الواتساب: الجانب الآخر من قذارات التواصل.. ونشر الفواحش

Quote: قال ابن خلدون 4 – كيف يفسد الحاكم المحكومين؟ لقد كان ابن خلدون يتحدث في المقدمة عن الفروق بين أهل البدو و أهل الحضر، و لكنه ذكر أمر مهما و يتجاوز مجرد الفرق بين الناس، بل لعل ما قاله يتأكد بالواقع المعاصر، إنه يكاد لا يوجد بدو و لا حضر بالشكل الذي قصده بن خلدون، و لكن هناك محكومين و حكاما، فلابد من حاكم كما قال، ثم إنه أضاف أنه إن كان الحكم رفيقا عادلا، كان الناس "مدلِين بما في أنفسهم من شجاعة أو جبن ، واثقين بعدم الوازع، حتى صار لهم الإدلال جبلة لا يعرفون سواها"، بما يعني يصبح الوضوح و المباشرة طبيعة الناس، إذ لا يخافون من تجبر الحاكم ضدهم، و هو ما ينشأ أفرادا أسوياء و مجتمعا صحيحا، و العكس من ذلك يحدث إذا كان الحكم "بالقهر والسطوة والإخافة"، فإن الناس ينكسرون و يخورون و السبب هو " ... ما يكون من التكاسل في النفوس المضطهدة". فإن وجدنا علما و خلقا و ثقافة و رقيا في بلد فلأن الحكم فيه رشيد و الناس في ظله يجدون الحرية و الكرامة و العيش الكريم، و إن كان العكس فلأنه الاستبداد و القهر و الظلم، و لهذا لا نجد في بلادنا اليوم من العلم و الخلق و الثقافة و الرقي إلا الآثار .. و نحن غير أمناء، منافقون، انهزاميون، و غير ذلك من عبر و مخازي، و سببه استبداد نظم الحكم. و المثير أن نجد ابن خلدون يوسع من نظره فيشير إلى أن التربية في الصغر إن اعتمدت في الأساس على العقاب و القهر فإنها تنشأ أفرادا و قد فقدوا من قوة البأس و الاعتداد "... و لا يكادون يدفعون عن أنفسهم عادية بوجه من الوجوه" ... فلو نقارن نجد شبابنا مضيع بين اللهو و التفاهات و التظاهر و الادعاء، بين شباب أمم أخرى قادر على حمل المسئوليات و مبدع في شتى الاتجاهات. ما أزال أشعر أن الرجل و قد عاش قبل سبعة قرون، ينظر إلينا الآن. و الأكثر إثارة للفكر أن نجد في كلامه ما يشير إلى ذلك الصراع بين التدين و العلمانية، فقد أشار إلى وجود الفرق بين أحكام الحاكم في الأمور العامة و الأحكام الشرعية، فإن نظام الحكم المستبد لا يصلح الأمة لأن الاستبداد لا يخلق الوازع الطبيعي في الناس أبدا، أما الأحكام الشرعية و سبل تعليم الدين و الخلق فغير مفسدة لأنها بطبيعة مضمونها تخلق الوازع الذاتي في الأفراد و الجماعات، و سواء كان هذا خلال التعليم في الصغر أو في سياسة الناس عامة فإن له أن يدفع الناس نحو ما هو صحيح بموجب الشرع (دون أن يرقى هذا إلى القهر كذلك)، و ما يجعل له هذه الميزة عن نظام الحكم في الجوانب السياسية الخالصة، هو أن تعليم الدين يربي النفوس، أما في الحكم السياسي فإن دفع الناس فيه إلى اتجاه ما هو قهر و استبداد. فخلاصة هذا هي أن التعليم الديني له خصوصيته، و لا يجب أن يكون مثل النظم الأخرى في التعليم أو الحكم، و أما هذه الدعاوي بحرية التدين و ما إليها فهي بالفعل دعاوى حق يراد بها باطل، بقصد ربما أو بغير قصد، و لكن المشكلة تبقى، فما هي الدرجة السليمة من التوازن ما بين الحرية و التقييد فيما يخص القيم العامة و السلوكيات، و هو بلاشك سؤال كبير . . قال عمر بن الخطاب "من لم يؤدبه الشرع لا أدبه الله" ... فالشرع، و المقصود به الدين سيؤدي إلى أن يكون الوازع الطبيعي نحو القيم و السلوكيات %›…ہ1أمثل، لكل أحدٍ من الن%ق²QQ3 من داخل نفسه، على أساس أن الشارع أعلم بمصالح العباد، و على هذا نشأت الأجيال الأولى من المسلمين و قد تشربت بمقاصد الدين و كانوا رقباء على أنفسهم لا حاجة لهم بالرقيب من الخارج، فلما تناقص الدين في الناس و بدأت الحاجة إلى أن يساسوا بالأحكام الوازعة ، ثم صار الشرع صناعة و نظم تعليم أخذت تفتقد الروح تدريجيا بتسلط الحاكم عليها، ففقد الناس الكثير من الوازع الطبيعي و تحول الكثيرون منهم إلى مجرد متلقين و حفاظ، و أحيانا مهرة في اجتياز مراحل التعليم بغير تعلم و أو ترقي في أنفسهم. " ... الأحكام السلطانية والتعليمية مفسدة للبأس لأن الوازع فيها أجنبي، وأما الشرعية فغير مفسدة لأن الوازع فيها ذاتي، ولهذا كانت هذه الأحكام السلطانية والتعليمية مما تؤثر في أهل الحواضر في ضعف نفوسهم وخضد الشوكة منهم بمعاناتهم في وليدهم وكهولهم..." فلنظم الحكم مجالات يجوز لها فيها أن تردع الناس بالنظام و القانون، و لكنها إن اعتمدت الردع و السيطرة على كل الأمور الحياتية، لم تكن النتيجة إلا فساد منظومة المجتمع