نفسى على قبول شخصية الزوجة المصرية بحسبانها تنتمي لطبقة من التقدميين او الارستقراط، سابقة لزمانها، حتي في مصر الشقيقة.
    ولكن حالة التوتر تجاه النص تبلغ مبلغاً متقدماً حين يتخطى السرد مجرد المقارنة بين السودان ومصر، كبلدين ومجتمعين، من حيث التقدم والتخلف، الى حيز مقارنة المناطق الجمالية الجسمانية عند الناس. أي جمال الأفراد من ناحية جسدية : طبيعة الشعر، لون البشرة، رقة الفم أو سعته، وغير ذلك من شواهد وحيثيات الجمال الجسدي.
    عبرت عن بعض ذلك زوجة ابوزيد المصرية وهي تتأمل تكوين ابنها وبنتها من هذا الرجل السوداني. وهنا استميح القاريء في ايراد مقتطف قد يطول بعض الشيء. هاك – أعزك الله – طالع وتأمل: (يبدو فاروق [ابنها من الرجل السوداني] وهو يسير بجانبها وكأنه طفل 'خطأ' لاختلاف لونه عنها، فهو أسمر اللون مجعّد الشعر. ألمح لها تاجر محل الخردوات ... بشيء من ذلك عندما رآهما معا. قال لها: "لا افهم كيف تكون الأمّ بهذا الجمال والأبن شيء أخر". او يقول بدهشة مبالغ فيها: "هل يمكن لكل هذا الجمال ان ينجب إبناً اسمراً كهذا؟" مع الوقت صار البائع أكثر جرأة فقال ذات مرة :"لماذا زوجوك لأجنبي يا مدام؟ ما عيب رجال بلدك؟" سعدت نبيلة بتلك التلميحات والتصريحات أيما سعادة، وعدّتها جزءاً من مزاح شوارع القاهرة وروحها المرحة. تردّ وتقول: "قسمتي ونصيبي". تزيد أحياناً بالقول: "بنتي جميلة جداً. لا عيب فيها. الحمد لله شعرها ناعم"). (الترجمة العربية ص448
    لا اخفى عليك رعاك الله: كإنسان أسمر وأجعد الشعر، يمكن ان يقول عنه الطيب صالح: "واقع الأمر، انه لا يخلو من وسامة،" فقد انتابني شئ من التوتر. ولكن الحقيقة تظل في مكانها، وهي ان هذه الجمالية المركزية العرقية، أن صح التعبير، شائعة في حيواتنا بغير ريب.

    (8)
    بطبيعة الحال لم يكن ذلك هو رأي المؤلفة، بل رأي احدى شخصياتها. لا تثريب على ليلى اذن. لكن قفز التاريخ، كما أعرفه، الى ذهني. معلوم ان الشعب المصري من أغزر الشعوب تسامحاً تجاه قضية العرق واكثرها قبولاً للآخر. أنظر الى حشود النساء المصريات اللائي تزوجن من سودانيين، من جنود جيش الخديوي، منذ ما يقارب القرنين. تزوجوا من سودانيين من ابناء جبال النوبة وجنوبي السودان، ومن الذين انبتّت علاقاتهم بقبائلهم .
    ثم جاءت، في اربعينيات وخمسينيات القرن الماضي، موجات اخري من السودانيين من جحافل سلاح الهجانة. حارت العسكرية المصرية الحديثة بعد ذلك في أمرهم وقد أظلها عصر الطائرات، فكان الاستقرار في مصر خيار قطاعات واسعة من هؤلاء، وقد توافرت أمامهم سبل كسب العيش. مرة اخرى، لم تقف الجمالية العرقية حائلاً بين هؤلاء وبين الاستقرار في أي من شطري الوادي، وتربية ابنائهم وبناتهم من هذا الهجين الجميل.

    (9)
    خطر ببالي انه ربما، أقول ربما، كانت الكاتبة تعبّر في هذا الموقف على وجه التحديد عن وجهة نظر طبقة من طبقات الشعب المصري آنذاك. ذلك أن نبيلة، الزوجة المصرية لرجل الأعمال السوداني أبو زيد، تنتمي الى أدني الطبقة الارستقراطية المصرية في نهاية الاربعينيات وبداية الخمسينيات، حسبما تشير شواهد عديدة من النص. تلك طبقة المتعلمين الذين ربما اصابوا شيئاً من (البكوية) بفعل اجتهادهم، ولم يبلغوا (الباشوية) بعد، حسب تراتب المواقع الاجتماعية في الحياة العامة المصرية آنذاك.
    ربما قصدت ليلى ابو العلا ان تنسب هذه الاراء حول السُمرة والشعر الأجعد وغلظة الشفاه الي تلك الفئة كطبقة بائدة، تأثرت بحكامها وسادتها من الترك ومعاييرههم الجمالية. تلك خاطرة ذات مغزى ومضمون، من حق ليلى ان تستفيد منها. ومن شأنها لو استقرت عندك – أعزك الله - كقارئ سوداني أن تقطع الطريق أمام أية ارهاصات توترية مع النص.
    وفي هذا الحال فإن بإمكانك وانت مطمئن ان تتجاوز، وتمضى قدماً لتزيح عن ذهنك صور الروائية الامريكية السوداء، صاحبة نوبل، توني موريسون، وعباراتها اللاذعة ذات الحساسية العالية حول قضايا العرق واللون. هذا ان كانت بعض صفحات ليلى ابو العلا قد استدعت الى ذهنك، كما استدعت الى ذهني، الروائية الثائرة توني موريسون ومواقفها المبدئية وحساسياتها المرصودة تجاه ذلك الصنف من القضايا.
    هل سمعتني، أعزك الله؟ قلت، وبالله التوفيق، انه بمقدورنا - انا وانت - عند هذا المنعطف، ان نستهدي بالله، ونلعن الشيطان، ونصرف النظر عن أية مقارنات .. او توهمات!

    (10)
    مرحى بالروائية ليلى ابو العلا. حللت أهلاً ونزلت سهلاً.
    مرحى بك يوم اقتحمت ميادين العطاء الثقافي اقتحاماً باذخاً، وارتقيت مراقي الابداع الروائي ارتقاءً شامخاً.
    مرحي بك وانت تنالين الاعتراف الحر، غير المشروط، من منابر البيضان والسودان على صعيدٍ واحد. وقد نوّهت بفضلك، واحتفت بثمرات شجرتك المباركة الميمونة، كبريات المنابر الامريكية والاوربية والعربية والسودانية.
    وبعد، جاء في كتاب الفوائد لابن القيم: (انما يقطع السفر ويصل المسافر بلزوم الجادة وسهر الليل).
    وفي الانجيل من سفر يشوع '43': " به يُنتهى الى النجاح، وبكلمته يقوم الجميع".
    وسلامٌ على المرسلين.

    نقلاً عن صحيفة (السوداني)
                  

العنوان الكاتب Date
بذرةُ النّار.. (خطاب كراهية) ضد حمور زيادة - مأمون التلب بله محمد الفاضل12-30-14, 08:14 AM
  Re: بذرةُ النّار.. (خطاب كراهية) ضد حمور زيادة - مأمون التلب ود الخليفه12-31-14, 11:55 AM
  Re: بذرةُ النّار.. (خطاب كراهية) ضد حمور زيادة - مأمون التلب محمد حيدر المشرف12-31-14, 07:23 PM
    Re: بذرةُ النّار.. (خطاب كراهية) ضد حمور زيادة - مأمون التلب wadalzain01-01-15, 06:11 AM
      Re: بذرةُ النّار.. (خطاب كراهية) ضد حمور زيادة - مأمون التلب wadalzain01-01-15, 06:14 AM
        Re: بذرةُ النّار.. (خطاب كراهية) ضد حمور زيادة - مأمون التلب أحمد قلوب01-01-15, 11:42 AM
          Re: بذرةُ النّار.. (خطاب كراهية) ضد حمور زيادة - مأمون التلب بله محمد الفاضل01-28-15, 07:10 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de