الشعب الامريكي الذي نكره أغبى شعب على وجه الارض

Quote: يقول د. فؤاد زكريا إن المد الأمريكي الزاحف، على المستوى السياسي والاقتصادي والعسكري، وعلى المستوى الفردي في عقول الناس ونفوسهم، هو الذي أقنعه بضرورة تحليل النموذج الأمريكي تحليلاً موضوعياً، وإيضاح أبعاده للإنسان العربي حتى يتخذ موقفه من هذه المسألة الحيوية بوعي وتبصر، دون أن ينجرف في تيار الدعاية أو يغرق في خضم التضليلات. والقضية التي يطرحها المؤلف في هذا الكتاب هي: أولاً: إن النموذج الأمريكي فريد في نوعه، حدث مرة واحدة ولا يقبل التكرار. ثانياً: إن هذا النموذج الذي بهر الناس، مليء بالعيوب الذاتية. ثالثاً: إن هذا النموذج لا يصلح لأي بلد في العالم الثالث، وفي العالم العربي بوجه خاص. قد نحمل على أمريكا عند مساندة إسرائيل بصورة مفضوحة، ولكن في عقول الكثيرين منا إعجاباً بها، مقروناً بالرهبة والانبهار، ولا سيما بين الفئات الآتية: 1ـ هناك أصحاب المصالح المباشرة، ممن يعتقدون أن ارتباط بلادهم بأمريكا يهيئ لهم أفضل مناخ لنشاطهم الاقتصادي، وهم آمنون على مصالحهم. 2ـ أشخاص يتسمون بانحراف الوعي الاجتماعي والأخلاقي، وهؤلاء ينظرون إلى أمريكا على أنها مرادف للترف، والمتعة الاستهلاكية. وتتجه تطلعاتهم إلى تحقيق النموذج الأمريكي في حياتهم الخاصة. 3ـ كثيرون ممن تلقوا العلم في أمريكا وقاموا بزيارات لها، ودخلوها في مقتبل أعمارهم، بغير وعي سياسي واجتماعي متماسك، يجرفهم التيار، ويعودون حاملين إعجاباً غير مشروط بالنموذج الأمريكي. 4ـ الذين يتأثرون بالصورة الإعلامية البراقة للحياة الأمريكية من خلال مشاهدة أفلامها السينمائية ومسلسلاتها التلفزيونية، وأغانيها ورقصاتها وأزيائها، فتترسب في أذهانهم صورة أمريكا الضخمة، الفخمة، المترفة، القادرة على كل شيء! وهذه الفئة الأخيرة، الخاضعة للتضليل الإعلامي المنهجي المدروس، تؤلف كما يؤكد د. زكريا، الشطر الأكبر من أنصار أمريكا في بلادنا. أمريكا ظاهرة فريدة لن تتكرر الظروف التي لا تقبل التكرار، والتي جعلت من أمريكا (الدولة الأعظم) في العصر الحديث، هي: أولاً ـ أمريكا قارة تنتمي إلى العالم الجديد، أي أنها أرض بكر لم تستهلك، وهي غنية بالموارد الطبيعية إلى حد كبير، هبط عليها فجأة مجموعة من المنتمين إلى حضارة بلغت أوج نهوضها وتفاؤلها، حاملين خبرات العالم القديم وتراثه العلمي والفكري وطموح الإنسان الحديث إلى السيطرة على الطبيعة وتشكيل حياة جدية لنفسه. ثانياً ـ أمريكا كان يسكنها شعب مسالم، أدت به عزلته النائية وعدم اختلاطه بالحضارات الأخرى إلى التخلف، وإن كان صاحب حضارة مزدهرة في مناطق معينة: المكسيك، أمريكا الوسطى وأجزاء من أمريكا الجنوبية، وخاصة بيرو. وبحكم تفوق أسلحة الموت لدى الغزاة المستعمرين الأوربيين انتصروا على أصحاب الأرض الأصليين. ومن المؤكد أن أمريكا ظلت دائماً تدرك بوعي تام أهمية التفوق في التسلح، بدليل أنها ما زالت تفوق وسائر بلاد العالم في هذا الميدان الرهيب. وهنا يطرح الدكتور فؤاد زكريا على القراء العرب السؤال التالي: ألم تستنتجوا من هذا الوصف لموقف الأمريكيين من الهنود الحمر السكان الأصليين لهذه البلاد شيئاً؟ ألا يذكرنا ذلك، إلى حد بعيد، بموقف الصهيونية من فلسطين؟ هناك شيء في نفس المواطن الأمريكي، يجعله متعاطفاً مع الحجج الصهيونية إذ يرى فيها تكراراً للحجج التي قامت عليها بلاده، والتي كان يستخدمها أجداده لتبرير إبادة الهنود الحمر. ثالثاً: نظام الرق الذي انتشر في أمريكا على أوسع نطاق حينما كان المستوطنون يبنون مجتمعهم الجديد، وقد أسهم الرق بنصيب هائل في إثراء هذا المجتمع. رابعاً: كان موقع أمريكا المنعزل، الذي يفصله عن بقية العالم محيطان شاسعان، من أكبر عوامل تقدمها. أي أنها لم تتأثر بالحروب المدمرة، بل كانت الحروب بالنسبة إليها مصدراً هائلاً للربح، وقوة دافعة ضخمة لاقتصادها، ومزيداً من الأرباح لمصانع أسلحتها. يستخلص المؤلف مما تقدم نتيجة في غاية الأهمية: هي أن أمريكا لا تصلح أصلاً لاتخاذها (نموذجاً)، ذلك لأن من طبيعة الظاهرة الفريدة أن تحدث مرة واحدة، فلا تقبل المحاكاة. أمريكا من الداخل الإنسان الأمريكي نوع فريد من البشر، وهو يتمتع بمنتجات التكنولوجيا الأكثر تطوراً مع شعور حاد بالحرية، هذه هي الصورة كما تبدو على السطح، ولكن هناك الوجه الآخر للصورة. فالثراء الأمريكي ليس مطلقاً، ففي أمريكا فقراء بأعداد غير قليلة، وفيها عاطلون يشكلون نسبة من القوى العاملة تصل أحياناً إلى 10%. والسؤال هنا هو: لماذا يكون في أمريكا فقراء وهي تتمتع بكل هذا الثراء؟ ولماذا يكون هناك عاطلون عن العمل بالملايين؟ أما ظواهر التعصب العنصري، الذي لا تزال آثاره باقية بوضوح وخاصة في الجنوب الأمريكي، فأمرها معروف. وكذلك إدمان المخدرات وتفكك الأسرة وانحلالها وانعدام المشاعر الإنسانية الحميمة من سمات هذا النموذج الأمريكي الذي ينعتونه بـ (العالم الحر). في الانتخابات الأمريكية من المحال أن يكون أي شخص قادراً على ترشيح نفسه على نحو يعطيه أملاً في النجاح إلا إذا كان منتمياً إلى طبقة الأثرياء، لأن النظام يجعل من المستحيل أن ينجح مرشح ما لم ينفق الملايين على الدعاية. وإذا كان الشاب (حراً) في اختيار نوع التعليم الذي يريده، فما قيمة هذه الحرية إذا كانت نفقات التعليم باهظة، والشيء نفسه للعلاج، والأمثلة لا حصر لها، وكلها تدل على أن (الحرية) موجودة قانوناً، ومحترمة شكلاً، ولكن كل شيء يتم تحت السطح وبطريقة (قانونية) أيضاً، بحيث تفرغ هذه الحرية من مضمونها الحقيقي. النموذج الأمريكي يؤكد أن حافز الربح هو القوة الدافعة إلى العمل والابتكار، ويتهم خصومه بأنهم لا يعطون الإنسان فرصة كافية لكي يربح إلى أقصى مدى تسمح به إمكاناته. أمريكا وقضايا السياسة دخلت أمريكا المنطقة العربية بكل ثقلها بدافع الرغبة في السيطرة على موارد مادية حيوية ولا سيما البترول. فبدونه يتوقف نبض الحياة في اقتصاد العالم الغربي. على أن أمريكا، في سعيها إلى بلوغ هذا الهدف، كانت تحتاج إلى وسيلة تختلف عن الوسائل التقليدية التي كانت تلجأ إليها الدول الاستعمارية السابقة. وسرعان ما اهتدت إلى تلك الوسيلة بعد الحرب العالمية الثانية متمثلة بالطموح الصهيوني إلى إنشاء إسرائيل على أرض فلسطين العربية. فإذا شاءت شعوب المنطقة أن تتحرر حقيقة من هذا النفوذ وأن تسير في طريقها المستقل، فلا بد، كما يؤكد د. زكريا، أن يكون البترول أحد المفاتيح الرئيسية التي تستخدمها من أجل الخروج من سجن التبعية والانقياد. قضية إسرائيل لا بد لكل من يبهره النموذج الأمريكي ويحلم بمحاكاته عندنا، أن يواجه مشكلة أساسية، هي التوفيق بين إعجابه المفرط بأمريكا، وبين ما يعرفه عن الارتباط الوثيق بين أمريكا وإسرائيل. وقد أثبتت الأحداث أنه ارتباط عضوي لا ينفصم، وأننا لا يمكن أن نكون جادين لو حاولنا أن نحتفظ بصداقتنا لأمريكا، وأن نقف في الوقت نفسه موقفاً حازماً في وجه النزعة التوسعية الإسرائيلية. فمن يختار البديل الأول ينتهي به الأمر إلى موقف متهاون في قضية إسرائيل المعتدية. ومن يأخذ البديل الثاني مأخذ الجد فلا بد أن يصطدم بشكل أو بآخر، بالمصالح الأمريكية. والسياسة الأمريكية تدفع العرب إلى الدخول باختيارهم في معسكر أمريكي واحد، إلى جانب إسرائيل. التكتيك إذن هو الذي طرأ عليه التغيير، أما الاستراتيجية العامة فتظل على حالها: حماية المصالح الأمريكية عن طريق ركيزة أساسية هي إسرائيل، وكل من يقبل التعاون معها لتحقيق هذا الهدف. إن المنطق السليم وحده يكفي لإقناعنا بأن استيراد السلاح من أمريكا من أجل محاربة إسرائيل عملية مناقضة لذاتها. فقد يكون في إمكاننا أن نستعين بأمريكا في أمور أخرى، ولكن ليس في صراعنا مع إسرائيل. ذلك لأن من يستنجد بأمريكا لكي تعينه على الوقوف في وجه إسرائيل هو كالمستجير من الرمضاء بالنار، كما جاء في المثل العربي البليغ. قضية الأيديولوجيا والتنمية فالنموذج الأمريكي مطروح اليوم،بقوة وإلحاح على العالم العربي، بوصفه نموذجاً أمثل للتنمية. فأنصار هذا النموذج يؤمنون بالأيديولوجيا الأمريكية، ويعتقدون أن الأسس التي ترتكز عليها تصلح للمجتمعات العربية، بل إنها هي التي تحمل في طياتها إمكانات حل المشكلات المزمنة التي تعاني منها مجتمعاتنا. وعلى الرغم من كل الروابط المتينة، سياسياً واقتصادياً وتعليمياً وثقافياً..إلخ، بين الدول العربية البترولية وبين أمريكا، فإن هذه الأخيرة لم تسهم في وضع برنامج يساعد الدول الخيرة الأابالدول الغنية على الانتفاع من أموالها في إرساء دعائم اقتصاد داخلي متين، معتمد على ذاته، قادر على مواجهة الظروف التي ستجد عندما تنضب موارد البترول. لماذا لا تساعد أمريكا الدول العربية البترولية الغنية على وضع برنامج للتنمية توظف فيه معظم فوائضها المالية في الداخل، بدلاً من أن تودعها في بنوك غربية وأمريكية خدمة لاقتصاد هو أصلاً قوي معتمد على ذاته؟ والحقيقة الثانية هي أن أمريكا تسرع في استنزاف الثروة البترولية العربية، دون مراعاة لحاجات البلاد المنتجة وحقوق الأجيال القادمة. والحقيقة الثالثة في هذا المجال، هي أن الدول الغربية الصناعية وعلى رأسها أمريكا، تحرص على أن تنشر في الدول العربية الغنية عادات استهلاكية متطرفة (وبضمنها استهلاك السلاح) تحقق لها عدة أهداف، ولكنها تعود بالضرر الوخيم على أصحابها. يستنتج د. زكريا أن نمط الحياة الاستهلاكية، الذي يفتح الأبواب على مصاريعها لمنتجات البلدان الصناعية المتقدمة. لا يصلح حتى للبلاد العربية الغنية، ناهيك بالفقيرة. فحين تتخذ البلدان الفقيرة من النمط الأمريكي نموذجاً، وحين تحاول أن تقلد أسلوب الحياة الأمريكي، متصورة أن هذا الأسلوب سينجح عندها كما نجح في بلده الأصلي، فإنها تسقط في هوة سحيقة.

(عدل بواسطة د.محمد بابكر on 12-15-2014, 00:58 AM)